بابا الفاتيكان في العراق

اعتراف بالنجف العراقية العربية مرجعية الشيعة وليست قم الإيرانية 

د. ماجد السامرائي

اكتسبت زيارة البابا فرنسيس للعراق أهمية خاصة لدى العراقيين ليس لكونه رمزاً دينياً عالمياً للسلام والمحبة الغائبة في العراق حسب لكن لما يشكله الرمز الديني هذه الأيام من رجاء للخلاص من المحنة والكارثة الكبيرة التي حلّت بالعراقيين منذ الاحتلال العسكري الأمريكي وقبله حصار إدارة بوش على شعب العراق الذي مثّل قمة الكذب والدجل  , حيث يرى كثر من العراقيين إن بابا الفاتيكان في ذلك الوقت لم يتخذ موقفاً صريحاً من الحرب على العراق ولم يستنكر تصريح المجرم بوش الإبن الذي أعلنها حرباً ” صليبية ” واعتصامه بإحدى الكنائس ليلة ضرب العراق في 17 -3-2003 وكان يقول بأنه يتحدث مع الرب من أجل القضاء على ياجوج وماجوج في العراق .

 ما أصاب العراقيين خلال نصف قرن من محن كوارث الحروب سهّل الطريق للاستسلام لطقوس مذهبية وظفتها الأحزاب قادت الى سيادة التطرف والشحن الطائفي في العراق كانت نتائجها التمزق الاجتماعي والاستعداد لجولات من الحروب الأهلية كان مثالها المفزع عام 2006 بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء . مما أدى الى خيبة العراقيين مسلمين ومسيحيين وهروبهم للغربة بعد ترك منازلهم وممتلكاتهم التي سيطرت عليها المليشيات المسلحة . اصبح التشبث بالرموز الروحية للإنقاذ واحداً من مخارج المعاناة الإنسانية لكنها لن تقدم حلولاً بديلة للنضال السياسي

مفيد التنويه بالسيرة الشخصية لبابا الفاتيكان , فهو أول بابا من خارج القارة الأوربية منذ أكثر من ألف عام , دعواته إصلاحية منذ انتخابه عام  2013.اختار اسم “فرانسيس” تيمنا باسم القديس فرانسيس الاسيزي الذي عاش قبل نحو 800 سنة، ونادى بإصلاح الكنيسة، وعاش زاهدا ومدافعا عن الفقراء، وزار هذا القديس مصر للقاء الملك الأيوبي للدعوة الى السلام والاخوة برغم شلالات الدم التي جلبتها الغزوات الصليبية للمنطقة.

والده كان مهاجرا من ايطاليا ووالدته من اصول ايطالية ايضا لكنها مولودة في الارجنتين، ويعتقد ان عائلته غادرت ايطاليا هربا من النظام الفاشي الحاكم وقتها. عرف عنه قبل توليه منصب الحبر الأعظم أثناء وجوده في الأرجنتين بساطة نمط عيشه وتواضعه مقارنة بالصورة السائدة عن زعماء الفاتيكان والكنائس، ولهذا كثيرا ما وصفته وسائل الإعلام بأنه أحدث “ثورة” في الكنيسة., ولم يسكن قصر الفاتيكان بعد توليه المنصب وسكن في منزل صغيرقريب . يبدو إنه قريب الشبه بسكن زعيم الشيعة في النجف علي السيستاني الساكن في حي شعبي متواضع . دائماً ما يشكل سكن العيش ونبذ المظاهر الباذخة دلالة على صدق شعارات التواضع والمحبة لكي تصل رسائلهم الى الناس بخلاف السياسيين وأبشعهم في تلك المظاهر سياسيو العراق .

قام البابا بزيارات الى المنطقة شملت الأردن وفلسطين وإسرائيل ومصر والمغرب والإمارات. وكان أول بابا يسافر مباشرة إلى الضفة الغربية في فلسطين، ويشير إلى الأراضي المحتلة بدولة فلسطين، وخلال زيارته توجه إلى الجدار العازل بين القدس وبيت لحم وتوقف للصلاة والدعاء.

