مصر- تركيا: ملفات الخلاف

القاهرة توقف الحوار مع أنقرة وخلافات حول ليبيا وغاز شرق المتوسط

انقلبت خيارات تركيا في السنوات المنصرمة من تصادم كامل مع العلم إلى تصالح مأمول مع عواصم النزاع. كان نظام الحكم في تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان وعبر حكومات حزب العدالة والتنمية قد تدرجت من نظرية “صفر مشاكل”، التي نظّر لها رئيس الحكومة ووزير الخارجية الأسبق أحمد داوود أوغلو، إلى منحى آخر قاد أنقرة إلى الصدام مع أوروبا والولايات المتحدة كما الصدام مع دول الجوار في المنطقة العربية وصولا إلى صدام مع دول مثل إيران وروسيا.

سعى الرئيس التركي إلى تعزيز حكمه في الداخل. أفشل محاولة انقلابية عام 2016 ما زال يجابهها حتى اليوم،

الرئيس رجب أردوغان: صفحة جديدة مع العرب

ومرر تعديلات دستورية عام  2017 تعزز من صلاحيات منصبه على رأس الدولة. عمل على التحاذق بين روسيا والولايات المتحدة مستغلاً ضبابية موقف دونالد ترامب وغموض استراتيجيات واشنطن. صعّد تمارينه العدائية ضد الاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا واليونان وقبرص، وراح في شرق المتوسط يمارس إبحاراً مضاداً لتعطيل خطوط ما يرسم لسوق الطاقة في تلك المنطقة.

عقائد الحزب الحاكم

وفق عقيدة المصالح عمل حزب “العدالة والتنمية” عند دخوله أبواب السلطة عام 2002 على تأسيس علاقات تركيا مع العالم القريب والبعيد على قاعدة “صفر مشاكل”. ورد هذا المفهوم في كتاب أحمد داود أوغلو، “العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية”، الصادر عام 2001. بدا أن إطلالة الإسلام السياسي التركي الجديد (الوريث للنسخة التي كان يمثلها نجم الدين أربكان) على المنطقة والعالم، تحتاج إلى مرونة في التعامل مع أرمينيا وأوروبا ومنظومات الشرق والغرب، وإلى تطوير لعلاقات البلد مع المحيط العربي، لا سيما مع البلدان الحدودية المباشرة.

استند هذا المسار القلق على معطيات حقيقية في رؤية أردوغان والحزب الحاكم لمصالح تركيا ومصالح طموحات الرئيس وحزبه الحاكم وما يتطلبه الأمر من ورش وديناميات وخطب شعبوية إنتخابية. عوّل أروغان وفريقه علة ما تكلكه البلاد من إزدها اقتصادي وزاد ثقافي تاريخي وقوة عسكرية يجعلها رقما صعبا وطموحا داخل المشهدين الإقليمي والدولي. ذهب الرئيس التركي بعيدا في الدعوة إلى مصالحة تاريخية مع أكراد الداخل ثم تراجع. وذهب بجرأة ومخاطرة للتبشير عن مصالحة تاريخية مع أرمينيا وتراجع. وذهب على نحو لافت في تطوير علاقات بلاده مع دمشق ثم انقلب على الأمر بعد عام 2011 وتراجع. عقيدة المصالح نفسها أسقطت النظرية الصفرية وأبعدت صاحبها عن الحزب والحكم والرئيس. سقطت نظرية داود أوغلو من دون أن يسقط كتابه. ما زال أردوغان  يؤمن بـ “العمق الاستراتيجي” لتركيا، لكنه لم يعد يجد في “الصفر” الشهير وسيلة فعالة للسيطرة عليه.

البراغماتية القلقة

ولئن من الحكمة أن يكون أي نظام سياسي رشيقا براغماتيا في انتهاج سياساته الخارجية، إلا أن تقلبات تركيا لم تنمّ عن حكمة وروية وحصافة، بل عن ركاكة نظرية وخفة في مقاربة ملفات الصراع في العالم ومزاجية في التعامل مع الدول الصديقة والحليفة تاريخيا قبل الحديث عن الدول المنافسة وبلدان الخصومة.

