المسرح الصحراوي: مسرح الصحراء هندسة متميزة خارج القاعات

عبيدو باشا

( إلى داريو وفرانكا ، دامجا الحياة بالحب والسعادة)

لا أمسيات هادئة مع المسرح الصحراوي. لأن سلوك ادارة المسرح سلوك يترواح بين خليط من مشاعر يؤكد أصحابها لأنفسهم أن الصحراء مجال لا مساحة فقط ، كما قد يتبادر لناظر إلى الصحراء من نافذة فندقه . سوف يقوض الضجيج ما يعرفه ، ما يردده عن الصحراء . ما يقوله الأخير هو ما يحس به . ولكن دائرة الثقافة والمسرح في الشارقة مع أحمد أبو رحيمة وعصام ابو القاسم ، خرجا على كل التوقعات والتصورات بعد أن تعاملا مع المسلمات كقضايا لا تقف على رصيف ، قدر ما هي ضرورة لإدراك أن ثمة خلائط لا خليط واحد في المسلمات هذه ، بحيث أن رسم الدوائر في هواء الصحراء أو على رمالها سوف ينتج مجموعات من لوحات لن نشعر حيالها سوى بالإهتمام . ذلك أن هذه الدوائر ، سوف تقود إلى التفكير بتطويرها بحيث تضحي أشكالاً تتدلى من سقف السماء حتى تلتقي في عيون المشاهدين المحتشدين على الرمل ، حيث يعلم الرمل أن روح الرمل هو اللقاء لا البحث عن اللقاء . لم يلاحظ أحد الأمر ، لن يلاحظ أحد الأمر وهو ينظر في هاتفه الخلوي .ذلك أن اللقاء هو لقاء على متعة أن نفتش لا أن نعرف ، وحين نجد نعرف ما تم التفتيش عنه والعثور عليه . أمسيات المسرح الصحراوي ، ما يقطع الجمهور المسافات الطويلة لمشاهدته ، أمسيات مجهولة ، أمسيات أعياد ميلاد . لأن ترك المسرح ينمو على مروج الرمل ، على أرض الواقع لا من مكبرات الصوت ، ولادات لقاعات لا موجودة ولكنها موجودة . قاعات من هواء . قاعة لا تقوم إلا بعد بداية العروض المسرحية . ما أحدث به لن يتوقعه الكثيرون . مسرح يحبس الأنفاس ، مسرح صحراوي . جديد لا نكاد لا نعرف أشياء عديدة عن الأمر ، ما دام المسرح الصحراوي مسرح جديد ، مسرح يرغب من يقوم على قيامه أن يكتشف معاييره من خلال التجربة . أوافق ، أتفق على أن المسرح الصحراوي مثير جداً للإهتمام . وحيد ، فريد ، يحبس الأنفاس حين تخيل أصوله ومقاماته وأفعاله بصورة أو بأخرى . وأنه نبات لا تماثيل توزع على رمال الصحراء . نبات لا ينمو على هواه ، طالما أن ثمة من يريده حديثاً ، مذهلاً ، ولو أن عجينه لن ينساب في الجو كما تنساب الألحان ، لأنه لا يزال على دروب حدائقه ، يوازن أبطاله بين علو أعشابه وعروضه لكي لا تختفي العروض في علو الأعشاب عليها . دورات لم تؤدي إلى نهاية المطاف . وهذا انتصار . لأن النهاية تحويل مهرجان المسرح الصحراوي إلى مدرسة ذات مناهج واضحة ، لن تلبث أن تترك على الطاولات لأنها انتهت إلى ما انتهت إليه . إنها مغامرة بغاية الأهمية ، سوف يبقى جمهورها يتذكرها دوماً من فرادتها ومن اسئلتها الدائمة عن نفسها وعلى نفسها . أهي لوحات ، مشاهد ، عروض توضع على مساحات الرمل . أم عربات يركبها من يمتلكون وجوهاً واضحة ، لا من لا يمتلكون وجوههم . ثمة شرخ بين الإثنين . ثمة بريق شديد بالعنوان . ثمة لوحات ساكنة ، ثمة لوحات متحركة . ثمة ألغاز ، الصحراء ألغاز . هذا جزء من سحر الصحراء . واقع الأمر أن الأمر أجمل إذا ما جعلنا تجربة المسرح الصحراوي تجربة مكسوة بالوضوح على