قبل الحديث حول الزيارة ينبغي التنويه بأن السلطة الحالية الحاكمة في العراق أرادت توظيف الزيارة سياسياً لصالحها , فتداولت بعض وسائل الصحافة والاعلام العراقية بأنه لم يسمح النظام السابق للبابا يوحنا بولص الثاني بزيارة العراق عام 2000 . وهنا نورد شهادة  الشيخ الدكتور عبد الرزاق السعدي المنشورة  قبل أيام بأنه كان عضواً في لجنة شُكلت عام 1999 من علماء التاريخ ورجال الدين لبيان الرأي في الزيارة المقترحة ولم يكن هناك توجيها مسبقاً بالاعتذار, وقدم أحد أعضاء اللجنة العالم الآثاري الراحل بهنام أبو الصوف المبررات التاريخية بالأدلة لمخاطر تلك الزيارة على العراق في ذلك الوقت حيث أراد البابا إعطاء اليهود حقهم في أرض ( أور ) واعلانها مقراً دينياً ومزاراً تشترك فيه كل الأديان , ولقى مقترح الاعتذار إجماعاً من اللجنة المذكورة .

استقبل العراقيون رسمياً وشعبياً البابا فرنسيس بحفاوة تليق بمكانته منذ وصوله مطار بغداد في الخامس من مارس آذار وحتى مغادرته في الثامن منه . حرص المشرفون على بروتوكول الزيارة على تضمينها اللقاء بالمرجع الشيعي علي السيستاني بالنجف وزيارة مدينة أور التاريخية التي أثارت جدلاً تاريخياً ودينياً حول مكان ولادته حيث اختلاف المؤرخين حول مسقط رأس نبي الأنبياء إبراهيم , كتبة التلموذ قالوا بأن أور العراقية هي مكان ولادته فيما ذكرت روايات أخرى بأن أورفا التركية هي مكانها . أثار كثيرون الى أن هناك أهدافاً سياسية ودينية يهودية لجعل أور مركزاً عالمياً لهم بعد فشلهم في إثبات موقع هيكل سليمان في القدس المحتلة حسب رواية عالم الآثار اليهودي (نايف بامان ) .

الجهات العراقية المشرفة على زيارة البابا لم تتح الفرصة لأبناء العراق المنكوبين من النساء الأرامل والأطفال  اليتامي  لكي يلتقوا بالبابا وينقلوا اليه مباشرة الصورة الحقيقية للكارثة الإنسانية التي حلت بهم منذ سبعة عشر عاما وما زالت مستمرة لأنها تدينهم . بدلاً عن ذلك زيفوا الصورة فعرضوا أمامه الدبكات الفولكلورية والشوارع النظيفة ومعالم قصر بغداد . اضطر أطفال العراق التعبير عن ترحيبهم بزيارة البابا على طريقتهم حيث تجمعوا في حاراتهم يحملون الورود وينشدون ” هلة هلة بابا .. الوطن أصبح خرابة , هلة بابا الفاتيكان أبد ما عدنا أمان ” .كما ذكر بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي محاولاتهم اللقاء ببعض أعضاء وفد دولة الفاتيكان الذين رحبوا إلا أن الجهات الأمنية العراقية منعت ذلك .

ما يثير الانتباه السياسي في فعاليات البابا خلال زيارته إضافة لزيارته لكل من أور والموصل المدمرة ولقاءاته ببعض المواطنين المسيحيين , وقفتان الأولى : لقاءه السياسي في قصر بغداد بممثلي الحكم في العراق والثانية لقاءه بالسيستاني .

