اقتصاد اوروبا 2018: هدوء ما بعد البريكسيت وتعافي الدول المأزومة

 باريس – جاد الحاج

يبدو واضحا ان انحسارمؤثرات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي آخذ في التأثيرإيجابا على الدول الاوروبية المأزومة، فإسبانيا والبرتغال واليونان لم تعد ضمن دائرة الخطر، ولو ان شبح الخروج الدراماتيكي مازال شاخصا في الافق البعيد بالنسبة الى اليونان. الا ان وطأة »البريكسيت« حطت بكامل ثقلها على المملكة المتحدة حيث انعكست الآراء المتضاربة، إن في الشارع او في مجلس العموم، على الأداء الاقتصادي، فضاعفت من اضطراب مسار التبادل التجاري ووضعت على المحك مستقبل الجنيه الإسترليني المتهالك امام الدولار واليوروعلى حد سواء.

إسبانيا

يتمتع الاقتصاد الإسباني بالانتعاش على نحو ثابت ومؤكد حتى ولو بدا الأفق الصافي المشمس والمتسم بالتفاؤل متباينا مع صورة الوضع السياسي القائم. ماريانو راخوي يترأس حكومة أقلية، نواتها الأساسية حزب الشعب المحافظ، مما يجعلها تعتمد على اتفاقات خاصة متعلقة بكل مسألة على حدة لمعالجة كل تشريع وإقراره وحده من دون أن يرتبط بغيره من المشاريع المطروحة على البرلمان. مع ذلك ليس مرجحا في رأي الغالبية الساحقة من المراقبين أن تعمر هذه الحكومة حتى نهاية ولايتها المفترض أن تنقضي سنة 2020. ولا يستبعد المراقبون أن تشكل المفاوضات من أجل الاتفاق على الموازنة العامة للعام 2018 المالي عاملا يطلق الدعوة إلى إجراء انتخابات باكرة سابقة لأوانها.

أغلب الظن أنه لن يصار إلى اعتماد المزيد من الإصلاحات الاقتصادية في البلاد إلا بعد تشكيل حكومة قوية. على سبيل المثال، تعتبر إسبانيا بأمس الحاجة إلى إصلاح نظام التقاعد. إلا أن التعديلات التي صار إلى سنها وتطبيقها منذ نشوب الأزمة المالية العميقة ما زالت دون التطبيق المفترض ان يبقي عجلة الانتعاش الاقتصادي في مسار ا تصاعدي. ناهيك عن توقع التدني في معدل البطالة على الرغم من أنه لا يزال مرتفعا جدا حتى الساعة . ويفترض العديد من المعلقين أن التهديد بإعلان كتالونيا استقلالها يزيد احتمال حدوث انفصال حقيقي ودائم، علما أن المراقبين والمحللين المستقلين يعتقدون بأن ردة الفعل القوية التي أبدتها الحكومة المركزية في مدريد سوف تبقي المقاطعة جزءا لا يتجزأ من إسبانيا أقله على المدى المنظور.

ألمانيا

بعد شهرين وأكثر من المفاوضات غير المثمرة بين المستشارة أنجيلا مركل وزعيمي حزب الأحرار الديمقراطيين من يمين الوسط وحزب الخضر من يسار الوسط، استهلت ألمانيا الشهر الأخير من العام المنصرم بخبر فتح الطريق أمام احتمال دخول الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ائتلاف حكومي مع المستشارة مركل وحزبها المسيحي الديمقراطي. وهكذا بدأت ألمانيا العام الجديد مع تشكيلة حكومية ائتلافية تتميز ببعض التغيير عن تلك التي انتهت صلاحيتها مع يوم الاقتراع في 24 أيلول )سبتمبر( الماضي.