امتداد الأعوام المقبلة. لا تجربة يسقط جيرها بعد تكلسها وهي تضرب خلف الفنون ، تعدد الفنون ، تنوع الفنون ، لا أفضل الفنون . لأن الفن مدن ، كل فن مدينة ، كل مدينة مولودة أم ، لا أداة ولا شيء يرفع الستار عنها . وحين يحدث يحدث الفن . المسرح أبرز الفنون عند المسرحيين ، من يحبون أن يرتفع إلى أعلى الشجرة لا أن يسقط من الشجرة على رؤوسهم . وأن يتبادل الحديث والإبتسام مع الفنون الأخرى . وهو شاطر في ذلك . كما هو ماهر في الدخول إلى المعرفة من اللامعرفة كما يفعل المسرح الصحراوي ما لم نره على بعد أميال أو أهرام وها نراه اليوم كلحظة سخية من لحظات المسرح المهدد باكتفاء النظر إليه من بعيد وهو على جدار كورونا أو كوفيد وعلى جدران الأزمات الاقتصادية والحروب .

لا أحصنة أكثر ضخامة ولا سماء أكثر زرقة ولا رمل أكثر نقاوة أو خشونة . هناك التفاصيل المفصلة على الأمر السخي من امارة لا تزال حتى اللحظة تنظر إلى الأمام مباشرة لا إلى الخلف وسط حقول من الجاذبية لا الغرابة . ثمة بعض الغرابة في ترجمة المسرح الصحراوي على أرض الواقع لا تهكم ولا خوف . ثمة جرأة ، إقدام ، فيما يشير إليه حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي باصبعه هو من يتخيل ما لا يتخيله حاكم ولا مثقف ولا فنان . هو من لا يقول أنه يقدم القبول والثقة للمسرح والمسرحيين حين ينهمك في تغطية الأرض بالأنشطة والفاعليات والمسرحيات بحيث يجعلك تنظر إليها وكأنها أشياء موجودة منذ القدم وهي موجودة منذ أن تم التفكير بانجازها على أرض الواقع . عودة مهرجان المسرح الإماراتي من صنيع هذا الرجل . المسرح الصحراوي من صنيعه . كلية الفنون من صنيعه . طبقات الأمور والأمور من صنيعه .كلٌ منفصل ، كل متصل ، كل منفصل ومتصل بآن في احداثه وصوره الإجمالية .أنشطة مبهرة وكأنها مصنوعة من زجاج مضاء ، من زجاج يضيء .حين شاهدت ما شاهدت في المسرح الصحراوي ، لم أتخيل شيئا كهذا في حياتي . شيء لا يشبه شيئاً بفكرته ، بترجمته ، بأشكاله ، بإخباراته ، بخلفياته . إنها طريقة مذهلة للتميز ، للتفرد . هذا ليس غريباً على الشارقة بأدائها ، بأناسها الموجودين في وزارة الثقافة وفي الهيئة العربية للمسرح ، من غطت بزهور المسرح أرض المسرح المهددة بالجفاف ، من سطوة الرقابات وقسوة الحياة ومن يقبض على البطات في الرقاب . ولكن الكف عن مهرجان المسرح الصحراوي بتركه في مستوى فكرته الأعلى ، عبث غير محب للفن . عبث محب للفن بملابسه الفخمة . ثم أن المسرح الصحراوي لا جنود فقط ولا رواة ولا جياد ولا رمال ولا أرانب تطلع من الرمل لا من القبعات . المسرح الصحراوي أنهار وضفاف أنهار ، بلاط مفتوح الأجزاء على الأجزاء الأخرى . بلاط مفتوح على السؤال ، على الأسئلة . لأنه لا يقوم داخل قنطرة مظلمة . بالعكس . إنه هندسة تنتظر اكتمال نموها في كل مكان بحيث لا يكف المرء عن النظر إليها والنظر من جديد ومن جديد . وهكذا . هكذا ، ولكي لا يظهر الآجر المكسور ، لا يكثر الآجر المكسور ولكي تبقى العروض ممتلئة الخدود في مهرجان يحمل سهماً لا عصا ، وجب الوقوف أمام عقده الذهبي وعنوانه المبهر و تصميمه الإجمالي نفسه .