حمل لقاء البابا بالمرجع الشيعي علي السيستاني بالنجف دلالات مهمة خاصة فيما يعنيه في تفضيل النجف على طهران وعدم لقاء من يدعي الولاية السياسية والمذهبية على الشيعة (علي خامنئي ) والاعتراف بأن النجف مركز التشيّع وليست قم , رغم اعلان طهران عن ترحيبها بهذه الزيارة . لقاء المركزين الشيعي والمسيحي أكد على قيم الاعتدال والحوار ونبذ العنف رغم عدم صدور وثيقة موقعة مثلما حصل لوثيقة الأخوة الإنسانية بين البابا وشيخ الأزهر أبا الطيب في أبي ظبي فبراير عام  2019 . الملاحظة التي رصدت هي نشاط وحضور رجل الدين الشيعي حفيد الخوئي جواد الخوئي رئيس مجلس الحوار بين الأديان الذي يبدو إن له دوراً سياسياً ودينياً فعالاً في الحوار الشيعي الفاتيكاني وهذا ما يزعج ولي الفقيه في طهران .  ما أثير هو انزعاج من قبل ممثلي المراجع السنية عدم دعوتهم للقائه وتبرير ذلك بأنهم لا يمتلكون مرجعاً مذهبياً واحداً .

اللقاء الرسمي بين البابا والمسؤولين العراقيين في قصر بغداد كان مثيراً من حيث دلالاته السياسية , فقد ألقى برهم صالح رئيس الجمهورية كلمة حين نتجاوز ما تركته من تأثير خطابي مؤقت على سامعيه حيث يجيد الخطابة وانتقاء كلمات الوصف بحركاته المعروفة  , فقد نقل نصف الصورة وأخفى متعمداً النصف المأساوي المؤلم الثاني , العراق الحالي بنظر برهم  هو عهد الخير والرخاء , طبعاً رخاءه هو وطاقم الحكم الحالي وعوائلهم . وظّف الأسطوانة التقليدية لأحزاب السلطة في معاناة المعارضين للحكم قبل عام 2003 وانتهاكاته في الأسلحة الكيماوية والاستبداد لكنه أخفى ما يعانيه العراقيون اليوم لأن ذكر الحقيقة يدينه هو ورفاقه .

الزيارة حققت مكاسب سياسية لسلطة الحكم في بغداد رغم إن صكوك الغفران انتهت صلاحيتها بانتهاء الزيارة الروحانية الإنسانية للبابا . لكن السطلة في بغداد تحاول استثمارها خصوصاً مصطفى الكاظمي الذي يعاني من عزلة شبه تامة بسبب عدم جرأته باتخاذ قرار منع السلاح المنفلت والتحضير الحقيقي للانتخابات المقبلة بتوفير بيئتها الآمنة وهذا ما يثير المخاوف من عدم حصولها وإن حصلت فستكون نتائجها لصالح تدوير الأحزاب الحالية.

الكاظمي دعا الى جعل يوم السادس من آذار مارس يوما للتعايش والتسامح وأن يكون لحكومته دوراً في قيام حوار سياسي وهو حوار بين اطراف الأحزاب الحاكمة وليس مع المعارضين للعملية السياسية .

بابا الفتيكان خلال لقائه بالمسيحيين في الموصل دعا مسيحيي العراق للعودة الى ديارهم , لكنها تبقى دعوة إنسانية تنقصها الحقائق على الأرض , تساؤل طرحه الكثيرون , أين سيجد المسيحيون مساكنهم التي صودرت ونهبت املاكهم من قل المليشيات المسلحة .

 بعض الناشطين العراقيين وصف الزيارة بأنها كرنفال لتبرير القتل في العراق حتى وإن لم يقصد البابا ذلك .

نص كلمة بابا الفاتيكان فرنسيس التي القاها في قصر بغداد الرئاسي

“السيد فخامة الرئيس،

أعضاء الحكومة والسلك الدبلوماسي،

السلطات الموقرة،

ممثلي المجتمع المدني،

سيداتي وسادتي.

