الحصاد وعشر سنوات من الاصدار

تمر الايام وتتوالى السنون ويصبح الوليد على مشارف الصبا

 نعم نمت وكبرت ،تلك الصغيرة ، التي ولدت كمشروع تنويري أو فكرة ثقافية معرفية .تقدم بها الكاتب الشاعر الراحل حافظ محفوظ ،وهي اصدار (مجلة) تلعب دورا في الساحة الاعلامية ،هدفها الرئيسي تعزيز الروابط العربيه ،ودعم العلاقات وترابطها بين ابناء الشعب الواحد ،وسرعان ما لاقت الفكرة  قبولا واستحسانا من عائلة اّوجي،وتولت السيدة ابتسام اّوجي،ماّزرته في ذلك الاتجاه،وتعاونت معه في ان يخرج هذا المشروع للنور،واّل اّوجي بشكل عام لهم

الشاعر حافظ محفوظ  
قام بتأسيس مجلة الحصاد

اهتماماتهم بمثل تلك المشروعات ذات الطابع التنويري، في القاهرة وكذلك في بيروت وغيرهما من العواصم العربيه  ،فليس هناك اجمل من ان يضاف الى ارصدة النشر،وبالتالي الى ميادين الثقافة و المعرفه ،مع صدق الخبر وأمانة الحدث،منبرا جديدا،يطرح من خلاله ما يجمع الفكر.ذلك حين تطرح الرؤى ،وتتلاقى الأجتهادات ،ساعية الى بلورة المواقف، ان لم يكن لوحدة الصف فعلى الأقل لوضوح الطريق، وانارة الدروب.كبرت الوليدة،وهي الآن تناهز العاشرة من العمر،وتستقبل بذلك مرحلة الصبا،بكل مافي سنوات الصبا  من امال واحلام لصناعة المستقبل الواعد باذن الله .(الحصاد) هذا هو الاسم الذي تم الأستقرارعليه  بعد بحث وترو ،فهو اسم ذو دلالة ،فهو يعني في علم اللغة الجني بعد طول عناء في الزرع والغرس،والمتابعه لمرحلة النضوج وعلى ذلك فالحصاد هو النتيجة المباشرة للعمل والاجتهاد.

 الحصاد .. ورحلة الاستمرار

 بدأت (الحصاد) رحلتها بمجموعة محددة من الافراد،حملت على اكتافها مسؤولية الأعداد، وجاهدت في ان تؤكد وجودها،وان تعطي ثمار جهدها تحت قيادة الشاعر الراحل حافظ محفوظ ،ومن الصدف الغريبه التي احاطت بصدور المجلة قيام الانتفاضات والثورات في العالم العربي عام 2011 ،وبما يمكن اختصاره في عبارة (أحداث الربيع العربي)، بصرف النظر عن ما اّلت اليه الأمور من انتكاسات وفوضى عارمه جلبت الكثير من الوان الدمار في وطننا العربي.قال الرجل في احدى اسهاماته في المجلة يستهدف بذلك الحذر والحيطه (لا بد من الترفع عن المصالح الضيقه والخاصة والفئوية مكرسين الجهود والطاقة لخدمة الوطن بكل تجرد ،وان لا يتم الانحراف عن المسار الوطني والقومي)  وكان الرجل نموذجا حيا في التفاهم والتعاون مع زملائه،ولا يبخل في العطاء بجهد او في فكرة يجدها ملائمة لثراء العمل وتقدمه .ولقد اعطى الرجل كل ما اختزنه عبر سنوات عمره، من تجربة في عالم الصحافة لمن يشاركونه مسؤولية العمل. ولكن قضاء الله كان قد حان ،ومشيئة السماء لا راد لها ولا تاخير. هكذا رحل الشاعر الحالم وترك لنا حماسا ودأبا في العمل. تسلمت السيدة ابتسام اّوجي مهام العمل بشكل مباشر، واصبحت رئيسة للتحرير بالأضافة لموقعها في رئاسة مجلس الأدارة. وكالعادة قد تتفق الاهداف في الغايات، ولكنها في الغالب يمكن ان تختلف من حيث الوسائل في التنفيذ ،لذلك يمكن القول ان مرحلة جديدة في مسيرة ( الحصاد) قد بدأت ،وكانت سماتها تتضح في اتساع الحركة ،من حيث المشاركين في التحرير،والتنوع في الموضوعات وكان ذلك خليقا

