انتخاب الرئيس اللبناني عودٌ على بِدءْ

مقاربات فرنسية جديدة بالتنسيق مع العرب

  مع تنامي الانقسامات والخلافات بين القوى السياسية اللبنانية، والتي انعكست بشكل فاقع عل تركيبة المجلس النيابي، بات انتخاب رئيس للجمهورية قضية معقدة وصعبة وتحتاج الى عمليات قيصرية كبيرة، تتدخل فيها أيادٍ خارجية لتحقيق التوافق على شخصية تحظى برضى معظم الاطراف المؤثرة، وهوما يمكن تفسيره بالطريقة اللبنانية تحقيق تسوية او صفقة مؤقتة قد تطول او تقصر مفاعيلها تبعاً لتلاقي او تضارب مصالح وحسابات القوى السياسية الداخلية والدول العربية والغربية المؤثرة جداً في الواقع اللبناني.

  على هذا، طال –وسيطول على ما يبدو-  شغور موقع رئاسة الجمهورية المستمر من شهر تشرين الاول/ اكتوبر العام الماضي، بحيث أدّى فراغ الموقع الى تزايد الانقسامات والخلافات بين القوى السياسية، لا سيما داخل حكومة تصريف الاعمال، التي يُفترض حسب الدستور توليها مجتمعة السلطة التنفيذية ومعظم صلاحيات رئيس الجمهورية، فتعطل عمل السلطة التنفيذية بشكل كبير بسبب تعطل عمل موقعي رئاسة الجمهورية والحكومة.

تقاطع على ازعور وخلافات

بعد مخاض عسير تمت ولادة الاتفاق “بتقاطع” معظم قوى المعارضة والتيار الحر على اسم مدير قسم الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي  وزير المال الاسبق جهاد ازعور كمرشح للرئاسة، وجرى تبني ترشيحه واعلانه رسمياً في مؤتمر صحافي في منزل المرشح السابق النائب ميشال معوض الذي انسحب لمصلحة ازعور، وبحضورنيابي هزيل دلّ على على عدم، التوافق الكامل على ترشيح ازعور بين اركان المعارضة، وظهر ذلك لاحقاً من خلال مواقف الكثير من النواب لا سيما التغييريين والمستقلين. لكن المعارضة رمت الكرة في ملعب رئيس

فرنجية وازعور والمرشح الثالث بينهما

المجلس نبيه بري ودعته الى الدعوة لعقد جلسة انتخابية، فتلقف بري الطلب ودعا الى جلسة في 14 حزيران / يونيو.

لكن ظهرت في الجلسة الانتخابية الخيارات النيابية على حقيقيتها وطبيعتها، وانتهت الدورة الاولى من الجلسة الثانية عشرَة لإنتخاب رئيس الجمهوريّة، كسابقاتها بفشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس، وشهدت بعض المفاجآت لجهة عدد اصوات المرشحين المعلنين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، والمرشح غير المعلن رسمياً  الوزير الاسبق زياد بارود.فيما برز صوت واحد لقائد الجيش العماد جوزيف عون.

وكان اللافت للإنتباه حضور جميع الكتل النيابية للجلسة ، إذ لم تُقاطع أي كتلة ما دلّ على حدة الاصطفافات والانقسامات والسعي لتثبيت حضور الكتل الوازنة والمؤثرة. وبدا من نتيجة فرز الاصوات (59 لأزعور و51 لفرنجية و8 اوراق تحمل عبارة “لبنان الجديد” وضعها بعض النواب المستقلين، و6 اصوات لزياد بارود وصوت واحد لقائد الجيش وورقة واحدة بيضاء). ان لامؤيدي فرنجية وأزعور حصلوا على مرادهم، ولا رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل فرض ايقاعه الكامل على مجريات الجلسة نتيجة حصول خصمه فرنجية على نسبة اصوات اعلى مماكان مقدراً (46 او 48 صوتا)، بخاصة ان عددا من نواب كتلته لم يلتزموا بالتصويت لأزعور، وهو رقم كان قابلا للزيادة في حال جرت الدورة الثانية للإقتراع بتصويت عدد من نواب تكتل الاعتدال الوطني وآخرين له.

