في الذكرى 15 لغزو العراق لقطات أمريكية من وقائع دوافع التطرف والتدمير

د. ماجد السامرائي

يبدو إن العراق شاغل مهم للتاريخ الانساني في نكساته أو انتصاراته منذ الحلقات الحضارية الأولى في سومر حيث الملامح البشرية الأولى للمعرفة الانسانية وبابل حيث قواعد بناء الدولة على يد نبوخذنصر وحمورابي مروراً بشرارة الاشراق الاسلامي الممزوج بالعروبة حيث ترسخت ونضجت معالمها في بغداد وانطلقت الى دمشق والقاهرة وتكاملت الأضلاع الثلاثة في حلقة حضارية انسانية راقية، تلاشت وتفككت حالها حال الامبراطوريات التي تتآكل من الداخل وتنهار بفعل قوى الخارج وترهل الداخل.. ولم يكن العراق في أية حلقة من حلقات تاريخه الطويل في زاوية مهملة، ولم يصل الضعف الى مكمن الحياة فيه.. حتى وإن كان محتلاً.. هكذا كان العراق حين تناوبت وتنافست على احتلاله الامبراطوريتان الفارسية والعثمانية، وعاودت اطماع الكبار من جديد في القرنين الأخيرين في احتلالي الانكليز والأمريكان.. كان الاحتلال الأول 1917 ناتج )سايكس بيكو( لتقاسم المنطقة على أسسس بناء دولة مدنية حديثة الى جانب دول أخرى في المنطقة، ولا يختلف كثيراً من حيث النتيجة عن سيناريو الاحتلال الأمريكي عام 2003 الذي جعل من العراق قاعدة انطلاق لسايكس بيكو 2 وفق مشروع الشرق الأوسط الكبير.. وهكذا تتجدد أهمية العراق حتى في احتلاله. كان خيار الاحتلال العسكري وليد نظرية اليمين الأمريكي المتطرف بأن امريكا يجب أن تسود إمبراطوريتها العالم انطلاقاً من العراق. وأصبح واضحاً الآن بأن عملية الاجتياح العسكري للعراق واحتلاله لم تكن قراراً سياسياً من ادارة بوش عام 2003 استهدف نظام صدام حسين نتيجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، بل هي عملية خضعت لمقدمات ذات أبعاد تاريخية واستراتيجية منذ سنوات قبل عام 2003 وهذه الحقيقة ليست ناتجة عن تحليلات وتوقعات سياسية بل أكدتها وقائع ووثائق وتصريحات للمسؤولين الرئيسين عن قرار الاحتلال )جورج بوش الإبن وتوني بلير( اضافة للشهادات المهمة للمصادر السياسية والاعلامية والبحثية الامريكية. ومن المفيد استعراض أبرز الوقفات المهمة من تلك الشهادات التاريخية وخصوصاً الدوافع الفكرية والعقائدية داخل تيار اليمين الأمريكي المتطرف، وربطها مع بعضها للوصول الى الصورة الحقيقية للأهداف الرئيسية من وراء سحق العراق وتدميربنيته الاقتصادية والاجتماعية وإغراقه بالتناحرات الطائفية والعرقية.. لقد شكل تيّار )المحافظين الجدد( وزعمائه حزمة سياسية وعسكرية اشتغلت على مدى سنوات طويلة قبل واقعة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 والتي شكلت المبررات اللوجستية للتحضير لاحتلال كل من العراق وإفغانستان لقد رسم )المحافظون المتطرفون( مخططات الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط باعتبارها قلب العالم الجديد لاحتوائها على شريان الحياة )النفط( ولكون حضارتها ودينها الاسلامي تشكل نقطة تحدي للأفكار العنصرية والانعزالية التي سادت في الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية..