السيده ابتسام اّوجي
  قامت بتطوير مجلة الحصاد

باستحداث ابواب جديده وكذلك  وجوه جديده تطل على ساحة التحرير.وكان من شأن كل ذلك ان تتواكب الى مسيرتها ،تلك الكوكبه من الكتاب التي تزين صفحاتها بطاقات متجددة من العطاء و كذلك الثراء سواء في اختيار نوعية القضايا أو في طرق المعالجات .خصصت السيده ابتسام اّوجي افتتاحية العدد الأول لأستلامها رئاسة التحرير وكان في شهر ابريل عام 2018 لرثاء الاستاذ الشاعر الراحل رئيس التحرير السابق حافظ محفوظ ، ونوهت بدوره في قيادة العمل والأثر الذي تركه بين كل من يعرفونه وليس فقط زملائه في تحرير المجله ،وقامت في العدد التالي وهو العدد 80 مايو 2018بالقاء الضوء على مايجري على الساحة العربيه، من استعدادات لضرب سوريا،والتذكير بما جرى للعراق ومايحيق بالأرض الفلسطينيه ،وبعد كل ذلك يقوم المستعمرون برفع  راية حقوق الانسان في عوالم اخرى ولنظم اخرى . تتحدث عن المفارقه بين الشعارات الرنانه ،والوقع المر. كانت تلك الافتتاحية تعني في النهاية ان الطريق موصول بالقضايا التي تجري على ارضنا ،وان الهم العربي هو الضاغط ،وهو قضية المجلة،وموضع اهتمامها ورعايتها،وهو ايضا العنوان الصحيح .

 الحصاد .. والوفاء للذاكرة

كان الشعار الاول الذي طرحته مجلة (الحصاد) انها مجلة شهرية سياسية جامعه ،وكان ذلك الشعار يحمل في طياته تعميما، ولا يقدم الطرح المباشر لمعنى الهوية ،التي نعمل من اجلها ،ولا يقدم كذلك صورة تترجم مدى اهتمامنا ورعايتنا لهذه الغاية ،وكان لابد بناء على ذلك من تعديله بهدف تفصيله على اهداف محددة ،ولذلك كانت الأستعاضة عنه  بتعريف اّخر، يحمل بين حروفه المعنى والهدف معا . كان الشعار الجديد ( مجلة شهرية تجعل من قضايا الوطن العربي والعالم محط اهتمامها ماضيا وحاضرا ومستقبلا) فالوطن العربي هو مركز الاهتمام ،ولكن جوانب هذا المركز تتشكل بعلاقات وتجري من خلال اتصالات وتتوافق او تختلف مع مصالح وتوجهات، كما انها تتجدد بفعل الطموحات والتطلعات ،وتجد في الماضي الدرس والعبرة والكثير من العظات ،و ترى في الحاضر احيانا بما يمكن ان تراه من قراءات.،وما يستلزمه كل ذلك من حركة للتصويب او للتطوير من اجل المستقبل الاجمل او الافضل . تعددت الموضوعات التي طرحتها مجلة (الحصاد) وتنوعت في اطار خطها العام . وفي ثنايا هذا التعدد والتنوع كانت هناك لمحات لا تخطئها العين ،تتخطى بحفاوتها المفهوم الانساني بكل اصالته وتعبر نحوالمفهوم الوطنى والقومي بعراقته.ويتمثل ذلك بما افردته في العديد من صفحاتها لكي تسلط الأضواء على بعض الشخصيات العربيه التي رحلت، والتركيز على ادوارها. كان ذلك (وفاء للذاكرة) حتى تطل اجيال الشباب من ناحيه،وننعش ذاكرة الاجيال السابقه من ناحية اخرى على دور تلك النخبة من القمم العربيه التي اثرت الحركة الثقافيه والسياسية والفنية والادبيه. من العراق اجرت ( الحصاد) احتفاليات في اطار قاعدة(عطاء الأجيال) بتاريخ المهندسة العالمية زهاء حديد والدور الثقافي والسياسي لكل من الدكتور خير الدين حسيب، الفارس الذي ترجل والدكتور وميض نظمي قطب الفكر والموقف ،والفنان يوسف العاني عملاق المسرح ،والشاعر الفذ عبدالرزاق عبدالواحد ،والشاعرة لميعه عباس عمارة ،ومن لبنان افردت ( الحصاد) صفحاتها لقيثارة العصر وسيمفونيته الاسطورية فيروز حين طرقت ابواب الثمانينات وتابعت نشاطات النجمة المتألقه ماجده الرومي وذكرى الشاعر سعيد عقل ،والمفكر الراحل منح الصلح ،ومن سوريا كانت صفحات ( الحصاد) ايضا في حفاوتها البالغة وهي تسلط اضواءها على البعد الرمزي في الشعر الحديث  للشاعرالأشهر نزار قباني، والمطربه الراحلة العملاقة اسمهان والفنان الكبير فريد الاطرش. كان لمصر كذلك نصيبها من احتفاليات (الحصاد) فكان هناك تركيز خاص على مكانة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ،والراحل الكبير محمد حسنين هيكل، والمفكر  الراحل احمد بهاء الدين و الروائي العظيم نجيب محفوظ  وتوفيق الحكيم وكوكب الشرق ام كلثوم وموسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب والفناه الكبيرة فاتن حمامه وغيرهم . كانت تلك الاحتفاليات ،والكثير منها يمكن ان ينظر اليه ،باعتباره  نوع من التكريم لأجيال من الكبار رحلت وودعت زمانها وتركت لنا تراثا من المواقف  السياسية والابداع الفني على تعدد ميادينه ومجالاته،,ولكن يمكن النظر اليها كذلك بأنها (وفاء للذاكرة)،واعتراف بمعنى القيمة ،والثراء في االعطاء،

