أسرار النهضة الكورية الجنوبية

الدكتور إبراهيم الحريري

 »إن أساس نجاح كوريا الجنوبية كاقتصاد مُصدِّر يرجع إلى السرعة،فـ »مفهوم ‹البالي-بالي› ليس نمطا حياتيا يوميا للكوريين فحسب، بل هو من القيم الأساسية للشخصية الكورية« عالم الأنثروبولوجيا كيم تشونغ-صون بكتابه  »العودة إلى كوريا«.

هي بلد اغنية  »GANGNAM STYLE« التي حصدت حوالي 4 مليار مشاهدة على اليوتيوب ومن أكثر الدول امنا واسرعها انترنت والتكنولوجيا والطب الأكثر دراسة واقبالا ويحبون السيارات البيضاء والسوداء وأكثر نساء العالم جمالا وأناقة شعب دقيق بمواعيده بلاد التايك ون دو وطبق الكيمتشي وزهرة السيبياء بلاد يجرم البخشيش بها ويحاكم دافعه ومكبات النفاية تحولت لحدائق غناء، موطن شركات عملاقة عالمية بامتياز ساهمت ببناء الصروح العالمية ولا تزال امثال النهر العظيم بليبيا وبرج خليفة بدبي وبناء المفاعلات الذرية السلمية واشتهرت بصناعة الالكترونيات ومنها الهواتف المحمولة وصناعة السيارات والسفن والحديد والصلب والبتروكيمياويات والنانو تكنولوجي والذكاء الاصطناعي هي موطن سامسونج وال جي وهونداي وكيا وغيرها الكثير هي معجزة كوريا الجنوبية كما يحب الكثيرين تسميتها.

ماذا نعرف عن كوريا؟

بمساحة 100363 كم مربع، ومنها حوالى 70 اراضٍ جبلية غير مناسبة للزراعة والتطور الصناعى وعدد سكان يفوق 52 مليون يوزعون حسب معتقداتهم الى:(56. 9 لا دينين 19. 7 بروتستانت، 7. 9 كاثليك 15. 5 معتقدات كورية)

و الناتج القومي اكثر من 1. 69ترليون دولار عام 2018 لتحتل المرتبة الثاني عشر عالميا وبذلك تساهم بنسبة تقارب 2  من الاقتصاد العالمي عام 2018، وبدخل فرد يقارب 33 الف دولار ونسبة نمو سنوية فاقت 3، مع أن كوريا لا تمتلك موارد طبيعية تقريبا وتعاني باستمرار من الاكتظاظ السكاني في مساحة صغيرة، والذي يحد من النمو السكاني المستمر وتشكل سوق استهلاكية داخلية كبيرة، اتجهت كوريا الجنوبية إلى استراتيجية الاقتصاد الذي يتوجه نحو التصدير من أجل تنمية اقتصادها، ففي 2012، كانت كوريا الجنوبية سادس أكبر مصدر وسابع أكبر مستورد على العالم. ويصدر بنك كوريا ومعهد تطوير كوريا نشرات بالمؤشرات الاقتصادية الرئيسية والاتجاهات الاقتصادية لاقتصادها كل فترة.

واليوم تعتبر كوريا الجنوبية من اقوى الاقتصادات العالمية ولها تأثير كبيرفي القطاعات المختلفة مثل: بناءالسفن وصناعة الالكترونيات السيارات، والمنسوجات، والحديدوالصلب.

و من خلال دراستنا للنهضة الكورية الجنوبية سنقسم هذه النهضة الى ثلاث مراحل:

المرحلة الاولى: 1945-1960 مرحلة الاستقلال واللاستقرار والحرب:

