قلق على استقرار البيت الخليجي واستقالة دولية من مسألة حل النزاع مع قطر

هل ينفجر مجلس التعاون الخليجي؟

محمد قواص*

يعترف العرب جميعا بأن كافة المحاولات التي سعى إليها الثوريون في العالم العربي لإنشاء كيانات وحدوية فشلت ولم تقو على الصمود، ويعترف العرب أن المحاولات الأخرى التي سعت إليها أنظمة محافظة بعيدة عن أي لغة يسارية ثورية قومية عالمثالثية فشلت أيضا في إرساء أي منظومة وحدوية على النحو الذي كان يطمح إليه الوحدويون العرب. فشلت الوحدة السورية المصرية في الستينات وتوالى الفشل مطيحا بكافة المحاولات التي انخرطت لتوحيد العراق وسوريا كما تلك التي سعت لتوحيد بلدان »التصدي والصمود« كما تلك لإنشاء مغرب عربي كبير. وحدهم أهل الخليج سعوا ونجحوا في تشكيل تجمع لهم بات مرجعا في كيفية رعاية وصيانة وحماية منظمة إقليمية فعالة وصلبة.

تعليق: لماذ نجح مجلس التعاون الخليجي وفشلت كافة المحاولات الوحدوية العربية؟
تعليق: لماذ نجح مجلس التعاون الخليجي وفشلت كافة المحاولات الوحدوية العربية؟

لم يكن سهلا ترتيب إنشاء مجلس التعاون الخليجي. غير أن الحاجة أم الاختراع، وحاجة أهل الخليج كانت كفيلة بإقناع المترددين بأن التظلل تحت سقف خليجي واحد يحظى بمظلات دولية متعددة هو السبيل الوحيد لحماية المنطقة في ثرواتها وجغرافيتها وموردها ووزنها الديمغرافي من أنواء عبثية ضربت المنطقة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979. وحين بدا أن تحفظا يحول دون قيام ذلك التجمع تولت الحرب العراقية الإيرانية إقناع من لم يقتنع بأن للخليجين خصوصية لا تحميها إلا منظومة خاصة. عاش الخليجيون تلك التجربة وعبروا بها عواصف وأنواء لا سيما أثناء حرب تحرير الكويت وبعد ذلك غزو العراق عام 2003. لكنهم هذه الأيام يعيشون استحقاقا يهز جدران المنظومة الخليجية ويطرح أسئلة وجودية حول ديمومتها وبقائها.

لا يغيب عن بال الخليجيين أنهم يعيشون مفترقاً مفصلياً في تاريخ البيت الخليجي، وربما لا سابق له منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي. ولا يغيب عن بال العواصم الخليجية، لا سيما تلك المنخرطة بقوة وهمّة داخل الأزمة الحالية مع قطر، أن إدارة الأزمة القطرية تستدعي كفاءة ومواهب، إضافة إلى وعي لكافة تعقيدات عالم هذا اليوم. يكتشف الخليجيون أن حدّة النزاع الحالي لا تنفع معه توليفات علاجية بيتية تنتهي بتطييب الخواطر، وأن مخارج الأزمة يصعب استشرافها كلما امتد زمنها، لا سيما أن العالم بات دون شك متموضعا مع مأزق طويل الأمد.

اعتاد أهل الخليج في السجالات السابقة التي شهدها البيت الخليجي على إدارة للأزمات وفق مواقف متبادلة تقتصر على أصحاب المواقع الرسمية ومنابر الدول الإعلامية. غير أن ما يجري هذه الأيام، ومنذ قرار المقاطعة في 5 يونيو الماضي، تمدد باتجاه النسيج الإجتماعي لكافة الدول الخليجية، لا سيما تلك المعنية مباشرة بالصراع، ليس تعصبا بالمعنى البدائي، بل لأن مآلات هذا الصراع ستتداعى مباشرة على مصائر العامة كما على مصير المنظومة السياسية الخليجية.

