عمرو موسى..والكلمة الحرام

حين تسيطرالنرجسية على قدسية الكلمة، وتتوارى الحقيقة تحت ضغوط الهوى

لندن امين الغفاري

عمرو موسى دبلوماسي شهير،استطاع أن يلفت الأنظار اليه، وأن يحقق جماهيرية كبيرة ابان تولية وزارة الخارجية المصرية. كثيرون احبوه وفتنوا بتصريحاته،وأشادوا بقدراته في المواجهة خصوصا أزاء مشروع شيمون بيريز أوما يطلق عليه مشروع )الشرق الأوسط الجديد( وانتقاداته اللاذعة، كذلك لما وصفه بالهرولة العربية نحو العلاقات مع اسرائيل، وغير ذلك من تصريحات وحتى مناظرات، ونذكر له في هذا الصدد مناظرته التلفزيونية مع وزير خارجية اسرائيل )شلومو بن آمي( عام 2000 وقول عمرو موسى له )أين كنتم قبل عام 1948 حتى تقول لي على مر التاريخ ؟( وحول القدس قال عمرو موسى في مناظرته )ان حقوق العرب في القدس محددة وتقع ضمن المناطق المحتلة عام 1967( الى آخر المناظرة وكانت ناجحة بمعنى الكلمة وتروي ظمأ الكثيرين بعد التردي الذي شهدته المنطقة في اعقاب )كامب ديفيد(.كانت تصريحاته في مواجهة اسرائيل لها رنين مختلف عما سبقوه، عن الدكتور عصمت عبد المجيد مثلا وقد كان استاذا في القانون الدولي،وان لم يكن خطيبا أو متحدثا مفوها ومن قبلهما الفريق كمال حسن علي في نهايات حكم الرئيس انور السادات، وكان رجلا منضبطا، ولكنه ايضا لم يكن رجلا له باع في استخدام الكلمة أو على دراية بدروبها وأبوابها وطبيعة المساجلات على الساحة السياسية. جاء عمرو موسى بلون جديد ومختلف في الأداء، لاسيما ان الرئيس الأسبق مبارك قد اعطاه مساحة واسعة للحركة، وللتعقيب عما يلمسه من مواقف وسياسات، وهي بالطبع في اطار ماتم الأتفاق عليه بين الرئيس ووزير خارجيته، فوزير الخارجية يجتهد في اطار فلسفة النظام وتوجهاته، ولايرسم منفردا الخطوط الرئيسية لسياسة النظام وعلاقاته. لكن تمتع عمرو موسى بمواهب واجتهادات وأيضا بطموح متزايد وغلاب لأعتلاء المنابر خصوصا الدولية منها، وعشقه ليلعب دورا ذ كما يقول في مذكراته ذ على منصة الأمم المتحدة تحديدا.عزز كل ذلك من قدراته الخطابية والدبلوماسية سواء في الحوار أوالمناقشة أوحتى في الجدل، وأكسبتها قدرة عالية من حيث اليقظة والمتابعة لما يدور على الساحة الدولية والأقليمية من سياسات يمكنها ان تؤثر على مصالح الدولة أو على المنطقة وخصوصا على أمنها. رسم عمرو موسى لنفسه باجتهاداته صورة ساحرة للدبلوماسية العربية، والى حد ان ظهرت أغنية لمطرب شعبي )شعبان عبدالرحيم( يقول مطلعها )أنا باكره اسرائيل وباحب عمرو موسى( وهي المرة الأولى على الأطلاق التي يتغنى فيها مطرب باسم رجل ليس بطلا حقق نصرا أو ملكا أو رئيسا حرر وطنا أو نشر عدلا وحقق مساواة أو زعيما انحاز للحرية وحرر أمة، وانما هو مجرد وزير خارجية يساجل ويتصدى بالكلمة ويصمد في اطار اي حوار، وهو من جانب آخر يعكس كم التعطش العربي لنفس يتجاوب مع المشاعر الوطنية والقومية بعد كارثة )كامب ديفيد( والممارسات الاسرائيلية على الساحة الفلسطينية وتحول القضية المقدسة من صراع عربي ذ اسرائيلي الى صراع فلسطيني ذ اسرائيلي.كان عمرو موسى وجها يتمتع بكاريزما، ومحدثا لكلماته حضور ولمواقفه وهج.تلك صورة احببناها، ولكن يبدو أننا كنا على موعد مع القدر لكي نكتشف في النهاية أمرا آخر. أن الصورة رغم جمالها لم تكن صورة مجردة، وانما هي صورة لها أصل )النيجاتيف( لايتطابق تماما مع الصورة التي الفناها وعشقناها، لقد جرى طلاء الصورة بالكثير من عناصر التجميل وتعددت على بشرتها مساحيق كثة من المكياج. كانت المفاجأة أنه حين خرج الرجل من مواقعه )الخارجية المصرية، وأمانة الجامعة العربيه( تحللت عناصر المكياج، وذابت مساحيق التجميل، وأختلطت بذلك الألوان لكي نرى في نهاية الطريق وجها آخر غير مألوف لدينا كما انه غير مريح، وما زلنا نتذكر تصريحا شهيرا له منذ عدة شهور أحدث في داخلنا شرخا تجاه الرجل، وكان يقول فيه )أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.. كلام فارغ(. ثم شاء مجددا أن يضغط على جرحنا مرة أخرى من خلال مذكراته التي صدر منها الجزء الأول وأن يثير ضجة أخرى كبيرة في مصر ثم مالبث أن تردد صداها فوصل الى بيروت،فكما حملت الينا الأنباء عن تعرضه لأنتقاد حاد ان لم يكن لأتهام صريح في بيروت وهو يلقي كلمة في اتحاد المحامين العرب في شهر سيبتمبر الماضي من المحامي )علي يزبك( وهو من منطقة البقاع في لبنان بحضور سامح عاشور نقيب المحامين حيث سادت حالة من الهرج ادت الى انسحاب عمرو موسى وعدم استكمال كلمته.كانت المذكرات هي الدافع للمواجهة وللصدام.

