الصراع الدولي في عالم متغير

الكاتب : الدكتور مازن اسماعيل الرمضاني

الناشر : دار كل العرب للطباعه والنشر  – فرنسا

مؤلف هذا الكتاب شخصية علميه مرموقه ،وهبت الكثير من جهودها لعملية البحث والدراسة ،كان

عميدا لكلية العلوم السياسية في جامعة النهرين بالعراق .شاغله الأساسي هو الغد في معظم انتاجه ومداخلاته ان لم يكن كل  جهده وعمله ،وماذا يمكن ان يكون عليه. ان الغد هو المستقبل،لذلك كانت اصداراته المتتاليه،سواء في اطار الكتب أو من خلال الابحاث والدراسات حول هذه القضية.انها

( قضية المستقبل ). واليوم يقدم لنا احدث انتاجه ،وهو كتاب ( الصراع الدولي في عالم متغير )

المؤلف
الدكتور مازن الرمضاني

 نجد ايضا أنه يتعلق بالغد ،فالمستقبل هوحصيلة الحاضر والماضي ،وماجري على صفحاته من أحداث،علينا ان نعي درسها وعظتها،فهي التي شكلت حاضرنا،ولكي نخطو الى الأمام علينا أن نتصرف في الحاضر على ضوء تجربتنا ودروسها وعظاتها من الماضي ،حتى يمكننا ان ننسج خططنا وبالتالي خطواتنا و نصنع مستقبلا  محصنا من مثالب وخطايا الماضي .يطرح الكاتب في البداية فكرة تتلخص في اننا نعيش في عالم واحد،ولكنه  عالم مزدوج .نحن نعيش حاليا في ظل هذه الفكرة العالم الواحد المزدوج ،وبين مكوناته ، وجود هذا التباين بين مجتمعين داخل عالمنا المعاصر،وهو عالم واحد،ولذلك هناك من يقول (ان العالم بفعل عوامل الأتصالات وتعددها ،والمواصلات وتطورها ،اصبح اشبه بقرية صغيرة) ،ولكننا مع التسليم بذلك التصور، ندرك ونحن نعيش في هذا العالم الواحد ،اننا ننقسم فيه الى مجتمعين .الأول هو مجتمع الشمال ،حيث يعيش أهله أو ناسه في مستوى يختلف تماما من حيث تقدمه الحضاري ،وما يترتب على ذلك من تقدم اجتماعي وصناعي وثقافي، أوبمعنى اّخر مجتمع على قدر كبير من العلم والثقافة وكل أدوات المعرفه ،ومجتمع اّخر هو مجتمع الجنوب، وهو يعيش بمقتضي ظروف متعددة ،أعاقت تقدمه، وشكلت حاضره،وأصبح الأن في مستوى متخلف من الحضاره عن مجتمع الشمال. هنا يطرح علينا المؤلف رؤية تقول أن هذا العالم برمته يشهد منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي عملية تحول ،بحيث يمكن ان نعتبر ذلك التحول بداية لعصر جديد أصبح يطل علينا ، عصر تختلف فيه المصالح ،وتتباين ،وتتصارع في داخله طموحات وارادات ، وهي تتغير ،بتغير الظروف ،فنحن أسري للتقدم العلمي وانجازاته ،والتقدم التكنولوجى ،وأدواته ،,ايضا التقدم الفكرى وطموحاته ، ولذلك فالانسانية كلها في مركب واحد ،تعصف بها رياح عاتية من المطامع ،وامواج ثائره من الطموحات ، وكلها في حاجة الى القدرة على ضبط النفس والاتزان ،والتفكير في عمق ،والاستعداد لما هو اّت.