ليس مستغربا في حال تشكيل الحزبين الكبيرين ائتلافا حكوميا جديدا أن يتحول الخضر والأحرار الديمقراطيون إلى المعارضة، مما يسمح لمركل بالانطلاق في ولايتها الرابعة في رئاسة الحكومة، مستندة إلى أكثرية لا تقل عن 393 نائبا في البوندستاغ الذي يضم 705 مقاعد. في جميع الحالات، يجدر بمركل أن تجابه الخطر المترتب على وجود حزب يميني متطرف داخل البرلمان احتل المرتبة الثالثة من حيث عدد المقاعد. لذا ينتظر أن تضع مركل بالتعاون مع شريكها الجديد في الائتلاف الحكومي خطة لمواجهة الحزب اليميني الشعبوي، وهي المرة الأولى التي يرى فيها البرلمان الألماني دخولا لحزب يميني متطرف إلى صفوفه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

يرى العديد من المحللين اليمينيين ولا سيما في بريطانيا والولايات المتحدة أن من واجب ألمانيا وربما فرنسا معها أن تعمل في ميدان السياسة الخارجية للدفاع عن الديمقراطية الليبرالية لأوروبا الغربية، وقيادة الاتحاد الأوروبي في التصدي لعملية انسحاب بريطانيا من عضوية التكتل التجاري الأكبر من نوعه في العالم.

أيرلندا

من المتوقع لحكومة الأقلية التي يترأسها ليو فارادكار، والتي يقودها حزب »فِن غايل« ولكنها تعتمد على دعم المعارضة وتأييدها بزعامة حزب »فيانا فايل« المعارض، أن تجتاز أشهر العام الجديد بكثير من التعب والمشقات. وفي حال بقائها على قيد الحياة مع نهاية العام الجديد، فإن ذلك سوف يأتي على حساب إحراز التقدم في التصدي لمجموعة متنوعة من المشكلات ومعالجتها، بما في ذلك طلبات الدفع المتضخمة التي يتحملها القطاع العام، وعمليات الفحص من قبل المؤسسات الأوروبية لنظام الضرائب والجباية الأيرلندي، والمفاوضات بخصوص انسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي.

أما لو أظهرت استطلاعات الرأي تفوقا وتقدما واضحا لمصلحة حزب »فيانا فايل« المعارض، لما تردد قادته في سحب دعمهم وتأييدهم للحكومة الائتلافية القائمة، الأمر الذي يفترض به أن يؤدي إلى إجراء انتخابات مفاجئة سابقة لأوانها. من جهته، سوف يتراجع معدل النمو الاقتصادي ليصبح معتدلا، وإن كان طبيعيا أن يظل أعلى من مستوى المعدل الوسطي المسجل عبر بلدان الاتحاد الأوروبي. لكن من غير المستبعد تنظيم استفتاء حول تشريع عمليات الإجهاض، مما يحتمل أن يشكل تعارضا بل تصادما مع زيارة مخططة ينوي البابا فرنسيس القيام بها إلى أيرلندا.

إيطاليا

عام جديد وانتخابات جديدة. من المفترض بالحكومة الائتلافية برئاسة باولو جنتلوني زعيم الحزب الديمقراطي من يسار الوسط أن تفسح المجال أمام حكومة أخرى من التركيبات الائتلافية غير المستقرة. وكان مطلع الربع الأخير من العام الماضي قد شهد إقرار مشروع قانون

Metteo Renzi  PM of Italy
Metteo Renzi
PM of Italy

لإصلاح النظام الانتخابي، وهو يميل لمصلحة الأحزاب العريقة الراسخة الجذور على حساب الأحزاب الشعبوية، وبخاصة حركة الخمس نجوم. مع ذلك، ليس متوقعا من القانون الجديد أن يتيح الفرصة أمام فائز واضح محدد.

وليس مستبعدا ولا مستغربا أن يتلاشى في العام الطالع التصاعد المتواضع والمحدود في نمو النشاط الاقتصادي، الذي العام شهده العام المنصرم. واللافت عودة الملياردير سيلفيو برلوسكوني )81 عاما( الى حشد التأييد وجمع المناصرين من جديد، مع ان حكومته الرابعة انفجرت من الداخل في العام 2011. لذا ليس مستبعدا أن يؤثر برلوسكوني في الحكومة التالية.