إني ممتن لإتاحة الفرصة لي لان أقوم بهذه الزيارة الرسولية، التي طال انتظارها والشوق إليها الى جمهورية العراق. أنا ممتن لأني استطعت أن آتي الى هذه الأرض، مهد الحضارة، والمرتبطة ارتباطا وثيقا، من خلال أبينا إبراهيم والعديد من الأنبياء، بتاريخ الخلاص والتقاليد الدينية الكبرى، اليهودية والمسيحية والإسلام.

أشكر السيد الرئيس الدكتور برهم صالح على دعوته لي، وعلى كلمات الترحيب الطيبة التي وجهها لي، باسمه وباسم السلطات وشعبه الحبيب. أحيي أيضا أعضاء السلك الدبلوماسي، وممثلي المجتمع المدني.

أوجه تحية حارة الى الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات، وجميع المؤمنين في الكنيسة الكاثوليكية. جئت حاجاً لاشجعهم في شهادتهم للايمان والرجاء والمحبة، في وسط المجتمع العراقي.أحيي أعضاء الكنائس الأخرى والجماعات الكنسية المسيحية، والمؤمنين المسلمين وممثلي سائر التقاليد الدينية. ليمنحنا الله ان نسير معاً، اخوة واخوات، في “القناعة الراسخة بان التعاليم الصحيحة للاديان تدعو الى التمسك بقيم السلام والتعارف المتبادل والأخوى الإنساني والعيش المشترك.

تأتي زيارتي في زمن يحاول فيه العالم بأسره أن يخرج من أزمة جائحة فيروس كورونا، والتي لم تؤثر فقط على صحة العديد من الناس، بل تسببت أيضا في تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعاني أصلا من الهشاشة وعدم الاستقرار. تتطلب هذه الأزمة جهودا مشتركة من كل واحد، لاتخاذ العديد من الخطوات الضرورية، بما في ذلك توزيع عادل للقاح يشمل الجميع. وهذا لا يكفي: هذه الأزمة، هي قبل كل شيء دعوة الى إعادة التفكير في أنماط حياتنا، وفي معنى وجودنا.

وهذا يعني أن نخرج من زمن المحنة هذا افضل مما كنا عليه من قبل، وان نبني المستقبل على ما يوحدنا وليس على ما يفرق بيننا.

على مدى العقود الماضية، عانى العراق من كوارث الحروب وآفة الإرهاب ومن صراعات طائفية تقوم غالبا على أصولية لاتستطيع أن تقبل العيش معا في سلام، بين مختلف الجماعات العرقية والدينية، بمختلف الأفكار والثقافات. كل هذا جلب الموت والدمار، وأنقاضا ما زالت ظاهرة للعيان، وليس فقط على المستوى المادي. فالاضرار أعمق بكثير في القلوب، إذا فكرنا في الجروح التي مست قلوب الكثير من الناس والجماعات، التي تستغرق سنوات للشفاء. وهنا من بين الكثيرين الذين عانوا وتألموا، لا يسعني إلا أن اذكر الايزيديين، الضحايا الأبرياء للهجمة المتهورة وعديمة الإنسانية، فقد تعرضوا للاضطهاد والقتل بسبب انتمائهم الديني، وتعرضت هويتهم وبقاؤهم نفسه للخطر.

لذلك إذا استطعنا نحن الآن ان ننظر بعضنا الى بعض مع اختلافاتنا، وكأعضاء في العائلة البشرية الواحدة، يمكننا ان نبدأ عملية إعادة بناء فعالة، ويمكننا تسليم عالم افضل للأجيال القادمة، اكثر عدلا واكثر إنسانية. في هذا الصدد فان الاختلاف الديني والثقافي والعرقي الذي ميز المجتمع العراقي، مدة آلاف السنين، هو عون ثمين للاستفادة منه، وليس عائقا للتخلص منه. والعراق اليوم مدعو الى أن يبين للجميع، وخاصة في الشرق الأوسط، ان الاختلافات، بدلا من ان تثير الصراعات، يجب ان تتعاون في وئام في الحياة المدنية.