هذه المذكرات

مذكرات عمرو موسى تصدر في ثلاثة أجزاء وهذا هو الجزء الأول منها الذي خصصه للنشأة والتكوين والبدايات حتى رحيله من وزارة الخارجية عام 2001، أما الجزء الثاني فيتناول فترة عمله كأمين عام للجامعة العربية )2001 ذ 2011(أما الجزء الثالث فيتناول ما بعد ثورة يناير 2011 وترشحه للأنتخابات الرئيسية عام 2012 ودوره في اطلاق »جبهة الأنقاذ »وثورة 30 يونيو وترؤسه للجنة وضع الدستور عام 2014 وغيرها من ألأحداث التي شارك فيها(.يحرص عمرو موسى على القول في مقدمة المذكرات ان كل الذين يقومون بتقديمي متحدثا في مختلف الاجتماعات والمؤتمرات والندوات سواء كانت مصرية او عربية او اقليمية او دولية يقولون هذا هو السفير السابق او الوزير السابق او امين جامعة الدول العربية السابق او المرشح الرئاسي السابق او رئيس لجنة الخمسين لوضع الدستور السابق ووصفة السابق رغم حقيقتها الا انها تعطي الانطباع بان المسيرة كلها اصبحت سابقة وهذا صحيح الا انها لاتعكس الحقيقة فلا يزال جل تفكيري حتى هذه اللحظة يدور حول مستقبل مصر ومستقبل العرب والمنطقة بل والعلاقات الدولية فأنا اتطلع الى الغد.أي ان الرجل مازال رغم انه قد تخطى الثمانين من عمره المديد لازال يطمع ويبحث عن دور!

