القمة العربية ومعايير الأرباح والخسائر

ماذا تعني عبارات الرئيس اللبناني التي انطلقت كنداءات عاجلة ؟

انعقدت القمة العربية الأخيرة، في اطار مشاعر مشحونة بالأحباط العام، وخرجت قراراتها لكي تحظى بالكثير من الوان التهكم باعتبارها تحصيلا وتكرارا للقرارات السابقة حول العديد من القضايا العربية المشتعلة، ولم تأت بأي من الطموحات المنتظرة. ربما لم يتساءل الكثيرون، ماهو الممكن الآن وما هو المتاح أمام القمة العربية وسط كم المشاكل والأنهيارات التي حدثت ولازالت في العالم العربي. ان العمل السياسي بطبيعته عمل تراكمي، وليس عملا ثوريا يكاد يتفجر مما يحمله من مفاجآت، ويمكن ان يكون خطوة ولكن في طريق صحيح، انه ليس طفرة أو قفزة الى مجهول، ولكننا في اوقات المحن والأنكسارات ننتظر دائما وقوع المعجزات التي تحل مشاكلنا، أو تعيق انطلاقنا، وننسى ان المعجزات ليست جزءا من تكوين البشر، ولا من قدراته، ولايتطوع الزمان بسخاء عطائها ان افتقد الواقع لمكونات وجودها أصلا، ونتغاضى عن ابجديات العمل السياسي وأحكامه وتقاليده، ان لم يكن في تعريفه وهو دائما )فن الممكن( والمتاح حتى وان كان هناك ما يدخل في اطار الطموح المشروع أو التحدي المطلوب الذي عساه أن ينتشلنا من واقعنا الحالي المأزوم حتى الحلق والمهدد الى مافوق الخطر. انعقدت القمة العربية وسط آمال يشوبها الكثير من الحذر فالتحديات التي تمر بها الأمة العربية تختلف جذريا عما عانته في مراحل كثيرة مضت، ولاتلوح امام العيون آفاق مرتقبة للأنفراج، اللهم الا اذا كان الأعتماد على سواعدنا في ايجاد الحلول أكثر مما هو اعتمادنا على معاونة الغير أوحتى انتظار قطف الثمار من رحمة القدر. ان اي نظرة واقعية نتأملها نجد اننا أمام واقع لم يكن مألوفا من قبل يكشف مدى ضعفنا المتناهي والى أبعد الحدود والمتهافت الى أقصى مما نتصور. نحن بالفعل دون اي نظرة تشاؤم في مواجهة تحديات شديدة الخطورة طرأت – ذات ليل – على تاريخنا العربي المعاصر.

المعالم الأساسية لتلك التحديات

1 ذ ان واقعنا الراهن يفتقد قطرين أساسيين في اي عمليات فاعلة ومؤثرة في مواجهة الأخطار التي تحدق بالأمة العربية وهما العراق وسوريا، فهما مشغولان باحتلال أراض شاسعة من كل منهما وتحت ادارة كائن تم تخليقه ذ بصرف النظر عن وجود عوامل حاضنة لعملية النشأة – لتحطيم كل ما تبقى لديهما من عوامل القوة فيهما من اقتصاد وقوى اجتماعية وعسكرية، وابعادهما عن اي مواجهة وذلك باستنزاف قدراتهما العسكرية والتنموية بل والحضارية أيضا، ان لم يكن لتفتيتهما بتقسيمهما وبعثرة وجودهما المؤثر على الساحة العربية، بالأضافة الى عملية

الملك عبدالله الثاني شخصية توافقية ذات تأثير
الملك عبدالله الثاني شخصية توافقية ذات تأثير