(٢)

لا يصنع الكورس مسرحاً. لا يصنع اشتعال الصحراء مسرحاً. لا تصنع الصحراء مسرحاً. لا لأن الصحراء بلا حدود. لأن المسرح بالصحراء يمتد على كل الحيوات الممكنة أو قد يمتد على اللاشيء. الصحراء قافية . الصحراء موسيقى. الصحراء شعر. الصحراء جوع، لا خيم ولا مخيمات ولا قوافل ولا عربات بعجلات أو عربات تحلق بالهواء كأنها أبسطة سحرية . جوع إلى تدبير شؤون المسرح بحيث يفلق المسرح كل جب سحيق تصوره الكثيرون كصنيع وحيد للصحراء والمسرح الصحراوي. بالصحراء القاسية رقة شعرية لا تزال تنتظر اكتشافها. الرموز ، الصلوات الخفية العميقة، الغناء، الحداء ، اللوازم الموسيقية العارية كالفاكهة الجديدة، لا الرمال المرمية وحدها بالريح. سؤال بنية، بناء ، أبنية ، مساحة ومحيط وناس ودفين ماس . أن تمد الصحراء المسرح وأن يمد المسرح الصحراء، أن يضحيا مخلوقاً واحداً، لن يتم الأمر كبناء إفريز على حائط أو جدار أو خشب بتجنيد العاطلين عن العمل . لا علاقة للأمر بتوفير فرص عمل جديدة وسط عالم من البطالة غير المستحقة . أبداً. بتوريط أسياد المسرح بدورات تطأ الفن والثقافة، على جانب المسرح وعلى الجوانب الأخرى . كما تطأ الإقتصاد . حرب يخوضها مسرحيون وسَّعت قواعد مسرحهم بحيث بات مسرحهم مسرح المسرح ، الذكر والأنثى ، اللعب لا الغطرسة ، السهم لا العصا ، العين لا الفم . وإذا الفم ، إذن الفم الواقف عند الأشكال والمناهج ، الألوان لا الشرائط ثم الشرائط بالألوان . الأهم ، الرواية ، السرديات ، سرديات استيتيكية لا تقارن بالسودان السياسة . الا علاقة للسرد بالإعلان ولا بالخطاب السياسي غير الآسر للعين والكثير للإهتمام . بحيث يضحي المسرح ، بحيث يبقى المسرح مسرحاً، مسرح المسرحيين ، مسرحهم ، من تأسيس على تأسيس على تغليب على جدة لا حدة وعلى خلق ، بحيث لا يعود المسرح مهدداً بالإختفاء أو ميالاً للإختباء في كلمة ، جملة ، عنوان أو مغارة أو نفق. كلام يهدف إلى وضع المهرجان ، مهرجان المسرح الصحراوي على لوحة مضاءة تمتد على جدران عالمها إلى العالم . يحق لهذه التجربة الطليعية أن لا تبقى في حيز خال أو في حيز توالي الانتباه إلى المسرح من العنوان . بذلك بعض الهوان . بذلك جر المهرجان من الظلام إلى الظلام . لا من الظلام إلى النور ، أحد كبار عشاق المسرح . ورفع المهرجان على لوحة مضاءة بكل عمليات الخلق الفني ، بكل بالغ الجمال . لا جدوى من حياة لا تشبه الحقيقة بتقديم المسرحيين ، عشرات المسرحيين ، خلواً من العلل، كأنهم عائمون أو يسيرون بالهواء لا على أقدامهم . فقط ، لأنهم وجدوا في هذه الفكرة العلوية . عشرات ثم عشرات ، لأن العدد يخفف من مسحات الألوهة على بعض المسرحيين . شيء أخلاقي لا حسابي ، ماتيماتيكي . ذلك أن الكثرة تبلغ حداً ، يصعب عنده تخصيص تمثال لكل إله. كلما زاد العدد ، خفت صوت الضخامة . يصعب إذاك تصنيع الآلهة بصالح تصنيع المسرح. هكذا نوع من الإقلاع ، يبتدع خيالات جديدة. هكذا نوع من الإقلاع ، لا يفتح جرحاً آخر من جروح المسرح ، في جسد المسرح.