رحيل يفغيني بريغوجين

هل هو رحيل مناضل ..أم مصرع مغامر ..؟

هل حقا ان المغامرين هم صناع التاريخ ؟البعض يقول انهم يخرجون بمجتمعهم من الرتم السائد،والأنماط التقليديه للمجتمعات الى اّفاق أرحب. هم يقتحمون مواقع الخطر،و يضربون في عمق المجهول ،ليصنعوا واقعا مختلفا،مهما كان حجم التضحيه الذي يتحملونه،أوالثمن الذي يدفعونه.لكن هناك من يري ان الطرح بهذا المعنى طرح

بريغوجين
حاول الانقلاب على مؤسسي حركته

مغلوط،وخلط يمكن تفسيره في اطار السذاجه التي تحكمه،لأن التاريخ صناعة المفكرون والعلماء والمناضلون.انهم أبطال التغيير وأعمدة النهضة.المغامره ان نجحت فهي لا تعدو كونها ضربة حظ ،في لحظة غفل فيها الزمن فيها وأغمض عينيه عن توازناته المنضبطه.ان المستقبل الواعد لا يمكن صياغته من خيال هائم مع الاحلام المجرده،ولكن المستقبل المأمول تسطره عقول تعرف ماذايعنى الفكر القادر،والعطاء المدروس،والتضحيه الواجبه . قصور الفكر يقود بالضرورة الى دغدغة ألأحلام ،أو الخيال بتحقيق المستحيل.ان تصدي المغامر لعدو مغتصب يمكن ان يسطر في سجل الشجاعه، ولكن في المقابل لا يمكن ان يساهم في صياغة حاضرورسم ملامح مستقبل. قضية الحرية يحققها المناضلون وفق رؤي وفي اطار حركة تعبئه.انهم الذين يصنعون التاريخ بمنهاج فكري،وليس عبر صفائح الدم،فالمناضل يهدف

 لتغيير مجتمع،ويقوده الفكر،ولكن المغامر ،يمكن ان يسفك الدم تحت تأثير الهوى والخيال أو الحلم، والمجتمعات لا تتغير بتغير الأشخاص، ولكن تتغير بتغير الأفكار ،ولذلك فسلاح المغامر وكذلك الارهابي هو الرصاص، ولكن سلاح المناضل هو الفكر .المغامرة وحدها تصرف فيه من الاندفاع،مايمكنه ان يدمر وثبة،ويجهض ثورة.ان المستقبل وجلاله،يصنعه المفكرون القادرون على العطاء والأبتكار،واصحاب المناهج في البحث والدراسة في العلوم والفنون والآداب ،على اختلاف مدارسهم، كما يحققه المناضلون على جبهات التحرير، وهم من يطرحون فكرة الأستقلال ويرفعون اعلام الحرية.لكن  التعريفات كثيرا ما تختلط ،والمصطلحات ايضا كثيرا ماتتنكب طريقها الصحيح في الاذهان،حيث تمتزج صورة المغامر،أو الارهابي،بصورة المناضل الشجاع   ،وشتان بين المعاني والأدوار التي يمثلها كل منهم أمام الواقع الحي ،أو أمام التاريخ . ثارت تلك الاسئله مرارا ،أزاء بعض التيارات أو الحركات السياسيه،وطريقة تصرفها من خلال تلك النزعة التي تتملكها من فكرة الاغتيال لبعض الشخصيات،أو حتى اعتماد مجموعة من القتله كفرق عسكرية،تساهم في دعم حركة تحرير،أو الدفاع عن حرمة وطن.اقول ثارت تلك الأسئله ،أمام حادث لاشك في انه مروع أودى بحياة قائد فرقة ( فاجنر) العسكرية (يفيغيني بريغوجين) ، لكنه ايضا لا يمكن ان يصدر صورة مخادعه باعتباره رحيل مناضل أو مقاتل من أجل مبدأ أو حتى فكره يمكن ان تحفظ حقا ،أو تحرر أرضا .

من هو ( يفيغيني بريغوجين) ..؟

برز(بريغوجين )على سطح الأحداث ،وملأ ساحات الاعلام بتنوعاتها المسموعة والمرئيه على اختلاف انتماءاتها من حكومية او حزبيه او قنوات خاصة، بانتصارات تقرب حد الغزوات ،في أكثر من بلد ،وفي أكثر من معركه، ولكنه اكتسب سمعة أكبر، وتأثيرا أعمق لدوره أو بمعنى اّخر لقيادته المكتسحه ،لاسيما بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانيه،وفيما تعثرت بعض الأخبار بالنسبة للقوات الروسية،وأحاطت الغيوم بسرعة تقدمها ،على اعتبار ان