  كما سرت معلومات في اوساط ضيقة سياسية واعلامية تفيد ان ازعور ليس بالضرورة ان يكون المرشح المفضل لدى التيار الحر والقوات اللبنانية وبعض نواب التغيير والمستقلين، وان هناك “ورقة مخفية” بأسم آخر، مادفع ثنائي امل وحزب الله الى القول ان الكلام عن توافق المعارضة على ازعورهو مجرد مناورة هدفها فقط إسقاط المرشح سليمان فرنجية! فبات ترشيح ازعور مجرد مناورة “ناجحة” لتيقن اطراف المعارضة انه لن يفوز بالرئاسة من دون اغلبية نيابية غير متوافرة، لكن هدف المناورة عدم وصول فرنجية ايضاً.

فرنسا تخلط الاورق

 ويبدو ان تقاطع نواب المعارضات، والقوى المسيحية بشكل خاص، على ترشيح ازعور، دفعت فرنسا الى اعادة خلط اوراق الاستحقاق الرئاسي، حيث قرر الرئيس ايمانويل ماكرون تعيين وزير الخارجية الاسبق جان إيف لودريان موفداخاصاً رئاسيا له الى لبنان وكلفه حسب البيان الرئاسي لتعيينه ” محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية في هذا البلد”. وذكر مسؤول في الرئاسة الفرنسية أن لودريان، الذي شغل منصب وزير خارجية فرنسا لمدة خمسة أعوام حتى 2022، “سيُكلّف بالمساعدة في إيجاد حلّ توافقي وفعّال للأزمة اللبنانية التي تفاقمت خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020.و حيث سينشط ليسرّع في مسار انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية”.

 على هذا، ما بعد تكليف ايف لوريان الملف اللبناني سيكون غير ما قبله، لجهة المسعى الفرنسي لإنجازالاستحقاق الرئاسي، حيث يُنتظر ان تقوم باريس بمقاربات اخرى للملف يأخذ بالاعتبار التطورات التي حصلت بترشيح جهاد ازعور مقابل ترشيح سليمان فرنجية.وربما البحث عن خيار ثالث بين الرجلين “بالتوافق” بين اغلب القوى السياسية حسب التكليف الفرنسي، بعدما بات متعذرا وصول فرنجية وازعور الى الرئاسة. خاصة بعدما اعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا بعد لقائها وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب في الرياض على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي “لهزيمة داعش”، “ان ليس لفرنسا مرشح رئاسي، بل ما يهمها ان يصبح للبنان رئيس للجمهورية خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة”.

كولونا التقت في الرياض ايضاً، رئيس وزراء قطر وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني من ضمن التنسيق الجاري حول الملف اللبناني وحيث لقطر رأي آخر تردد ان يقوم على ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون للرئاسة طالما يتعذر التوافق على فرنجية أو ازعور.

وذكرت المعلومات ايضاً ان فرنسا ستتواصل مع الجمهورية الايرانية بهدف  توسيع التنسيق مع الدول المهتمة بالوضع اللبناني واستقراره، ومن الاكيد ان مروحة اتصالاتها ستشمل الجانب الاميركي، المهتم اصلاً بموضوعي امن الحدود الجنوبية واستقرار وضع حاكمية مصرف لبنان بما يعني الاستقرار النقدي وبالتالي الاقتصادي.

  لكن الثابت ان ماجرى من اصطفاقات في لبنان بين الكتل النيابية المختلفة، يؤشّر الى خروج فرنجية وازعور من السبق الانتخابي. ولا بد من الاقرار ان المعارضة والتيار الحرحققا هدفهما بإضعاف ترشيح فرنجية ولو انها لم ولن تضمن فوز مرشحها ازعور.

الراعي ومصير المسيحيين

 وبينما كانت نقاشات قوى المعارضة محتدمة، كانت للبطريرك الماروني بشارة الراعي نقاشات تفصيلية ايضا بين الفاتيكان وباريس، لم تتناول فقط موضوع الاستحقاق الرئاسي بل توسعت لتشمل “مصيرمسيحيي لبنان” نتيجة الانقسام الحاصل بين احزابهم، ولهذا كان التركيز في الاجتماع بين الراعي والرئيس ايمانويل ماكرون اواخر ايار /مايو الماضي على موضوع وضع المسيحيين، حيث افادت المعلومات ان ماكرون ابدى خشية وتخوفاَ في ظل الوضع الاقليمي الحالي على مستقبل المسيحيين. ولذلك حرصت اوساط الرئاسة الفرنسية على تضمين البيان الصادرعن

ماكرون والراعي ومصير المسيحيين

الاجتماع عبارات مثل: “ذكّر الرئيس ماكرون البطريرك الراعي بعلاقات فرنسا العميقة مع مسيحيي لبنان ودورهم التاريخي في بناء لبنان، وضرورة بقائهم في قلب التوازن الطائفي والمؤسسي للدولة اللبنانية من خلال المشاركة الفعالة والمسؤولة في العملية السياسية الحالية”.