قد تكون أزمة هذه الأيام امتدادا للأزمة الخليجية »البيتية« في عامي 2013-2014، لكن مواطن المقارنة ضيقة إذا ما قورنت بالأسقف العالية للازمة الراهنة وبالانخراط الواسع لكافة عواصم القرار الكبرى، لا سيما لجهة الكشف، من جديد، عن أهمية منطقة مجلس التعاون بالنسبة للعالم أجمع.

أماطت الأزمة اللثام عما كان معروفا، لكنه بات واضحا، من تشعب العلاقات الخليجية مع دول العالم. هي علاقات مع إحدى اهم المناطق الاستراتيجية للطاقة في العالم، وهي علاقات مالية واقتصادية واستثمارية متبادلة مع كافة دول الخليج، وبالتالي للعالم مصلحة مباشرة في بقاء وضمان وحدة واستقرار المجلس، ذلك أنه بنى وفق »حتميتهما« واستشرف خططه الاقتصادية على أساس كونهما ثابتين نهائيين داخل فضاء الدول الست.

على أن الأزمة التي داهمت الخليج أظهرت للعيان نظاماً دولياً مربكاً ركيكا يمارس كالجميع دور المتفاجئ. كشفت الازمة ظاهرة لافتة تكمن في عجز العواصم الكبرى عن فرض رؤيتها وأجندتها على بلدان المنطقة. كانت أعراض هذا العجز قد ظهرت مع اندلاع »ربيع« العرب، حين قاومت المنطقة بأدواتها الرسمية والشعبية انتشار الاسلام السياسي رغم تواطؤ أو رضى ظهر في مقاربات مرتجلة لهذه العاصمة الكبرى أو تلك.

بدا أن المنطقة، أنظمة وشعوبا، تقاوم الارهاب فيما بان أن المقاربة الدولية بطيئة انتقائية تخصع لوجهات نظر. كان جلياً أن العالم لم يستطع، وهو يسعى بصعوبة، لفرض اجندته في ليبيا وسوريا واليمن، فيما يتولى لاعبو المنطقة بأنفسهم ترتيب الملفات وفق مواقيت محلية لا تلتقي بالضرورة مع مواقيت الخارج. وفي ظل هذا المشهد أبرزت أزمة قطر عجز كافة العواصم عن فرض حل كنا نتصور انه كان من اليسر فرضه قبل عقود.

تعليق : دول المقاطعة تخوض مواجهة نهائية مع »الاستثناء القطري«
تعليق : دول المقاطعة تخوض مواجهة نهائية مع »الاستثناء القطري«

تكشف الأزمة أيضا زيف ولبس الموقف الدولي من مسألة العلاقة مع الإسلام السياسي. استخدم الغرب جماعات الإسلام السياسي تاريخيا في مقارعته للاتحاد السوفياتي وأنظمة العالم الثالث اليسارية الثورية. رعت العواصم نمو الجماعات لتحصين الشرق، لا سيما العربي-الإسلامي، من أي اختراق ترتكبه »إمبراطورية الشر« بزعامة موسكو. توافد برلمانيو أوروبا كما شيوخ الكونغرس الأميركي لالتقاط الصور مع »المجاهدين« )وفق التسمية الغربية آنذاك( في أفغانستان. وعلى الرغم من تحوّل الجهاديين إلى إرهابيين )وفق التسمية الغربية أيضا(، وعلى الرغم من إسقاط المنطقة لتوسّع وهيمنة الإسلاميين في موسم »الربيع العربي«، إلا أن هذه العواصم ما زالت مترددة خجولة في القطع مع سلوكيات سابقة احتضنت الإسلاميين بصفتهم خيارا من خيارات هذه العواصم في العالم.

لم يكن الدور القطري لينجح لو لم تكن البيئتان الدولية والاقليمية تسمحان وربما تحتاجان له وترعيانه. كان »الاستثناء القطري« يقوم على أساس استعداد الدوحة لأداء وظائف مطلوبة من هذه العاصمة او تلك، او جهوزيتها لاقتراح دور لا يرى العالم مانعاً من التعامل معها. لكن اهمية الوظيفة القطرية تكمن في انها صادرة عن دولة خليحية عضو كامل في مجلس التعاون الخليجي. وبالتالي فإن الأزمة الحالية التي شلّت حالياً هذه العضوية وقد تصل إلى حدود انهائها من المنظومة الخليجية، يفقد قطر أهم مزاياها وبالتالي قد يقوّض كافة وظائفها.