حميدتي قائد الدعم السريع
قام بالأنقلاب على مؤسسيه ثم على داعميه

موسكو حين تقدمت بقواتها على الأرض الاوكرانيه ،ذكرت في توصيفها لذلك بأنها (عملية عسكرية) أي انها ليست حربا بالمعنى المعروف.لكن سريان المعارك وتدخل دول الناتو القى بالكثير من الظلال على معنى (عملية عسكريه) وما يجري على ساحة القتال. لمع نجم (بريغوجين) واشتد بريقه ،وبصفة خاصه وهو يقود معركة ( باخموت) ،وقد تابعتها وسائل الأعلام قائلة أن القوات الروسيه بقيادة مجموعة(فاجنر)تقوم بتطويق المدينة الواقعة شرقي أوكرانيا والاستيلاء عليها منذ شهور ،في حين تحولت إلى واحدة من أكثر المعارك دموية في الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، وقد حققت مجموعة (فاجنر)بالفعل انتصاراتها. بل حققت اكبر انتصار لها،وكان له دوي في المعركة الشرسه التي  دارت في مدينة (باخموت) وكان بالفعل انتصارا تاريخيا ،فقد راهن على تلك المعركة رئيس جمهورية اوكرانيا ،واعتبرها معركة كرامه ،في حين ان هناك من نصحوه ،بعدم التركيز عليها فهي مدينه واقعه ( عسكريا) ولكنه خالفهم وحشد لها قوات تحصنت بالتدريب والتسليح المتميز، مايكفل لها النصر، ومع ذلك حققت طلائع(فاجنر)انتصارها الكاسح.كان نصرا بلغ حدا اصاب قائد (فاجنر)بانتفاخ عظيم في الشخصيه ،والى مرحله بدأ فيها في مهاجمة قاده من الجيش الروسي،واتهامهم باتهامات بلغت حد الخيانه،ثم بلغ الأمر حد الجنون ان بدأ الزحف تجاه موسكو،وتوقف فقط من مكالمه من زعيم بيلا روسيا،وصل فيها الى عودة جزئيه الى مفاهيم العقل واحكامه. السؤال كيف يمكن لرجل مهما بلغ به الغرور ،أن يتغاضي عن تاريخه الأسود ،فهو سجين سابق ،ولم يكن سجين رأي،ولكنه كان سجينا جنائيا وتقول سيرته الذاتيه أنه ولد في مدينة ( ليننجراد) اطلق عليها اسم الزعيم الشيوعي لينين ،وهي الآن مدينه (سانت بطرسبرج)  فقد عادت الى اسمها الأصلي, ولد عام 1961،وكان والده وزوج والدته من اصل روسي يهودي ،وفي يوم 29 نوفمبر 1979 حكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ لأتهامه بالسرقه ،وفي عام 1981 حكم عليه ايضا بالسجن لمدة 12 عاما بتهمة السرقه بالأكراه،وقد أمضي في السجن تسع سنوات قبل خروجه ،ومن ثم يبدأ في رحلة جديده على سلم الحياة.

بريغوجين في مرحلة جديدة

دخل بريغوجين بعد خروجه من السجن الى عالم جديد ،عالم المال والأعمال ،فقام بافتتاح مطعم راعى فيه مواصفات النجاح، الجودة والأتقان،ولذلك تحققت له ظاهرة الأنتشار،والى الحد الذي وصلت فيه مهارته واتساع نشاطه،وامتداد مطاعمه،الى اسماع القصر الرئاسي،فاستعان به رجاله لتوريد اطعمة للقصر،حيث كان الرئيس بوتين ممن يتذوقون هذه الأصناف من الطعام .هنا اقتربت المسافات،وحدث التقارب،مماعزز العلاقات بحيث دفع الى مرحلة متقدمه من التفاهم،الى حد أن أطلق عليه(طباخ الرئيس).لكن السؤال اين كانت (فاجنر)، في اطار ذلك التقارب أوالتعاون..؟

