فيلم جديد اسمه (أميرة) امتهان لوظيفة الفن وصفعه على وجه الابداع

الفن هو الجمال في اسمى معانيه.هو الساحر الذي يأثر القلوب،ويناجي الأرواح .والابداع هو الاضافة والعبقرية في الطرح التي تنتشي بها العقول، وقد يقول البعض، ومع التسليم بذلك الا انه لا ينبغي لنا ان ننسي  ان للفن شيطانه كذلك ، وان له نزواته ومنزلقاته ،التي تصدمنا في بعض الاحيان ،فالحياة تتشابك قضاياها بشكل اعمق بل واخطر من أن نتركها لاحتمالات النزوة،أو نشوة التفرد في تفسير الحدث، أو اختراق ماهو مألوف ومتعارف عليه ، الا يقولون ان الفنون جنون . لذلك فان المجتمعات النامية ،والتي لم تتحرر بعد من تبعات ميراث ثقيل من القضايا المصيرية والشائكه ،لا بد ان تكون اكثر رؤية و روية فيما يقدم للناس ،وتتناوله شاشات السينما بجاذبيتها

منتصر الناعوق
المتحدث باسم (مؤسسة واعد للأسري الفلسطينيين)

،وتعرضه شاشات التلفزيون بانتشارها داخل البيوت ومن ثم تأثيرها على الملايين من المشاهدين .هنا لابد ان يترفق ( المبدعون) بمشاهديهم فما يراه ( المبدع) فنا ،قد يكون وقعه صاعقا لمن يأخذ بالصورة ،ولا يتمعن في دقائقها ،ولذا فانه قد يجور على الحقيقه ،ويتجاوز بخيال مطلق احداث الواقع وتفاصيله ، بكل ابطاله وشهوده. الفن ثقافة ومتعه ومعرفة ،وهو ايضا سلاح للفتك والتدمير،واطفاء لكل مشاعل التنوير . الفن نور يهدي وكذلك  ان كان بلا مسؤولية فهو نار متأججه شديدة السعار تحرق.

حكاية فيلم اسمه ( أميرة)

هذا الفيلم احدث ضجه واثار احتجاجات، كما اجج غضبا،واشعل نارا ..ترى لماذا،وكيف ؟أسئلة لا نشك في مشروعيتها،بل وضرورتها وبسطها امام كل العيون  .قصة الفيلم اعتمدت على احداث حقيقيه في جوهرها،ولكنها تركت للخيال كذلك ان ينسج روايته،ويحيك سردها بشطحاته،حتى يخرج بنتيجة غير متوقعه تصدم المشاهد، و بذلك يتصور المعدون لهذا الفيلم أنهم سيحققوا مايطمحون اليه وهو الاثارة ومن ثم يسجلوا ( الأبداع) في صورة محكمة الالوان.قد يكون ذلك صحيحا في القضايا التقليديه التي لاتمس مشاعر الجمهور فيتم الأقتباس،أو ما يمكن ان يطلق عليه التأثير، قد يكون ذلك مألوفا وطبيعيا ،ولكن بالنسبة للقضايا الكبرى في حياة الشعوب فان الأمر جد مختلف ،فقد يمثل ذلك كارثة حقيقية من حيث هدم القيم وتلويثها بقدر لا يخطر على البال . تتناول قصة فيلم «أميرة» الذى نسجت قصته الخيالية من واقع أحداث حقيقية، وتروى قصة الفيلم أن الشاب الفلسطيني (نوار) الذى أسر فى سجون الاحتلال الإسرائيلى قبل أن تولد ابنته «أميرة»، التى تظهر فى الأحداث فى ريعان العمر، وتعرف الفتاة  أن أمها قد حملت بها عن طريق تهريب نطفة من «نوار» الى زوجته ،لكن في أثناء زيارة الأبنه لأبيها في السجن، يخطرها انه عقيم ولا ينجب، وأنها ليست ابنته، وكل ما أخبرتها به والدتها كذب،، وتنهار العائلة لهذا الخبر وتبدأ أميرة في رحلة البحث عن والدها البيولوجي الحقيقي بكل صمت وخوف من نظرة المجتمع لها. وخوفها من أن تصبح منبوذةً هي ووالدتها كونهما لا يملكان معيلاً أو عائلة كبيرة تقوم بحمايتهما ،ولكن القدر يدخر لها مفجأة أكبر وأقسي . مفاجأة صاعقه تصدمها بعنف ،حين تكتشف بعد ان أضناها البحث ،ان الاب ليس سوى حارس السجن الاسرائيلي ، فترفض تبعا لذلك الاكتشاف تلك الحقيقة المرة،وتسارع بوضع نهاية لحياتها بالأنتحار. هكذا يروي الفيلم قصته التي يعترف انها قصة خياليه .

