مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة في دورته الثلاثين : المصطلح لا يزال غامضاً

شأن التجريب بالعالم العربي كشأن ألف ليلة وليلة . ثلاثون دورة من مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ، انعقدت الدورة الأخيرة في الفترة بين الأول والثامن من أيلول من العام ٢٠٢٣، ولا يزال التجريب يحدق في المسرحيين

من عرض ” صادق النمك” لياسر مدخلي

ويحدقون به ، كأكثر السطور جمالاً ، كما لو أنهم يحدقون في سماء مجهولة . لأن لا علاقة له بالأدب الشعبي . ذلك أن ذريته هناك ، على الضفة الأخرى ، حيث الخيط الرابط بين التجريب وبين قمره في الدول المصنعة . لأن جوهره الناعم والدقيق هناك . إذ أن التجريب من مستخدمات وعود القرن التاسع عشر ، أبجديتها ، سحرها ، لا من صور الخفة . صور يعتقدها من يرتدون من العرب جدائل الشعر المستعار . شعر التجريب . جاء الجميع ليروه ، ولم يروه إلا كرقص الأرانب في الغابات . عند الدكتور سامح مهران ، رئيس مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة ، عنده المسرح مسرح . هو في تقدمه ، التعبير الأوضح للخروج من تنظيم اجتماعي إلى تنظيم اجتماعي آخر . هذا جزء من حديث طويل ، سوف تنشره الحصاد لاحقاً . ومن اتجاه معرفي إلى اتجاه معرفي مغاير . وما المسرح المنحاز إلى الماضي ، سوى ميت يتكلم.

عنده لا تغير في المجتمعات من دون تجريب . هذا صحيح . ولكنه جزء ، جزؤه الآخر أن لا تجريب إلا حين يقع

عرض ” القضية رقم ١٢” العراقي في مهرجان المسرح التجريبي

التغيير في المجتمعات. لأن المسرح جزء من وصايا المجتمع لا العكس . هذا ما جاء تأكيده في عروض دورة المهرجان الثلاثين ، حيث مثل التجريب طريقة واحدة عامة بالعروض العربية ، حين مثل أحاسيس اعتقادية واعتقادات أحساسية وإحساسات بالعروض الأجنبية،كالعرض اليوناني ” الإلياذة ” أفضل عروض المهرجان . حين لم يكتشف جزء واسع من العروض العربية ما يفترض الكشف عنه ، ما يفترض اكتشافه في الخيارات الإرادية . بحيث ظهروا وكأنهم فقدوا الإتجاه مع تكسر بوصلاتهم .

لت يزال العرب يحتاجون إلى التقويم وإلى نضج الظروف . ذلك أن كلمة واحدة لا تقدر، على ابداع تيار يرجع في اعتقاد من يقفون وراءه أو أمامه ، إلى القدرة على ترجمته إلى اللغة العربية . لا نزال في مرحلة الترجمة المُقنعٍّة بالإقتباس. لم نصل إلى التأليف إلا نادراً . تترجم المصطلحات . لا تترجم المناهج ولا المسارات على أرض الواقع .

مسرحية الروبة من تونس ، اخراج حمادي الوهايبي

هذا مستحيل .لأن الواقع ولاَّد . بلا واقع لا شيء . لا شيء بعيداً من الواقع . لأن الواقع حمال التجارب في امتداداتها ، شرط أن يمتلك أصحابها الحلم .ثم الوعي. ثم الأمل الواعي في لحظ العلاقة بالواقع نفسه ، حيث تتداخل الروافد لكي تشكل العالم الآخر.لا العالم الجديد.لا قيام سوى باللحظ، الملاحظة ، الملاحظات . لا منجز إلا على الملاحظة . لا منجزات سوى على الملاحظات .لا منجز سوى على القوة والعمق . لا القوة والعنف . لأن العنف يقيم التأثير السلبي ، بحيث لا يعود يساهم في قيام العوالم الإبداعية . لأنه يدفع الأعمال إلى خارج عوالم تطورها . ما حدث ، في معظم الأحيان .ما لا يزال يحدث ، أن ثمة من يقيم العنف على نفسه وعلى الآخرين ،لكي يقيم حواريه السريعة إلى بطاقاته السوداء . ثمة من حول التجريب في المسرح ، ثمة من حول المسرح التجريبي إلى بطاقات سوداء وهو يبعده عن المغامرة ، الحقيقية ، الفريدة ، إلى مجموعة من المعادلات، باندفاعه في جدول أعمال، يريد له أن يتحقق. هذه اتمتة. اتمتة التجريب ، اتمتة العمليات في المسرح التجريبي نوع من التعنيف ، نوع من ممارسة العنف على المسرح ، نوع من حياة وحشية لا تعاش في مجتمعات سعيدة . لا تعاش سوى في الغابات الوحشية الواقعية أو الإفتراضية. كأن المسرح التجريبي زير مسارح ، لا ينام إلا بعد أن يمارس ذكورته على قطع المسرح الأخرى ، على قطاعات المسرح الأخرى . كأنها نساؤه ، كأنها جواريه . وذلك بعيداً من أمور أخرى لن

