تصدع خطير في الداخل الأميركي وحاجة لترتيب سياسات واشنطن مع العالم

بايدن والترامبية: المهمات العاجلة!

محمد قواص (*)

بات واضحا أن أمام الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن أولويات داخلية داهمة ستؤخر حكما ظهور استراتيجيات الرجل في السياسة الخارجية. ظهر أن البلاد تعاني من انقسام اجتماعي وسياسي خطير، وأن المشاهد التي رآها العالم حول وداخل مبنى الكابيتول في واشنطن، قد تنذر بحلقات دراماتيكية خطيرة على وحدة واستقرار وأمن أميركا.

ولئن خرج بايدن بعد فوزه بالانتخابات بخطاب وحدوي جامع يتحدث إلى كل الأميركيين، فإن خطاباته المتعلقة بما جرى للكونغرس الأميركي من أعمال عنف وتخريب كانت قاسية هدد بها “التمرد” وأصحابه ومن حرض عليه، على نحو يؤشر إلى أن حالة العبث والفوضى باتت تحتاج إلى حزم وحسم، وأن على الرئيس المنتخب أن يكون على

من وراء الهجوم على الكابيتول؟

مستوى الحدث وأن يمارس دورا تاريخيا في حماية وحدة البلد وإبعاد ظلال الحرب الأهلية التي بدأت تنهل خطبها من أدبيات تلك الحرب في تاريخ الولايات المتحدة.

من هو عدو أميركا؟

جرى في السنوات الأخيرة سجال داخلي بين مراكز الأبحاث كما بين منابر القرار ومؤسساته لتحديد هوية العدو الحقيقي للولايات المتحدة في العالم، بيد أن ما جرى من ضجيج منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أعاد تصويب المجهر نحو البيت الأميركي الداخلي، وأعاد تعويم خطر حقيقي داخل العائلة الأميركية. وتكمن خطورة المسألة في أن الدستور الأميركي يسمح باقتناء الأسلحة وحملها، كما يتيح للإيديولوجيات المختلفة حرية التعبير، على النحو الذي يحول الانقسام الانتخابي التقليدي بين يمين ويسار إلى مشروع مواجهة بين العقائد اليمينية المتطرفة المدافعة عن التفوق العرقي الأبيض والعقائد الليبرالية، خصوصل تلك التي تميل إلى اليسار داخل التيار الذي يقوده بيرني ساندرز في الحزب الديمقراطي.

والظاهر أن الحزب الجمهوري، وهو حزب عريق في تاريخ الولايات المتحدة، قد تنبه إلى مخاطر الترامبية على الحزب نفسه، كما مخاطر التصدع في جدرانه التي بدأت تهدد بانشقاقات ودعوات داخلية إلى تشكيل حزب جديد متخلص من أثقال الترامبية ونفوذ دونالد ترامب الذي سيتعاظم داخل الحزب، خصوصا أن الرجل يمني النفس بولاية رئاسية جديدة بعد أربع سنوات، وسيعمل، إذا تمكن من الحزب، من قيادته على هواه الانتخابي بما يحقق له هذه العودة الميمونة إلى البيت الأبيض في عام 2024.

تحرك “الدولة العميقة”

ولا ريب أن “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة قد تحركت على نحو مكثف يوم السادس من كانون الثاني / يناير الماضي لوقف المهزلة الصادرة عن البيت الأبيض. سبق هذا التحرك نظرية “مؤامراتية” تروج أن تلك “الدولة” استدرجت الرئيس ترامب نحو فخ كبير من خلال عملية غض طرف عن تقدم المتظاهرين والمحتجين صوب مبنى الكابيتول، الذي يضم مقري مجلس الشيوخ ومجلس النواب، من أجل إحراج كافة مناصري ترامب داخل مؤسسات الدولة كما داخل الحزب الجمهوري نفسه.