ولئن يسيطر على قرارات إشعال الخلافات وتسعير ها ثم إخمادها والالتفاف عليها عقل مرّن يسهل عليه التراجع وإعادة قراءة المشهد العام ومراجعة السياسات، إلا أن ذلك السلوك قلل من ثقة العواصم بسياسات تركيا وجعل من عواصم النزاع مقبلة بدبلوماسية المصالحة التركية دون كثير ثقة بصلابة التحولات ونهائيتها في أنقرة.

والحال أن تركيا اختارت في السنوات الأخير في العالم العربي سياسة صادمة عبّرت عن قرار بإعادة النفوذ التركي المتناسل من ذكريات الفترة العثمانية إلى المنطقة. وسواء راحت التسميات تطلق على هذه السياسة التركية اسم

تشاويش أوغلو: لسنا مسؤوليين عن بطء الحوار مع مصر

“العثمانية الجديدة” وذهبت تفسيرات أخرى إلى إدراجها داخل سياقات أخرى،

إلا أن تركيا اعتمدت على العوامل العسكرية أولا كمدخل وقاعدة لهذا النفوذ المأمول، على أن يتصاحب الأمر مع سلسلة من الجهود الدبلوماسية التي تروم تطبيع العلاقات مع هذه الدولة العربية أو تلك من دون التخلي عن التدخلات العسكرية على نحو يوحي أن العسكرة هي من الثوبت فيما الدبلوماسية والقوة الناعمة هما من المتغيرات القابلة للتغير.

العسكرة أولا

وفق استراتيجية العسكرة نفهم التدخل العسكري التركي لدعم قطر في نزاعها مع بعض دول الخليج مصر حين اتخذت قرار المقاطعة الشهير. اعتبرت المنطقة العربية برمتها أن أنقرة تتدخل من خارج النادي العربي الكبير في شأن داخلي خليجي أولا وعربي ثانيا.

نفهم أيضا التدخل العسكري في ليبيا سواء من خلال إرسال الأسلحة أو دفع مستشارين عسكريين أتراك ومرتزقة

الرئيس عبد الفتاح السيسي: الدفاع عن مصالح مصر

سوريين نحو ساحة الاحتراب الداخلي في ليبيا نصرة لطرف على حساب طرف آخر من دون الأخذ بالاعتبار أيضا مصالح الدول المجاورة لليبيا لا سيما مصر.

نفهم أيضا التدخل العسكري التركي في سوريا والعراق والتعامل مع الأمر بصفته حقا تركيا للحفاظ على أمنها من أخطار يمثلها “الخطر” الكري في البلدين. تصاحب التدخل في العراق مع سجال أخذ بعدا طائفيا في مرحلة ما |(في عهد رئيس الوزراء العرافقي الأسبق نوري المالكي) بين بغداد وأنقرة، وتصاحب التدخل التركي، سواء دفاعا عن أمن تركميا أو دعكا لفصائل سورية معارضة، مع دعوة علنية لاسقاط النظام في دمشق.

مصر “أم المعارك”

على أن الصراع مع مصر أخذ واجهة الصراع الأساسية لتركيا مع المنطقة. أقام أردوغان وحزب العدالة والتنمية والحكومات التركية المتناسلة سياستهم الخارجية في العالم على قاعدة دعم تيارات الإسلام السياسي وفي مقدمها جماعة الإخوان المسلمين.