البرتغال

تعتمد الحكومة ذات التوجهات اليسارية برئاسة أنطونيو كوستا على تأييد ثلاثة أحزاب أخرى أكثر ميلا إلى اليسار من أجل تأمين الأكثرية في التصويت على التشريعات ومشاريع القوانين المدروسة. إلا أنها مع ذلك احترمت التزامات لشبونة تجاه الاتحاد الأوروبي، بينما عملت على تأخير أو إلغاء بعض تدابير التقشف التي اعتمدتها الحكومة السابقة . ومع اختبار الاقتصاد البرتغالي لوضع الانتعاش والتعافي وأمام تصاعد أعداد المؤيدين لها في استطلاعات الرأي، تجد الحكومة القائمة نفسها ناعمة بالاستقرار حاليا، وإن كان من المحتمل توجيه الدعوة لإجراء

ترام ليشبونة
ترام ليشبونة

انتخابات سابقة لأوانها قبل موعد الانتخابات التالية المقررة أصلا في العام المقبل.

بعد أن تخطت البرتغال في أداء نموها الاقتصادي المعدل الوسطي المسجل عبر بلدان الاتحاد الأوروبي في العام المنصرم، من المتوقع لنموها الاقتصادي أن يستقر في مسار متواضع ومحدود.

بريطانيا

لن يعرف جو الحياة السياسية البريطانية سوى مسألة خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي )البريكسيت(والقليل من الأمور الأخرى في ظل حكومة حزب المحافظين المعتبرة حكومة أقلية )بفعل تمتع الحزب بما لا يزيد على 318 مقعدا، ونيله تأييد النواب العشرة التابعين للحزب الأيرلندي الشمالي الموالي للتاج من أصل مقاعد البرلمان الـ650(. في أي حال، كان

موقع رئيسة الحكومة تريزا ماي قد ضعف نتيجة قرارها الخاطئ بتنظيم انتخابات مفاجئة في العام المنصرم على أمل تحسين مكانة حزب المحافظين الحاكم. ومن غير المستبعد أن يتزعزع استقرار الحكومة وكفايتها وأخيرا قدرتها على الصمود والبقاء بفعل الانقسامات في صفوفها بين الذين يسعون إلى الانشقاق التام عن جميع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والذين يرغبون في الحفاظ على ارتباط ما على مستوى معين مع تلك المؤسسات. وبنتيجة تقلص سلطانها ونفوذها، من المتوقع أن تعمد الحكومة إلى الالتفاف حول التدابير المثيرة للجدال والنقاش، بينما تخفف من سياسة التقشف المالي، مما يعني تراجع احتمالات تنظيم موازنة حكومية متوازنة. كما ينتظر للنمو أن يتباطأ للعام الرابع على التوالي.

بلجيكا

نتيجة هيمنة الإصلاح الاقتصادي على برنامج عمل الحكومة، من غير المستبعد أبدا أن تظل نزعات الانفصال لدى كل من الفلمنكيين والوالونيين مكبوتة وتحت السيطرة. لا يعني هذا الكلام عدم تسجيل أي احتكاكات أو حوادث مثيرة للجدال والانشقاق. من المعروف عن الأحزاب الأربعة المكونة للحكومة الائتلافية عدم توافقها على السياسة الاقتصادية والمالية الجبائية، علما أن وجود شبه إجماع تام في يمين الوسط يعني انعدام التهديد لبقاء الحكومة واستمرارها.

في جميع الحالات، من المتوقع لسياسة الحكومة أن تسعى جاهدة كي تجعل النمو الاقتصادي أكثر شمولا وتوازنا في العام الطالع.

الدانمارك

يعتمد الائتلاف الحكومي المكون من ثلاثة أحزاب من يمين الوسط، بقيادة الحزب الليبرالي، على التأييد الذي يقدمه له حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف بقصد توفير الأكثرية في البرلمان من أجل إقرار مشاريع القوانين. ولعله لن يستطيع أن يكمل ولايته. من جهته، ينتظر أن يمارس حزب الشعب الدانماركي الضغوط من أجل إعادة التفاوض على شروط انضمام الدنمارك إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، بينما ينكب على المراقبة الوثيقة لمدى التقدم الذي تحرزه بريطانيا في سعيها من أجل إقامة علاقة جديدة مع الكتلة التجارية الكبرى.