الأحتراب التي تدور في بعض مكوناتهما لعوامل طائفية، وتلقى دعما ومساندة من بعض القوى الخارجية، وان كان القطر الأول حاضرا في جلسات القمة فان القطر الثاني تم تجميده او ابعاده للأسف الشديد بقرار عربي. العراق وسوريا ليستا قوتين مضافتين للأمة العربية، ولكنهما أعمدة راسخة قوية البنيان في النظام العربي، ورأس رمح ضاربة عبر الزمان في القضايا العربية، فالعراق كان ذ ذات يوم – القلعة المنيعة على البوابة الشرقية للأمة العربية التي تقطع دابر اي مغامر او متسلل حتى الى حوافها الأمامية بالأضافة الى دعمه ومؤازرته في حرب عام 1973، وسوريا ضمير الأمة العربية التي فجرت انابيب البترول عام 1956 أثر العدوان الثلاثي على مصر، وشريكة أول وحدة عربية بارادة شعبية خالصة كما انها شريكة قرار الحرب عام 1973 وأحد قواعده الأساسية.

2 ذ افتقاد الدور الليبي واليمني، وليبيا هي صاحبة شعار )قومية المعركة( الذي طرح لازالة آثار العدوان في نكسة عام 1967، كما ان اسهاماتها في دعم حرب اكتوبر عام 1973 كانت مؤثرة من حيث تعاقدها على طائرات الميراج من فرنسا أو تقديمها للكثير من الخدمات الأدارية حين قامت الحرب في اكتوبر عام 1973، وان كانت لليبيا عدة مواقف كانت محل نقد او مراجعة، الا انها في النهاية كانت احدى القوى العربية المؤثرة. كانت اليمن كذلك عنصرا مؤثرا واعدا لاسيما بعد ان انجزت قيام وحدة الأرض اليمنية، وبدأت عوامل النهضة فيها تتفاعل الى آفاق أوسع، كما انها صاحبة دور لا يُنسى في اغلاق مضيق باب المندب عام 1973، حيث كانت اسرائيل تستورد نحو 188 مليون طن تحملها ناقلة نفط أسرائيلية من ايران الى ايلات عبر البحر الأحمر. هذه بعض الملامح العامة للنظام العربي الراهن، وقد افتقد دعامات هامة لأركانه، وليس مجرد افتقاد شكلي لبعض نظمه، بل هو افتقاد لمدى القوة وما طرأ عليها من اختلافات في الوقت الذي ساد فيها سعار بعض الدول المجاورة ووجدت في حالة التهرؤ التي يمر بها العالم العربي فرصة سانحة للأنقضاض حتى لو التحفت بشعارات فضفاضة من حسن النيات التي يكفلها الدين الواحد ومواقع الجوار أو عبرعدة فصول من التاريخ المشترك، فضلا عن تربص الكيان الصهيوني وأحلامه المرتقبة وجرائمه المنظورة، والمتوقعة وتلك لاتحتاج الى دليل أو برهان.

 3 – واذا كانت الأشارة السابقة قد جاءت خاصة ببعض النظم العربية فان ذلك لايعني ان النظم الأخرى في كامل عافيتها وليس لديها ما يشغلها، ففي مصر تحتل الحرب على الأرهاب مكانة جديرة بالأعتبار، والحرب على مصر متواصلة منذ ان استردت ثورة 25 يناير أهدافها بانتفاضة الشعب في 30 يونيو عام 2013، وتلبية الجيش لنداء الأمة في 3 يوليو من نفس العام، ولازالت مصر تواصل طريقها في البناء ومعالجة الآثار المدمرة التي احاطت وطوقت ثورة 25 يناير بالأضافة الى سنوات الأنهيار التي خلفها نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. من جانب آخرنجد على ذروة الأوضاع في الخليج أحداث اليمن، والدور الذي تقوم به ايران في زعزعة الأستقرار هناك، وتأثير ذلك على الأوضاع في السعودية مما حدا بها الى اتخاذ مواقف رادعة لعدم تأجيج حدة الصراع خصوصا المذهبي في تلك المنطقة، وفي الذاكرة الاستيلاء على الجزر الثلاث من الأمارات، بالأضافة الى الأحداث التي شهدتها البحرين.