رأت أنقرة في ما أسمي “ربيعا” عربيا مناسبة تاريخية لمدّ النفوذ التركي في المنطقة، وراحت ترفد الإسلاموية في دول مثل سوريا واليمن وتونس والمغرب ومصر والسودان ولبنان والاردن وغيرها بالدعم بأشكاله المالية والخيرية والعسكرية والايديولوجية والسياسية. واستثمر أردوغان جهودا شخصيا بزيارة الدول المرشحة للانتقال إلى حكم إخواني داعيا إلى التمثل بتركيا وتجربة الإسلام السياسي التركي عامة وتجربه حزبه خاصة. ووفق هذا يمكن فهم حدّة الصراع بين أنقرة والقاهرة.

سعت تركيا في رعايتها ودعمها للإسلام السياسي إلى تقويض أنظمة الحكم في المنطقة. عملت أنقرة بالدعم والتمويل والتسليح على مدّ هذه الجماعات بوسائل مهددة لأمن هذه الدول واستقرارها ومصالحها. تستضيف تركيا شخصيات ومؤسسات تستخدم منابر لشن هجمات ضد الدول الثلاث، ناهيك بأن الموقف الرسمي التركي لطالما كان متقدماً على تلك المنابر في العداء لتلك الدول، على النحو الذي لا يساعد على قلب الصفحة بين ليلة وضحاها.

ساعدت الولايات المتحدة وبعض المنظومة الغربية أردوغان في إسقاط “صفره”. صدر عن واشنطن وبعض العواصم الأوروبية بعد اندلاع “الربيع العربي” ما يبشّر بحكم إسلامي وفق النموذج التركي. رعت إدارة باراك أوباما تشجيع التيارات “الإخوانية” في المنطقة لتكون بديلاً من الأنظمة المترنحة. ذهب أردوغان إلى مصر يبشر بالعلمانية التي تطرب لها آذان العواصم الكبرى، فيما بدت رعايته هجومية عدائية لمصلحة التيارات الدينية في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا.

تعامل أردوغان مع المنطقة العربية بصفتها حقاً تركياً ينهل مشروعيته من التاريخ العثماني القديم. ظهر أن “العمق الاستراتيجي” لتركيا يستحق من أنقرة تمارين تجريبية تصادق وتعادي نظام دمشق، مثلاً، وفق موقع “الصفر”

المرتزقة سلاح تركيا في ليبيا

وغيابه في خريطة المصالح. شنّ أردوغان حملة ضد بغداد في عهد نوري المالكي وتراجع عنها، واقترب من طهران وفق إيقاعات ارتجالية ماكيافيلية يعوزها منطق الدول الكبيرة. خاضت تركيا في عهده معارك عسكرية مباشرة في العراق وسوريا وليبيا، ومعارك دبلوماسية شرسة ضد السعودية والإمارات ومصر. وبدا في كل تلك المعارك استخفاف بقواعد منطقة خرجت نهائياً من تحت العباءة العثمانية منذ أكثر من قرن.

شكوك العرب

مثّلت مصر مدعومة من دول الخليج لا سيما السعودية والإمارات تحديا كاملا لمشروع أردوغان في العالم العربي. استطاع التحالف العربي إسقاط نهج الإسلاموية في المنطقة وبالتالي مكافحة وردع ما كان تركيا تعوّل عليه. وحين أتمت قمة مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية عام 2021 المصالحة مع قطر وحين أعادت القاهرة والدوحة تطبيع العلاقات بينهما أدرك أردوغان أن الزمن قد تغير وأن تركيا عليها أيضا أت تتكيّف مع هذا التغيّر.

استفاقت تركيا على نتائج قاتمة لامتحاناتها. خسرت أنقرة معاركها مع الجميع. بات “حكم الإخوان” للمنطقة وهماً مندثراً وحصاناً سقط الرهان عليه. خسر أردوغان صولاته وجولاته في مياه المتوسط وبات مستعداً لفتح صفحة جديدة مع أوروبا والتفاوض مع اليونان وقبرص. خسر حليفه حسن البشير في السودان، وخسر رهانه على حكم ليبيا وباتت ضغوط الاقتصاد في الداخل موجعة تدفع بسؤال الأتراك في الداخل عما تفعله تركيا في الخارج.