لكن بصرف النظر عن تلك النظريات التي يسهل رواجها في الأزمات، وبغض النظر عن رمادية الأسباب التي حالت دون حماية مبنى الكابيتول العريق في ذلك اليوم العصيب، خصوصا أن هذا الاحتمال لم يكن مفاجئا بل متوقعا

جو بايدن أمام أميركا المنقسمة

ومبرمجا، فإن النتائج انقلبت على ترامب وأدت إلى تجويف حججه وسقوط “قضيته”. ولم يكن حظر تويتر وفيسبوك ويوتيوب لحسابات ترامب في نفس التوقيت إلا تمرينا واضحا على حالة “إنقلاب” تنفذها أميركا على رئيسها. ولا بد للمراقب أنه لاحظ تبدل دعوة ترامب للمحتجين من “العودة إلى البيت” مع الإشادة بعدالة القضية التي يدافعون عليها، إلى إدانته لهم ووصفهم بالمشاغبين. هذا التحول في موقف الرجل من صقر مجروح إلى تسووي يسعى لمداواة الجروح، يعود إلى ضغوط حقيقية ترقى ربما إلى مستوى التهديد لردعه عن سلوك سبل تنال من هيبة الولة ومؤسساتها.

كاره للمؤسسات

جديد هنا التذكير أن دونالد ترامب صعد إلى رأس السلطة في الولايات المتحدة من خلال استراتيجية دؤوبة تستخف بالمؤسسات الحكومية والسياسية للدولة. فقد جاء الرجل من عالم البزنس والعقارات طارحا نفسه مرشحا للرئاسة عن الحزب الجمهوري. لم يكن ترامب قبل ذلك قد انتخب أو شغل منصبا سياسيا بلديا أو تشريعيا أو حزبيا. وقد وافق الحزب على خوضه السباق الانتخابي إلى جانب مرشحي الحزب في الانتخابات التمهيدية. واستطاع ترامب إزاحة كافة المرشحين الجمهوريين المنافسين وبات مرشح الحزب الجمهوري الوحيد. ونذكر أن شخصيات قيادية في الحزب قد عارضت ترشحه رغم ذلك، وبقيت معارضة له حتى عندما فاجأ كل استطلاعات الرأي وأطاح بمنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون وفاز في الانتخابات الرئاسية عام 2016 (أبرز هذه القيادات السيناتور الراحل جون ماكين الذي توفي وهو على خصام مع ترامب، فيما وقفت أرملته ضد ترامب في ولاية أريزونا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة).

ويجب عدم التقليل من قضية التلويح بالمادة 25 من الدستور الأميركي لتنحية ترامب عن منصبه كأداة من أدوات الضغط لإجباره على سلوك طرق جديدة في مقاربة أزمة خطيرة تتعرض لها البلاد. ومعروف أن هذه المادة تتيح لنائب الرئيس وأغلبية الوزراء تنحية الرئيس إذا ما قرروا عدم أهليته لإدارة الحكم، على أن يتولى نائب الرئيس سدة الرئاسة في الفترة المتبقيىة من الولاية الرئاسية. وخطورة هذا الأمر لا تنحصر فقط في حرمان ترامب من ممارسة سلطاته خلال الـ 14 يوما المتبقية، بل أن الأمر سينهي حياته السياسية ويعرضه للمحاكمة ويحرمه من تحقيق أحلامه بالعودة إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات.

التحول الأميركي

على أية حال فإن الولايات المتحدة دولة كبرى تسيرها المؤسسات وتمتلك عراقة في إدارة الأزمات والقدرة على تجاوز المطبات التاريخية العصيبة. غير أن الانتخابات الرئاسية سلطت المجهر على تحولات اجتماعية وسياسية كبرى في الولايات المتحدة. صحيح أن 74 مليون أميركي صوتوا لدونالد ترامب، وهو رصيد قياسي لرئيس مرشح في تاريخ البلاد ويفوق الرصيد الذي ناله قبل أربع سنوات، إلا أن المرشح الديمقراطي جو بايدن قد نال أصوات 80 مليون أميركيا وهو مستوى تصويت قياسي في تاريخ الولايات المتحدة. واللافت أيضا أن هذا التحول في مزاج الناخب الأميركي قد تأكد على نحو صاعق حين فقد الحزب الجمهوري ولاية جورجيا، في انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت متأخرة في الخامس من الشهر الماضي، أي عشية “تمرد” الكابيتول، والتي سقطت لصالح الحزب الديمقراطي بفوز قس أسود وسياسي يهودي في تلك الولاية الجنوبية المشهورة بيمينيتها وولائها التاريخي للحزب الجمهوري.