1945 ميلاديا اصبحت كوريا مسرحا كبيرا بين المعسكرين الغربي والشرقي والذي كانت نتائجة إنقسام البلاد إلى قسمين، القسم الاول كوريا الشمالية التابعة للإتحاد السوفيتي والثاني كوريا الجنوبية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، ثم جاء في منتصف عام 1949 ميلاديا إنسحاب كل من القوات السوفيتية والامريكية من الأراضي الكورية، وكانت كوريا الجنوبية في ذلك الوقت واحدة من أفقر دول العالم، حيث لم يتعدى انذاك معدل دخل الفرد السنوي الثمانين دولار، بالإضافة إلى الفوضى السياسية والدمار الإقتصادي الذي حل بالبلاد، ولم يصل سوء الحال إلى هذه الدرجة فقط بل دخلت في حرب أهلية مع شقيقتها كوريا الشمالية ظلت مستمرة قرابة الثلاث سنوات كي تقضي عليها تلك الحرب بشكل كامل، حيث خلفت ورائها الكثير من الخسائر الإقتصادية والبشرية الهائلة وكان نتيجة الحرب بين الكوريتين التقسيم (1950-1953) واحتفظت كوريا الشمالية بأغلب المصانع والتعدين و80 من شبكة الكهرباء ومنشأتها وكانت تلك الفترة أسوء فترة تاريخية مرت على كوريا الجنوبية حيث وصل بها الحال لدرجة أن 90 من شعبها كان يأكل من خلال المساعدات الخارجية والامريكية بشكل شبه كامل.

المرحلة الثانية: 1961 -1986 الديكتاتورية والاستقرار والبداية :

بدأت كوريا الجنوبية في الإفاقة من الحالة التي وصلت إليها من أزمات سياسية وإقتصادية في عام 1961 م على أيدي الجنرال (بارك تشونغ هي) الذي أمسك بزمام البلاد من خلال إنقلاب عسكري، والذي قام بإنشاء مؤسسة (مجلس التخطيط الإقتصادي) التي إختصت بطرح أنظمة إدارية عالية التكوين والتي جائت معظمها من الجامعات الغربية، وقد لعب ذلك المجلس دورا كبيرا في تجديد الحياة الكورية في شتى النواحي من أهمها الثقافية والإجتماعية ومنافسة صناعات كوريا الشمالية والفنيين المهرة هناك انذاك من خلال طرح خطط خمسية استهدفت النموو التصدير وفكان معدل النمو 7. 1 سنويا وقد كان لتطبيع العلاقات مع اليابان عام 1965 م بعد قطيعة كبيرة الأثر الكبير بتطوير الصناعات الكورية ولكن بوقت وتكلفة أقل وظهرت النتائج لاول سيارة كوريا جنوبية عام 1967 م من شركة هونداي ثم دايو وثم شركة سامسونج بنهاية الستسنيات وانتهج بارك النهج الديكتاتوري وخصوصا عام 1972 م بدعم من شعار  »ما فائدة الديمقراطية لافواه جائعة« وانشأ مشروع الصناعات الثقيلة والذي نقل كوريا بعد 10 سنوات لتكون رقم واحد عالميا بصناعة السفن والحديد والصلب وو قد كان الحادث الدماتيكي لاغتيال بارك وتسلم« شو دو هوان« عام 1979 بانقلاب عسكري مرحلة فاصلة بعد حاكم تعودوا عليه وحاكم لم يختبروه بعد وان كانوا من نفس المدرسة مما ادى الى اضطرابات سياسية وانكماش الاقتصاد بمعدل 6  ولكن سرعان ما تعافى الاقتصاد بزعامة الحاكم الدكتاتور

المرحلة الثالثة:1987- الديمقراطية والنهضة والنمو والعالمية:

بالرغم من التقدم الإقتصادي للبلاد في فترة الدكتاتورية العسكرية إلا إنه كان يوجد إضطهادا كبيرا ملحوظ لحقوق الإنسان خصوصا للفئة العاملة التي كانت من أهم الاسباب لتقدم البلاد مما أدى لسقوط الحكم العسكري في عام 1987 م بعد الإحتجاجات القوية التي حدثت ضد الحكم، وبعدها نصبت حكومة ديمقراطية للبلاد ساعدت على نموها وتقدمها بشكل أسرع، وخصوصا بالازمات العالمية 1997م و2008 م ففي عام 1997 ابان أزمة النمور الاسيوية التي بدأت من تايلاند حيث اضطرت كوريا الجنوبية لاستدانة 58 مليار دولار من البنك الدولي وصرح المحللين الاقتصاديين بأن كوريا لن تنجو وستوقف هذه الازمة النهضة الكورية ولكن على العكس حصل فقط قام الشعب الكوري العظيم بمحاصرة الازمة وتبرعوا بمقتنياتهم لمساعدة الحكومة واندمجت الشركات الصغيرة مع الكبيرة لتسدد كوريا الجنوبية خلال ثلاث سنوات قرض البنك الدولي وتقفز صادراتها الى 99 مليار دولار عام 2001 م حتى أصبحت كوريا الجنوبية من إحدى دول العالم تقدما في مختلف المجالات سواء كانت سياسية أو إقتصادية أو ثقافية أو فنية، وصارت قوة إقتصادية عالمية كبيرة ودولة ديقراطية بإمتياز من الدرجة الأولى كي تصبح مثلا يحتذى به وسط دول العالم في تحقيق الرقي والتقدم.