يحتاج العيش الاخوي معا الى حوار صابر وصادق، يحميه العدل واحترام القانون. إنها ليست مهمة سهلة: إنها تتطلب جهدا والتزاما من الجميع للتغلب على روح العداء والمجابهات، وتتطلب أن نكلم بعضنا بعضا انطلاقا من أعمق هوية تجمعنا، وهي هوية أبناء الله الواحد والخالق. على أساس هذا المبدأ فأن الكرسي الرسولي في العراق وفي كل مكان، لا يتعب أبدا من مناشدة السلطات المختصة لمنح الاعتراف والاحترام والحقوق والحماية لكل الجماعات الدينية. إنني أقدر الجهود التي بذلت بالفعل في هذا الاتجاه، وأضم صوتي إلى صوت الرجال والنساء ذوي النوايا الحسنة، حتى يستمروا في مسعاهم لخير البلد ومنفعته.

إن المجتمع الذي يحمل سمة الوحدة الأخوية، هو مجتمع يعيش أفراده متضامنين فيما بينهم. “يساعدنا التضامن على رؤية الآخر، بمثابة قريب لنا، ورفيق للدرب”. التضامن فضيلة تحملنا على القيام بأعمال ملموسة للرعاية والخدمة، مع إيلاء اعتبار خاص لأكثر الناس ضعفا وحاجة.

أفكر في الذين فقدوا نتيجة العنف والاضطهاد والإرهاب عائلاتهم وأحبائهم وبيوتهم وممتلكاتهم الأساسية. وأفكر في جميع الذين يكافحون كل يوم بحثا عن الأمن وعن الوسائل التي تمكنهم من المضي قدما، بينما تزداد البطالة والفقر. ان معرفتنا بمسؤوليتنا تجاه ضعف الآخرين ينبغي أن تلهم كل جهد لخلق إمكانات عملية على الصعيدين الاقتصادي والتربوي وكذلك للعناية بالخليقة، بيتنا المشترك.

بعد الأزمة لا يكفي إعادة البناء بل يجب أن يتم بشكل جيد، حتى يتسنى للجميع التمتع بحياة كريمة. لا نخرج من الأزمة كما كنا من قبل، اما نخرج في حالة أفضل أو أسوأ.

بصفتكم مسؤولين سياسيين ودبلوماسيين، أنتم مدعوون إلى تعزيز روح التضامن الأخوي هذا. من الضروري التصدي لآفة الفساد، وسوء استخدام السلطة، وكل ما هو غير شرعي. ولكن هذا لا يكفي. يبنغي في الوقت نفسه تحقيق العدالة، وتنمية النزاهة والشفافية وتقوية المؤسسات المسؤولة عن ذلك بهذه الطريقة، يمكن أن يزداد الاستقرار وأن تتطور سياسة سليمة قادرة على أن تقدم للجميع وبخاصة للشباب وهم كثر في هذا البلد الأمل في مستقبل أفضل.

السيد الرئيس، والسلطات الموقرة، والأصدقاء الأعزاء، لقد أتيت بصفة تائب يطلب المغفرة من السماء ومن الأخوة، للدمار الكثير وقسوة البشر. أتيت حاجاً يحمل السلام باسم السيد المسيح أمير السلام. كم صلينا في هذه السنين من أجل السلام في العراق، لم يوفر البابا القديس يوحنا بولص الثاني المبادرات، ولا سيما الصلوات وآلالام من أجل السلام. والله يصغي، وانه يصغي دائما، علينا نحن أن نصغي اليه، وأن نسير في طريقه. لتصمت الأسلحة ولنضع حدا لانتشارها هنا وفي كل مكان، ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين. ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام، للصغار والفقراء والبسطاء الذين يريدون أن يعيشوا ويعملوا ويصلوا في سلام. كفى عنفاً وتطرفاً وتحزبات وعدم تسامح، لنعط المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معاً هذا البلد في الحوار وفي مواجهة صريحة وصادقة وبنّاءة. لنعط المجال لمن يلتزم السعي من أجل المصالحة والخير العام، وهو مستعد أن يضع مصالحه جانبا.