مفهوم الصراع الدولي

ادى افتقاد نظريه عامه للصراع الى تعدد الرؤى حياله،كما كشف عن ابعاد مختلفه في مضامينه

وأيضا قدر من التساؤلات حول تعريفه منها : الاول : هل يكشف الصراع عن مجرد الخلافات بين

الافراد ،حتى وان كان منهم من يملك صناعة القرار؟.هل يحدد جوهر العداء المشترك بين الجماعات

عامة ،ومنها الدول بطبيعة الحال ؟ ثم وبشكل عام علينا ان نعرف أن ادراك مفهوم الصراع ان امكن

حصره من خلال دلالات عامه فان ذلك يعد بالتبعية نوعا من التبسيط لمفهومه. الثاني: يطرح امامنا

تساؤلا عن مدى قدرة هذا الصراع على الكشف عن الابعاد المختلفة لوجوده، سواء كانت نفسية او

سياسية او اجتماعية.الثالث:نطرح له رؤية الباحث (احمد فؤاد ارسلان) حول تحديد عملية االصراع

باعتبارها تشكل الموقف الذي ينشأ عند حدوث التناقض في المصالح أوالقيم ،لاسيما بين أطراف

 تسعي كل منها لتحقيق اهدافها وعمادها الربح. من جانب اّخر نقدم رؤية الباحث(اسماعيل صبري

مقلد) التي تتلخص في ان تنازع الارادات الوطنية الناتج عن اجتهاداتها الخاصة،في تحقيق أهداف

 مختلفة،يعد عملا من شأنه أن يؤدى في النهاية الى سياسات خارجية تتسم بالأختلاف أكثرمما ينبغي

ان تحقق بالأتفاق .

مفهوم الصراع وسماته المتعددة

للصراع اشكال وقوالب متعددة ،وهو يمكن ان يقع في اطار المباشرة ، او يتعداها الى اسلوب غير

الرئيس الامريكي الأسبق وودرو ويلسون
بشربتشكيل عصبة الامم المتحده لرعاية سلام لم يتحقق

مباشر،وقد يكون علنيا ،أو مستترا، ،كما يمكن ان يكون شاملا او محدودا ، كذلك قد يكون صراعا

حقيقيا أو جوهريا،كما يمكن أن يكون سطحيا أو هامشيا ،من جانب اّخر وهو الأكثر دقه،ان يكون

تحت السيطرة المشتركه لأطرافه ،وهو في تلك الحاله يكون في اخطر انواعه او احتمالاته ،لأنه في

هذه الحالة يمكن ان يخرج عن نطاق السيطره أوعن التحكم في مساره .يستطرد د. مازن في شرحه

لخصائص الصراع وشروطه فيتناوله عبر اربعة ابعاد معياريه أو ادراكيه في اطار توصيفات يتناول

بسطها ،وهي في اطار تلك الأبعاد (1) الصراع كوسيله لأشباع الحاجات المادية (2) الصراع كأداة

لدعم المكانة الذاتيه (3) الصراع كتعبير عن تناقض مدركات أطرافه (4) الصراع كانعكاس للظروف

الحاكمة لأطرافه المتصارعه .

الصراع الدولي ومفاهيمه

يعطي الدكتور مازن اهمية قصوى لتحديد المصطلحات ،وضبطها ،بحيث يكشف كل مصطلح عن

مضمونه بدقة،حتى لاتختلط الأوراق ،باختلاط المفاهيم والمصطلحات . انه يكشف عن تعدد الميادين

التي تتطرق اليها عمليات الصراع على المستوى الدولي ،وبتعدد التمايز في ابعادها ،مابين النزاع

الدولي ،والتوتر الدولي ،والمنافسة الدوليه ،والأزمة الدوليه ثم الحرب كتتويج للصراع الدولي أو

خاتمته المأساوية .غير ان هناك مفهوما اّخر للحرب ،فليست كل حرب تلتهب بالنيران ،والأسلحة

المتطوره للجيوش الجرارة،تقصف وتنسف .هناك ايضا الحرب البارده ،واساليبها ايضا متعددة ،وان

كان الصراع فيها كذلك ليس سهلا،بل ان ابعاده ،وتأثيراته يمكن ان تكون لها نتائجه المدمرة،والحرب

البارده يمكن ان تشكل قاعده في الصراع الدولي ،فهي تتجنب الدم،ولكنها كذلك قد تمزق الوشائج، وتقطع  الأوصال ويكون الموت فيها بالجوع أو الخنق ،بديلا عن قصف الطائرات ،ودوي الرصاص.