عمرو موسى.. وفدي الجذور والهوى

يفرد عمرو موسى عدة صفحات من مذكراته يستعرض فيها طفولته، ونشأته بين والدين هما والده الدكتور محمود ابو زيد موسى وقد تخرج من جامعة ليون في فرنسا وعمل مدرسا بكلية الآداب وكان عضوا في مجلس النواب عن حزب الوفد ومقربا من زعيم الحزب النحاس باشا، وكان جده لوالدته الشيخ عثمان الهرميل عضوا في مجلس شورى القوانين الذي تم تشكيله في عهد الخديوي توفيق. ذلك هو المناخ العائلي )البرلماني( الذي نشأ في ربوعه. أما الوالده فهي )ثريا الهرميل( التي كانت تعشق اللغة الانجليزية وتحرص على شرح مفرداتها له، وكانت تصحبه طفلا للتنزه على صفحة هذا النهر العظيم )نهر النيل( في منطقة منيل الروضة ويقول أن النيل يخلق اجواء اسطورية تتسلل الى وجدان الناس فيعشقون وطنهم ويستمتعون به،ويستطرد فيقول )حتى الفلاح غنى له عبدالوهاب »محلاها عيشة الفلاح« ثم يتحفظ فيقول )بصرف النظر عن ابعاد هذه العيشة الا ان الحياة كانت ميسرة والكل يحب مصر( يتجاهل عمرو موسى تماما أن الفلاح كان حافيا وأن الأمراض المتوطنة ذ البلهارسيا والأنكلستوما والأسكارس ذ كانت منتشرة في ربوع الريف، وقد مات الكثير من الفلاحين وسكان القرى جراء تلك الامراض

عمرو موسى
عمرو موسى

نتيجة للحفاء وكذلك الاستحمام في الترع والمصارف ومنهم على سبيل المثال مطرب شهير هو عبدالحليم حافظ الذي عانى طوال حياته من جراء مرض البلهارسيا( وكان كل رئيس وزراء يلقى امام الملك في افتتاح البرلمان خطابا يطلق عليه )خطاب العرش( وكان يتضمن دائما عبارة أصبحت تقليدية من فرط تكرارها )وسوف تعمل حكومتي على مكافحة الحفاء(، وتسقط من ذاكرة عمرو موسى بشكل قاطع ثورات الفلاحين في )بهوت( و)كفور نجم( في منتصف الأربعينات من القرن الماضي. ذلك هو الوسط الذي نشأ وترعرع فيه عمرو موسى،وقد مكنته تلك الأجواء أن يحضر ويستمع الى مناقشات سياسية ومجادلات بين صفوة القوم من رجالات الأحزاب سواء الوفديين أوالسعديين أوالأحرار الدستوريين وغيرهم، فتفتح وعيه كما يذكر واتسعت مداركه الفكرية والسياسية وهو يتابع مناقشات النحاس باشا وفؤاد سراج الدين واحمد ماهر وغيرهم، ويورد في ذلك السياق معلومة، تكشف دلالة هامة لم يلتفت اليها في ص44 )ان النحاس باشا وكان رئيسا للوزراء عام 1942 حين علم بمرض والدي أصدر قرارا بمنحي مجانية كاملة في التعليم بكل مراحلة تقديرا لوالدي !( ولنا ان نتساءل ماذا قدم الوالد من انجاز للوطن أو حقق الأبن من نبوغ في العلم حتى ينال هذا الأستثناء !.اللهم الا انه في عالم الأحزاب في ذلك العصر كانت الأمتيازات هي للأنصار والمقربين والمحاسيب والذي يدفع الثمن هو الشعب وأكثره ذ للمأساة – من الحفاة.

