لا رؤية لمن لا ثقافة له

يحفزني اللقاء بكم العنوان:  »لا رؤية لمن لا ثقافة له«، وهذه حقيقة علمية تأخذ بأبعادها المدى والتخيُّل والانعتاق من الأنا الفردية الى الذات الجماعية التي تحضن الفكرة وتغلفها بالأسئلة الكثيرة…

سألني أحدهم، من هو الكاتب… قلت: ليكون الانسان كاتبا عليه أن يكون ثلاثا: أن يملك هوية، والهوية سؤال لا بل أسئلة مفتوحة المدى مَن أنا، لماذا أنا، كيف أنا، أين أنا، حتَّام أنا ليدخل في متاهٍ آخر، هو الزمكان -المخيلة – الحلم، أي المتخيَّل الذي يسمح فيه لمعلوماته وتخيلاته أن تصبح شغفا، ومن ثمَّ يجب على الكاتب أن يخبرني الى أين الاتجاه، وما هي رؤيته، ليشكِّل مسار المعنى المستقى من التجربة، هنا يذهب الى الرؤية…

أما الرؤية والرؤيا، (الواقع – الحلم – المتخيَّل)… لا تصبح ثقافة إلآ إذا اقترنت أيضا بثلاث: العطاء – الاحترام – المحبة، لكي يكون الكاتب مثقفا عليه أن يعطي، كما أعطي هبة سماوية اسمها الموهبة مجانا، فقد خصّه فيها الوحي دون سواه، لذا، على الكاتب أن لا يدخلها سوق البورصة… فكما أعطيت له مجانا عليه أن يعطيها مجانا ليكتشف بها المعنى من وجوده، ثم عليه أن يؤكد احترام ما أعطي له ليحترم العالم من حوله، ثم أن يحبّ معناه كي يبتكر فرادة المعنى لقضية يعمل لها أو عليها… أن تحب يعني أنك تمتلك قضية تساوي وجودك في العالم، هذا هو المثقف… هذا هو الكاتب المثقف، وكل ما عدا ذلك معلومات تأخذها خبر عاجل بزرٍّ وهمي على الحاسوب…

المثقف يصنع المعلومة يبريها، يعيد ألقها لتدخلَ عالم الأسئلة، وكلُّ جواب على سؤال هو سجن لا يجوز الركون اليه، كي لا يقنعنا الموت أنه المنتصر… علينا أن ندركَ أن الموتَ حياةٌ جديدة، هي تحوُّلٌ في المبنى للوصول الى المعنى الحقيقي…

فيا ايلدا أبو فخر، ويا جمعية  »نيزك« أنتم في الشويفات مدينة ثقافية لعام 2019، والنشاط الذي تقيمونه في مسابقة اللغة لطلاب المرحلة التكميلية هو إشارة على الأجيال الجديدة، وتحفيزها نحو الخلق والتعرّف على ثقافتها وهويتها… الى جانب الرسم والمسرح التفاعلي والأشغال اليدوية والرقص الشعبي والموسيقى والتصوير وتقنيات الخط العربي، كلها تثبت أنكم تنظرون الى الغد بأمل أكبر على تحقيق مساحة الهوية التي تؤكد على رؤيا…

الشويفات مساحتكم الجغرافية، ولبنان والعالم العربي والعالم مساحتكم الفكرية، فاضطلعوا بروح اللغة كي يتجدّد المعنى، فبالشعر والموسيقى والفن عموما، يصبح الغد، وتصبحون على وطن له معنى…

العدد 93 – حزيران 2019