مسرح ماتت مخلوقاته ، بعد أن صنع عالماً من الشينتو: عالم بآلهة عديدة ، لم تلبث أن تخشبت أو ماتت من نأيها عن العوالم الروحية، أمام المادة ذات الأزمات الأقرب إلى السيقان الطويلة والعميقة. علماً أن عالم الشينتو الحقيقي عالم بعوالم . كل عالم فيه أكثر من ثمانمائة مليون إله. غرق العالم العربي بالآلهة. نحن أمام فرصة لا تمجد الآلهة ولا تصف التلاميذ وهم ينتظرون أدوارهم المتعذر معرفتها من رؤيتهم المسرح كمخلوق بأربع عيون وثلاث آذن وقلب لا يشبه إلا البغتة . المسرح الصحراوي مسرح لا يطلب التوقيعات الجاهزة ولا هوايات الرجال الصغار . هؤلاء من ينظرون إلى المسرح كما ينظرون إلى حيوان غريب. أو كجمل بأربعة أسنام ، فقط لأنه مسرح على الرمل لا مسرح من رمل أو كرسي قابل للطي . بالمسرح الصحراوي رقة شعرية ، كل الأمور الرائعة، لأنها لم تتعود على نفسها بعد. يتعود عليها المسرحيون والفنانون والمثقفون. بالصحراء ، كل شيء خلاب ، بالمسرح وبالإنتفاضات البشرية . انتفاضات لا علاقة لها بالمسرح( سوى بوصفه مكان المسرحيين الدافئ ، ولكن الخالي من التصورات الجاهزة ) إلا أن بمقدورها أن تورط الكثيرين ممن لا علاقة لهم بالمسرح ، أن تورطهم بالمسرح. جرح جديد أو طاقات جديدة لا تشوه نفسها. لأن المسرح لم يشوهها بعد.هذا جواب ، لا سؤال بملابس صفراء على خلفية صفراء .

يتبادر أن المسرحيين العاملين بالمسرح الصحراوي ذوو أنوف حادة ذات عظام معطوبة. أو كل ما له علاقة بالصيد والقنص وركوب الخيل أو السفر بالجمال . هذه رؤية مأسوية ، منبعها تسطيح الرؤية. لا يصنع همز الخيل ولا ترويض النوق ولا مبارزات الفرسان المسرح الصحراوي. لا تصنعه الأمور ولا الرؤى المسطحة. لا تصنعه العجلة ولا حروب يخوضها ممثلون رديئون . لا تصنعه إلا آلهة الشعر على الآفاق الجديدة، بعيداً من المواصلات المعممة. لا حاجة إلى ضروب الجدل العقيمة هنا.فقط ، إطلاق النفس أو استخراج الطاقات النفطية . نفط لا علاقة له بنفط أوبيك. استخراج الأشكال والأدوات المدفونة بالصحراء ، ككنز مخزون منذ مئات السنين ، لينفجر كالفجأة. بحيث لا نعود قلقين على أن يتمخض المسرح الصحراوي على ما يتداول بالمؤتمرات ،بل على الحرية والسعادة. لأن الكثيرين افتقدوا الحرية بالمسرح ، افتقدوا السعادة ، منذ أزمنة بعيدة. امتلكت الصحراء من ذاكرة الصحراء بالنظر إلى ضخامتها كامرأة عجوز تمتلك