لكن مهما كان الموقف الدولي، فإن منطقة الخليج دخلت في أزمة تتجاوز مسالة الاختلاف والتميّز والتفرد وخصوصية الدول الأعضاء في مجلس التعاون. هي أزمة وجود وبقاء للمنظومة الخليجية، ولا يمكن أدراك المعضلة إلا وفق كونها صراع إرادات يروم إنهاء »الاستثناء القطري«، سواء بأعلى السقوف التي تتمناها دول المقاطعة أو بسقوف تسووية محتملة تؤمّن اتساق قطر مع المزاج الخليحي العام

تتأسس مسارات الازمة على قاعدة التعايش مع حالة قطيعة طويلة الامد تتأكد يوما بعد يوم ويتأكد العالم من حقيقتها. أوقفت العواصم الكبرى التبرع بآرائها في أمر النزاع الحالي باتجاه تعايش مع الامر الواقع الجديد متذرعة بالتحصّن وراء الوساطة الكويتية. ووفق هذه الحقيقة بات كل ما تم ارتجاله دبلوماسيا واعلاميا، محلياً ودولياً، يتجه للتمأسس ليصبح من أبجديات العلاقة الجديدة مع قطر. وفي الكلام الذي صدر عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من أن المقاطعة قد تستمر لسنوات ما ينم عن تموضع حقيقي بات معتمداً.

لن ينجو مجلس التعاون الخليحي بنسخته المعروفة من تداعيات الأزمة مع قطر. ربما يجب التذكير بأن حوافز إنشاء المجلس تاريخيا كانت لأسباب أمنية، وبالتالي لم يكن المجلس في كينونته الأصلية إلا منظومة أمن استراتيجي، فيما أن الأزمة الحالية هي أزمة امن استراتيجي. فدول المقاطعة، ومن خلال اعتبارها أن قطر تشكل خطرا استراتيجيا على أمن واستقرار دول الخليج، تعتبر أن ما كان خطرا خارجيا برر إنشاء المجلس، بات خطرا داخليا يضع علامات استفهم على نجاعة المجلس في شكله ومنظومته الحالية.

وفي امتداد المقاطعة لتشمل دولة من خارج المجلس، هي مصر، ما يؤشّر إلى أن هذا الامن الخليحي المهدد بات يحتاج الى امتدادات إقليمية تتجاوز دول المجلس الست، وهو أمر سيبدل من قواعد العمل الحالي باتجاه احتمالات أخرى يرفدها جدل سابق أثير قبل سنوات حول نجاعة ضم الأردن والمغرب إلى المجلس لتحصين مناعته ودفاعاته.

ومع ذلك فإنه حري، حتى لو بات احتمال التمدد وارداً، صيانة وترميم الوحدة بين الدول الخمس الأخرى )أي بغض النظر عن الخلاف مع قطر(، لإرساء واقعية جديدة تأخذ بالاعتبار عدم نضج المجلس لخوض غمار مغامرات من نوع »الاتحاد« و»الوحدة النقدية« و»الجيش الخليحي«، والتي لطالما ولّدت تحفّظات ورفض يظهر أن السرعات الوحدوية لا ولن تتناسب مع خصوصيات وحساسيات الدول الأعضاء.

تعليق: أمير قطر الشيخ تميم بن خليفة آل ثاني: هل تبقى قطر تحت مجهر المقاطعة؟
تعليق: أمير قطر الشيخ تميم بن خليفة آل ثاني: هل تبقى قطر تحت مجهر المقاطعة؟

قد لا يقبل الخليجيون ما يتعرض له مجلسهم الجامع من أخطار وهم يعتبرون ان المجلس وجد ليبقى. بيد أن الحكمة تقتضي القبول بأن الجرح كبير هذه المرة، وأن معالجة العلة التي ضربت البيت الخليجي تحتاج إلى مقاربة خلاقة لا تكتفي بتضميد الجراح بل باجتراح ما يحصن مجلس التعاون الخليجي ويشد لحمته.

