الرواية رؤيا

نعيم تلحوق

لا يوجد رواية بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا على مستوى لبنان ولا العالم العربي، بسبب اتّباعها النهج القديم في تحريك الإضمار السردي… فالرواية ليست شكلا من أشكال المغامرة، وليست وسيطا من وسائط الحياة اليومية المعيشة… ولا استذكارا لحوادث اختلقها الزمن مع الكاتب، ولا استرجاع لفكرة البطل الذي لا يموت سواء كان حقيقيا أو متخيّلا، وليست الرواية حكاية لصالح الخطاب الروائي التي أدرجته الحداثة الثالثة… ولا سيرة ذاتية لحياةٍ خارج الحياة… الرواية هي الهوية،هي الوجود والمعنى – الرؤيا… وينطبق ذلك على الكتابة بشكلٍ عام… لذا، لم تتدرَّج الكتابة بعد لتصير »كلمة«، ليست الكلمة حروفا… بل موقف وهدف ومآل، هي غرض كسَيْف لا تُستعاد حركته إلاّ بعد حدوث الفعل… وقد تكون بعد مسارات…الكتابة الروائية اللبنانية ملتبسة غير مسؤولة عن فعلها، لذا، يُراد بحركتها إيقاعا إضافيا على الحركة الأصل…

الرواية كل ما ذُكرت بعناوينها، لكنها مع موت البطل وقتل الأب، والاعتراف بالآخر، والتسليم بكواكبٍ أخرى أفضل من وجودنا الوهمي، ومعنى حركتنا يتلاصق مع معانٍ أكثر وأكبر من معنانا…

الرواية اللبنانية خاصة تحرّرت من ربطة المقدس، لكنها كما سائر العالم العربي مسجونة بقوالبٍ فكرية أنتجت مساحتها إن لم يكن من خلال نصّها، فمن خلال أصحابها، الذين يأخذون على عاتقهم المداورة بالعلاقات الاجتماعية والسياسية لصناعة حدثٍ غير مفهوم لديهم أصلا…

يبقى أن الرواية اللبنانية التي لم تزل تعمل على التاريخ، هي رواية بائدة ومحنّطة، لأنها تأريخ… أما الرواية الحقيقية فهي نبض خيال من واقعٍ الى خيال، الى استثمارٍ ذكي للشعر والفلسفة والعلوم قاطبة والاستعانة بمخلوقاتٍ فضائية مؤنسنة، لتستجيب حركتها العلمية والأدبية والخرافية والسحرية والمخلوقات الحيّة التي ترعش في الفضاء الذي تنتمي إليه…هي وجودك…

هناك قيَم قديمة وأخرى حديثة للنص الأدبي، وهذا يعطينا فكرة أن الأدب واحة أخلاقية والإبداع سمة قيمة لا سمة فرق، ثم إنَّ أعذب الأدب أصدقه لا أكذبه، لأنه يمكن أن يتكلم عن الإنسان الذي فينا بجرأة وحريّة، دون خوفٍ من الأساطير والكتب الدينية، فالرواية علمٌ حقيقي لتمزيق الحجُب، ولاستشعار الذات للوصول الى المعنى الحقيقي، هي الصورة التي تُحدِث المعنى…

إذا، الرواية رؤيا، وبغيرها لا يستقيم معنى يجسِّد مسار الحركة، هي فعل تأثير بحركة فرد خارج حركة المعيش الى حياة المنتهى – السدرة…

العدد 90 – اذار 2019