الماسونية… هل هي فلسفة لها عمق… أم انها تنظيم له ابعاد ؟

ان كانت فكرا فما هي معالمه؟ وان كانت تجربة لها تاريخ فأين انجازها؟

 أمين الغفاري

تمثل )الماسونية( بالنسبة للكثيرين، احدى الطلاسم التي يصادفونها، سواء في عملية القراءة أو خلال محادثة أو حوار دون ان يستوعبوا لها مفهوما، أو أن يحددوا لها تعريفا دقيقا بالأضافة الى ان كل ما يكتب عنها لا يضيف لها جديدا ان لم يكن يزيد الأمر ابهاما وغموضا.

فتش عن الكثير من التنظيمات أو المنظمات التي انتشرت عبر قرون خلت فسوف تجد مجموعة من أسماء التنظيمات منها )الماسونية، والليونز، والروتاري و. . الخ( كانت منتشرة، وتنسب الى عضويتها اسماء شهيرة، ولها مكانة وتقدير سواء في عالم الفكر، أو السياسة أو الأدب أو التمثيل قبل أن يعلن فشلها وتموت أو أن يتم الأجهاز عليها بالألغاء والمصادرة وقد حدث ذلك في اكثر من بلد. . ان نظرنا الى تنظيم )الماسونية( مثلا، نجد ان وجوده كما تذكر بعض المصادر يرجع الى ما قبل الميلاد، وفي قول آخر للعصور الوسطى، ولكن بالنسبة الى مصر يعود الى تاريخ الحملة الفرنسية عام 1798 وأن )كليبر( الذي خلف نابليون ثم )مينو( من بعده كانا هما مؤسسيه، وان كنا لا نعرف بعد ذلك من الذي انضم الى عضويته في تلك الحقبة أو ما تلاها سوى القفز الى الخديوى توفيق ومن خلفه عباس حلمي الثاني. لكن نلاحظ حديثا أن بعض تلك التنظيمات قد عادت الآن الى الظهور والنشاط من جديد مثل )الليونز والروتاري( كما يلاحظ أيضا أن الذين يظهرون على ساحتها سواء في عضويتها او نشاطاتها هم من بعض الاسماء المعروفة في الجانب الاجتماعي أو الأعلامي والفني، ولكنها بعيدة تماما عن النخب الفكرية او السياسية كما كان الامر في السابق وبطبيعة الحال غيابه تماما عن الفئات الشعبية. ثم انظر اننا لا نجد صعوبة في التعرف على برامج التنظيمات المعروفة حاليا سواء السياسية مثل الأحزاب أو المؤسسات الأجتماعية الأخرى أو الجمعيات الخيرية، أو الصالونات الثقافية، ونتعرف على اهدافها وعلى اعضائها وعلى القائمين عليها، وذلك من خلال علانيتها ومتابعة انشطتها وانجازاتها على أرض الواقع، وكذلك مدى جماهيريتها وحجم اتساعها، بل ونجد حتى التنظيمات أو التشكيلات السرية، يمكننا على الاقل ان نتلمس وجودها عبر بياناتها أو منشوراتها، أو

جورجي زيدان مؤسس دار الهلال وكاتب وداعية ماسوني

اصداراتها لبعض نشراتها الدورية وهي ان كانت ذات طابع سري الا انها تتداول بشكل محدود خاصة في اطار النخبة من المثقفين أو الاعلاميين حيث تعلن فيها رأيا أو تساهم من خلالها في حوار أو حتى تسجل اعتراضأ على قانون اوقرار اوحتى نشاط. لكن تنظيم )الماسونية( وحده شيء مختلف، ونمط استثنائي، فالسرية قانونه، والكتمان دستوره، أما الأعضاء فهم قضية مرتهنة بالظروف ومدى ملائمتها، وبمعنى أكثر تحديدا، لقد تم الاعلان في الماضي عن اسماء لا معة، وشديدة البريق منهم مثلا جمال الدين الافغاني، واسماء اخرى نتحفظ على ذكرها نظرا للأفتقار الى عوامل الثقة في مصادرها وبالتالي في صحتها ولذلك فالأعلان عنها دون سند يدخل في اطار عملية التشهير، كما نشرت عن )الماسونية( بعض المعلومات في خطوطها العريضة، مع الحرص على عدم الدخول في التفاصيل، ولكنها في عمومها غامضة ومبهمة وترتيبا على ذلك فانها ذ لا مناص – مثيرة للشكوك.