حول الجزء الأول

. صدر الجزء الأول من مذكراته التي تطرق فيها الى أحداث وأخبار وآراء تجاوزت ذ في ظن الكثيرين – حدود الحدث والخبر والرأي الى التجني والافتراء، منها تلك الواقعة. قال مايلي في صفحة 69 )اذكر ايضا خلال فترة عملي في سفارتنا في برن ان الرئيس عبدالناصركان يهتم بنظام غذائه ولذلك كان من يخدمونه يرسلون من وقت لآخر من ياتي له بأصناف معينة من الطعام الخاص بـ»الرجيم« من سويسرا.كانت اشياء بسيطة، وكان يأتي لأحضارها رجل ضخم الجثة وكنت أنا المسؤول عن تسليمها له واستطرد فذكر أن هذا الرجل ضخم الجثة كان يصر على أن »مصر« هي اكبر دولة في الدنيا – لأنه لم يطلع بشكل جيد على العالم ذ ويقول أن الرئيس عبدالناصر اعظم واقوى رئيس في العالم لاأمريكا ولا روسيا سيبك من الكلام الفارغ ده ياأستاذ عمرو رئيسنا أهم شخصية في العالم، والاثنين دول بيتنافسوا عليه ويتمنوا رضاه وهو موريهم الويل وبرغم كده شوف تواضعه الرجل ياكل فول وجبنه زي باقي الشعب( ويستطرد عمرو موسى في القول وبرغم حبي الشديد لعبدالناصر في ذلك الوقت فانني كنت اضحك من المنطق الذي يتحدث به الرجل( هذه الرواية بالذات من عمرو موسى هي مصدر الضجة وحالة الغضب التي اندلعت على صفحات الجرائد والمجلات ومواقع الأنترنت، تشكيكا في الرواية وبالتالي في من قالها، وقد خاطب سامي شرف سكرتير عبدالناصر لعقود من الزمن عمرو موسى وقال له )أتحداك ان تبرهن على صدق تلك الرواية، فلم يطلب عبدالناصر طعاما سواء خاصا بالرجيم او غير ذلك على الاطلاق من الخارج(. وقال الدكتور مصطفى الفقي نقلا عن سفير مخضرم )ان فتحي الديب كان هو السفير في برن في ذلك الوقت ولو طلب منه ذلك او حتى علم بذلك، كان بالتأكيد سيكون الأمر تحت رعايته واشرافه شخصيا،وليس من خلال غيره(. قال أيضا الكثير من الكتاب والباحثين، لو كان الأمر يتعلق بطعام الرئيس تحديدا، فعلى الأقل )حرصا وأمنا على حياة الرئيس في ان يدس في الطعام أي سموم( كان الأمر سيكون تحت رعاية السفير شخصيا وهو رجل أمن وتاريخه معروف في مساندة حركات التحرر، بل ان وجوده في تلك الفترة في سويسرا كان لقيامه بدور بالغ الأهمية في الأتصال بالقوى الثورية في كل من الجزائر وايران، ثم يسخر عمرو موسى من منطق الرجل الضخم الجثة في المبالغة دون ان يحدثنا عن ماهية هذا الرجل الذي حاوره وهل هو ضابط أمن مكلف باحضار الطعام أم انه أحد العاملين في الرئاسة، وما هو مستواه الوظيفي وعلاقته بالرئاسة حتى يدخل معه في حوار يشير اليه في مذكراته، ثم يتفكه من ضخامة جثته ومن منطقة بل بالأحرى من بساطته ان لم يكن من جهله. .يتطرق عمرو موسى لقضايا أخرى سياسية وجادة حول النكسة او الهزيمة، ولكنه يعالجها بنفس المنطق المتهافت الذي لايعتد كثيرا بأمانة الكلمة فيذكر أن خطاب التنحي لعبدالناصر،ص82 )عندما اعلن عبدالناصر التنحي يوم 9 يونيه دمعت العين ولكن الهزيمة غيرت مواقف كثيرين ناقمين بشكل كبير على النظام كله فبدأنا ذ نحن الشباب- ندرك العواقب الوخيمة للأجراءات الديكتاتورية..( يلاحظ القارئ ان عمرو موسى يتحدث بلغة الجمع ويقول نحن الشباب،ولم يعرف عن عمروموسى في يوم من الأيام أنه كان منتميا الى تنظيم أو ائتلاف شبابي يتحدث باسمه أو يعبر عنه أو حتى ينقل مشاعره بصيغة الجمع، ولكنها )الأنا( التي ستصادفها عبر الكثير من صفحات الكتاب.