من ناحيته، يريد رئيس الحكومة لارس لوكه راسموسن تعزيز الاقتصاد وتقويته عن طريق إيجاد حوافز للمتقدمين في السن كي يستمروا في العمل. إلا أن التقدم على هذا الصعيد سوف يتسم بالبطء.

السويد

 حكومة رئيس الوزراء ستيفان لوففن، وهي ائتلاف أحزاب من يسار الوسط بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ستكمل ولايتها مع تحديد موعد الانتخابات البرلمانية في أيلول )سبتمبر( المقبل. من ناحيتهم، يبدو الناخبون على استعداد للتصويت لحكومة ائتلافية من أحزاب يمين الوسط في حال تغلبت الأحزاب اليمينية الكبرى على نفورها من حزب الديمقراطيين السويديين اليميني المتطرف، وبخاصة أنها طالما تحاشت التعامل معه في السابق.

والمتوقع من الحكومة حتى موعد الانتخابات أن تستخدم الحرية المتاحة لها بواسطة الوضع المالي المشرق والمتألق حتى تخصص المزيد من المال للرعاية الصحية وبرامج التعليم، بينما تعمل على تشديد التدابير الأمنية ضد النشاطات الإرهابية والهجمات النابعة من الكراهية العنصرية أو الناتجة عنها.

وليس مستبعدا أن يتباطأ النمو الاقتصادي قليلا في الأشهر المقبلة، بعد عامين أو ثلاثة من اختباره معدل نمو يفوق مستوى التيار العام السائد.

سويسرا

سوف يحاول الائتلاف الحكومي الكبير إدارة علاقات البلاد مع الاتحاد الأوروبي وسط موجة من تصاعد الشعور المعادي للمهاجرين، وفق ما يتبين من قوة حزب الشعب السويسري اليميني المتطرف ونفوذه داخل المجلس التنفيذي السويسري، حيث يحتفظ باثنين من أصل سبعة مقاعد. وسوف يمارس حزب الشعب السويسري الضغط وأعمال المطالبة بتنظيم استفتاء ضد الهجرة، الأمر الذي يحتمل أن يشكل تقويضا لقوانين الاتحاد الأوروبي الضامنة لحرية حركة الأفراد. ولا يزال الاتحاد الأوروبي حتى الساعة يدرس النتائج المترتبة على استفتاء سبق وأجري في العام 2014.

من المتوقع للاقتصاد السويسري أن يقوى ويتعزز بفضل احتمالات تحسن الأداء الاقتصادي عبر بلدان أوروبا وغيرها من دول العالم، حتى ولو كان انسحاب بريطانيا من الاتحاد وتباطؤ معدل النمو الاقتصادي في الصين من الأمور التي تجعل سويسرا في مواجهة بعض التهديدات والمخاطر.

فرنسا

يتمتع حزب »الجمهورية تتقدم« الذي يتزعمه الرئيس الشاب إيمانويل مكرون بأكثرية مريحة في الجمعية الوطنية، ومن المفترض به أن يحرز التقدم على صعيد إقرار الإصلاحات الاقتصادية الطموحة.وسوف تعطى الأولوية لتخفيف القيود المفروضة على العمالة ولاعتماد المزيد من المرونة بخصوص قوانين عمل الوقت الإضافي واتفاقات المساومات أو الترتيبات الجماعية، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى إصلاحات النظام الجبائي أو الضرائب وبرامج الرعاية والرفاهية الاجتماعيتين.

أما المعارضة، فينتظر أن تنبثق بالدرجة الأولى من الشارع ومن النقابات العمالية. ولا بد من انقضاء بعض الوقت قبل أن يدرك المعنيون من المعارضين مجمل الفوائد المتاحة، حتى ولو كان الاقتصاد يختبر التعافي والانتعاش.