المحافظون الجدد صنعوا الاحتلال

وصف الرئيس الأمريكي الأسبق )جيمي كارتر( المحافظين الجدد في كتابه: »القيم الأمريكية المعرضة للخطر« بأنهم هم الذين روجوا لفكرة أنه إما أن تكون معنا أو أن تصبح ضدنا وبذلك أصبحوا يشكلون أكبر خطر على سمعة الولايات المتحدة في العالم. لقد أصبح أحد صقور المحافظين الجدد )ديك شيني( في منصب نائب الرئيس جورج بوش، وكذلك )دونالد رامسفيلد( وزيرا للدفاع وكذلك )بول وولفويتز( نائب وزير الدفاع وهو من أكثر المتحمسين لاحتلال العراق و)ريتشارد بيرل( الملقب بـ »أمير الظلام« مُنظّر احتلال العراق وصاحب نظرية استخدام القوة الأمريكية لتدمير أعداء إسرائيل و)دوجلاس فيث( وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية الذي أقام مكتب الخطط الخاصة الذي أنشأه بالتلاعب بالمعلومات المخابراتية حول أسلحة الدمار الشامل. ويشكل )بول وولفويتز( و)ريتشارد بيرل( و)دوجلاس فيث( الثالوث الجهنمي الذي سوغ للإدارة فكرة خداع الشعب الأمريكي بخطورة التسلح العراقي على الولايات المتحدة وشعبها، وجرها إلى حرب مكلفة بشرياً ومادياً وسياسياً وإنسانياً. أما )جون بولتون( مندوب أمريكا السابق بالأمم المتحدة، والذي عينه الرئيس الحالي )ترامب( مسؤولا للأمن القومي الأمريكي في الوقت الذي كان ينفي فيه وجود )منظمة الأمم المتحدة( إلا إذا كانت أداة للسياسة الأمريكية، ولا يري مانعا من »تدمير عشرة طوابق من طوابق مبناها« في نيويورك. والرجل الآخر الأخطر هو )زلماي خليل زادة( الذي أدار حرب الإفغان ضد الاحتلال السوفييتي من خلال عمله على تسليح قوات المجاهدين الأفغان. ولكونه عضواً مؤسساً لمشروع القرن الأمريكي الجديد، فقد عمل أعضاء هذا المشروع على اتخاذ مواقف معادية شديدة تجاه العراق ففي عام 1998 بعث أعضاء هذا المشروع رسالة إلى كلينتون أيام كان رئيساً للولايات المتحدة قالوا فيها، »إن سياسة احتواء النظام العراقي بدأت بالتآكل بشكل خطير، وأن هذه التطورات تشكل خطراً كبيراً على أصدقائنا كإسرائيل والدول العربية المعتدلة وجزء ضخم من إحتياطي النفط العالمي«. وقد ختموا الرسالة بمطالبة كلنتون بإزاحة النظام العراقي بأي شكل من الأشكال، واعتبروا ذلك المطلب هدفاً للسياسة الأمريكية الخارجية. وقد وقع تلك الرسالة خليل زاده مع عدد كبير آخر ممن أصبحوا فيما بعد أعضاء مهمين في إدارة بوش اليمينية المتطرفة. ووفقاً لذلك فقد سهلت هذه المجموعة المتطرفة ومعهم العراقي )أحمد الجلبي( لإقرار الكونغرس الأمريكي قانون »تحرير العراق« والذي قبض من خلاله )الجلبي( مبلغ »خمسين مليون دولار« على أساس نفقات للمعارضة العراقية ولعل من الأمثلة الصارخة على نزعات )بوش( اللاهوتية ما كشفه الصحفي الفرنسي )كلود موريس( في كتابه بعنوان »لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه« أن شيراك شعر بالفزع عندما حدثه بوش خلال مكالمة هاتفية عن »يأجوج ومأجوج« لتبرير الحرب على العراق الذين تحدث عنهما بوش فلم يكن )شيراك( يتخيل أن نظيره الامريكى جورج بوش الذي يترأس أقوي دولة في العالم يمكن أن يحاول إقناعه بالمشاركة في الحرب التي شنها على العراق في مارس2003 بالتأكيد على أنها حرب تستهدف القضاء على »يأجوج ومأجوج« في منطقة الشرق، وقال هذا الصحفي في ذات الكتاب« كان الرئيس الأمريكي الأسبق )جورج بوش الابن( من أشد المؤمنين بالخرافات الدينية الوثنية البالية وكان مهووسا منذ نعومة أظفاره بالتنجيم والغيبيات وتحضير الأرواح والانغماس في المعتقدات الروحية المريبة وقراءة الكتب اللاهوتية القديمة وفي مقدمتها )التوراة( ويجنح بخياله الكهنوتي المضطرب في فضاءات التنبؤات المستقبلية المستمدة من المعابد اليهودية المتطرفة. ويميل إلى استخدام بعض العبارات الغريبة وتكرارها في خطاباته مثل: )القضاء على محور الشر( و)بؤر الكراهية( و)قوى الظلام( و)ظهور المسيح الدجال( و)شعب الله المختار( و)الهرمجدون( و)فرسان المعبد( ويدعي انه يتلقى يوميا رسائل مشفرة يبعثها إليه )الرب( عن طريق الإيحاءات الروحية والأحلام الليلية. وبعد أن يئس جورج بوش من مساندة الرئيس الفرنسي )جاك شيراك( كثف جهوده مع رئيس الوزراء البريطاني )توني بلير( لتأمين مشاركته العسكرية في الغزو على العراق. وقد نشرت صحيفة »الغارديان« البريطانية على لسان زوجة كبير مستشاري رئيس الوزراء البريطاني جوناثون باول )سارة هليم( نص المكالمة التي جمعت الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير والتي تحدثا فيها عن الاستعداد لغزو العراق سنة 2003. وفقا لما كتبته انها سمعت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي وتوني بلير بحكم منصب زوجها وقد كتبت جزءا من تلك المحادثة في عمل مسرحي يسمى »الولاء«، وتم عرضه في لندن في العام 2011 فإن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش اتصل ليلة شن الحرب على العراق بتوني بلير، حيث سأله بوش عن استعداده للمشاركة في تلك الحرب. وهذا مقطع من تلك المكالمة بلير: إذن… ماذا نفعل الآن؟علينا أن نجعل الناس تفهم أننا لن نحارب لأننا نريد الحرب، ولكن لأنه ليس هناك بديل.