الماسونية في التعريف العام

غني عن القول، أنه لا يمكن الترويج لفكرة، او تنظيم، ان كان يغمره الغموض، ويلفه الغمام من كل جانب، فلابدان تتوافر له بعض الأشارات حتى وان كانت قليلة، لكي تلقي عليه بعض ألأضواء، وتكشف عن بعض أهدافه، ثم تقدم عنه بعض الرؤى أوالاجتهادات لكي تفتح له آفاقا واعده للمستقبل. ان تنظيم )الماسونيه( يعرف نفسه بكونه تنظيم )البناؤون الأحرار(الذين يبشرون ويعملون من أجل مجتمع تسود فيه قيم )الحقيقة والحرية والمساواة( ولذلك يصفون حركتهم بأنها تتماهى مع القيم الاخلاقية والدينية بغض النظر عن نوع الديانة التي يؤمن بها العضو، وفي الجانب الأكثرملاحظة ذ ويمكن ان يكون العنصر الجاذب – هو النص أن كل عضو ماسوني مكلف بمساعدة العضو الآخر ان احتاج الى المساندة أو الدعم. واستنادا الى اقوال الماسونيين فان الطقوس المستخدمة، والتي يقدرها البعض أنها مثيرة ان لم تكن مخيفة أو مرعبة، ما هي الا رموزا استخدمها )البناؤون الأوائل( في القرون الوسطى، وهي تمت بصلة الى فن الهندسة، وتعتبر )الزاوية القائمة والفرجار( من أهم رموز الماسونية، وهي رموز موجودة في جميع محافل الماسونيين الى جانب الكتاب المقدس الذي يتبعه ذلك المحفل، وعندما يتم تسجيل عضو جديد للمنظمة، يتم سؤاله حول اي كتاب سماوي يختاره لكي يكون كتابا مقدسا لديه، والعضوية لديهم تخضع لمعايير التدرج فهناك المبتدئ ثم الخبير، وهكذا والتدرج في المراتب يعتمد على قدرة العضو على اكتشاف حقيقة نفسه )كيف يمكن تحقيق ذلك؟!(وعلى العالم المحيط به، وكذلك علاقته بالخالق الأعظم الذي يؤمن به بغض النظر عن نوعية الدين الذي يعتنقه. ان تنظيم الماسونية – بصرف النظر عن اللقطات المصورة لبعض أعضائه أو الذي يزعم انهم أعضاؤه أثناء أدائهم لطقوس العضوية ذ يستخدم بعض الاشارات السرية ليتعرف بواسطتها عضو في المنظمة على عضو آخر، وتختلف هذه الاشارات من مقر الى آخر.

الماسونية ونواديها

تذكربعض المصادر ان الماسونية لها الكثير من المقرات والمحافل التي تنتشر في عدد من دول العالم، ومن أهم هذه المحافل الماسونية تلك الـتي تتخفى في شكل نوادي اجتماعية مثل نادي)THE LIONS( والأسم مشتق من الاحرف الاولى SAFETY LIBERTY INTELLIGENCE OUR NATIONS وطبقا لقانونهم لا يستطيع أي شخص تقديم طلب عضوية او انتساب الى نادي الليونز وانما العضوية تخضع لقوائم الترشيح من اعضائهم المسجلين للشخص المطلوب انضمامه، وهم الذين يتولون العرض عليه. هناك ايضا نادي )الروتاري( والكلمة في معناها )الدور أو المناوبة( وقد أطلق عليها هذا الاسم لأن الاجتماعات التي كانوا يعقدونها كانت تتم في المنازل أو المكاتب بالتناوب فيما بينهم، ويذكر ان هذا النادي في نشأته الأولى عام 1905 كان في مدينة شيكاغو وينسب الى المحامي بول هارس انشائه باعتباره احد جمعيات منظمة الماسونية العالمية.

السؤال الذي يتبادر الى الذهن هل يعني أن كل النوادي التي تحمل تلك الأسماء الليونز واللوتاري تابعة حتى الآن الى تنظيم )الماسونيه(. الأجابة لا يمكن ان تحمل القطع، وان كانت تلقي )الشبهة(

ويعود الى الذهن ذلك القانون الذي اصدره الرئيس جمال عبدالناصر عام 1964 في مصر بالغاء ومصادرة كل منظمات ونوادي الماسونية والليونز والروتاري وبعض المنظمات الاخرى باعتبارها منظمات مشبوهة. كذلك حدث الأمر في العراق عام 1968 في عهد الرئيس احمد

الرئيس احمد حسن البكر الغى التنظيمات الماسونية في العراق عام 1968

حسن البكر.