محاولة لأغتيال ذكراه
اسامة الباز – محاولة لأغتيال ذكراه

ملاحظات عمرو موسى

يقول عن وزير الخارجية الأسبق محمد ابراهيم كامل ص 142 )استقال في امريكا احتجاجا على توقيع كامب ديفيد( ان الأشهر التسعة التي قضاها محمد ابراهيم كامل وزيرا للخارجية كانت من اصعب الفترات في مسيرتي المهنية حتى ذلك التاريخ.كان هناك نوع من الغيرة القاتلة تجاهي من المجموعة المحيطة بالوزيرثم يستدرك ذ ربما ليس كلهم ذ فأوغروا صدره ضدي، ولم يفسر لنا او يكشف عن الملابسات التي ادت الى هذه الصورة من التعامل سوى أنها )الغيرة( ولماذا هذا التفسير بالغيرة ! ؟ لأن عمرو موسى يفسر المواقف تفسيرا ذاتيا، مع انه أمر بديهي يحدث غالبا في الكثير من المواقع. أن المسؤول الجديد يأتي معه من يستريح للعمل معهم وبهم، ويعطي المسؤوليات الحساسة لمن يثق بهم وبقدراتهم. وكل عهد له رجاله، ولكنه يستخدم تعبير الغيرة باعتبارأنه الأكفأ.

ثم يشير عمرو موسى الى التظاهرات التي اندلعت رافضة التنحي بالقول )كان بها »ترتيب ما«، لكن الجمهور كان أيضا رافضا رحيل عبدالناصر( وننتظر من رجل في مكانة عمرو موسى ان يقدم لنا دليلا واحدا يجعله يعتقد أو حتى يظن أن ترتيبا معينا قد تم اعداده لكي تخرج الجماهير رافضة التنحي فلا نجد سوى عبارة )كانت هناك طلقات لمدافع(! تبسيط مخل لايجدر برجل له تاريخ في عالم السياسة أن يذكره،وكان حريا به ان يستند وهو رجل سياسة الى شهادات لمؤسسات سياسية أو نقابية أو رياضية أو حتى أي تكتلات ان كانت هناك اتصالات قد جرت معهم لعمل حشد او مظاهرة، وقد كان هو ذاته عضوا بالتنظيم الطليعي وهو )الدينامو( المحرك للتنظيم السياسي الأم )الأتحاد الأشتراكي(، فهل اكتشف مثلا ان هناك توجيها تم اخطاره به أو حتى بأشخاص يعرفهم، أم انه يكتفي فقط بأنه سمع صوت مدافع !. الأغرب من كل ذلك أن خياله قد اتسع ليذكر أن عبدالحليم حافظ حين كان يغني )جانا الهوى جانا، ورمانا الهوى رمانا، واللي شبكنا يخلصنا( كانت رمزا لمشاعر الجماهير تجاه عبدالناصر، وتحميله للمسؤولية.

يتحدث عمرو موسى عن الدكتور اسامه الباز ص 584 فينفي انه حصل على الدكتوراه، وانما تقال له مجاملة، ثم يذكر أنه رغم الكفاءة التي يتمتع بها وتغنيه عن حمل الدكتوراه الا ان سبب عدم تعيينه وزيرا للخارجية ان ملابسه لم تكن على المستوى المطلوب. )يلبس أي حاجه(، وأن علاقاته مع رجال الأعمال والمثقفين والفنانين ومن يطلق عليهم لقب )الطبقة المثقفة( كانت محل مداعبة مني أو )التريقة( وهي كلمة عامية مصرية تعني السخرية، بالأضافة الى انه كان بمسلكه يحب ان يعطي اشارات للعامة عن بساطته فيركب المترو أو الأتوبيس ويمشي في الشوارع، وعبارة )يحب أن يعطي اشارات للعامه( التي اوردها عمرو موسى تعني أنه كان يمثل، ثم يزيد عمرو موسى في التدخل المباشر في سلوك وحياة )اسامه الباز( بالقول )وكانت مسألة ماعرف عن زواجه من احدى الفنانات الشهيرات مادة لمن يريد أن يطعنه من تلك الناحية. أليس ذلك انتهاكا صريحا للحياة الخاصة لأسامه الباز ولايليق أن يأتي ذكره في مذكرات رجل سياسة تقلد مواقع هامة وخاض تجارب ثرية تجعل لكلماته وزنا وقيمة تتخطى الحياة الشخصية لمن عمل معهم واقترب منهم، ثم يسمح لنفسه بنهشهم وهم في رحاب الله في محاولة لأغتيال ذكراهم.

