سناء بزيع

الشاعر سليمان دغش

الشاعر الفلسطيني سليمان دغش يطلّ على بيروت من على غيمتين الشاعر الفلسطيني الكبير سليمان دغش وسفير فلسطين في حركة شعراء العالم هو أحد رموز شعر المقاومة في جيلها الثاني كما وصفه الشاعر والناقد الفلسطيني المرحوم طلعت سقيرق في كتابه »أدب المقاومة في جيله الثاني« حيث خصص الكاتب مساحة واسعة في الكتاب لتجربة دغش الفريدة والمميزة والتي تعتبر امتدادا لجيل الرواد محمود درويش وسميح القاسم مثالا . وبسبب الحصار وقلة التواصل مع العالم العربي بقي دغش وكثيرون من زملائه في دائرة الظلّ اذا صح التعبير وقد بدأ

الشاعر سليمان دغش

كتابة الشعر منذ نعومة أظفاره وبدأ ينشر قصائده في صحف ومجلات الوطن المحتل كصحيفة الاتحاد ومجلتيْ الجديد والغد الفلسطينيتين . وبعد دخول الشبكة العنكبوتية وعالم الانترنت الى واجهة الحياة العصرية فقد تمكن الشاعر من التحليق واختراق الحصار الاحتلالي والحضور بقوة في المشهد الثقافي العربي كأحد ابرز شعراء المقاومة على الصعيد الفلسطيني وكأحد اهم الشعراء العرب المعاصرين. وقد أجرينا مع الشاعر دغش هذا الحوار

س 1. حدثنا عن تجربتك الشعرية كيف بدأت وما هي المحطات الهامة فيها وأبرز مقوماتها؟

ج . منذ بداية تشكل الوعي وانفتاحي على الحياة بكل ما فيها من جمال المكان والطبيعة الساحرة لفلسطين لا سيما منقطة الجليل حيث ولدت وأقيم في احدى اجمل المناطق الفلسطينية على سفوح الجبال المطلة على بحر الجليل )بحيرة طبريا( ، بحيرة الناصري يسوع المسيح وبحيرة المتنبي وصلاح الدين الايوبي الذي شربت خيوله من مائها العذب في معركة حطين التاريخية والتي هزم فيها البيزنطيين شرَّ هزيمة، وبحيرة سليمان دغش حيث خصصت لها ديوانا كاملا تحت اسم »نهاريَّة سليمان دغش« وهو ملحمة شعرية ناجيت من خلالها البحيرة وأرخت للنكبة الفلسطينية التي أثرت في روحي وأدمت وجداني منذ الطفولة المبكرة ولا زالت حاضرة في وجداني وذاكرتي بقوة كجرح مفتوح على العواصف والرياح في تصارع مأساوي بين الحلم والأمل وبين الواقع الدامي والماضي باتجاه المجهول في واقع عربيّ مرير ومعقد يرمي بظلاله السوداء على مصير فلسطين وشعبها المنكوب ما يزيد من معاناته ويطيل بعمر الاحتلال الغاشم للأرض وللحق الإنساني المشروع لهذا الشعب العظيم. في هذا الواقع المأساوي واسقاطاته الموجعة على نفسي بدأت كتابة الشعر في سن مبكرة لإيماني العميق بقوة الكلمة التي تسبق الرصاصة وطالما كانت منطلقا لها. وقد كان عشقي للغة العربية وللشعر دافعا لخوض التجربة بكل ما تحمله من تحديات كبيرة صممت أن أواجهها وأن اتغلب عليها بإرادة لا تقهر. ولا بد لي أن أشير الى احدى أهم المحطات في حياتي وهي دخول السجن العسكري حيث أمضيت اربع سنوات في زنازين السجن وقد فشل السجان رغم قسوة القيد وظلمة الزنازين أن يسجن روحي التي كانت تحلق حرة أبية فوق جبال وسهول وشواطئ الوطن المقدس لتزيدني هذه التجربة عنفوانا وتحديا وقد كتبت معظم قصائد ديواني الأول »هويتي الأرض« على أوراق علب السجائر في عتمة الزنزانة التي كنت مضطرا لثني ركبتيّ عند النوم على مسطبتها الباردة لأنها اضيق من قامتي.

س 2. حدثنا عن المشهد الثقافي الفلسطيني تحديدا والعربي عامة كيف تراه اليوم.

ج . أما بخصوص المشهد الثقافي الفلسطيني اليوم لا سيما بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وعصر الحداثة وتحت عباءتها الفضفاضة طغى على هذا المشهد كم هائل من الكلام الركيك والشعر الهابط الذي رأى في الحداثة شكلا لا أكثر علما أن الحداثة هي جوهر الوجود وروح العصر وأنا مع الحداثة الحقيقية بوصفها جوهرا ومبنية على جذور قوية في التاريخ والثقافة والحضارة واللغة ولست مع حداثة استنساخ الآخر التي بدأت تلقي بظلالها على المشهد الثقافي وخاصة الشعر الذي أعتبره أرقى وأسمى أشكال التعبير لما يحمله الشعر من سحر الألفاظ والايقاع والإيماء والإدهاش، فثمة روحيّة للشعر تفتقدها الأشكال الأدبية الأخرى مهما بلغت من جمالية. وأستطيع القول أنه باستثناء بعض التجارب الإبداعية الراقية التي تواصل رفد نهر الشعر الفلسطيني المقدس بمياه صافية تجعل هذا الشعر يتبوأ المقدمة في المشهد الثقافي العربي فإن معظم ما يكتب هو مجرد تهويمات فارغة من أي مضمون ومسيئة للشعر وللذوق العام ويزداد انتشارها في غياب حركة نقدية فاعلة تتحمل مسئوليتها الأخلاقية في الحفاظ على أصالة الشعر وتطوره وارتقائه الى آفاق لا متناهية من الابداع الإنساني الشامل وكشف وفضح أولئك الدخلاء على الشعر والأدب ووقف هذا المد السخيف والمخزي الذي من شأنه أن يخلق لدى الأجيال الصاعدة ذائقة معطوبة تصفق للهابط وتحتويه فتهبط معه الثقافة والأمة بأسرها.