على أن الأزمة التي داهمت الخليج أظهرت للعيان نظاماً دولياً مربكاً ركيكا يمارس كالجميع دور المتفاجئ. كشفت الازمة ظاهرة لافتة تكمن في عجز العواصم الكبرى عن فرض رؤيتها وأجندتها على بلدان المنطقة. كانت أعراض هذا العجز قد ظهرت مع اندلاع »ربيع« العرب، حين قاومت المنطقة بأدواتها الرسمية والشعبية انتشار الاسلام السياسي رغم تواطؤ أو رضى ظهر في مقاربات مرتجلة لهذه العاصمة الكبرى أو تلك.

لماذا اللبس في موقف إدارة دونالد ترامب في التعامل مع الخلاف الخليجي
لماذا اللبس في موقف إدارة دونالد ترامب في التعامل مع الخلاف الخليجي

لم يكن الدور القطري لينجح لو لم تكن البيئتان الدولية والاقليمية تسمح وربما تحتاج له وترعاه. كان »الاستثناء القطري« يقوم على أساس استعداد الدوحة لأداء وظائف مطلوبة من هذه العاصمة او تلك، او جهوزيتها لاقتراح دور لا يرى العالم مانعاً من التعامل معها.

مهما كان الموقف الدولي، فإن منطقة الخليج دخلت في أزمة تتجاوز مسالة الاختلاف والتميّز والتفرد وخصوصية الدول الأعضاء في مجلس التعاون. هي أزمة وجود وبقاء للمنظومة الخليجية، ولا يمكن أدراك المعضلة إلا وفق كونها صراع إرادات يروم إنهاء »الاستثناء القطري«، سواء بأعلى السقوف التي تتمناها دول المقاطعة أو بسقوف تسووية محتملة تؤمّن اتساق قطر مع المزاج الخليجي العام.

لن ينجو مجلس التعاون الخليجي بنسخته المعروفة من تداعيات الأزمة مع قطر. ربما يجب التذكير بأن حوافز إنشاء المجلس تاريخيا كانت لأسباب أمنية، وبالتالي لم يكن المجلس في كينونته الأصلية إلا منظومة أمن استراتيجي، فيما أن الأزمة الحالية هي أزمة امن استراتيجي.

ما هي بنود اتفاق الرياض لعام 2013 ؟ :

هي عبارة عن مجموعة من الوثائق السرية التي تضمنت اتفاق في عام 2013 بين دول مجلس التعاون و بين الشيخ تميم امير دولة قطر ، ويحتوي هذا الاتفاق على عدد من البنود والشروط التي فرضتها دول مجلس التعاون على دولة قطر بهدف تطوير العلاقات وتحسينها بين جميع الاطراف ، حيث تبنت دولة الكويت الوساطة الدولية بين دول المجلس و دولة قطر .

ابرز ما جاء في بنود اتفاق الرياض لعام 2013 :

ذ وقف دعم تنظيم الاخوان المسلمين والعمل على ترحيل العناصر المنتمية الى التنظيم بخلاف قطريي الجنسية .

ذ عدم حماية افراد وعناصر من مجلس التعاون بهدف تعكير صفو العلاقات الخليجية .

ذ عدم مساعدة او دعم اي من التنظيمات اليمنية والتي تخرب العلاقات الداخلية والخارجية .

ذ ضرورة الالتزام بالتوجه السياسي العام الذي تنتهجه دول الخليج .

ذ اغلاق المؤسسات التي تقوم بتدريب الافراد الخليجيين ليقوموا بتخريب دولهم .