مفهوم بناء السلام

حلم البشريه هو ايجاد مفهوم حقيقي لبناء السلام. لكن التجربه علمتنا انه ليس سهلا ،حتى يتحقق

من خلال اماني أو حتى وعود ،ونسترجع بذاكرتنا تجربة الماضي حتى نعي الدرس ونحن نتطلع للمستقبل ،نتذكر النقاط الاربعة عشر لتي طرحها الرئيس الامريكي الأسبق ويلسون صاحب فكرة تأسيس عصبة الامم المتحده،ومن ضمنها حق الشعوب في تقرير المصير،وحقها في الأستقلال و

ذلك في مؤتمر الصلح الذي عقد في فرنسأ بعد الحرب العالمية الاولى،وذلك من اجل استمرار عملية

السلام ورعاية تلك العصبه المقترحة له. لكن ذلك لم يتحقق بالنسبة لنا نحن العرب. يقول الدكتور مازن الرمضاني  بيد ان مفهوم بناء السلام وجد انتشارا واسعا بعد توظيفه من قبل الامين العام الاسبق للامم المتحدة بطرس بطرس غالي في عام 1992 في رؤيته المسماه (جدول اعمال السلام)

وقد تضمنت جدولة أربعة مفاهيم أساسية تشكل حلقة متكامله تبدأ ب(1) الدبلوماسية الوقائيه(2) صنع السلام (3) حفظ السلام (4) بناء السلام. .يتفق الأخضر الأبراهيمي وزير خارجية الجزائر الأسبق في تعريفه لبناء السلام والوارد في تقرير له عام 2000 مع رؤية بطرس غالي ،حيث يرى (أن بناءالسلام هو أكبر من مجرد غياب الحرب) . يظل مفهوم السلام ووضع اّليات تكفل رفع رايته  في حاجة دائمه لجهود اكبر.

الصراع الدولي وميادينه

يمضى المؤلف في طرحه لتلك القضية المعقده والمتشابكه في تحليلاتها وهي قضية (الصراع الدولي،

وعالمه المتغير)فيستعرض المفاهيم والميادين،التي تكتنفها،والتي تنتشرفي ارجائها مع ملاحظة عامل الزمن،وتغير الظروف ،فيتطرق الى الدول القومية وصراعاتها البينية،وذلك  بطرح مفهوم الدوله و كذلك مفهوم الأمة،وقضية

الدكتور بطرس غالي السكرتير العام الاسبق للأمم المتحده
هل حقق السلام انتشارا بعد وضعه ( جدول اعمال السلام ) ؟

القوميه قضية شديدة الأهميه الآن في عالمنا العربي،بعد الأحداث السياسية المتعاقبه التي مرت في الوطن العربي منذ انفصال الجمهورية العربيه المتحده عام 1961 ،ثم نكسة عام 1967 وحرب الأستنزاف ، ثم معركة اكتوبر المجيده ،ثم  زيارة القدس ومعاهدة كامب ديفيد ثم احداث الخليج التي انتهت بغزو العراق .احداث جسام، قام الكثيرون بالتعليق عليها وشرحها وتعددت المواقف بشأنها،كل حسب رؤاه ، وايضا قناعاته ،وكذلك مصالحه . يطرحها اليوم الدكتور مازن من خلال رؤيه منهجيه علميه بغض النظر عن المواقف السياسية ، فيعرج ابتداء لمفهوم الدوله ، ومن ثم  قيام الدولة ذاتها، فيقول أنه كان تطورا مهما من خلال السياق التاريخي للمجتمعات. نشأت الدوله منذ القرن الرابع عشر الذي شهد انهيار نظام الاقطاع وسلطة الكنيسه ومن ثم بروز الملكيات ولا حقا الجمهوريات الاوروبيه ،ويينتقل من ذلك الى عالمية الدولة القومية قبل ان يتحدث عن مستويات الصراعات الدوليه، وان كان ظهور الدولة كان في القرن الرابع عشر كما اسلفنا، فان الدولة القوميه كانت في صورة لاحقه وقد تحققت خلال  القرنين السابع عشر والثامن عشر ويضرب مثلين في ذلك وهو ظهور الوحده الايطالية 1815 والوحده الالمانيه 1871 ثم يتطرق المؤلف في طرحه الى علاقات تلك الكيانات سواء في اطارها القطري أو القومي الى علاقاتها الخارجيه،ومدى التجانس السياسي اوالفكري اوالعقائدي مع هذه الدولة اوتلك في خوض المعارك الطارئه ومدى عمق المسانده في اطار حركة الصراع العالمي .