الحقائق على ارضية الواقع

فجر هذا الفيلم (الغيرمسؤول) موجة عارمه من الغضب،لأنه اهدر الكثير من الاجراءات الصارمه التي يقوم بها الفلسطينيون للحفاظ على صدقية النسب،وطهارته،والى حد أنهم يعتبرونها (ابداعا)حقيقيا في رحلة نضالهم الشاقه،بل انهم يعتبرون الأطفال الذين يولدون عن طريق (النطف)المهربه (سفراء الحرية) وقد تصدى لتلك الكذبة المفضوحه التي عرضها هذا الفيلم جهاتٌ عدّة في فلسطين المحتلة، منها هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، ونادي الأسير الفلسطيني،والهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى، وطرحت بالشرح موضوع النطف المنقولة من الأسرى الفلسطينيين إلى زوجاتهم،عبر آليةٍ لا تترك أدنى فرصة للتلاعب أو التشكيك في هوية النطفة التي يجري تسليمها يدًا بيد من الأسير إلى زوجته وأسرته، في حضور شهودٍ وبمحضر رسمي. وبالتالي، لا يستقيم واقعيًا أو دراميًا هنا أن يتأسّس تماما هذا الإنتاج السينمائي الضخم على فرضية الخطأ أو التلاعب، إلا إذا كان منتجو الفيلم قد كرّسوا كل إمكاناتهم للوصول إلى هذه النهاية، البنت/ الأرض من الجميع وللجميع، وعلى الجميع الرضا بهذه الوضعية.لقد تم ولادة أكثر من مائة الف طفل فلسطيني لآباء معتقلين من خلال ذلك المسار وهو تهريب السائل المنوي بمساعدة رجال ينتظرون خارج السجن. 

 الأجراءات الصارمه في التنفيذ.              

يقول منتصر الناعوق المتحدث باسم (مؤسسة واعد للأسرى الفلسطينيين) في اتصال اجراه مع جريدة ( الشروق) .إنه بعد خروج (النطف) تذهب إلى المستشفى للمعاينة،ويتم إجراء فحص DNA لهذه العينة من خلال سحب عينة من أقرباء الأسير من الدرجة الأولى،والتأكد من أن هذه النطفة هي بالفعل للأسير ذاته. حال مطابقة هذه الأمور للمواصفات والشروط والتأكد من أن هذه العينة هي فعلا للأسير الذي أرسلها والتأكد من سلامتها بشكل دقيق ، يتم زراعتها مباشرة.ويصف الناعوق لجوء الأسرى الفلسطينيين لتنفيذ فكرة النطف المهربة بأنها ( إبداع)منهم للتمسك بالحياة والحرية والأمل. ثم يضيف أن الاحتلال يريد أن تنقطع جذور الأسرى تماما، وأن ينقطع نسلهم إلى الأبد، لكنهم أصروا على البقاء والاستمرار حتى ولو بطريقة غير مباشرة،وعن طريقة خروج ،وتهريب نطف الأسرى من سجون الاحتلال، قال ايضا إن الطريقة تكمن في أن النطف تخرج مع أسير يخرج من داخل سجون الاحتلال (أسير محرر) ويكون وضعها داخل أكياس الحلويات والمقرمشات وأيضا داخل الأقلام، مضيفا أن هناك   طرق أخرى كثيرة ومعقدة يستخدمها الأسرى لإخفاء النطف عند تهريبها. 