خصيتين ضخمتين . هذا يجافي الحقيقة والواقع . لا صحة للأمر . وثمة جزء يسير من اجزاء الصحراء في هذا الكلام . إلا أنها مسار ، لا كما قال إبن شميل من أن الصحراء من الأرض ، مثل ظهر الدابة الأجرد. ليس لها جبال ملساء. الصحراء قصيدة ،لا أرض يتعلمها البشر بالكتب من بعيد. افتتن رامبو بالصحراء . كبار المستشرقين ، نشروا سردياتهم التشكيلية على الصحراء . صحراء العرب. لم يغب عن بالي هذا السؤال دائماً. السمكة الكبيرة ام السمكة الصغيرة. هذا هو السؤال هنا. إرهاص نهار بما يسمى بالفجر الجديد. كل استار اللغة هنا. اكتشاف اللغة هنا. الإنصات البديع هنا. هنا مبادلة أشكال بين صلب المادة وخفق الروح. خدمة يعيشها الرائع المتميز ، من يجد بالمسرح الصحراوي كل شيء ، سوى الخدمة العسكرية. لأن المسرح الصحراوي سوف يتخبط في بياضه ، وهو يراوح بين الحلم والتحقق.

أوضح دوماً أن الحلم أوسع من التحقق. الحلم لا ماتراه بالنوم . ذاك منام . الحلم مازال يجعلك تنام . إن الإثنين لا يتحققان بدون حرية. حرية محلومة وحرية متحققة. الحرية المحلومة أوسع من الحرية المتحققة. الحرية المتحققة أضيق. المسرح الصحراوي انقلاب على التوازنات القاتلة. عبور فوق الهُوي ، عبور فوق الأشواك. غير أن المسرح هذا هوي، شرك ، اذا راوح بين الأصول والوصول. مسرح مجبول بالأرض، غير مسرح رفاهة الخلاص من دوائر البحث. من العلائق الخطية السالفة. رسول آخر إذن بعيداً من الأنطولوجيات العمياء. إلا أنه مجبر على أن يهمز نفسه، لا كثقب في بياض، كضوء غير مشتبه به. بتبين المسائل. ثم ، بمعالجة المسائل ، بالمجادلة لا المصارعة. المجادلة الحقة، لا التنازل أمام المجاملات والتمنع عن فهم العثرات في المقومات . ذلك أن هذا المكون جديد ، يرقص على الطابع والطبع. لا بأس من بعض التسامح. لا بأس من الأخذ بالوضعيات البشرية. الصراع الكلامي غير الصراع الحربي. صراع بين طلب المطلق أو ما يفيد الإقتراب من الأنظومة الأولى بالمسرح الصحراوي. المهرجان مساحة لقاء. غير أنه لن يلبث أن يضحي نهراً ، يطلب كمال المسرح واكتماله، وإلا أخذه في مائه. الإيمان بالتجربة بدون تسليم مكسب . لأن التجربة فرصة تاريخية ، لكي تقوم مرافق الإختلاف والبناء ، هذه المرة من عند العرب. يكون المسرح الصحراوي أو لا يكون . مسرح ظاهرة. نهاية عصر استعمار ، نتحرر بها من الكتابات الأولى. اشتغل الرفاق على الحكواتي والمداح والراوي ومسرح الشاطئ والمسرح الإحتفالي. أصدروا بيانات أقرب إلى بيانات الإنقلابات . غير أنهم ما لبثوا أن عادوا إلى الشكل الأول . لأنهم في عمليات التحول وحتمية الفاعلية واقتضاء الدلالة، تجمدوا بالوهم . لأنهم رأوْا في النموذج الآخر نموذجاً لا فكرة .

