مستقبل التجارة العالمية بين فكي العم ترامب والتنين الأحمر

الرئيس الاميركي تعهد إعادة التفاوض حول اتفاق للتبادل الحر في اميركا الشمالية

لندن: جمال الجزائري

يحتدم الجدل حول مستقبل التجارة العالمية مع خطاب »أمريكا أولا«، الذي مازال يرفعه دونالد ترامب بعد مرور عام على انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكبر قوة اقتصادية عالمية وبين الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وسط ما بدا انقلابا في المشهد بين صورة أمريكا، التي كانت تمثل رمزا »عولميا« ممثلا في »العم سام«، الذي يبدو أنه تم استخلافه بـ»العم ترامب« الملياردير رجل الأعمال المعادي للعولمة وحرية التجارة والمؤمن بالاحتكارية، وبين »التنين الأحمر« الصيني، الذي مازال يحكمه الحزب الشيوعي الصيني. والذي أصبح مدافعا شرسا عن »العولمة« وحرية التجارة!.

بدا ذلك مفارقا فعلا في قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ )ابيك(، التي انعقدت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في مدينة دانانغ الفيتنامية، حيث عرض رئيسا الولايات المتحدة والصين رؤيتين مختلفتين كثيرا حول مستقبل التجارة العالمية، إذ أكد دونالد ترامب شعاره »أمريكا أولا« ليترك نظيره شي جينبينغ في موقف الدفاع عن موجة العولمة »التي لا يمكن العودة عنها«.

وألقى كل من شي، الذي يعتبر أقوى زعيم صيني في عقود، وترامب الذي يعاني من تراجع شعبيته بشكل كبير في الداخل كلمتيهما بفارق دقائق في القمة.

قمة  بيك  في فيتنام بمشاركة الرئيس الاميركي والصيني
قمة بيك في فيتنام بمشاركة الرئيس الاميركي والصيني

ترامب: أمريكا »لن تسكت بعد الآن« على التجارة غير المنصفة

في كلمته التي تراوحت بين الثناء لدول آسيا-المحيط الهادئ واتهامها بإضعاف أكبر اقتصاد في العالم، قال ترامب إن مصلحة الولايات المتحدة تضررت نتيجة ممارسات التبادل التجاري العالمي.

وقال إن أميركا »لن تسكت بعد الآن« على التجارة غير المنصفة والأسواق المغلقة وسرقة الملكية الفكرية.

وقال »لن نسمح بأن يتم استغلال الولايات المتحدة بعد الآن« منتقدا منظمة التجارة العالمية لعدم تصديها للتجاوزات على التجارة الحرة.

وأكد »سأضع دائما أميركا اولا تماما كما أتوقع منكم جميعا في هذه القاعة ان تضعوا دولكم أولا«.

وقال ترامب إن بلاده لن تتسامح بعد الآن بشأن »الانتهاكات التجارية المزمنة«، وأنه يقدم »شراكة جديدة« لدول المحيط الهادي والهندي لإبرام اتفاقيات ثنائية مع تلك الدول التي ستلتزم بمبادئ التجارة العادلة والمتبادلة«.

وأضاف »عندما تدخل الولايات المتحدة علاقة تجارية مع دول أخرى أو أشخاص آخرين، سنتوقع من الآن أن يتبع شركاؤنا بإخلاص القوانين كما نتبعها نحن«.

وفي تعليقه على ما وصفه باختلال غير مقبول في الميزان التجاري، قال الرئيس الأمريكي: »إنني أقوم دائما بوضع أمريكا أولا بنفس الطريقة التي أتوقع أن تقوموا فيها أنتم جميعا في تلك الغرفة بوضع دولكم أولا«.

وأضاف »لسوء الحظ منذ فترة طويلة جدا وفي الكثير جدا من الأماكن، يحدث العكس«.

وتابع »منذ عدة سنوات، فتحت أمريكا بشكل منهجي اقتصادنا بشروط ضئيلة. خفضنا أو أوقفنا التعريفات الجمركية وقلصنا الحواجز الجمركية وسمحنا للسلع الاجنبية بالتدفق بحرية داخل بلادنا«.

وكان ترامب قد سحب بلاده من الاتفاقية التجارية بعد توليه الرئاسة في كانون الثاني/يناير، لكن الشركاء المحتملين الـ11 المتبقين يسعون جاهدين لإنقاذ اتفاق.

الرئيس الصيني يملأ فرغ نظيره الأمريكي ويصف العولمة بأنها »لا رجعة فيها«

وسارع شي إلى ملء الفراغ الذي أحدثه إعلان ترامب مبرزا الدور الريادي للصين لأنها تفرض عوائق أقل على التجارة.

وضرب الرئيس الصيني، على وتر مختلف في خطابه الذي أعقب حث ترامب على إقامة تعاون متعدد الاطراف.

كما دافع عن العولمة التي سمحت لبلاده بالخروج من الفقر لتصبح قوة كبرى في ثلاثة عقود، ووصف ذلك »بالمسار التاريخ الذي لا عودة عنه«.

وقال شي »في السنوات الأخيرة، ساهمت العولمة في الكثير من أجل النمو الاقتصادي العالمي« واصفا العولمة بأنها »لا رجعة فيها«.

وأضاف »يتعين أن نحترم المجتمعات المتعددة ونتبع معا تنمية مشتركة من خلال بناء علاقات شراكة وبناء مجتمع مشترك لمستقبل البشر«.