لاحظ العرب بسهولة بهلوانية التغير في السياسة الخارجية التركية خصوصا في انتهاج مفاجئ للغة الود والدعوة إلى طيّ الصفحة مع دول الخلاف العربية. فلا شيء تغير في السياسة الخارجية لمصر والسعودية والإمارات يبرر اندفاعة تركيا المعلنة لفتح صفحة جديدة مع الدول الثلاث. ولا شيء في سلوك تركيا خلال السنوات الأخيرة يحفّز العواصم العربية الثلاث على الثقة باستفاقة أنقرة على ضرورات التوافق والصلح معها. وإذا ما كان من تغير ما قد حصل فعلاً، فهو لدى الجانب التركي، بحيث يدفع الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ووزير الدفاع خلوصي آكار إلى إعلان اكتشاف خصال البلدان الثلاثة.

لا يمكن لعلاقات سليمة بين الدول أن تقتصر على التبادلات الاقتصادية فتلك سمة نفعية لا تؤسس لتماس سليم. ولا يمكن أن يكون التواصل المخابراتي سبيلاً ناضجاً لتعزيز شبكات المصالح بين العواصم. كما أنه لا يمكن للتصريحات الودودة أن تطوي صفحة سوداء وتفتح صفحة جديدة بيضاء. ولا يمكن لعلاقات تركيا مع العالم، خصوصاً مع العالم العربي، أن تقودها مزاجيات تحدد موقع “الصفر” وغيابه في اكتشاف أو إغفال “تاريخية” العلاقة مع مصر والسعودية والإمارات.

بالمقابل أدركت الدول العربية المعنية بخطاب المصالحة التركي أن أنقرة تتكيّف فعلا لكنها لا تتغيّر. ووفق هذه المسلّمة بنت هذه الدول جهود المصالحة المأمولة التي تقدت مع الرياض وأبو ظبي وبقيت قيد البحث مع القاهرة إلى أن كشفت مصر أن الجهود فاشلة حتى الآن.

قطع الحوار

خُيّل للمراقب أن وزير الخارجية المصري سامح شكري تقصّد في 28 تشرين الأول (اكتوبر) إجراء مقابلة تلفزيونية لمناقشة ملفات الدنيا من أجل أن يعلن شيئا واحدا: مصر أوقفت الحوار مع تركيا.

مصالحة تركية مع السعودية والإمارات وتعثرها مع مصر

تبلغ القاهرة أنقرة بوقف مسار مع مصر أراده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واجهة من واجهات طيّ صفحات الخلاف مع السعودية والإمارات أيضا.

تعلّق مصر حوارا مع تركيا بقيّ متواضع المستويات محشور في إطار أمني مخابراتي لم يرقَ إلى مستويات سياسية كانت تطمح إلى اجتماع على مستوى وزراء الخارجية وصولا إلى لقاء يجمع الرئيس التركي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

في التفسير العاجل أن القاهرة استنتجت من الاتفاقات الأخيرة التي وقعتها أنقرة مع حكومة عبد الحميد دبيبة في ليبيا إمعانا تركيا في تنفيذ أجندة خاصة لا تأخذ بعين الاعتبار بديهيات الحوار مع مصر ومصالحها الحيوية داخل مجالها الاستراتيجي الذي تمثله الجغرافيا السياسية الليبية. استنتجت أيضا أن أنقرة تبني حوارا مع القاهرة على قاعدة فرض أمر واقع في البحر والبرّ الليبيين وليس على قاعدة التوافق والاتفاق التي تقرضها قواعد طاولة الحوار.