كيف نشأت فاجنر..  وما هو دورها ..؟

يمكن القول وفق بعض المصادرأن هذه المجموعة العسكريه ( فاجنر) يعود تأسيسها الى الضابط الروسي السابق ( ديمتري أوتكين) ويرجع تاريخ ميلاده الى 1970، وقد شارك في كل من حرب الشيشان الأولى والثانية،كما عمل قائدا لفرقة العمليات الخاصة في اللواء الثاني التابع للمخابرات الروسية العسكريه تحت اسم ( سبستيناز) ،وقد أحيل للتقاعد عام 2013 ،لكي يعمل في شركات أمنية للحماية،ومن ثم قام بتأسيس مجموعة عسكرية عام 2014 تحت اسم (فاجنر)وقد كان يحمل هذا الأسم الحركي كاسم سري له ،والأسم ذاته يرمز الى الموسيقار الألماني فاغنر.وقد صنفتها صحيفة نيويورك تايمز بأنها وحدة عسكرية لها استقلاليتها وتتبع وزارة الدفاع الروسية.لكن برز اسم رجل الاعمال (بريغوجين)بعد التوسع الروسي في المنطقة العربيه،ولم يكن يتمتع بأي خلفية عسكرية أو ميدانية،وكما يبدو أن(بوتين)أراد ابعاد دور الجيش عن هذه المنظمة باعتبارها منظمة خاصة بعيده عن التاثير المباشر للدوله الروسيه .قام ( بريغوجين) بافتتاح أولى مقرات مجموعة فاغنر في مدينة سان بطرسبورج الروسية،التي ولد فيها ،ويبدو انه فضلها لذلك ،وان زعم أن الهدفَ من المقر وفق بيان المؤسسه، هو توفير بيئة مريحة تساعد على توليد أفكار جديدة لتحسين القدرة الدفاعية لروسيا. بدأت هذه المجموعة العسكرية بعدد ألف مقاتل، ثم أخذ العدد في التصاعد ،بعد عمليات التجنيد النشطه ،فبلغ 20 ألف مقاتل في أوكرانيا وفق مسؤولين بريطانيين. وهو ما يعادل 10% من القوات الروسية على الأرض. يقول(بريغوجين) لقد شاركت في تأسيس هذه المجموعة و قمت بتنظيف الأسلحة القديمة،وكذلك فرز السترات الواقية من الرصاص، ووجدت بعد ذلك متخصصين يمكنهم مساعدتي في هذا الأمر. ومنذ تلك اللحظة، في 1 مايو 2014، ولدت مجموعة من الوطنيين في هذا التاريخ،والتي سُميت فيما بعد (كتيبة فاجنر)،وان كانت المجموعة (رسميا) غير موجوده. تضم المجموعة مزيجا من المقاتلين الذين يقدمون خدماتهم القتالية مقابل المال.ويشيرصموئيل راماني الباحث في معهد( رويال يونايتد سيرفيسز) إلى أن (قوات فاغنر) تعمل على تجنيد المقاتلين القدامى بشكل أساسي، لا سيما الذين تتراكم عليهم الديون ويحتاجون إلى سدادها وتغطية مصاريف حياتهم،وعادة ما يأتي هؤلاء المقاتلون من مناطق ريفية،و أعمارهم بين 25 و55 عاما.بالإضافة إلى مقاتلين موالين لروسيا من دول الاتحاد السوفياتي سابقا ومن صربيا.كشف تحقيق لشبكة(سي ان ان)أن(منظمة فاغنر) تجند القتلة وتجار

المخدرات من السجون وتقوم بوعدهم أنه في حالة نجاتهم من الحرب في أوكرانيا،فسوف يتم اختصار  مدة عقوبتهم،كما انهم قد يحصلون على عفو كامل من العقوبة.أما عن الجانب المادي لأجور المقاتلين الشهرية فهي تتراوح بين 1200 و4000 دولار، كما يتقاضى الموظفون برتب عليا والعاملون في الخارج أجورا أعلى من سواهم .أمأ عن دورها ،فقد اكتسبت شهرة عالميه منذ بداية الحرب الروسيه الأوكرانيه، وبدأت الأنظار تتجه اليها بتركيز

محمود عبداللطيف
حاول اغتيال عبدالناصر عام 1954

أكثر،مع ان تاريخها يمتد الى سنوات مضت ، فقد قامت بعمليات قتاليه في مناطق مختلفة من العالم ،وكانت لها ادوارا حاسمه،في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ولم يسلم الأمر من توجيه اتهامات لها بالقيام بجرائم حرب، في المناطق التي وجدت فيها. في جمهورية أفريقيا الوسطى مثلا منذ 2017 لحراسة مناجم الألماس والذهب، ويتوزع وجودها بين مدغشقر وموزمبيق. كما دعيت إلى (مالي) من قبل الحكومة لتوفير الأمن في الدولة ضد الجماعات المسلحة. واعتبرت وزارة الخزانة الأميركية في عام 2020 أن وجود مجموعة فاغنر في أفريقيا يمثل غطاء لشركات التعدين المملوكة لبريغوجين. في السودان كذلك ظهرت فاغنر في السودان في أعقاب زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لموسكو نهاية 2017. وقد نقلت أول سرية من مجموعة فاغنر إلى السودان بعد شهر من اللقاء بناء على طلب البشير الحماية من روسيا، وأنشأ لهم معسكرا في العاصمة، أشرفت من خلاله قوات فاغنر على تدريب قوات الاستخبارات السودانية، ثم درّبت فاغنر قوات الدعم السريع 2018.ثم تطورت علاقة فاغنر مع السودان، وأعطاهم الرئيس السوداني حق التنقيب عن الذهب في عدة مواقع في البلاد. وقد تأسست عدة شركات روسية في السودان للقيام بأنشطة التعدين.ثم في ليبيا وفنزويلا وغيرها وصولا الى الحرب في اوكرانيا حتى كانت النهاية المحتومة للرجل المغامر،الذي خرج من قضايا جنائيه قادته الى السجن ،وخرج من السجن الى مغامرته الأخيره حين قاد حركة تمرد ضد النظام الذي صنع منه مقاتلا من اجل مصالح وطنه.