تعريف اتفاق الرياض التكميلي في عام 2014 :

اتفاق الرياض التكليمي والذي تم في عام 2014 هو وثيقة سرية اخرى لتكميل الاتفاق السابق وقد وقعت عليه كل من المملكة العربية السعودية و دولة الامارات العربية و مملكة البحرين و دولة قطر ، والذي يؤكد على ضرورة الالتزام بشروط وبنود الاتفاق السابق وبأن اي اخلال لهذا الاتفاق يمنح دول المجلس في اتخاذ تدابير لحماية امنها واستقرارها .

ابرز ما جاء في بنود اتفاق الرياض التكلميلي لعام 2014 :

ذ ضرورة الالتزام باتفاق الرياض لعام 2013 واعتبار عدم الالتزام بالبنود هو اخلال بكل ما ورد .

ذ البدأ في تنفيذ اتفاقية الرياض خلال شهر من تاريخ الاتفاق التكميلي لعام 2014 .

ذ عدم دعم الوسائل الاعلامية ذات التوجه السيء والتي تعمل على الاساءة لدول المجلس .

ذ اتخاذ الاجراءات القانونية والقضائية والتنظيمية ضد اي من وسائل الاعلام التي تسيء الى دول مجلس التعاون .

ذ التزام كافة دول مجلس التعاون الخليجي بدعم جمهورية مصر العربية اقتصاديا والمحافظة على امنها واستقرارها .

ذ ايقاف النشاطات الاعلامية التي تصدر عن قناة الجزيرة وقناة مصر مباشر والتي تسيء الى جمهورية مصر العربية .

أبو ظبي تناقش مستقبل الخليج

لم تكن ورشة العمل بعنوان: »السياسات المنفردة: تقييم المخاطر السياسية للطموحات القطرية«، والتي نظمها مركز الإمارات للسياسات في سبتمبر/ أيلول الماضي حدثا روتينيا عاديا من ضمن أجندات المركز وفعالياته. ضمّت المناسبة في أبو ظبي مجموعة من النخب الخليجية والعربية والأجنبية في مجالات البحث والسياسة والصحافة، إضافة إلى حضور سفراء عرب وأجانب كانوا تواقين للاطلاع على مضامين جدل استعر وبات متصاعدا منذ أن أعلنت السعودية ومصر والإمارات والبحرين في 5 يونيو الماضي عن إجراءاتها المقاطعة لقطر.

وإذا كان من إجماع كامل في هذه الورشة على تحميل قطر مسؤولية الأزمة الحالية وما يمكن أن يتداعى على مستقبل البيت الخليجي، وإذا كان من إجماع على دور قطر المتراكم خلال أكثر من عقدين على نشر الضرر ضد كافة دول مجلس التعاون الخليجي، فإن تباينات واضحة هي أشبه إلى تفكير بصوت عال، ظهرت في شأن الكيفية التي قاربت بها دول المقاطعة الأمر والتي ستكمل من خلالها سياق المواجهة اليومي مع الدوحة.

»المشكلة ليست مع قطر المشكلة في قطر«، هكذا لخَصت د. ابتسام الكتبي فلسفة الأزمة. ترى رئيسة مركز الامارات للسياسات أن الدوحة »أقامت دورها على كل ما يخالف مبادئ مجلس التعاون الخليجي«، وأن رؤية الإمارات للأزمة هي أنها ليست وليدة الحاضر وليست نتيجة لقمم الرياض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل هي نتيجة تراكم لم تعد المنطقة تستطيع السكوت عنه.

لماذا اختار أردوغان التلويح بالعصا العسكرية لحماية قطر
لماذا اختار أردوغان التلويح بالعصا العسكرية لحماية قطر

والمسألة في رأيها هي معادلة واضحة: »الإمارات تدعم الاعتدال والحداثة والدوحة تدعم التطرف والانغلاق«.

من جهته عرض الكاتب والصحفي السعودي عبد الرحمن الراشد للمنهجية القطرية التي اعتمدت لإلحاق الضرر بالمملكة العربية السعودية. يقول الراشد إن قطر سلكت سياسات مختلفة متعارضة دائما مع الإجماع الخليجي وأن الدوحة في تعاملها مع حزب الله او جماعات الإسلام السياسي أو إيران أو حتى مع نظام بشار الأسد قبل عام 2011، كان الهدف دائما الإضرار بمصالح السعودية.