الصراع الدولي مراحله وادواته

يكشف المؤلف عن تسلسل عمليات الصراع منذ بداياته ،أو بمعنى اّخر حين يتفجر بين دولتين خاصة حين تمثل كل منهما رمزا لكتلة تقودها  ،مثل ما جري الحال ،بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ،ومايعنيه الحال بأنه يمكن ان يجر الى حدة الصراع الكتلتين الغربيه والشرقيه،وارتباط كل منهما بحلف من الاحلاف  ،ويضرب المثل بما حدث في ازمة كوبا والحصار الامريكي لها باعتبار ان لديها صواريخا سوفييتيه نوويه ويقول ان الصراع حين يندلع فانه يدفع بطرف ثالث للتدخل ويضرب مثلا بمنظمة الامم المتحدة او احدى المنظمات الاقليميه، ويستطرد قائلا في مثل تلك الحالات تتراوح علاقة الاطراف في صراعها بين احتمالين ان يكون الصراع تابعا لها أو تكون هي تابعة له . انها باختصار موازين القوى الدقيقه التي تحكم في النهاية. ان مراحل الصراع الدولي تتعدد في رصدها وتوصيفها بين (الاختلاف والتقييم والتسويه) او هي مراحل (التصاعد والتناقض والاستقرار ثم التلاشي والاندثار ) حالات كثيره يخضع الصراع لتعريفاتها ،وتكون ايضا نهايته ،وفق سريانها. اما عن ادواته فهي بالتاكيد تخضع لمدى قدرة الدوله او تاثيرها على احداث رد فعل قوى ومؤثر حولها،او ترتيب اوضاع سياسية ملائمه خارج حدودها يكون من شانها مساعدتها على تحقيق اهدافها المطلوبه . تظل هذه الأدوات تمثل قواعد هامه لتهدئة حركة الصراع ان لم يكن لختامها ،وهي تأخذ اشكالا اصبحت مألوفة  ومتداوله (المفاوضات ، الدبلوماسية الوقائيه ،الوساطه، المساعي الحميده ، القوات العسكريه)،هي الأسس الجامعه بكل وسائلها المتعددة لكي تضع  نهاية المطاف لأي حركة صراع .

في النهاية

اود ان اقول صراحة ان الكتاب يمثل ثروة كبيره من الرؤي و التحليلات والمعلومات في اّن واحد ،ولم اعمد على الاطلاق الى محاولة تلخيصه ،وذلك بعد رحلة طويله عبر سطوره ،والتوقف مرارا عند تعريفاته ومصطلحاته ،ومحاولة سبر أغوارها البعيدة ،فهو كتاب يستعصي على التلخيص ،حيث انه شديد التركيز ،وبذلك يحتاج الى المزيد من الشرح بل والاسهاب في ذلك. عنى الكتاب بطرح التعريفات ،وضبط المصطلاحات ،خلال رحلة القراءة المركزه ،عبر مائتي صفحه هي المساحة الكليه لصفحات الكتاب . الكتاب يطرح قضية ( الصراع الدولي في عالم متغير) وهناك عباره للكاتب الراحل (محمد حسنين هيكل) تقول ” لا يحق لنا ان نغفل لحظة واحده عن حقيقة أن الصراع بين الامم سوف يظل قائما ودائما حتى تتغير الدنيا وسكانها ،فتصبح أرضها هي الجنه وناسها هم الملائكه ،ولكن حتى يحدث ذلك فان صراعات المصالح والأمن تؤدي لا محالة الى الحرب).ويقول ايضا الدكتور مازن الرمضاني ( مهما كان شكل الوحدة الانسانية التي تمارس الصراع ابتداء من الفرد ذاته مرورا بالجماعات الداخليه وانتهاء بالدولة القومية فانها تبقي محكومة بقانون تاريخي هو (قانون الصراع)

ويبقى بعد ذلك ان لا ننسي انه ( صراع دولي لكن في عالم متغير) وتلك هي العباره التى ينبغي ان لا تغيب (الصراع الدولي في عالم متغير)  كان ذلك هو عنوان الكتاب وتلك ايضا هي قضيتة ومبتغاه .