ا لممثل (ة) التونسي في الروبة علامة مضيئة

تجري سوى بالطلاقة لا بالإطلاق. بالحيوية الفردية الطالعة من الضرورة ، الحاجة ، تلبية الحاجات ، الإزادة على المسرح لا ذكر المزيد فقط.

يقال مسرح تجريبي وكأنه كولون جاهز . يقال تجريبي .وإذ يقال يتفكر التجريبي أن على مسرحه أن يبتعد مسافات عن الواقع والواقعية ، لأن الواقع قذر و الواقعية قذرة . بدون أن يعلم بأن ثمة حركة في الأدب الأميركي معروفة بالواقعية القذرة . وهي حركة لا سبة. ولكن أن تحارب مفهوم التشابه ، وهو جعل الأعمال في شراكات لا تنفصم عراها أو خلق الخلق لتتشابه الخلق على من يخلقها ومن يراها ، لتقع في المفهوم هذا.هذا ما دفع إلى حجب تيار التجريب عن المسرحيين ، بعضهم عن البعض ، بعد أن وقع في تشابه الآليات وتساويها . التشابه ، اختفاء الشيء بالشيء . ثم حجبه عن الجمهور بعد أن تشابه الأمر عليه . أي اختلط الأمر عليه بوجوده أمام ملامح وصفات جسمية ، مكربجة، لا علاقة لها بالحياة . لا علاقة لها بالكائنات الحية .وقوع غد قوانين تداعي المعاني في الأجساد الصلدة في صورها الذهنية غير المترابطة. حيث تحتاج المعلومات والحلول إلى حاسبات . هذه أشغال أقليات في مجتمع لا يزال ينمو عددياً على الرغم من تراجع النوعية . ذلك، أن لا شيء لا يأتي من الهواء . لن يتبلور عمل بين عشية وضحاها على ما يقال .الأهم ، لن تتبلور تجربة من منظور جزئي يتعلق غالباً برؤية أقليات ، لم تصل سعة بعضهم سوى في منحهم بعضهم البعض جوائز المسرح بعيداً من قواعد الصرف والنحو .

صورت مجموعة أن المسرح التجريبي مسرح غسقي، أو مسرح مسيرة غسقية . لذا، لم يفرض نفسه طويلاً . لأنه لم

ملصق المهرجان

يقدم أفعاله المسندة . هكذا ، لم يفرض نفسه سوى في المناسبات بعد أن أوقعوه في المبالغة والتضخيم والمفارقة في نوع من النزوع إلى الهرب والإنسحاب من جملة الفاعل بالإقامة فيه بدون مغادرته . لا عودة إلى الكلام على أن جزءاً واسعاً من الحركة التجريبية ، يعود إلى عدم تملك القدرة على المواجهة . مواجهة الذات والآخر والوجود معاً. بحيث تصور كمحاولة للفرار من الوجود هذا . الوجود الحياتي والوجود المسرحي بارتباطهما واطلاقهما الأحاديث المطولة عن التطور وتجسيده بعيداً من الآفاق المدلهمة ، ما يواظب عليه في الراهن .

ما حدث بعد أواخر الخمسينيات والستينيات حركات بعيدة من التجليات . حركات راحت تكرر نفسها ، حتى بدت من النوع نفسه وهي تتكرر .