قضايا متنوعة ..على صفحات جادة

الحصاد كما ذكرنا بالمعنى اللغوي(جني الثمرة بعد نضجها ) والقضايا التي طرحتها (الحصاد) تنوعت

بين سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية على تعدد المجالات ،واختلاف الميادين ،ولم تكن بالطبع تطرح نتائج الجني بعد الغرس وجني الثمار،ولكنها كانت تفتح الباب للأجتهاد حول قواعد أو اصول الغرس بما يعزز من فرص الجني حين يتوفر مناخ الحصاد . وقد مر العالم بمرحلة جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ،واصبحت هناك قوى عظمى وحيدة ،ولذلك تغيرت الكثير من السياسات الدولية والاقليمية تباعا لذلك التغير الجوهري،حتى ان استاذا اكاديميا قال علينا ان نلقي في البحر كل المؤلفات التي كانت تحلل السياسات العالمية قبل ذلك التغير الجوهري الذي حدث على مستوى القمة في العالم  ،فقد انتهى عالم الحرب البارده بين المعسكرين أو الكتلتين الغربيه والشرقيه ،والآن قد انهارت الكتلة الشرقيه ومن شواهدها الرئيسية توحيد المانيا . اصبح العالم يخطو نحو عالم جديد بسياسات جديده .ونحن في العالم  العربي كذلك شاهدنا زلزالا رهيبا ،انهارت فيه نظم، وتصدعت اخرى، وهي أحداث مايسمى (الربيع العربي )وبالتأكيد شكلت في اّثارها مرحلة جديدة من التاريخ العربي،وقد رأينا نتائجها تباعا في هذا القطر أو ذاك . نحن الآن على المستوى العالمي نرقب ونتابع عالما جديدا في طور التشكيل يعتمد على التعددية القطبيه ببروز قطب جديد صاعد وهو(الصين).وعلى

المستوى القومي انهارت بعض النظم العربيه،وفي طور التشكيل لقواعد جديده لنظم الحكم تعتمد على المصالحات بين القوى المتصارعه في الداخل ،وقد ساهمت (الحصاد) في ضوء المتابعه المستمره في عرض الكثير من القضايا على بعض الساحات الملتهبه في عالمنا العربي .كما افردت صفحاتها لقضايا اخرى،لا تمس بشكل مباشر عالم السياسة،مثل قضايا (المستقبليات)وهي تمثل قدرا من اقتحام عالم مجهول في اطار الواقع،ولكنه محسوب في قراءة معطياته وما يمكن ّان نصنعه من اجل أن نرفع مستوى اّفاقه،وقضايا (البيئة ) وتتمثل اهميتها في كيفية ان يعيش الانسان ويتفاعل مع الكائنات الحية الأخرى سواء نباتية او حيوانيه ،وكذلك ما تشكله الطبيعه من ظواهر اخرى سواء كانت جبلية او صحراوية ،او عامرة بالمستنقعات ،والآبار الجوفيه،وما الى ذلك ،وقد قدمت (الحصاد)في هذا المجال جهدا تعمل على استمراره .حظيت التكنولوجيا باطلالات كذلك عبر ابوابها المختلفة،فلا يمكن في عصر يلعب فيه الانترنت دور البطوله ،رافعا شعار العلم ،ولا تقف الكلمة عنده لتغترف من الحقائق المذهلة التي تفتحت اسرارها في السنوات الاخيرة . جالت الحصاد ايضا في اطار عالم الأدب والشعر،وقرأنا عبر صفحاتها كنوزا لشعراء رحلوا وثروات لشعراء حاليين ،كما افردت صفحات للحوار مع شخصيات ادبيه وفنية لها مع حجم الانتاج تاريخ من الابداع ،ومع نافذه على الحياة ،وشباك مفتوح تعددت اللقاءت الفكريه والاطلالات الحالمه ،والزوايا الاجتماعيه .

 الحصاد .. وفاء لحق الكلمة

عشر سنوات خطت فيها مجلة الحصاد، اجتازت مصاعب، كان ابرزها توقف الطباعة، واللجوء الى الانترنت في ايصال المجلة بحصادها الى جمهورها ،وكان ذلك حتميا  ،نظرا لكل الظروف التي احاطت بالعالم اجمع،وفرضها (كوفيد 19 ) ليس فقط على ادوات النشر، ولكن على كل صعد الحياة ،وان كان العالم وجد في الانترنت عوضا عن التوقف الكامل لعمليات النشر والتوزيع الى ان ارادة التواصل و الاستمرار كانت اقوى من كل المعوقات ،ولذلك استمرت (الحصاد) في طريقها تحمل رسالتها وتؤدي واجبها عبر مسارات متنوعة تحمل اجتهادات ،وتعكس رؤى ،وفاء لحق الكلمة ان تعلن وان تعبر.

 أمين الغفاري

العدد 120 / ايلول 2021