 ماذا على المشاهد ان يفهم .؟

هل يمكن ان يكون القصد بعد موجة الاعتراف بالكيان الصهيوني التي حدثت مؤخرا ،ان اسرائيل اصبحت تقترب الى حد تمثيلها لدور الاب لأبنة الارض الفلسطينيه . هل يمكن ان يكون ذلك هو التبشير الذي يؤدي دوره الفن من خلال ذلك الفيلم التعيس ؟ هل يمكن ان تلعب السينما العربيه هذا الدور المشبوه ؟. أم أن بعض الفنانين ليس لهم في عالم الفكر نصيب ،وان المسألة في الأول والآخر لا تخرج عن كونها عمل غير مدروس ،وان الهدف لم يكن على الاطلاق سوي رغبة في عمل انتاج فني تلعب الأثارة فيه الدور والاول والدور الأخير! . ان الشعب العربي ليس في غفلة ،وفي المقام الاول كانت هناك وزارة الثقافة الفلسطينيه التي أدانت انتاج هذا الفيلم المسمي ( أميرة) وقالت ( انه يعتدي ويسئ بكل وضوح لكرامة المعتقلين ) كما طالبت «اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين»، بوقف عرض الفيلم وسحبه من كل المنصات، و”محاسبة المسئولين عنه”، ووصفته «الحركة الفلسطينيّة الأسيرة فى سجون الاحتلال الصهيونى»، بأنه مسىء للأسرى ونضالاتهم وزوجاتهم خاصّة فى مسألة «النطف المهربة»،

الفنانه الاردنيه تارا عبود بطلة فيلم (اميره)
في مهرجان الجونه

داعية إلى وقوف نقابتى الفنانين الأردنية والمصرية وذوى الاختصاص عند مسئولياتهم فى مناصرة قضايا الشعب الفلسطينى، وذلك عبر سحب هذا الفيلم المسىء لقضية إنسانية بامتياز، ومعاقبة جميع من شارك فى هذه الجريمة مِن منتجين ومخرجين وممثلين ومسوقين.

رأي الدين والشرع في تهريب النطف

وعن رأي الدين فى الإنجاب بالنطف المهربة، قال السيد منتصر الداعوق إنه لم يتم تطبيق هذه الفكرة إلا بعد الرجوع إلى الفتاوى الشرعية ودار الإفتاء الفلسطينية،والحصول على فتوى تجيز اللجوء إلى هذه الطريقة بحكم الأوضاع التي يعيشها الأسير الفلسطيني،والمشاكل التى يمكن أن تنتج داخل المجتمع الفلسطيني من السنوات الطويلة التي يقضيها الأسير داخل السجون الإسرائيلية.عن موقف

الإسرائيليين من هذه العملية، قال إن كل محاولات الاحتلال الكثيرة لوقف تهريب النطف باءت بالفشل، أن هناك أسرى يفعلون هذا الأمر حتى الآن بشكل مستمر  .

ماذا يقول مخرج الفيلم ..؟

كشف محمد دياب مخرج فيلم “أميرة”، أن أسرة الفيلم تواصلت مع ممثلي الأسري الفلسطينيين، وأن الطرفين اتفقا على وطنية كل من عمل بالفيلم وعلى إدانة حملات التخوين والتشويه والتهديدات التي طالت صناعه. وكانت أسرة فيلم أميرةاتخذت قرارا بوقف عرضه مؤقتا في ديسمبر الماضي، وسحبت مشاركته في الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي،بعد زيادة حدة الاتهامات التى طالت الفيلم وصناعه، ووصلت  الى حد خطير وذلك بوصول بعضهم  الى مناخ التهديدات، بعد تخوينهم والتشكيك في وطنيتهم. وطالبت أسرة الفيلم حينها بتأسيس لجنة مختصة من قبل الأسرى وعائلاتهم لمشاهدة الفيلم ومناقشته، مشددين على أنهم مؤمنين بنقاء ما قدموه فى فيلم أميرة،دون أى إساءة للأسرى و القضية الفلسطينية.وفي البيان الذي نشره المخرج محمد دياب يوم 25 يناير،عبر حسابه بموقع فيسبوك، حرص على تأكيد عدد من النقاط:

١الاتصال الذي تم وقت تصوير الفيلم بين وسيط من الأسرى ومخرج الفيلم انتهى برسالة إلى الأسرى توضح أن الفيلم سيشير إلى أنه خيالي بثلاث جمل في نهايته. لم نتلق بعدها أي اعتراض على الرسالة ففهم صناع الفيلم أن الصيغة المقترحة مناسبة.

٢الفيلم مسؤولية مخرجه وليس العاملين فيه ولا ممثليه ولا منتجيه الذين يكون دورهم استشاريا غير ملزم. وكل من شارك بالفيلم كان يعرف اتصالنا بالأسرى وظنوا أننا توصلنا لتفاهم ولذلك هم غير مسؤولين عن أي لبس.

٣الفيلم الذي صور بالكامل في الأردن، من إنتاج أفراد مصريين وأردنيين وفلسطينين وليس جهات أو دول ولم يتردد أي منهم بأن يتحمل الخسارة المادية التي تترتب علي إيقاف الفيلم لحين حل المشكلة.