4 ذ الأنقسام الفلسطيني، وهو أخطر مايواجه القضية الفلسطينية، فقضايا التحررالوطني لاتحتمل رفاهية الأنقسام، وتعدد مصادر القرار، والحسابات الفرعية لكل تشكيل أو تنظيم أو قوى سياسية لابد ان تتوارى أمام مصير الوطن. وقضية فلسطين هي القضية الأم للقضايا العربية، ومن الواجب ان تأخذ الصدارة، فهي ليست قضية شعب وانما هي قضية أمة، وهي ليست قضية ماض ولكنها قضية حاضر ومستقبل، ولذلك فان انقسامها حدث لاينبغي أن يصمت عليه الشعب الفلسطيني أو الأمة العربية، فأمن الأمة متعلق بأمن فلسطين ولاانفصال بين ألأمن الوطني الفلسطيني والأمن القومي العربي، فهما وجهان لعملة واحدة.

مؤتمر القمة.. انعقاده وقراراته

في ضوء تلك الظروف المحيطة بالعالم العربي والتحديات التي تواجهه يأتي انعقاد مؤتمر القمة في المملكة الأردنية الهاشمية، والسؤال الذي ينبغي ان نطرحه امام انفسنا ماذا ننتظر من اعمال قمة تم تعجيزها ابتداء ا من ركائز هامة في قواها الفاعلة ؟ هل يمكننا ان نطالبها بقرارات

الرئيس عبدالفتاح السيسي رجل المهام الصعبه
الرئيس عبدالفتاح السيسي رجل المهام الصعبه

تتجاوز محنها الراهنة باتخاذ مواقف أكثر مواجهة مع كل القوى المعادية وما أكثرها الآن ؟ ان نظرة واحدة الى آلآف المخيمات التي انتشرت سواء على اراض عربية اوغيرها يعيش فيها من هجر هربا او قسرا تحت ضربات المدافع وازيز الطائرات تنبئ بما وصلنا اليه من بؤس في الحال واشفاق مما هو آت وقريب. ان انعقاد القمة في حد ذاته كان مدعاة للشك بعد اعتذار المغرب عن عدم عقدها في العام الماضي على اراضيها، ثم جاءت قمة نواكشوط وهي تفتقر الى وجود العدد الملائم من القادة العرب بعد ان اعتذر عن عدم الحضورعدد كبير، ولذلك فان انعقادها الأخير يعد خطوة الى الأمام ويذكي نوعا من الأمل، سواء كان الفضل في الانعقاد يعود الى شخصية الملك عبدالله الثاني التوافقية، أو الى الأدراك الى ضرورة عقدها استجابة الى الواقع المر الذي يحيط بنا، أو الى الأثنين معا. انعقدت القمة وخرجت بقررات اعتبرها البعض قمة تكريس التنازلات، ورآها البعض الآخر انها لم تخرج سوى عن تقاليد المواقف المعروفة سلفا والمألوفة على اسماعنا مثل تعزيز العمل العربي المشترك ودعم الجامعة العربية وعن القضية الفلسطينية بالقرارات السابقة مثل حل قيام دولتين على ان تكون القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية واعتبار المبادرة العربية هي أساس التسوية. صحيح ان المبادرة العربية لم تراوح مكانها منذ اكثر من عشرين عاما دون ان تتحرك، فضلا عن التهديدات الأخيرة لنتنياهو بأن الجولان لن تعود الى سوريا، بالأضافة الى تعهد ترامب بنقل السفارة الأمريكية الى القدس بما يحملة القرار من دلالات، وهو امر يزيد الأمر تعقيدا، ولكن علينا في المقابل ان نتحصن ببعض الأمل لأن تكون تلك القمة مدعاة لخطوات في استرداد الأمة لأنفاسها، ويأتي اللقاء بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والملك سلمان ليزيد من جرعة الأمل في التنسيق بين الدولتين وهما الآن في عداد المراكز الرئيسية لبناء موقف عربي أكثر صرامة في مواجهة التحديات التي تواجهها الأمة وتعود للذاكرة الى مواقف داعمة وفاصلة في مواجهة التحديات في مؤتمر الخرطوم عام 1967 حين وقف الملك فيصل وقال )ان خطاب الرئيس عبدالناصر هو جدول اعمال المؤتمر(، ذلك رغم اي خلاف كان بين الدولتين، وكان حظر البترول عام 1973 دعما اكيدا للجهد العسكري في حرب رمضان في تلك الأيام. يضاف الى ذلك 1 – التشديد على تكثيف العمل على ايجاد حل سلمي ينهي الأزمة السورية بما يحفظ وحدة سوريا 2- دعم الدول المستضيفة للاجئين السوريين 3 ذ التأكيد على امن العراق واستقرره وتماسكه ووحدة اراضيه ودعمه في القضاء على العصابات الارهابية وتحرير مدينة الموصل 3 ذ سيادة دولة الأمارات على جزرها الثلاث 4 ذ المصالحة الوطنية في ليبيا وتحفظ وحدة ليبي الترابية 5 ذ مساندة الشرعية في اليمن على اساس المبادرة الخليجية. تلك بعض قرارات القمة العربية، ولكن يجدر ان نسجل كلمة الرئيس اللبناني التي تعد صرخة ضمير من فرط ما فيها من صدق اكثر من ان يكون مجرد بلاغه:

»لم آتِ إلى هنا ناصحا ولا مرشدا، إنما جئت متسائلا، فربما نجد في وجداننا الإجابات اللازمة«

واضاف: »سأدع وجداني يخاطب وجدانكم، لعلنا نستفيق من كابوس يقض مضاجعنا.. فكم كنت أتمنى أن أقف أمامكم لأحدثكم عن إنجازاتنا.. ولكن، مع الأسف الشديد، إن أصوات الانفجارات ومشاهد القتل تطغى على أي موضوع آخر«. وذكر »من يربح الحرب؟ من يخسر الحرب؟ الجميع خاسرون، الجميع قتلى، الجميع جرحى، الجميع متألمون، الجميع جياع يتسولون لقمة العيش«

الملك سلمان ركيزة هامة في درء الخطر
الملك سلمان ركيزة هامة في درء الخطر

وقال »العاصفة التي ضربت منطقتنا أصابتنا جميعا، وطالت شظاياهاالجامعة العربية، وضربتها في الصميم، فشلت قدراتها وباتت عاجزة عن إيجاد الحلول«

واضاف؟: »جميعنا معنيون بما يحصل ولا يمكن أن نبقى بانتظار الحلول تأتينا من الخارج«

كما أشار الى ان: »بـيانات الاستنكار والإدانة لم تعد كافية. على الجامعة العربية، إنقاذا لإنسانيتها وسيادتها واستقلالها، وأستعادة دورها ومهمتها«.

واستطرد ان »دور الجامعة اليوم إعادة لم الشمل العربي وإيجاد الحلول العادلة في الدول الملتهبة لتحصين الوطن العربي في مواجهة تحديات المرحلة«

ثم قال ان »لبنان ينوء تحت حمل نتائج ازمة المنطقة. نحاول مد يد المساعدة، ولكن، عندما يتخطى المطلوب طاقتنا، نغرق في أعبائه ويصبح خطرا علينا«

وأضاف ضاربا المثل: »نحن كلبنانيين، عشنا حروبا متنوعة الأشكال، ولم تنته إلآ بالحوار«.

ونبه الى »إن خطورة المرحلة تحتم أن نقرر اليوم وقف الحروب بين الإخوة«.

ثم وصل الى الخلاصة النهائية التي يجب ان نلتزم بها وهي: »علينا الجلوس إلى طاولة الحوار وإلآ ذهبنا جميعا لتصورحل لم يعد بعيدا، سيفرض علينا«.

عبارات مضيئة تكشف معالم الطريق للأمن والى الخلاص من الأزمات الخانقة وتنقلنا الى عالم جديد يمتلئ املا ورجاء نتخطى به ومن خلاله عوائق وتحديات أصبحت تشكل سدا وليس مجرد عثرات.

الرئيس عون وحدة الصف في مواجهة التحديات
الرئيس عون وحدة الصف في مواجهة التحديات

أمين الغفاري