لن يأتي شيء من فراغ . لن يأتي شيء من عدم . هكذا ، جاءت الحركات الطليعية في مختلف المجالات على مستوى العالم كله، حين قامت حركات الثورة والتثوير ،التحرر والتحرير . وقام الصراع بين القطبين ، أميركا والإتحاد السوفياتي في ذلك الزمن العظيم . حيث لا دراما بلا صراع . تولدت الدرامات من الصراع بين الرأسمالية والشيوعية . ذلك أن الصراع يولد الأفكار كما يولد الدراما . بلا أفكار ، لا أشكال . الشكل ساحة من العلاقات . لا صفر من العلاقات . وإذ انتعش التجريب في تلك المرحلة بالعالم العربي ، لأن عواصمه واجهت من الأحداث والأهوال ما دفع إلى حروب عصابات وبروز مقاومات يسارية لم تسمح لتلك السنوات بالإنقضاء بدون تظهير ثقافة جديدة ، ثقافة المسرح على رأسها . كما حدث في اميركا ، حيث حدثت فنون البوب آرت وقامت النزعات الطليعية ومسرح الأندرغراوند وسينما الهوبو. لا شيء يأتي من عدم ولا شيء يأتي من فراغ . لذا ، شكلت الإلتواءات التاريخية الكبرى اللقاءات الأولى بالمسارح الأخرى ، غير المسارح الدارجة المازحة في دروجها على ما هي عليه على مدى سنوات طويلة . لذا ، شكلت الحروب الكبرى والصغرى ، اللقاءات الأولى بين من أرادوا الخروج على الآفاق الشائعة إلى الوقوع بالآفاق الأخرى ، حيث قدموا النماذج المدهشة للإشتمال على المحرك الواقعي والمحرك الفني / الثقافي سواء بسواء . لأن أول ضحايا انفصالهما هو المسرح والأشكال الثقافية .كفرقة الحكواتي و محترف المنارة وفرقة

البرفسور سامح مهران ، رئيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي

السندباد ومسرحيات ريمون جبارة وانطوان ملتقى في لبنان . وفرقة المسرح الجديد مع غسالة النوادر وتوفيق الجبالي ومحمد ادريس وجليلة بكار في تونس . واعمال كرم مطاوع وسعد أردش وغيرهم في مصر . سعد الله ونوس وفواز الساجر في سوريا . الطيب الصديقي في المغرب . صلاح القصب في العراق. وهكذا . بغياب المكونات القديمة ، المحفزات القديمة ، أضحى الشكل ساحة العلاقات القديمة ، ساحة بلا علاقات . مذاك ، أضحى المسرحي ، كل مسرحي ، المسرحي التجريبي” أكثر ، ككوين بطل قصة ” مدينة الزجاج في ثلاثية بول أوستر الشهيرة . كتب قصصاً باسمه أولاً ، في نيويورك . ثم ، تخلى عن إسمه ليكتب باسم مستعار . حتى جاءه الإتصال المفاجئ. سأله عن ما إذا هو نفسه بول أوستر . وحين أجابه بنعم ، وقع في مصيدة ، سوف تقوده إلى مغادرة منزله ، لكي يراقب منزل المتصل بغرض حمايته من من يهدده . أو والده المسجون ، المتروك بعد سجن أعوام . لن يلبث أن يفقد أحساسه بالزمان والمكان ، وهو يراقب الوالد ومنزل الإبن . دحرجة الأحداث ، تدفع كوين إلى ضياعه بين الأسماء . اسمه الحقيقي ، إسمه المستعار . ثم إسمه المنحول . سوف يضحي غريب نفسه ، وهو يفقد نفسه ، بعد أن فقد أصحابه وبعد أن فقد جريان الوعي به. بحيث ما عاد يعرف كيف وجد نفسه في مكان وزمان المراقبة ، ماذا جرى ، هل تضوع أم ترك روائح كريهة . وحين يقرر العودة إلى منزله لن يجد دمه ولا روحه ولا جسده فيه، حين يجد فتاة معلقة كزهرة في فضائه . أجر صاحب المنزل منزله للفتاة بعد غياب كوين عاماً عن المنزل . لم يدرك الأمر ، إلا حين وجد نفسه بلا منزل .

حال المسرحي كحال كوين . لن يعمل في منزل غير موجود مع انقلاب الأوضاع . المسرح مؤجل ، كما هو . المسرح مؤجل في تياراته وتجاربه ، إلى حين الخروج من الحنين إلى واقع جديد لا يزال يتشكل . إنه الوقت . ما على المسرحي سوى الإنصات والإنتظار .