لو ذهب العرب إلى المسرح كفكرة لا كنموذج أو فكرة ، لما وقعوا بالتزمت ولا الإنقياد الفني. شكل في مقابل شكل. المسرح فكرة، لاشكل. فهم ذلك، يغير في معنى السلوك المتكرر ، بالعودة إلى الأشكال الغربية إثر استنفاد الأعمال على الأشكال العربية. أو ما يراه العرب أشكالاً عربية. المسرح الصحراوي كون آخر. تغيير ذهنية . تغيير الذهنية هذا ، يفترض استحداث طبائع علمية وتقنية . هذا الشرط ، الأساس ، لحل سائر المشكلات وهي كثيرة. الخوف من الإعتراف بالأمر مقتلة. الكتابة والإخراج والآداء. الصراع بين الصحراء والمسرح. صوت المسرح وصمت الصحراء. ضوء المسرح وضوء الصحراء. روح المسرح وروح الصحراء. بدن المسرح وبدن الصحراء. يخطئ من يظن أن اخلاقيات الأرض أخلاقيات مستسلمة. لا تستسلم الأرض ، لا تستسلم الصحراء إلا لمن يظهر يوماً بعد يوم الأمل واليقين بحضور الشخصية المتميزة. لا ضيافة . لأن الضيافة تقدير للغريب. هنا، أهل الأرض على الأرض. هنا، أهل الأرض على الصحراء الخاصة بهم.القبلية أكثر من ضرورة . الروح القبلية . لأن القبلية لا تعني إلاتضامن المجموعات الضيقة والمجموعات الواسعة. لا اقتراب للضيافة من القبلية لواحدة من المرات الأول. لا قناعة بالمسرح الصحراوي إلا بعد صبر . لا يجيء الإيمان إلا بعد الصبر. لا يجيء إلا بالنأي عن الكسل. بالنأي عن إرادات القبول الجاهزة. هذا مسرح باشلاري. مسرح لا يقوم على الإستعفاء والتنصل من المكان . كالمسرح في مهرجان أفينون . لم يقضِ الله بالمسرح هذا . قضت ظروف الحرب به. الحرب العالمية الثانية. لم يجد شكل مشاركاته بالأوضاع البشرية إلا بعد سنوات على انوجاده. لم يحقق حضوره فقط. حقق حضور المسرح الوطني الشعبي. جان فيلار وراء الإثنين . المسرح الصحراوي ذو دينامية مغامرة . واعدة، إذا أحسنت دفعت إلى حدوث الأحداث الأخرى. اذا لم تخشى من عيوب المحاولات الأولى. استعمال الصحراء بعيداً من التكيف عملية تكليف باهظة. الحروف مكلَّفة كما يقول إبن عربي.المسرح مكلف. المسرح والمسرح الصحراوي.الأخير أمام القدرة على استعمال القوى العلوية .التكنولوجياوالسينوغرافيا.

تكنولوجيا البعدين والثلاثة أبعاد، حين بات البعد الرابع متوفراً بالكثير من الأعمال. لا رغبة إلا بالمخايلة البصرية لا تفكيك أوصال المسرح . أو دفع المسرح إلى التوزع بين التكثيفات الرمزية أو الوجودية . تخصيب المسرح الصحراوي ، لا بترتيب الأشياء. تخصيب المسرح الصحراوي ، بشحذ حضوره بالتشكيل على دائرة أرضه. أو دوائر الأرض. لأن الأرض في الصحراء دوائر بالدائرة الكبرى / النقطة. خلق أول وخلق ثان وخلق ثالث. هكذا يداني المسرح الصحراوي غاياته، بعيداً من المنحى الواحد. منوشكين ، خلقت أربع منصات في عرضها ١٧٨٩. لم تلعب على رمزية الدائرة الصوفية، بقيامها على مركزية اللام ألف ، طالما أن لا هي الذات بدون صفات . غير أنها جعلت حدث الإحياء ، يواصل ترديد الإيقاع ترجيعه. لا يرغب أحد بسقوط الطاقات التكوينية بروح ومفهوم”البلاي ستايشن”. إلا أن أحداً لا يرغب إلا بولادة الحياة