ورب قائل إن دونالد ترامب مثّل كارثة تاريخية بالنسبة للحزب الجمهوري على الرغم من فوز الرجل بالرئاسة قبل أربع سنوات وتمكن الحزب من خلاله من حكم البلاد. بات البلد يحكمه الحزب الديبمقراطي في البيت الأبيض كما في مجلسي الشيوخ والنواب، وهو أمر نادر الحدوث في تاريخ الولايات المتحدة أن تتجمع كل السلطات في يد رئيس البلاد. والكارثة لا تنحصر فقط في هزيمة ترامب وفقدان الحزب للأغبية في الكونغرس بغرفتيه، بل تكمن أيضا بحالة الإنقسام التي باتت تهدد ديمومة الحزب كما تشويه القيم المحافظة التي لطالما دافع عنها الجمهوريون والتي اختلطت، بسب ترامب والترامبية، بقيم التطرف والشعبوية التي يروج لها الرئيس السابق.

ترامب والعالم

وقد باتت الأزمة الداخلية الأميركية شأنا أساسيا لكافة دول العالم، سواء تلك الحليفة للولايات المتحدة أو تلك التي تعتبرها واشنطن خصوما لأميركا. وقد ظهر سريعا تبرؤ الزعماء الغريبيين القريبين من ترامب من سلوكه (رئيس الحكومة لبريطانية بوريس جونسون مثلا)، كما ظهر إجماع كافة العواصم الغربية على إدانة ما حدث للكونغرس واستنكار الاعتداء على الدستور الأميركي ونظامه الديمقراطي. وفيما تراقب موسكو وبكين وطهران وعواصم شبيهة ما يجري من تداول للسلطة في واشنطن، فإن كافة العواصم الغربية كانت تنظر إلى الساعة دقيقة بدقيقة أملا في التخلص من ترامب و “استعادة” الولايات المتحدة التي يعرفونها حليفا وزعيمة للمنظومة الغربية برمتها.

وصحيح أن دونالد ترامب قد اتخذ مواقف واضحة في عدائها للصين، إلا أن موقف الرجل من روسيا بقي ودودا إلى درجة أنه رفض مؤخرا تصديق مؤسسات المخابرات الأميركية حين اتهمت موسكو بالوقوف وراء الهجوم السبراني ضد الولايات المتحدة، واعتبر الأمر مجرد مبالغة إعلامية، ناهيك من أن الكونغرس الأميركي لا يعرف حتى الآن ما الذي دار في اللقاء الذي جمع ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي عام 2018. بالمقابل شن ترامب حملة ضد دول الاتحاد الأوروبي وفرض على بعض السلع الأوروبية رسوما جمركية عقابية، فيما شن حملة ضد الحلف الأطلسي مهددا بتقليص ميزانية بلاده داخله، كما ساءت علاقاته بكندا ودول غربية أخرى. وقد أثارت هذه السياسة ضبابية دولية كبرى، بحيث لم تشعر موسكو أن الولايات المتاحدة تسير خلف رئيسها في هذا الصدد، ولم تشعر الدول الغربية أن الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب حليفا حقيقيا وفق ما هو معروف ومعتمد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ما بين الإدارتين

اعتبر دونالد ترامب خلال الأربع سنوات المنصرمة أن الصين هي الخصم الأول لأميركا، فيما يبدو أن الخصم الأول بالنسبة لجو بايدن هو روسيا. يرى الأول أن “أميركا أولا” تعني استهداف “الآخرين”، حتى لو كانوا تقليديا من الحلفاء في أوروبا والأطلسي والمنظومة الغربية. ويرى الثاني أن بلاده زعيمة هذا العالم، ومن قواعد الزعامة وضع خط واضح بين الحلفاء وغير الحلفاء، وعليه يعيد الاعتبار للمنظومة الغربية المتأسسة أصلا على تحالف استراتيجي بنيوي بين ضفتي الأطلسي.

يعيد بايدن تصويب الشعيرة نحو روسيا. يعيد تطبيع العلاقات مع أوروبا. يعيد بلاده إلى اتفاقية باريس للمناخ. وينخرط وفق ما تنخرط به بلاده منذ عهد باراك أوباما في مواجهة التحدي الصيني. ووفق الأعراض الأولى لما هو معلن في استراتجيات بايدن الدولية، فإن ذلك من شأنه رسم ملامح ما تخطط له الإدارة الديمقراطية الجديدة في الشرق الأوسط.