المذكرات الشخصية في ميزان علم التاريخ

في الصفحات الأولى للكتاب يعرض محرر المذكرات الكاتب الصحفي خالد ابوبكر منهجية المذكرات التي حرر أوراقها وفق تحذيرات المؤرخ المعروف الدكتور)عبدالعظيم رمضان( التي وردت في كتابه الهام )مذكرات الزعماء والسياسيين في مصر1891 ذ 1981( من خطورة الاعتماد على المذكرات الشخصية وفي ذلك يقول )ان الجانب الشخصي من المذكرات يزيد من صفتها الانحيازية على النحو الذي يزيد بالتالي من قدر الحذر الواجب اتخاذه عند الاستعانة بها في البحث التاريخي، فهل تمت مراعاة تلك التحذيرات وهي بالتحديد أربعة محظورات أم أن السيد عمرو موسى ضرب بها عرض الحائط ؟

مصطفى النحاس  مجانية التعليم للنبوغ أم للمؤيدين
مصطفى النحاس 
مجانية التعليم للنبوغ أم للمؤيدين

أولا ذ تمجيد الذات، ثانيا ذ تشويه الخصوم، ثالثا ذ انتحال الادوار رابعا ذ تبرير الأخطاء. فهل راعت المذكرات تلك المحاذير أم انها بالأحرى غاصت في داخلها وأوغلت، حتى ان هذه المذكرات قد قوبلت بهذه العواصف من الاعتراضات. فتمجيد الذات يصادفه القارئ طوال الصفحات، ليس في المواقف السياسية واحكامها فحسب، ولكن في التصرف الشخصي وما صاحب عمرو موسى حتى في سنوات الصبا والشباب فهو المقتحم الجريء )تمجيد الذات( مثلا كما في موقفه مع وكيل كلية الحقوق حين قدم اوراقه واعتراض الوكيل على نسبة النجاح وطلب تأجيل القرار فيرد عمرو موسى وهو في مقتبل العشرينات )لماذا تأجيل الأمر فأنت تعرف الموضوع وبيدك القرار، ولك ان تأخذه الآن دون تأجيل( فينبهر وكيل الكلية ويعلن قبوله، وانتحال الأدوار مثال آخر حين كان مع الوفد المصري في هافانا بكوبا ومحاولة طرد مصر من مجموعة )عدم الأنحياز( واستعراض جهوده حتى نجح الوفد في عدم طرد مصر، وفي سطور لاحقة يفضي بالسر الحقيقي لما حدث وهو تدخل الرئيس الكوبي فيدل كاسترو شخصيا لعدم طرد مصر، والقارئ لابد ان يدرك مغزى موقف كاسترو وهو يتلخص في ان مصر دولة مؤسسة لعدم الأنحياز ودور عبدالناصر التاريخي في اطاره.ونتذكر مقولة للزعيم الكوبي كاسترو )ان ثورة 23 يوليو في مصر كانت الهاما لنا في كوبا( فالأمر لم يكن راجعا لكفاءة عمرو موسى.

كلمة أخيرة والكلمة الحرام في حق التاريخ

المذكرات تقع في اكثرمن 650 صفحة، بها صفحات مطولة لاتعني القارئ في شئ عن النشأة والطفولة خصوصا ان كان القارئ قد اعد نفسه لقراءة احداث ووقائع ومواقف لوزير خارجية مخضرم وأمين سابق للجامعة العربية، ويفاجأ بمصادفة هذا القدر الكبير من عبادة الذات أو النرجسية الطاغية التي لفت الكلمات وصاغتها ثم دفعتها الى قول الكلمة الحرام في حق التاريخ، وفي حق الأشخاص، فقد شابت المذكرات الشكوك عوضا عن المصداقية في القول وفي الحدث وفي حق رجال يرقدون تحت التراب، ولو كانوا أحياء لأبتلع عمرو موسى لسانه قبل ان ينطق بكلماته الشاردة أو يسدد سهامه الجارحة.