في المسرح الصحراوي بعيداً من”السفاري ” بعيداً من ومضات الدلالات الطقوسية. حيث لا يصنع الغناء ولا الحداء الطقس(وحدهما). حيث الطقس جماح لا قطع ولاقِطعٌ ولا استقطاع . إلا أن أحداً لا يرغب إلا بولادة الحياة في المسرح الصحراوي بعيداً من تسبيحات وأشباح البيكنك . إذاك يفارق المسرح والمسرحي موقع الإنفعال بالوجود إلى موقع الفعل فيه. باستيلاد الحياة ، حياة المسرح والمسرحي ، من إقامة العلاقة بالأرض ، عبر نسقها الوثوقي . لا عبر العبور فوقها ، كأنها جماد لا يمتلك لغته. للأرض لغتها. للأرض أحوالها. لا تمنح ، لن تمنح الصحراء طبائعها ، إلا حين يقبض المسرحي على تضميناتها لا على ملفوظاتها . هذا تحدٍ كبير . هذه مغامرة ، لا تقوم على سطح ولا نطح ولا بطح . تقوم على قراءة الذبذبات والأرواح والصور غير المنمطة والحاملات الجوفية، تطل منفتحة ، أبداً ، على الممكنات وما فوق الممكنات . خير سند للمسرح الصحراوي موضوعاته، بين عنترة بن شداد والحروب الصليبية كما رآها العرب لأمين معلوف. بين ليون الأفريقي وسمرقند والمتنبي وعلي الزيبق. الموضوعات على قارعة الطريق كما قال الجاحظ. أفق معانيها بطرق الإشتغال عليها. لكي لا نبقى ندور حائرين بين مصطلحين : مسرح في الصحراء والمسرح الصحراوي. بين الإثنين بونات شاسعة والكثير من التجارب والتأسيسات . اللهم إشهد إني بلغت .

سوف يبقى المسرح ما بقيت الحياة ، على ما يقول حاكم الشارقة الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي . هكذا ، لن يسمح الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح لصقر المسرح أن ينخفض ، عليه أن يحلق في تلك الزرقة كالسحب . انسجاماً مع منحه المسرح هذا الإهتمام ، ها هو يعيد المسرح إلى حجمه الطبيعي باستعادة مهرجان الشارقة المسرح ، انطلق يوم السابع عشر من آذار وانتهى يوم الخامس والعشرين منه . هذا قسم من أقسام المسرح في الإمارة الثقافية. لذا ، من المتوقع عودة المهرجانات الأخرى ، في مقدمها مهرجان المسرح الصحراوي ، جزء من جدار المسرح في الإمارات ، عمل خاص على المساحة ، على الصحراء بدون نظرات الإرتياب العادية من الأشكال المسرحية الغربية التقليدية . استغرق الأمر وقتاً لتنفيذه وإطلاقه على قواعد الصحراء المحترمة . ورشة أدرك معها المسرحي العربي مكانته في تجربة خاصة تستحق الإهتمام من فرادتها وعدم تحققها سوى في الشارقة . لا ملابس بلاط ولا اعتلاء كراسي جاهزة . خلق ما هو غير متوقع في مراكز الطبيعة لا في المنشآت . دراسات ، ثم تجهيز المواد اللازمة ،ثم تخصيص المسرح بهذا المسرح . عروض مخصصة به ، صندوق من الهواء تخرج منه أشياء سحرية . ولكنه توقف بسبب الجائحة الصحية الأخيرة . موسمه الجديد على الطريق . لأن ورشاته لا تفترض الإجراءات المتخذة في المهرجانات الأخرى ، كأن يعتل المهرجان بنصف سعة . كما سيحدث في مهرجان المسرح . حامل مشعل جدير بالمتابعة والإهتمام ، مادام يخول العرب الدخول في عالم خاص ، خاص، من صنعهم لا من صنع الآخرين .

العدد 127 / نيسان 2022