يرى الراشد أن »الأزمة لا تعبر عن خلاف سياسي أو اختلاف في وجهات النظر بل هي مسألة وجود«. هكذا باتت دول المقاطعة تقارب الأمر، وهي تبدو في ذلك ماضية إلى أقصى الحدود للانتهاء من الظاهرة النافرة للسلوك القطري. ويستغرب الراشد الجهود التي بذلتها الدوحة لاستمالة وتمويل معارضين سعوديين ورعاية أي معارضين لدول الخليج فيما لم تسلك الرياض وبقية دول الخليج سلوكاً مشابهاً ضد الدوحة.

يلتقط الباحث السعودي سالم اليامي مسألة التناقض المنهجي بين الرياض والدوحة ليذكر بثوابت السعودية من حيث »عدم المساس بالأشقاء« والاستناد على سياسة عمادها »الهدوء والرصانة والجدية«. ويضيف اليامي أن المجالات الثلاثة، الوطني ثم الخليجي ثم العربي، هي عناصر أساسية لصناعة السياسة، وأن قطر بالمقابل عملت خلال العقدين الأخيرين على انتهاج سياسات مهددة للأمن الاستراتيجي العام، لافتاً إلى أن »تهديد أمن الخليج بات، بسبب الدوحة، من داخل الدائرة الخليجية«.

وأفاض الباحث البحريني يوسف البنخليل في عرض الضرر الذي بدأته الدوحة ضد دول الخليج منذ عام 1995 وبات واضحاً منذ تأسيس قناة الجزيرة عام 1996، مستهجناً ومؤكداً أنه »لا يجب أن تتحول الدول الصغرى إلى قوى إقليمية كبرى«. وأشار البنخليل أن الأجندة القطرية في البحرين »كان مسكوتا عنها، ولطالما كان كثيرون يطالبون العاهل البحريني بكشف دور الدوحة« ضد بلاده.

وتروي الباحثة المصرية د. إيمان حسن السلوك المنهجي الذي اعتمدته الدوحة ضد القاهرة من عهد الرئيس مبارك إلى عهد الرئيس السيسي. وتكشف حسن عن أن القاهرة تعتبر نظام الدوحة »نظاماً عدوا يجب إخضاعه أو تغييره«. وتسرد الباحثة المصرية بصراحة وشفافية مجموعة المحددات الاقتصادية والداخلية والإقليمية والدولية التي عرقلت وتعرقل ممارسة ضغوط مصرية صارمة على قطر.

وأضافت في مداخلتها أن الموقف الأميركي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما عمل على حماية نظام الدوحة من الغضب المصري وأن مؤسسات أميركية عملت على تبرئة قطر، خصوصا في ظل مناخ سابق أراد رعاية الإسلام السياسي في المنطقة، وأن هذه المؤسسات ما زالت فاعلة حتى الآن لإرباك موقف موحد لإدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب من استراتيجية التعامل مع الحالة القطرية.

ولفتت إيمان حسن إلى استراتيجية تستخدمها قطر تسعى من خلالها إلى تحييد الموقف السعودي وتمييزه عن موقف الإمارات من الأزمة الراهنة مع قطر«، وهي استراتيجية لم تؤت ثمارها، حسب مراقبين، بما أعاد تصويب الهجمات القطرية ضد الرياض.

وكان لا بد للنقاش أن يتناول مسألة الدور الكويتي. داخل ورشة العمل خرجت أصوات كويتية تفند أي ملاحظات يُشتقّ منها لومٌ للموقف الكويتي المحايد من الأزمة. كتبت بعض الأقلام الخليجية حول الأمر وهو ما أثار جدلاً من داخل الكويت وخارجها، يدور حول ما إذا كان الحياد الكويتي مطلوباً من أجل إنجاح الوساطة أو أن الحياد نفسه يغري قطر بالتعنت وتعتبره انحيازا مبطناً لموقفها.