وتابع »يتعين أن نعزز اقتصادا منفتحا يعود بالنفع على الناس. سيعود الانفتاح علينا بالتقدم، بينما الانغلاق سيجعل التقدم بطيئا«.

لكنه أقر ازاء الخلافات المتعددة حول انعدام التوازن التجاري وخسارة الوظائف وعدم المساواة الاجتماعية، بضرورة تطوير فلسفة التجارة الحرة لتصبح »أكثر انفتاحا وأكثر توازنا وأكثر انصافا«.

وقبل خطابه أعلنت الصين انها ستضاعف اجراءات فتح الاسواق المالية امام الشركات الاجنبية، وهو مطلب رئيسي من الولايات المتحدة ومستثمرين عالميين آخرين طالما اشتكوا من القيود المشددة على دخول ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وكان ترامب وصل إلى فيتنام قادما من بكين، حيث سعى لحشد اجماع ضد البرنامج النووي لكوريا الشمالية.

وفي فيتنام، ندد ترامب بـ»أوهام دكتاتور« بيونغ يانغ معتبرا ان آسيا لا يمكن ان تعيش تحت تهديد هذا الاخير.

واضاف أن على المنطقة »أن تكون موحدة في الاعلان أن كل خطوة يقوم بها النظام الكوري الشمالي نحو المزيد من التسلح هي خطوة نحو خطر متزايد«.

في الصين وبعد أن كان منتقدا لموقف الصين، أغدق ترامب المديح على شي، ووصف مضيفه »بالرجل المميز جدا« بعد رحلة زاخرة بالصور ولكن تفتقر إلى نتائج ملموسة حول معالجة قضايا رئيسية مثل كوريا الشمالية.

التجارة الحرة في محنة

وجمعت قمة »ابيك أقطاب السياسة وقطاع الاعمال، بينهم الياباني شينزو آبي والروسي فلاديمير بوتين.

ويهدد تولي ترامب قيادة أكبر اقتصاد في العالم بتفكيك عقود من الدبلوماسية الاقتصادية بقيادة أميركية، جمعت اقتصادات العالم في مبادلات حرة ورسوم منخفضة.

وتعهد ترامب التوصل لاتفاقية أفضل مع دول لديها عجز تجاري كبير مع الولايات المتحدة — بينها الصين — واعادة الوظائف إلى قلب المصانع التي صوتت له.

لكن مؤيدي التبادل الحر بينهم العديد من الحلفاء، يشعرون بالقلق مع قيام ترامب بتمزيق القواعد، فيما النقاشات المعارضة للعولمة تتردد في الولايات المتحدة واوروبا.

وسحب ترامب دعم واشنطن من اتفاقية الشراكة عبر الهادئ )تي بي بي( وتعهد إعادة التفاوض حول اتفاق التبادل الحر في اميركا الشمالية )نافتا( بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

واسف نجيب رزاق، رئيس ماليزيا إحدى الدول الاعضاء في الاتفاق الذي بات يعرف »تي. بي. بي-11« للتغير الاوسع »للهجة« إزاء العولمة.

وقال على هامش المنتدى في قاعة مليئة بكبار مسؤولي الشركات »أرى صعودا لمعاداة العولمة، أرى صعودا )لدول( أكثر انغلاقا على نفسها… أمامنا الكثير من التفكير في قمة أبيك هذه«.

الرئيس الفلبيني: أمريكا الضحية الأولى للعولمة

من جانبه انتقد الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، الآثار الاقتصادية للعولمة، قائلا إن »الولايات المتحدة هي الضحية الأولى لتداعياتها«.

وأضاف دوتيرتي في تصريحات أدلى بها على هامش قمة )إبيك( التي عُقدت في فيتنام أن »الولايات المتحدة هي أول المتضررين من تداعيات العولمة، وهذا هو سبب تراجع ترامب ليتبنى شعار أمريكا أولا«.

وأشار إلى أن الصين استفادت بشكل أكبر من انتقال الكثير من الصناعات الأمريكية إليها حيث العمالة الرخصية هناك، وقال إن »ذلك أثر بشكل كبير على العمال الأمريكيين«.

وأوضح الرئيس الفلبيني أن »العولمة أثرت سلبا كذلك على الدول الفقيرة في جنوب شرق آسيا، مع هجرة أصحاب المهارات إلى الدول الغنية في الخارج«. داعيا إلى الابتعاد عن ذلك المسار بهدف »تحقيق تنمية حقيقية«.

وتابع، »نحن نوفر فقط المواد الخام التي تُعاد إلينا من الدول الغنية في شكل منتجات بأربعة أضعاف الثمن. هذه هي العولمة«.

واختتم حديثه قائلا إن »الدول الأكثر فقرا تتحمل الأثر الأكثر سوءا للتجارة العالمية، حيث يتم تجريدها من العمالة والمواد الخام لتغذية الاقتصاد العالمي«.

وقمة »أبيك« هي إحدى أكبر الاجتماعات السنوية الدبلوماسية ويلتقي فيها العشرات من قادة الدول وأكثر من 2000 من المدراء التنفيذيين.

وتضم أبيك 21 اقتصادا في منطقة المحيط الهادئ تمثل ما يساوي 60 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي وتشمل 3 مليارات نسمة. وتدفع هذه المنظمة نحو تعزيز التبادل التجاري.