ذبوش : ولكن لتعلم يا توني أن الشعب الأمريكي لن ينسى ما تفعله أبدا، يقول الناس لي هل رئيس الوزراء بلير حقا معك على طول الطريق؟ هل تثق به؟ وأنا أقول نعم، لأنني أعرف حس القيادة حين أراه، والشجاعة الحقيقية، هو لن يخذلنا.

 بلير: قد تكون هذه هي الكلمات التي ستنقش على ضريحي.

بوش :ضاحكا: مثل أرقد في سلام، هنا يرقد رجل شجاع، هل هذا ما تقصده؟

بلير بصوت متوتر: نعم، صحيح

وقالت سارة إنه عقب الصمت الذي خيم على المكان عقب نهاية المكالمة، تخيلت بلير وهو يجلس وحيدا، ويتخيل قبره، كما أنه يفكر في احتمالية خسارة تأييد مجلس العموم البريطاني الذي حصل عليه، مقابل انتظار قرار أممي ثان، أم يفكر في المكالمة التي جاءت من رجل يشيد بلغة جسده. وأضافت: »لكن دون شك هذه المكالمة ساهمت بشكل كبير في رسم شخصية توني بلير، وكيف إنه ضم بريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة في حربها على العراق«.

وأشارت سارة إلى أنه ربما تلك المكالمة جعلت بلير يفكر كثيرا في الاعتقاد الذاتي بنفسه، ولكن في الدقيقة الأخيرة ربما شعر بلير بأنه يبدأ مشوار موته سياسيا، حسبما جاء على لسانها.

ومنذ سنوات قليلة أخذ زعماء الغزو الأمريكان السياسيين والعسكريين يعترفون في مذكراتهم وتصريحاتهم بتزييفهم للحقيقة وهي إن العراق لم يمتلك »أسلحة الدمار الشامل« والغزو الجائر الذي خلف كل ما يعيشه هذا البلد الآن من كوارث سياسية وانسانية

مقطع كوميدي ساخر آخر قدمه واحد من مجموعة الاحتلال قبل أيام وهو الحاكم في العراق)بول بريمر( حيث شبه عمله في العراق بلعبة )القولف( التي يستمتع بها حاليا في مدينة )فيرمونت( ويدعي بأن العراقيين يعيشون الآن أفضل حالا من قبل.