سليمان بختي في غسان مطر

من خزانة الأدب

لا اعرف إذا كانت الأحلام أو الثورة أو الأحزان أخذت غسان مطر إلى الشعر، أو انها اللغة همست له أن خذ بيدي خذ بيدي فتنجو. وما غير ربكَ يعرف ما أحمَلَت وكيف أحمَلَتْ ولماذا. ومشى، كأنه أراد من اللغة أن تنقذه من امتحان اليأس والظنون وتعطيه رمقاً كي يحيا من جديد ويحاول ملكاً. من جرح القلب وجرح الأمة، من الحب والثورة والاحزان شقّ طريقه إلى الشعر. وكان لا بدّ منذ كتابه  »العشايا« (1965) – تجربة عمرها أكثر من نصف قرن – لا بدّ من كل هذا الغناء الشفيف ودائماً صادق صادق.

لا أزال أذكر عندما أصدرنا في دار نلسن كتابه  »بكاء فوق دم النخيل« (2003) وكان الحدث القومي يدفعه إلى الكتابة. ثم أصدرنا عام (2005)  »رسائل بيدنا السرية) وقد استوت لديه الحكمة والتأمل، واكتشفت في تلك التجربة وعن قرب دقّة غسان مطر ورقّة غسان مطر وصحبته الظلال. منه سمعت لأول مرة  »اللغة العذراء« وضرورة عدم الفصل بين اللغة والناس والشعر والناس. واكتشفت أن همّه بعد كل أو بعد كل قضية بعد كل قصيدة أن تفتح الطريق إلى النهضة. وان نردّ على الحياة بما هو لا مساس ولا يتهاوى حتى يسلم البيان والبنيان وتسلم عين النهضة.

وغسان تذوب قوافيه في معانيه، وغسان يغرورق في قصيدته، وله صوته الخاص في حركتنا الشعرية وله المرتبة والحرص على الثمار وعلى الضياء. وانه يدفعنا صوب الأجمل والأفضل، صوب الامنيات، صوب الآفاق الجديدة، فلا ينضب فيه ذلك الشاهد على الحياة، على الوطن، على الأمة.

لم أرَ شاعراً في حياتي مثله، زمنه الشعري والوجداني لا ينفصل عن زمنه التاريخي والسياسي. ذهب بعيداً فيما آمن به وتحرّك له واحد من نفسه أكثر مما تريد نفسه. أراد أن يزاوج الحق والحلم، أن يبدع من شعره من نضاله بلاداً جديدة وانساناً جديداً. كم كانت الأرض ضيقة لولا الحلم، والثورة مستحيلة لولا الأمل، كم كان الوجود جرحاً نازفاً لولا الحب. كم كان الفن مجرّداً لولا الشعر، كم كانت القصيدة صعبة لولا الخيال. وبعد، ماذا يفعل الشعراء؟ انهم يحتفلون بالحياة مثلما نحتفي ونرفع الكأس للشاعر الذي دلّنا إلى كل ذلك ولم يرفع يده عن القلم وما يسطرون.