وكانت حكومة الدبيبة في طرابلس وقعت مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في 26 تشرين الأول (أكتوبر)، اتفاقيتين جديدتين للتعاون العسكري بناء على اتفاقية سابقة مع حكومة فائز السراج عام 2019. وفي 3 تشرين الأول (أكتوبر) وقع وفد تركي، ضم وزراء الخارجية والطاقة والدفاع والتجارة ومتحدث الرئاسة التركية، في  العاصمة الليبية مجموعة اتفاقيات تجارية منها التنقيب عن النفط والغاز بالمياه الليبية.

واللافت في المقاربة التركية أن أنقرة ركّزت بشكل مصطنع ومفرط على تقديم “هبات” في ملف الإخوان من خلال الإيحاء بضبط المنابر والمنصّات المعارضة لمصر في تركيا. ذهبت أنقرة أيضا إلى تنفيذ اعتقالات تطال معارضين إسلاميين ثم إخلاء سبيلهم في تمرين يراد منه أيضا الإيحاء للقاهرة بالقدرة، إذا ما تمّ توافق ما، على الإمساك بهذا الملف وجعله هامشيا، كما الإيحاء أيضا بالقدرة على تفعيل هذا الملف في غياب هذا الوفاق.

تناقض المصالح

يعيد إعلان العودة إلى القطيعة على لسان وزير الخارجية المصري ضبط عقارب تماسّ مصري تركي بدا من دون أفق جاد. لم تعد مصر تقبل بجوائز الترضية التي تقدمها أنقرة في ملف الإخوان وتعتبر أن أجواء تركيا ما زالت عدائية وتعتمد على هذا العداء ورقة من أوراق الحوار. وترى القاهرة أن ما تقدمه أنقرة من “تنازلات” ليس كافيا أو جديا من قبل دولة تريد صلحا كاملا مع مصر. وترى في التدخل العسكري والسياسي والاقتصادي التركي في ليبيا مسّا مباشراً بمصالح مصر وأمنها القومي.

وفيما ترى تركيا أن من حقّها الكامل أن تقيم علاقات معينة مع ليبيا وأن تستثمر شركاتها في الاقتصاد الليبي وخصوصا في قطاع الطاقة، فإن المشكلة بالنسبة للقاهرة تكمن في أن علاقة تركيا مع ليبيا تقوم على تدخل عسكري مباشر سواء في عملية إرسال الأسلحة علنا أو في عملية نشر المرتزقة و “المستشارين” داخل هذا البلد، وهذا أمر لا تعتمده دول مثل فرنسا أو إيطاليا مثلاً لتشغيل شركتي توتال وإيني على سبيل المثال.

والمسألة لا تتعلق فقط بملفات البلدين، بل بحالة التنافس بين تركيا ومصر على تبوء موقع استراتيجي داخل سوق الطاقة عامة وفي البحر المتوسط خاصة.

تطمح تركيا إلى أن تكون مركزا محوريا لتوزيع الغاز نحو أوروبا خصوصا أن ذلك المتدفق من روسيا وآذربيجان وإيران وتركمنستان وغيرها على خطوط بحر قزوين قد يكون متعثّرا وخاضعا لفيتو روسي أو إيراني وهو ما يفسّر سعي تركيا لموارد طاقوية أخرى منها تلك في ليبيا. بالمقابل تعمل مصر، من خلال منتدى غاز شرق المتوسط ومن خلال اتفاقات متعددة أُبرمت مع الاتحاد الأوروبي وقبرص واليونان وإسرائيل، على أن تكون محطة تسييل الغاز الأولى وباب العبور الأول لإعادة تصديره إلى الأسواق في أوروبا.

وإذا ما كانت نزاعات ترسيم الحدود المائية تبقى عائقا لحسن استثمار دول المنطقة لمواردها البحرية من الطاقة، فإن تركيا تسعى إلى إحداث واقع معاند داخل المناطق الاقتصادية اليونانية القبرصة الليبية، ما من شأنه أيضا تعطيل سيرورة اتفاقات الدول في ما بينها ويشوّش على مصالح مصر في هذا المضمار.