تحدث أمير الكويت أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن عن الأذى الذي سبببته قطر للكويت والذي انتهى بالحوار. فالكويت متمسكة بمبادرات الصلح التي يعتبرها الباحث الكويتي د. ظافر العجمي »جزءا من تاريخ الكويت«، وأن الكويت دائما في المنتصف »لأن الجميع خليجيا ودوليا يثق بها«. ويرى أن الكويت في هذه الأزمة تتحمل »المنغصات لأنها قررت الحياد«، وأن تمسك أطراف النزاع الحالي بمواقفهم وآرائهم هو ما يقيد الوساطة الكويتية.

مقابل وسطية العجمي يذهب الباحث الكويتي مشعل النامي إلى أن »المشكلة ليست في السياسات المنفردة« )كما هو عنوان ورشة العمل(، مشيراً إلى حالتي عمان والكويت التي تنتهج سياسات مختلفة، معتبراً أن »المشكلة هي في السياسة العدائية لقطر«، متهماً الدوحة بتنفيذ دور بالتواصل مع الإسلام السياسي، لا سيما الإخوان المسلمين، منذ عهد بيل كلينتون في البيت الأبيض.

ورفض النامي ما أشير إليه من أن قطر تزعم التراجع عن مواقفها كما فعلت عامي 2013 و2014 لامتصاص غضب الغاضبين، مؤكداً »أن قطر لا تتراجع، بل تخطو خطوة وتتحمل الضغوط حتى تصبح أمراً واقعا ثم تخطو الخطوة التالية«. ويكشف النامي أن الكويت تدرك أنه »لا يمكن لقطر أن تنتقل إلى خط عدم استعداء الدول الأخرى لأنها ربّت شعبها على خط الإضرار بالدول الأخرى وإعلاء شأن شخصيات كالقرضاوي والخطاب العدائي لقناة الجزيرة«.

 القيادة السعودية تمثل تحولا في أسلوب الحكم وقطيعة مع ثقافة حكم سابقة
القيادة السعودية تمثل تحولا في أسلوب الحكم وقطيعة مع ثقافة حكم سابقة

لكن الباحث الإماراتي د. عبد الخالق عبد الله رفض التشكيك بالمنظومة الخليجية معتبراً أنها »وجدت لتبقى«، وأن ما تتعرض له من أزمات هو طبيعي وبالإمكان تجاوزه. واعتبر عبد الله أن »المشكلة هي مع صاحب القرار في الدوحة وأن المشكلة ستستمر طالما أن صاحب القرار نفسه موجود في الدوحة«.

على أن ما تناوله المشاركون تعرض لنقاش واسع على مدار الجلسات التي استغرقت يوماً كاملاً. تساءل البعض عن المواقف المتحفظة للدول العربية والإسلامية والآسيوية والعواصم الكبرى عن إظهار دعم ناجز واضح لموقف دول المقاطعة ما يستدعي إعادة قراءة للمشهد الدولي العام.

سيناريوهات كثيرة طرحت وتراوحت بين التسوية القريبة والتصعيد المحتمل. لكن الأجواء العامة كانت توحي أن الأزمة طويلة الأمد فهي »صراع إرادات«، فيما تساءل البعض عما إذا كانت دول المقاطعة تواجه قطر أم انها تواجه نظاما عالميا سمح وربما رعى بروز الظاهرة القطرية.

وقد يجوز تأمل الخلاصات والاستنتاجات التي قدمتها الكتبي في نهاية ورشة العمل لإدراك مدى تعقّد الصراع الحالي في قِدَمِه وحيثياته ومقدماته ومدى تشابك العوامل المحلية والدولية التي تجعل من استشراف النهايات أمراً تعوزه معطيات تتعرض لتحديث كل يوم لتجعل مهام أصحاب القرار أكثر صعوبة وأشد عزماً للخلاص من حكاية قطرية ضاق منها أهل الخليج بعد أن تعايشوا مع فصولها 22 عاماً.