لا تعتبر واشنطن، وفق مؤسسات التفكير المحيطة بفريق بايدن، بأن كوريا الشمالية هي ملف مستقل عن ملف العلاقة مع الصين. لن يهرول بايدن لالتقاط صورة مشتركة مع كيم جون أون. ففك العقد الكبرى، وفق عقيدة البزنس التي

ترامب خسر الانتخابات وانقلبت أميركا عليه

تباهى بها دونالد ترامب، بدت ساذجة طرب لها الزعيم الكوري الذي رُفع من خلال مقاربة ترامب إلى مصاف الشخصيات الدولية الكبرى التي تقرر مسارات السلم والحرب.

بايدن وإيران

وفق خرائط بايدن، واهتمامه الواضح بإعادة الدور إلى أميركا في قيادة العالم، سيتعامل الرئيس الأميركي الجديد مع ملفات المنطقة. يقر الرجل بأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية وشبكة نفوذ وسلوك طهران في الشرق الأوسط يطرح إشكالية خطيرة داهمة مهددة للسلم مزعزعة للاستقرار في المنطقة. لكنه، وهو على حق، يرى أن الأولوية هي التعامل مع البرنامج النووي وضبط شططه. فمن يملك القنبلة النووية، يملك حماية الصواريخ الباليستية وتمدده الخبيث خارج الحدود. ويضيف بايدن لخطط الولايات المتحدة، منذ سنوات، لوقف الصعود الأفقي والعامودي للصين، مهمة عاجلة لمواجهة الدور الروسي في العالم.

على هذا فإن مقاربة المسألة الإيرانية تحمل في ثناياها أعراض مواجهة واشنطن لبكين وموسكو معا. فإذا ما كانت طهران قد لوحت باتفاقية القرن العملاقة مع الصين، فإن الشراكة الروسية الإيرانية، سواء في عملية استانا بشأن سوريا، أو داخل ملفات مشتركة في القوقاز،  أو مصالح البلدين المتبادلة، لا سيما في قطاعي الطاقة والسلاح، تشكل عاملا رافدا وداعما لطموحات بوتين الإقليمية والدولية.

بايدن وتركيا

على أن إدارة الصراع بين المنظومة الغربية وروسيا يتطلب، إضافة إلى تناغم أميركي أطلسي أوروبي (كان مفقودا في عهد ترامب)، رؤية مشتركة للتعامل مع الحالة الشاذة التي تمثلها تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان. وفيما أشاد دونالد ترامب بالعلاقة الشخصية الممتازة مع أردوغان، كان بايدن عنيفا، أثناء حملته الانتخابية، في الهجوم على الزعيم التركي والوعد بدعم أي انقلاب ضده (قال لاحقا مصححا أنه انقلاب عبر صناديق الاقتراع).

ولئن استفاد أردوغان من تشجيع أميركي ضمني لاحتواء طموحات بوتين في ليبيا وسوريا وحتى في آذربيجان، فإن واشنطن لم تتعامل بالحسم المطلوب مع أنقرة في ملف شرق المتوسط إلا متأخرة، على نحو أوحى أن الرئيس التركي مستفيد من تقاطع مزاج بوتين وترامب في كره الاتحاد الأوروبي وطموحات بعض بلدانه في مياه المتوسط.

بوريس جونسون: صديق ترامب الذي أنتقده في ليلة الكونغرس

يتيح استكشاف خريطة الأمن الاستراتيجي لإدارة الرئيس الجديد، استشراف الكيفية التي ستدار بها ملفات الشرق الأوسط. والواضح أن بوتين قد قرأ جيدا المشهد الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية، ويسرّع الخطى لتدعيم إمساكه بخيوط اللعبة في سوريا. يستند سيد الكرملين على نفوذه في دمشق، وحاجة طهران لدعمه، وتفاهماته، القديمة الجديدة، مع إسرائيل. والواضح أيضا أن أردوغان الذي تلقى صفعة غربية موجعة، من خلال عقوبات أوروبا وواشنطن الأخيرة، يعيد التموضع وفق المعطى الأميركي الجديد. فجأة يُظهر مرونة ورشاقة، ويمهد الطريق لعلاقات من نوع جديد مع بايدن، من خلال الوعد بـ “فتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي”، وفق محادثاته مؤخرا مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركيل.