غاز المتوسط

والحقيقة إن منطقة شرق المتوسط تعيش تحولات بدأت ملاحظتها منذ سنوات حين تراكمت التقارير المتخصصة حول حقول الطاقة المكتشفة في مياه بلدان المنطقة، وباتت سريعة ضاغطة بسبب الحاجة الدولية الملحّة التي تداعت عن الحرب الروسية ضد أوكرانيا.

ولئن مثّل قيام منتدى غاز شرق المتوسط (بات منظمة دولية عام 2020 تضمّ مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وفلسطين وفرنسا وإيطاليا والأردن) تشكّلا بقيت تركيا خارجه. سعت الأخيرة بالمقابل على نحو دراماتيكي عبر التدخل العسكري في ليبيا والتلويح بالخيار العسكري في النزاع مع قبرص واليونان حول مسائل الحدود والحقوق المائية إلى فرض أمر واقع قابل للنقاش إذا ما ارتأت كافة الدول إعادة رسم خرائط عصية من التسويات.

وفق معطى الحاجة إلى الطاقة في شرق المتوسط تمّ الدفع باتجاه التسوية التي أنتجت اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل الذي قد يتمدد ليشمل اتفاقا على ترسيم تلك الحدود بين لبنان وقبرص وربما لاحقا ووفق ظروف أخرى بين لبنان وسوريا. ووفق هذا المعطى أيضا أعلنت مصر التوصّل إلى “اتفاق إطار” لتسوية النزاع على حقول الغاز في بحر غزّة. ووفق هذا المعطى أيضا وأيضا يُفهم تصاعد الصراع بين مصر وتركيا الذي يأخذ أبعادا تثقل ملف ليبيا أو ملف الإخوان.

والواضح أن أردوغان يلوّح بملف حقوق بلاده في ملف الطاقة من ضمن عدّة الشغل أيضا الضرورية للاستقطاب الداخلي تحضيرا للانتخابات عام 2023. والمفارقة أن الانتخابات هي مفترق لليونان وقبرص أيضا اللذين يستعدان لخوضها في نفس العام على نحو يصبح معه التصعيد الجماعي من بديهيات هذه المواسم بحيث من الصعب التحلي بالمرونة وتقديم التنازلات.

غير أن إعلان مصر وقف حوار مع تركيا استمر 18 شهراً لن يكون كافيا وقد لا يزعج أنقرة التي ستعود إلى ما كانت عليه علاقاتها مع مصر قبل ذلك. بمعنى آخر فإن أي سعيّ مصري لردع “الزحف” التركي داخل ليبيا يتطّلب إجراءات إضافية غير واضحة حتى الآن ولم يلمّح إليها الوزير المصري، خصوصا أن تركيا تمسك بورقة نجاحها في فتح صفحة جديدة مع السعودية والإمارات وإمكانية التعايش حتى إشعار آخر مع حالة مراوحة في علاقاتها مع مصر.

نكسة كبرى قد توقف مسار عوّلت عليه تركيا لإظهار أنها قلبت صفحة مع العالم العربي وفتحت أخرى. أرسلت القاهرة رسال حسم وحزم تنمّ عن اشتراط مصر جدية وصدقا في مقاربة ملف الخلاف مع تركيا. بمعنى آخر فإن للقاهرة مصلحة أيضا في إنهاء التوتر مع دول كبرى مثل تركيا، غير أن مصر لن تقبل بتلفيق مصالحة تأخذ أشكالا إعلامية للاستهلاك الانتخابي في تركيا ولا تأخذ بالاعتبار بجدية كاملة مصالحها الاستراتيجية البديهية التي يفترض أن تركيا تدركها جيدا.

ولئن من الحكمة أن يكون أي نظام سياسي رشيقا براغماتيا في انتهاج سياساته الخارجية، إلا أن تقلبات تركيا لم تنمّ عن حكمة وروية وحصافة، بل عن ركاكة نظرية وخفة في مقاربة ملفات الصراع في العالم ومزاجية في التعامل مع الدول الصديقة والحليفة تاريخيا قبل الحديث عن الدول المنافسة وبلدان الخصومة..