 وسبقت زيارة الراعي الى باريس زيارة سريعة الى الفاتيكان حيث التقى امين سر الدولة الكاردينال بييترو بارولين، وكان تأكيد من الفاتيكان على “ضرورة التوصل اتفاق سريع على رئيس للجمهورية محذرا من خطورة استمرار الفراغ”.

وفي الزيارتين حمل البطريرك الراعي معه قرار قوى المعارضة والتيار الحر الموافقة على التقاطع حول اسم جهاد ازعور” كمرشح توافقي إصلاحي لا مرشح مواجهة أو تحدّ لأحد”، لكن البطريرك حسب معلومات مصادر البطريركية المارونية لم يطرح اي اسم، لأن اسم ازعور اصلاً كان من بين لائحة اسماء توصل اليها البطريرك نتيجة مشاوراته مع القوى السياسية.فيما ذكرت مصادراخرى ان الفاتيكان “عبّر عن قناعة دولية تتقاطع عندها الدول المعنيّة بلبنان، وتدعو إلى الذهاب إلى مبادرة لانتخاب رئيس على قاعدة أن لا يكون رئيس تحدّ”.

كما طلب الفاتيكان في لقائه مع الراعي نقل رسالة للفرنسيين بأنه “لا يجوز التغاضي عن توجه الافرقاء المسيحين ومطالبهم لان ذلك سيزيد الاحتقان في البلاد”. لذلك ابلغ البطريرك الراعي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأنه “لا يجب ان ينكسر الفريق المسيحي، والامر ذاته ينطبق على الثنائي الشيعي”، ولذلك رحبت بكركي بترشيح جهاد ازعور معتبرة ان هذا الترشيح يصب في خانة “لا غالب ولا مغلوب”.

 الحصيلة: لا رئيس إلّا إذا…

لم يعد من جديد في ملف رئاسة الجمهورية سوى ترقب ما يمكن ان يسفر عنه حراك البطريرك الماروني بشارة الراعي، وتحرك الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الجاري بالتنسيق مع السعودية وقطر ومصر والجانب الاميركي.

لكن يبدوان هذا الانقسام المستمر لن يؤدي الى نتيجة حاسمة لإنتخاب رئيس للجمهورية من دون تدخلات وضغوط خارجية قوية ليس اقلها تلميح الادارة الاميركية الى “فرض عقوبات وإجراءات على معرقلي انتخاب الرئيس”، وهوما المحت اليه مصادر دبلوماسية عربية حسب معلومات “الحصاد” نتيجة اتصالاتها ولقاءاتها مع العديد من الكتل النيابية والقوى السياسية.

ويبدو ان المسعى الفرنسي الجديد أخذ بالاعتبار نتيجة الجلسة الاخيرة للمجلس في 14حزيران/ يونيو، فباشر لودريان خلال زيارته للبنان بعد الجلسة بأيام قليلة لقاءات مع معظم القوى السياسية.

  وفي كل الاحوال، بعدما لبس الاستحقاق الرئاسي بالشكل لبوس “اللبننة” ورفض لبوس فرض الخارج كما قال اكثرمن طرف، بقي الثوب الخارجي يغطي كامل الجسد اللبناني.

وقد عبّرت اوساط نيابية محايدة عن خوفها من تعذر اجراء الانتخابات، وقالت لـ “لحصاد”: : في الخارج لا اتفاق بين الدول المعنية بالوضع اللبناني، ولكل دولة ضمنياً مرشحها المفضل واولوياتها بالنسبة للوضع اللبناني السياسي والامني والاقتصادي، والموقف السعودي تغير من حالة الى حالة تزيد ارباك القوى السياسية نتيجة قرار عدم التدخل بأسماء المرشحين، وحظوظ ازعور في الخارج غير معروفة، والبطريرك بشارة الراعي لم يعد من فرنسا والفاتيكان بتثبيت اسم ازعور. كذلك لا اتفاق داخلياً يمكن ان يوفر 65 صوتاً لأي مرشح عدا إحتمال فرط النصاب اذا توافر العدد الكافي للمرشح!

لذلك ابلغ عدد من نواب التغيير “الحصاد” ان انتخاب الرئيس لا يبدوقريباً كما يجري التسويق له. فيما ذهب رئيس حزب الطاشناق النائب هاغوي بقرادونيان الى القول: اخشى ان تمتد العملية اسابيع وليس اياماً لأسباب كثيرة داخلية وخارجية.