حاول العراق في هذه السنوات إرساء الأسس لمجتمع ديمقراطي. من أجل هذا، من الضروري أن نضمن مشاركة جميع الفئات السياسية والاجتماعية والدينية، وأن نؤمن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين. يجب إلا يعتبر أحد مواطنا من الدرجة الثانية. أشجع الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن في هذا الاتجاه، وأرجو أن تتعزز الطمأنينة والوئام.

على المجتمع الدولي أيضا أن يقوم بدور حاسم في تعزيز السلام في هذه الأرض وفي كل الشرق الأوسط. رأينا ذلك الصراع الطويل في سوريا المجاورة وقد مرت الآن عشر سنوات على بدايته، أن التحديات المتزايدة تدعو الأسرة البشرية بأكملها دعوة ملّحة. إنها تقضي تعاونا على نطاق عالمي حتى تواجه أيضا عدم المساواة في مجال الاقتصاد، والتوترات الإقليمية التي تهدد استقرار هذه البلدان.

أشكر الدول والمنظمات الدولية التي تعمل الآن في العراق لإعادة الإعمار وتقديم المساعدة إلى  اللاجئين والنازحين، وللذين يصعب عليهم العودة إلى بيوتهم، ولأنها توفر الغذاء والماء والمأوى والخدمات الصحية في البلد وكذلك البرامج الهادفة الى المصالحة وبناء السلام. وهنا لا يسعني إلا أن اذكر الوكالات العديدة، ومن بينها العديد من الوكالات الكاثوليكية التي ظلت منذ سنوات تساعد السكان المدنيين بالتزام كبير. أن تلبية الاحتياجات الأساسية للعديد من الاخوة والاخوات هو عمل محبة وعدل، ويسهم في سلام دائم. أتمنى إلا تسحب الدول يد الصداقة والالتزام البنّاء الممدودة الى الشعب العراقي، بل تواصل العمل بروح المسؤولية المشتركة مع السلطات المحلية، من دون أن تفرض مصالح سياسية أو أيديولوجية.

الدين بطبيعته، يجب أن يكون في خدمة السلام والاخوة. لا يجوز استخدام اسم الله “لتبرير أعمال القتل والتشريد والإرهاب والبطش”. على العكس من ذلك، أن الله الذي خلق البشر متساوين في الكرامة والحقوق، يدعونا الى أن ننشر المحبة والإحسان والوئام. في العراق أيضا تريد الكنيسة الكاثوليكية أن تكون صديقة للجميع، وأن تتعاون من خلال الحوار بشكل بنّاء مع الأديان الأخرى، من أجل قضية السلام. ان وجود المسيحيين العريق في هذه الأرض وإسهاماتهم في حياة البلد يشكّل إرثا غنيا، ويريد أن يكون قادرا على الاستمرار في خدمة الجميع. ان مشاركتهم في الحياة العامة، كمواطنين يتمتعون بصورة كاملة بالحقوق والحريات والمسؤوليات، ستشهد على ان التعددية الدينية والعرقية والثقافية السليمة، يمكن ان تسهم في ازدهار البلد وانسجامه.

أيها الأصدقاء الأعزاء أود أن اعبر مرة أخرى عن شكري الصادق لكل ما صنعتموه وما زلتم تصنعونه من اجل بناء مجتمع مؤسس على الوحدة الأخوية والتضامن والوئام. خدمتكم للخير العام عمل نبيل. اسأل الله القدير ان يؤيدكم في مسؤولياتكم، وان يرشدكم جميعا على طريق الحكمة والعدل والحقيقة. لكل واحد منكم، ولعائلاتكم واحبائكم  وللشعب العراقي بأسره، اسأل الله وافر البركات الإلهية. شكراً “.

العدد 115 / نيسان 2021