والظاهر أن “الجبهات” تتحرك تحسبا لما حمله رجل أميركا الجديد إلى البيت الأبيض في الـ 20 من الشهر المقبل. بالمقابل تراقب إيران بقلق ضبابية البت في ملفها، وتستنج أن أميركا، التي وعد رئيسها الجديد بالعودة إلى الاتفاق النووي، تستنزف إرث ترامب في هذا الصدد، وتأخذ علماً بما صدر عن الأوروبيين، وما يكرره الخليجيون، وما بات محسوما لدى دوائر الأمن الاستراتيجي في الولايات المتحدة، من أن لا عودة إلى الاتفاق النووي كما هو عليه الآن، إلا إذا تقيدت إيران بالتزاماتها، وذهبت إلى طاولة مفاوضات لتطويره وبحث ملف الصواريخ الباليستية وسلوك إيران في المنطقة.

وإذا ما كانت الصين خجولة في التهليل لاتفاق القرن مع إيران (الذي بالغت طهران في التطبيل له)، فذلك أن بكين تعرف أن أي اتفاق إيراني أميركي (غربي) محتمل سيوهن حماس إيران نحو الصين، ناهيك من أنه ثبت خلال العامين الماضيين أن مفاتيح السوق الإيراني تمسك بها واشنطن، ولا طائل من الرقص في عرس إيراني متخيل.

والظاهر أن الحزب الجمهوري، وهو حزب عريق في تاريخ الولايات المتحدة، قد تنبه إلى مخاطر الترامبية على الحزب نفسه، كما مخاطر التصدع في جدرانه التي بدأت تهدد بانشقاقات ودعوات داخلية إلى تشكيل حزب جديد متخلص من أثقال الترامبية ونفوذ دونالد ترامب الذي سيتعاظم داخل الحزب، خصوصا أن الرجل يمني النفس بولاية رئاسية جديدة بعد أربع سنوات، وسيعمل، إذا تمكن من الحزب، من قيادته على هواه الانتخابي بما يحقق له هذه العودة الميمونة إلى البيت الأبيض في عام 2024.

ولا ريب أن “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة قد تحركت على نحو مكثف يوم السادس من كانون الثاني / يناير الماضي لوقف المهزلة الصادرة عن البيت الأبيض. سبق هذا التحرك نظرية “مؤامراتية” تروج أن تلك “الدولة”

ماذا يعد بايدن لتركيا وإيران وروسيا

استدرجت الرئيس ترامب نحو فخ كبير من خلال عملية غض طرف عن تقدم المتظاهرين والمحتجين صوب مبنى الكابيتول، الذي يضم مقري مجلس الشيوخ ومجلس النواب، من أجل إحراج كافة مناصري ترامب داخل مؤسسات الدولة كما داخل الحزب الجمهوري نفسه.

صحيح أن دونالد ترامب قد اتخذ مواقف واضحة في عدائها للصين، إلا أن موقف الرجل من روسيا بقي ودودا إلى درجة أنه رفض مؤخرا تصديق مؤسسات المخابرات الأميركية حين اتهمت موسكو بالوقوف وراء الهجوم السبراني ضد الولايات المتحدة، واعتبر الأمر مجرد مبالغة إعلامية، ناهيك من أن الكونغرس الأميركي لا يعرف حتى الآن ما الذي دار في اللقاء الذي جمع ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي عام 2018.

على هذا فإن مقاربة المسألة الإيرانية تحمل في ثناياها أعراض مواجهة واشنطن لبكين وموسكو معا. فإذا ما كانت طهران قد لوحت باتفاقية القرن العملاقة مع الصين، فإن الشراكة الروسية الإيرانية، سواء في عملية استانا بشأن

ما مصير صفقة القرن؟

سوريا، أو داخل ملفات مشتركة في القوقاز،  أو مصالح البلدين المتبادلة، لا سيما في قطاعي الطاقة والسلاح، تشكل عاملا رافدا وداعما لطموحات بوتين الإقليمية والدولية.

والواضح أن بوتين قد قرأ جيدا المشهد الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية، ويسرّع الخطى لتدعيم إمساكه بخيوط اللعبة في سوريا. يستند سيد الكرملين على نفوذه في دمشق، وحاجة طهران لدعمه، وتفاهماته، القديمة الجديدة، مع إسرائيل. والواضح أيضا أن أردوغان الذي تلقى صفعة غربية موجعة، من خلال عقوبات أوروبا وواشنطن الأخيرة، يعيد التموضع وفق المعطى الأميركي الجديد. فجأة يُظهر مرونة ورشاقة، ويمهد الطريق لعلاقات من نوع جديد مع بايدن، من خلال الوعد بـ “فتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي”، وفق محادثاته مؤخرا مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركيل.

(*) صحافي وكاتب سياسي لبناني

العدد 113 / شباط 2021