تركيا اعتمدت على العوامل العسكرية أولا كمدخل وقاعدة لهذا النفوذ المأمول، على أن يتصاحب الأمر مع سلسلة من الجهود الدبلوماسية التي تروم تطبيع العلاقات مع هذه الدولة العربية أو تلك من دون التخلي عن التدخلات العسكرية على نحو يوحي أن العسكرة هي من الثوبت فيما الدبلوماسية والقوة الناعمة هما من المتغيرات القابلة للتغير.

مثّلت مصر مدعومة من دول الخليج لا سيما السعودية والإمارات تحديا كاملا لمشروع أردوغان في العالم العربي. استطاع التحالف العربي إسقاط نهج الإسلاموية في المنطقة وبالتالي مكافحة وردع ما كان تركيا تعوّل عليه. وحين

مصر – تركيا: منافسة شرسة حول الطاقة في المتوسط

أتمت قمة مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية عام 2021 المصالحة مع قطر وحين أعادت القاهرة والدوحة تطبيع العلاقات بينهما أدرك أردوغان أن الزمن قد تغير وأن تركيا عليها أيضا أت تتكيّف مع هذا التغيّر

تطمح تركيا إلى أن تكون مركزا محوريا لتوزيع الغاز نحو أوروبا خصوصا أن ذلك المتدفق من روسيا وآذربيجان وإيران وتركمنستان وغيرها على خطوط بحر قزوين قد يكون متعثّرا وخاضعا لفيتو روسي أو إيراني وهو ما يفسّر سعي تركيا لموارد طاقوية أخرى منها تلك في ليبيا. بالمقابل تعمل مصر، من خلال منتدى غاز شرق المتوسط ومن خلال اتفاقات متعددة أُبرمت مع الاتحاد الأوروبي وقبرص واليونان وإسرائيل، على أن تكون محطة تسييل الغاز الأولى وباب العبور الأول لإعادة تصديره إلى الأسواق في أوروبا.

أنقرة: لسنا مسؤولين عن أزمة الحوار مع صمر

 قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن بلاده دخلت عملية التطبيع مع مصر، ولكنها تسير ببطء.

وأوضح أوغلو “لقد دخلنا عملية التطبيع مع مصر، وهذه عملية مزدوجة، إذا كانت مصر صادقة في تطبيع العلاقات فستتخذ خطوات، التطبيع يسير ببطء، ولكن ليس من طرفنا”.

وعن إعلان وزير الخارجية المصري سامح شكري وقف القاهرة محادثات التطبيع مع تركيا، قال تشاووش أوغلو: هناك دول أخرى دخلنا معها في عمليات تطبيع، لكن العملية مع مصر تتقدم ببطء مقارنة مع البلدان الأخرى.

وأضاف: لسنا السبب في بطء عملية التطبيع مع مصر، والاتفاقيات التي أبرمناها مع ليبيا ليست ضد مصالح مصر، إذا وقعت مصر اتفاقية مع تركيا، فستحصل على صلاحيات بحرية أكبر بكثير من الاتفاقية التي أبرمتها مع اليونان، نحن نتحدث عن 40 ألف كيلو متر مربع.

وتابع: الاتفاقية الأمنية التي أبرمناها مع ليبيا ليست ضد مصر، لولا تركيا لكانت ليبيا اليوم أشبه بسوريا، بمعنى آخر، لو لم نوقف الهجوم على طرابلس لكانت البلاد ستشهد حرب شوار،. فوجودنا في ليبيا هو في الواقع ضمانة للسلام والاستقرار وهذا ليس تحركا ضد مصر.

وأكد تشاووش أوغلو أن تركيا ليس لديها أي مشاكل مع مصر وأن مصر بلد مهم للجميع.