على الصعيد الخارجي، من المفترض بالحكومة الجديدة في ظل رئاسة مكرون أن تعمل على تحسين العلاقات مع ألمانيا، والدفع باتجاه اتحاد أوروبي أشد ميلا إلى اعتناق النظام الفدرالي.

وينتظر أن يشهد العام الطالع الندوة الدراسية الرابعة عشر للجمعية الفرنسية الفنية. وما هذا الملتقى سوى لقاء للمصلحين أو العاملين الفنيين غير الخبراء، ومن يتولون إنجاز الأعمال والمهام التقنية بأنفسهم، والمخترعين المنزليين أو المحليين، وتعقد حلقاتها واجتماعاتها في عدد من المدن الفرنسية في تموز )يوليو( المقبل.

فنلندا

بعد أن جرى نبذ حزب »الفنلنديين« وإخراجه من صفوف الائتلاف الحاكم في العام المنصرم، ينتظر منه المتطرف أن يمارس الضغط على الحكومة الموهنة، من موقعه في مقاعد المعارضة، مما يجعل التقدم يتعثر بخصوص أي من المبادرات والقضايا باستثناء الأقل إثارة للجدال.

وسوف تتعرض الإصلاحات المخططة للإدارات أو الحكومات المحلية ونظام الرعاية الصحية والاجتماعية تأجيلا في مسيرة العمل الحكومي، ولكن الحكومة الائتلافية اليمينية سوف تكمل ولايتها حتى الموعد المحدد للانتخابات العامة التالية.

أما الاقتصاد الفنلندي بعامة، فمن المنتظر أن يختبر بعض الترهل والوهن، نتيجة إقدام المستهلكين على تقليص نفقاتهم وخفضها بعض الشيء. ومن غير المرجح قيام سلطات هلسنكي بتقديم طلب رسمي للانضمام إلى الحلف الأ طلسي، ولو أن من المنتظر لفنلندا أن تزيد من تعاونها العسكري وبخاصة مع دول إسكندينافيا وشمال أوروبا علاوة على تمادي التشنجات والتوترات المسجلة مع روسيا المجاورة.

النروج

 تستمر الحكومة الائتلافية من يمين الوسط في الحكم للأعوام الأربعة المقبلة بعد إجراء الانتخابات في أيلول )سبتمبر( الماضي. ومن المتوقع لل أن تستخدم التدابير والإجراءات المالية الجبائية والنقدية لدعم النمو الاقتصادي في القطاع غير النفطي إذ تختبر الصناعة النفطية بعض التباطؤ.عموما.كذلك سوف تكون الفقاعة الصاعدة في قطاع المساكن والإسكان مصدرالانتباه الاهم مع الكثير من التأني. أما الإنفاق الاستهلاكي المعزز بانخفاض أسعار الفائدة وارتفاع أثمان الوحدات السكنية، فينتظر أن يحافظ على استدامة النشاط الاقتصادي، ولو أنه من غير المستبعد حدوث تقلبات لافتةا في أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية. وسوف يشهد وقت متقدم من العام الطالع سلسلة من التمارين والمناورات العسكرية التي يجريها حلف الناتو تحت عنوان »نقطة التقاء ترايدنت«، وذلك من باب توجيه رسائل تنبيهية الى كل من يهمه الامر.

النمسا

كان حزب الحرية اليميني المتطرف على أهبة تشكيل جزء أساسي من الحكومة الائتلافية، التي كان يفترض أن تأتي على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الأول )أكتوبر( الماضي، مما كان سيدفع اللعبة السياسية أكثر نحو التوجه القومي المتشدد إن لم يكن المتطرف. وكانت الانتخابات قد أصبحت أمرا مفروضا على النمساويين نتيجة تقديم زعيم حزب الشعب النمساوي اليميني راينهولت ميترلهنر استقالته. على أن هذا الحزب بزعامة رئيسه الجديد سيباستيان كورتس حافظ على دوره الطليعي في الائتلاف الحكومي الجديد.