الدعم المادي الوحيد الذي حصل عليه الفيلم كان من مهرجان البحر الأحمر السينمائي يمثل أقل من ٣٪ من ميزانية الفيلم، أما مشاركة الدول الأخرى فهي عبر منتجين مصريين مقيمين هناك.

٤العالم رأي الفيلم مناصراً للقضية الفلسطينية بل إن الصحافة الإسرائلية وصفته بالبروباجندا الفلسطينية واتهمته بأبشع أنواع العنصرية ضد إسرائيل ووصفت الفيلم بأنه يشوه السجان الإسرائيلي ويظهره منزوع الإنسانية.

٥صناع الفيلم هم من قرروا إيقاف الفيلم مؤقتاً لحين التشاور مع الأسري.هذه السابقة تعد دليلا علي اهتمامنا بمشاعر الأسرى وذويهم والذين نتأسف لكل منهم على أي أذي شعروا به و لو بغير قصد.

٦إن الفنان الذي يقرر أن يهجر السينما التجارية الي السينما المستقلة، يكون قد قرر أن يضحي بالمادة والشهرة من أجل إيمانه بقضية ما. وبالطبع كل العاملين بالفيلم -المشهود لهم بتاريخ طويل من الوطنية وتوصيل صوت فلسطين للعالم- كان دافعهم الوحيد إيمانهم بأنهم ينصرون القضية الفلسطينية.

٧الخلاف مع ممثلي الأسري جاء في نقطه منع الفيلم والتي أصروا عليها. ومن طرفنا أوضحنا أن المطالبة بمنع

اعلان الفيلم

أي عمل فني نراها بمثابه انتحار ثقافي وتبعاته لا تنحصر علي عمل فني وحيد بل ستكون سابقة ستحد من حريه الإبداع التي كان سبباً في تميز السينما الفلسطينية عالمياً.

٨أوضحنا أن حقوق عرض الفيلم حول العالم لا تمتلكها أسره الفيلم بل تباع وقت إنتاج الفيلم كجزء من تمويله ولذلك فإن عرض الفيلم حول العالم ليس بيد أسره الفيلم، وأنه عرض ويعرض بدون الرجوع إلينا.

٩مخرج الفيلم عرض إضافة أي جملة أو صيغة يقترحها الأسرى تسبق الفيلم وتوضح أن الفيلم خيالي أو حتي في مكان وزمان غير حقيقيين، وأيضاً تم اقتراح أن ننتج فيلما وثائقيا يشرح المعلومات الحقيقية حول أطفال الحرية ويظهر على تترات نهايه الفيلم.

واخـيـــرا

جاء وقف عرض فيلم “أميرة” استجابة لحملة إلكترونية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعدما طالبت الأردن بمنع الفيلم وتداوله وسط تنديد فلسطيني. وأكدت مؤسسات الأسرى الفلسطنين أن جهودا تبذل وما زالت مستمرة بالتعاون مع وزارة الثقافة ومنظمة التحرير الفلسطينية وكذلك القوى الوطنية والإسلامية ؛ لمواجهة كل من ساهم في إنتاج الفيلم، ووضع حد لكل من تسول له نفسه تشويه نضال الأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم. لكننا نقول بعيدا عن اي اتهام بالتشويه او تزيد بالمؤامرة ،انه لا احد يمكنه ان يشوه النضال الفلسطيني،لأنهم اثبتوا واكدوا وبرهنوا على انهم الأبطال الأفذاذ الذين تصدوا لمشروع عالمي استهدف ارضهم ومستقبلهم ،وتصدوا ،ولا زالوا يتصدون رغم الثمن الغالي الذي دفعوه ومازالوا يدفعوه  دون كلل او ملل أو ادني تقصير، ولكنه الفن ونزواته وبهرجته، بل وشطحاته ،والحديث عن حرية الأبداع مع تصفير مسؤولياته  ولذلك نقول ان الرقابة مطلوبه ،والأحداث تثبت مدى ضرورتها بل وحتميتها. وويل للأمة ان اصبح الفن و الأثارة هو الأسلوب لمعالجة قضايانا أو حتى طرحها في مخاطبة العقول. مرة اخرى لا نخون ولا حتى نستريب ،ولكننا نقول  كم من الكوارث تصيبنا عبر النوايا الطيبه

العدد 127 / نيسان 2022

أمين الغفاري