درس التاريخ

تشكل الدولة مؤسستها العسكريه من اجل الدفاع عن وجودها حين يهددها خطر خارجي ،وقد اصطلح على تسميتها بالجيش .كان ذلك هو دورها الرئيسي التاريخي. ولتعاظم دور هذه المؤسسة ،والوثوق في شرفها العسكري ،والأمانة التي تحملها، والتضحيات التي قدمتها من دمها ومن حياة رجالها عبر الكثير من الحروب التي خاضتها ـولذلك اخذت هذه المؤسسة جانبا عظيما من التقدير والاحترام في وجدان شعوبها .كانت مرفأ الأمان في عواصف الأزمات ،وهي الصدر الذي يتلقى الطعنات في الحرب الجائرة، والعدوان الآثم . وحتى في الأزمات الداخليه كانت تلك المؤسسة المنضبطه والمنظمة هي التي تسارع في ضبط الأيقاع ،ان فلت الزمام أزاء فتنة مدبرة ،أو فوضي عارمه. بالطبع هناك أيضا مؤسسة داخليه تتولي الأمن العام ،وانضباطه،وهي مؤسسة الشرطه وهي مسلحه ايضا، ولكن طبيعة تسليحها تختلف ،ويتناسب مع مسؤولياتها في امان مجتمعها ضد الخارجين على قانونه من المواطنين الباحثين عن

مصطفي شكري أمير التكفير والهجرة
دبر اغتيال الشيخ الذهبي عام 1977

المال الحرام أو  المتعة الحرام،وكذلك الطموح الحرام بالخروج عن قيود قانون المجتمع وأحكامه. لكل ذلك فتشكيل ميليشيا موازية مسلحه،أوجهاز سري مسلح،أو تنظيم داخلى مسلح،سواء كان قريبا أوبعيدا عن أي من التنظيمات المسلحه المشروعه التي تعارفت عليها المجتمعات،وهي الجيش والشرطه يعد جريمه ،وعمل ينبغي تحريمه وتجريمه بقوانين صريحه سواء كانت في مواد الدستور،أو في اطار التشريعات والقوانين اللاحقه التي تسنها الدولة . ان الأمثله كثيرة ومتعددة . الحرس الحديدي الذي أنشأه الملك فاروق ،وتشير بعض الدراسات الى انه في 15 نوفمبر 1943 وقع حادث القصاصين ويومها ولد أخطر تنظيم سري مسلح تابع للملك فاروق وهو تنظيم (الحرس الحديدي)،لقد مثّل ذلك التنظيم الذي رأسه الدكتور يوسف رشاد ذروة العنف السلطوي تجاه حركة المعارضه  والمخالفين في الرأي.الجهاز السري  لجماعة الأخوان. ودوره في اغتيال القاضي الخازندار،ورئيس الوزراء النقراشي باشا.جماعة التكفير والهجره،والجماعة الاسلاميه وغيرها،ثم الحرس الثوري،جماعة الدعم السريع ، وتنظيم( فاجنر) وهي تنظيمات أنشأتها السلطه ،ولكن بعضها انقلب فعلا على السلطه ،والبعض الآخر حاول ذلك ،والنتيجة ان المجتمعات تدفع الثمن من أمنها ،ومن سلامة مواطنيها . ان درس التاريخ وعظة التجربة ،ان الأنظمة لابد ان تدرك جيدا ان امنها هو ثقة الشعب ،وان صلاحها هو الالتزام بشرعية الحكم ،وشرعية من يتولون امن الشعب وسلامته من قوات

الشرطه والمؤسسه العسكريه ،وهي الجيش الرسمي للبلاد ،ولا مكان لمن يرفع السلاح في وجه الشعب. ان المغامرين لا يمكنهم ان يحملوا رسالة،ولا ينبغي لهم ان يرتدوا ثيابا تتنسم المواقف الوطنيه ،فهم حتى وسط دياجير الظلام لا يمكنهم ان يبشروا بأي لمحات من الضوء .