أما النمو في الناتج المحلي العام، فينتظر له أن يعتدل إيقاعه ويتراجع معدله قليلا في أعقاب الطفرة اللافتة، التي كان قد اختبرها في العام المنصرم.

هولندا

 أسفرت أطول عملية تفاوض، تعقب الانتخابات البرلمانية في هولندا، عن حكومة ائتلافية رباعية الأحزاب تشكلت آخر الأمر في وقت متقدم من أواخر العام المنصرم. نال بموجب هذه الترتيبات زعيم الحزب الشعبي للحرية والديمقراطية مارك روته ولاية ثالثة مستقرة في رئاسة الحكومة. أما حزب من أجل الحرية اليميني المتطرف، فينتظر أن يمارس الضغوط وحملات المطالبة والدعاية من صفوف المعارضة ومقاعدها.

تعتبر الأحوال المالية العامة في وضع جيد للغاية )إذ تتمتع البلاد بفائض في الموازنة(، بينما يعتبر النمو في الناتج المحلي العام قويا وجيدا وفق مقاييس الاتحاد الأوروبي. سوف يتم افتتاح ملعب غولف جديد قابل للتعديل والقلب صالح لانطلاق اللعب فيه من طرفيه في محلة إرمالو خلال الصيف المقبل.

اليونان

تتمتع الحكومة الائتلافية برئاسة ألكسيس تسيبراس من حزب سيريزا اليساري الراديكالي وحزب اليونانيين المستقلين القومي بأكثرية ثلاثة مقاعد في البرلمان. لذلك يرجح المراقبون ألا تعمر حتى نهاية العام الطالع لأسباب عملية واقعية. جدير بالذكر أن الإصلاحات المطلوب منها تحقيقها بموجب رزمة الكفالة المقدمة لها تعتبر غير مستساغة بالنسبة إلى مناصريها ومؤيديها.

على هذا الأساس، يرجح عدد من المحللين الأوروبيين احتمال أن تحل مكانها حكومة ائتلافية يتولى قيادتها حزب الديمقراطية الجديدة من يمين الوسط، علما أن اليونانيين لا يظهرون حماسة حقيقية وملموسة تجاه اعتماد هذا الخيار أو البديل.

من الاحتمالات المطروحة والمرجحة في وقت لاحق خروج اليونان من منطقة اليورو، لكن هذا الاحتمال غير وارد في العام الجديد. ففي الأشهر الـ12 المقبلة ينتظر للاقتصاد أن ينمو بأسرع وتيرة له منذ 11 عاما، وفي هذا مقدار من التعزية للمواطنين اليونانيين العاديين.

مؤثرات نقل السفارة الاميركية الى القدس على اسرائيل، ايران، وتركيا

ثلاث دول محورية في قلب الشرق الاوسط يتأثر اقتصادها وتهتز مقوماتها السياسية بفعل قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده الى القدس: اسرائيل، ايران، وتركيا.

تتأزم المناكفات والمنافسات الشخصية والاختلافات الإديولوجية على تفكيك تماسك الائتلاف اليميني بزعامة بنيامين نتانياهو. وربما صار إلى توجيه الدعوة لإجراء انتخابات سابقة لأوانها في العام الحالي، اي قبل نهاية ولاية حكومته المقررة أصلا . إلا أن قرار الرئيس الأميركي باعتبار مدينة القدس عاصمة إسرائيل قد يتيح للحكومة فرصة الاستمرار في المستقبل المنظور، من خلال السعي إلى التغلب على ردود الفعل السلبية في الشارع الفلسطيني، والإسراع من جهة ثانية في تنفيذ قرارها المتخذ غداة إعلان ترامب والقاضي بإقامة 14 ألف وحدة سكنية استيطانية في أحياء القدس الشرقية وضواحيها المباشرة، مما قد يقضي حتى على الوعد بتسليم محلة أبو ديس للسلطة الوطنية الفلسطينية. لكن، يبدو نتانياهو في وضع مريح يتيح له إحراز النصر في هذه الانتخابات لوتقررت، بسبب ضعف خصومه السياسيين، والانتفاع من دعم إدارة الرئيس ترامب المؤيدة لزعيم الليكود. مع ذلك، لا يستبعد المراقبون أن تفضي التحقيقات في أمور الاختلاس والتزوير إلى سقوط نتانياهو سقطة حاسمة ونهائية، خصوصافي حال تازمت قضية عهد التميمي واشتعل الشارع الفلسطيني بضراوةفي الشهور المقبلة.