ماهي اسرار النهضة الكورية الجنوبية؟

نلخص أهم الاسباب النهضة الكورية الجنوبية بما يلي:

الاهتمام بالتعليم والتدريب والبعثات وتشجيع الابحاث وخصوصا المواد العلمية الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتعليم الفني والمهني ووصل عدد الطلاب بالاقسام العلمية عام 1980 لنسبة 70 وزيادة ميزانية التعليم لتصل الى 25 من الميزانية العمومية للدولة.

الاعتزاز بلغتهم الكورية واعتماد تدريس اللغات الاجنبية وخصوصا الانكليزية بالمراحل التأسيسية.

القيادة العصرية والبيرقراطية وقوة الإرادة وحسن التخطيط والديمقراطية والشفافية(مجلس التخطيط الاقتصادي ومكتب التنسيق والتخطيط ووزارتي المالية والتجارة).

الاستثمارت الاجنبية والمساعدات وخصوصا الامريكية والقروض من البنك الدولي.

العامل البشري :رأس المال البشري وذلك الاعتماد على الجيل الشاب وتمكينه.

التنوع الاقتصادي والتقدم التكنولوجي وتشجيع الصادرات وخصوصا للولايات المتحدة.

الشركات العملاقة:تشجيع القطاع الخاص وتمويل الدولة السخي له.

الاستقرار السياسي والذي لعبت الولايات المتحدة دورا محوريا به ولا تزال منذ عام 1953 وانتهاء الحرب الكوية.

كوريا والعالمية:

تحتل كوريا الجنوبية المراكز الأولى بين مصاف الدول المتقدمة حسب المؤشرات العالمية وبجهود وابداع ابناءها حيث تصنف الأولى عالميا بصناعة السفن، والأولى عالميا بسرعة الانترنت بتقنية الواي ماكس لتصل الى 1 غيغابايت بالثانية والخامسة عالميا بصناعة السيارات، والرابعة عالميا بصناعة التلفزيونات، والثاني عالميا بصناعة الهواتف المحمولة والسادسة عالميا بصناعة الكمبيوتراتو ثالث مصدر لاشباه الموصلات بالعالم هذا وأحتلت كوريا الجنوبية المرتبة الرابعة عالميا بين دول العالم ببراءات الإختراع.

و اذا تحدثت عن كوريا الجنوبية لابد من النهل من بعض حكمهم والتي تدل على الشخصية الكورية وثقافتها وسنختار ثلاث مما راقنا:

 »الحجر المتدحرج لا تتجمع عليه الطحالب« حكمة كورية

 »بداية العمل نصف الانجاز« مثل كوري

 »حتى لو أنك كنت محاصرا من نمر، لو حافظت على هدوئك فستتمكن من النجاة« حكمة كورية

و كما هو حال كل الدول الناهضة والمستقلة من الاستعمار كدولنا فإن رحلة النهوض الكورية الجنوبية لم تكن سهلة وتسير بطرق معبدة بل كان يشوبها تجاذبات سياسية وقطبية وصفيح ساخن مع الأخ اللدود كوريا الشمالية والذي كان كفيل بإفشال اي خطط للتنمية والنهضة ولكن الاستقرار السياسي والاقتصادي ومساعدة الاستثمارات الغربية وعالمية الصناعات الكورية ومراكز بحثها والاعتماد على ابناء البلد ساعدوا بالنهضة المستمرة.

العدد 93 – حزيران 2019