الماسونية. . بين الدفاع عنها وادانتها

تقوم بعض الأقلام بالدفاع عن الماسونية، ومساهماتها في عمليات البناء للمجتمعات باعتبار أن )MASON( تعني )بناء( بل وارجاع تاريخ نشأتها الى عقود سحيقة، ومن هذه الكتب كتاب )تاريخ الماسونية العام. . منذ نشأتها الى هذا اليوم( تأليف جورجي زيدان، وقد طبع هذا الكتاب عام 1889( وجورجي زيدان هو مؤسس دار الهلال في مصر، وقد تم تأميمها في اطار عملية تنظيم الصحافة عام 1960 وهي من كبريات دور النشر، وهو صاحب مؤلفات متعددة في التاريخ الاسلامي واللغة العربية. يقول جورجي زيدان في مقدمة الكتاب )بسم الله فاتحة كل عمل، أما بعد فقد أصبحت الماسونية لحداثة عهدها في هذه الديار موضوعا لأبحاث القوم على اختلاف المذاهب والنزعات فمن نصير مدافع عن صحة مبادئها، مبالغ في وجوب كتمان احوالها، و عدو مشدّد النكير، ومختلق الأراجيف عليها، وعندي أن السبب في ذلك انما هو شدة محافظة اعضائها على التستر في اعمالهم الى حد أوجب الظنون واختلاق الأقاويل على أننا لو نظرنا الى الحقيقة لما رأينا في المكاشفة ما يشينها اذ ليس بين أعمالها ما يكسبها الا فخرا ولا بين مبادئها الا ما يرفع منزلتها ويفحم من أراد شرا، لأن مبادئها من أشرف المبادئ، وغايتها من أشرف الغايات، ثم يذكر مصادره في الكتابة عن الماسونية وتاريخها في مصر ويعيد الفضل في ذلك الى )حضرة الأخ الكلي الأحترام سوليتوري افنتوري زولا رئيس أعظم المحافل المصرية سابقا لأنه قد استعان به في استخراج معظم ماكتبه عن الماسونية في مصر من الكتب والمنشورات الرسمية المطبوعة في المحفل الوطني المصري، ويرجع الكاتب أول اجتماع تم للماسونيين كان عام 715 قبل الميلاد تحت اسم )البنايه( وكان الأجتماع بأمر )نوما بومبيليوس(، ثم يتناول الحقب التاريخية لهذه الجماعة، ويصف الكثير من المنشآت التي تمت سواء في

جمال عبدالناصر الغى التنظيمات الماسونية في مصر عام 1964

مصر أو لبنان أو في العديد من دول العالم الى هذه المجموعة، وتواصلها عبر القرون المنصرمة الى أجيال قامت بتلك الأعمال. هنا نتوقف أمام هذا الأدعاء الذي يخرج تماما عن أي حسابات تراثية أوتاريخية أو حتى منطقية. فالأنشاءات التاريخية التي أقيمت عبر العصور المختلفة كانت لها أكثر من حاضنة سواء كانت عقادية أو تراثية أو معمارية أو وطنية وقد تعاقبت عليها العهود فاكتسبت طاقات روحية أو قيم معمارية، فهي ليست مجرد اجتهادات لمجموعات أو تنظيمات لا تعرف لها انتسابا او مولدا. ولاشك ان كتبا أكثر من ان تعد أو تحصى قد صدرت عن هذا الفكر )الماسوني( أوهذا التنظيم السري، والأغلب ان كل من هاجموه، وأدانوه، قد ملكوا من المبررات ما ساقوه اليه من ادانات، ومنها ذلك الكتاب)الماسونية تحكم العالم.. المنظمة التي لا يعرفها احد( والكاتب هنا الدكتور يوسف حسن يوسف. الكتاب يقدم في اطار هجومه مجموعة من الصور باعتبارها تمثل رموزا للماسونية، ويورد نصوصا وأقوالا لبعض الشخصيات الذين اعتنقوا الماسونية كما يذكر والغريب في الامران الشخصيات التي ذكرها أسماءلها رنين سواء كانت اجنبية اوعربية، وهي سياسية وادبية وفنية، ولانعرف هل زج بتلك الاسماء دون عناية بتوثيقها، ومن أين أتى بها اذ أن التنظيم محكوم بسريته تماما؟.

الماسونية قد تكون نوعا من الفلسفة التي استخدمها البعض من خلال شعارات براقة لتحقيق مصالح او مكاسب سياسية او عقائدية، واستطاعت أن تجذب لها بعض الشخصيات في فترة من الفترات، وقد يغري تعبير)البنائين( ويطرح وعودا بـ)البناء(، كما يقدم تعبير)الأستعمار(وعودا )بالعمران( ولكن شتان بين التعبيرات والوعود وبين الممارسة والتطبيق، وقوى الاستغلال والاستبداد ليست سوى وحوشا ضاريا، في غابة تحكمها القوة، حتى وان كانت تلك القوة  في المجتمعات البشرية ـ ليست مادية صرفة ومكشوفة مثل استخدام السلاح، وانما قوة أخرى تملك التأثير بتزييف الفكر، وتشويه العقائد، وتكثيف الوان التضليل. ان هناك على الدوام أشياء أساسية، وجوهرية، تتعلق بالغايات العظيمة وهي أن تتكافأ في أساليبها الحركية مع تلك الغايات سموا ونبلا، ولايمكن ان تكون السرية وعلى آماد طويلة وسيلة أمينة للحفاظ على اهداف سامية. ان السرية ظلام ترتكب في سراديبة الكثير من الآثام وتنمو في ربوعه الكثير من الجراثيم، ولا تتحقق الشفافية الا في العلانية والوضوح، فتحت ضوء الشمس يتم التطهر من الادران، وعلى حرارتها تقتل الجراثيم، وتهرب الخفافيش.

وفي النهاية اننا اننا لا نملك أدلة واضحة لأدانة مثل هذا الفكر، الا أننا بنفس الثقة لا نملك أدلة للدفاع عنه أو تسجيل براءته، أو حتى في أقل القليل ابعاد الظنون والشكوك عن أهدافه ومراميه.