في إيران، يمثل الرئيس الإيراني الدكتور حسن روحاني المعاد انتخابه بأكثرية هامة تيارا إصلاحيا ناشطا ومؤثرا . لكن هذا لا يعني بالضرورة في الوقت الحاضر قيام نظام أقل تمسكا بالطقوس والواجبات الدينية مما يتبناه المتشددون في صفوف المحافظين. ومن المنتظر من جهة أخرى أن ترتفع نبرة الخطاب العدائي المتبادل بين الحكومة الإيرانية وإدارة الرئيس ترامب المتطرفة، وتتصاعد حدته حول الاتفاق النووي الدولي المبرم مع طهران في العام 2015، الأمر المفترض أن يعمل على زيادة الخطر الذي يتهدد الاتفاق بعد تجميد الإدارة الأميركية لالتزام واشنطن به. وليس غريبا أن تستغل طهران الغضب الشعبي لدى مواطنيها ومواطني عدد غير قليل من الدول العربية والإسلامية تجاه قرار ترامب الخاص باعتبار مدينة القدس عاصمة إسرائيل، لتكريس موقعها المتقدم في معارضة السياسات الأميركية، وبخاصة أن سلوك واشنطن في هذه المسألة أحادي يتناقض مع التفاهمات والقرارات الدولية، تماما كما هو وضعها بالنسبة إلى التعامل الأحادي مع الاتفاق النووي الدولي الموقع مع إيران قبل قرابة ثلاثة أعوام.

وليس مستبعدا في هذه الأثناء أن تتواصل عملية التحرير الاقتصادي والاجتماعي الحذر في الأشهر المقبلة، علما أن ثمار الإصلاح سوف تعمل على تعويض إيران عن الانخفاض في أسعار النفط الخام غير المتوقع لها أن ترتفع بشكل حاد وسريع في خلال العام الطالع، حتى ولو كان العديد من الجهات المخمنة أخذ يصدر توقعات متفائلة بخصوص تسجيل سعر برميل الخام معدلا وسطيا لا يقل عن 62 دولارا.

في تركياعمد الرئيس رجب طيب إردوغان إلى انتهاز الفرصة التي أتاحتها محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة ضده في تموز )يوليو( من العام 2016 بصورة كاملة تفضح من يتهمهم بأنهم تآمروا على نظام الدولة، وكذلك على سلطته وسعوا إلى إطاحته. وفي هذا الإطار عمد إلى إسكات وسائل الإعلام غير المؤيدة له والتي توجه الانتقادات إليه، وكذلك إلى العمل على سحق المعارضة السياسية الكردية. ولعله لن يتأخر في انتهاز الفرصة لتكريس موقع متقدم له شخصيا في »قيادة العالم الإسلامي« عن طريق القمة الإسلامية التي دعا إلى انعقادها بتاريخ 13 كانون الأول )ديسمبر( المنصرم للتباحث في الموقف من قرار الرئيس ترامب بتطبيق قرار الكنغرس المتخذ في العام 1995، والقاضي باعتبار القدس عاصمة إسرائيل على الرغم من مخالفة ذلك للتفاهمات والقرارات الدولية.

الا ان اردوغان لن يتمكن من السير قدما في عملية تحويل النظام السياسي القائم في تركيا الى رئاسي مطلق الصلاحيات في ظل التحولات التي تلوح في الافق على وقع نقل السفارةالاميركية الى القدس، وتورط جيشه في المستنقع السوري، في الوقت عينه.

جاد الحاج