يتجدّد الدفاع هندسيّاًعن المسجد الأقصى

بروفسور نسيم الخوري

تنشط الحفريات الإسرائيلية في ساحة البراق قرب المسجد الأقصى وحول تلّة باب المغاربة، بقوّة مريبة، في ظلّ أمرين: تضافر التطبيع  وسكون البشرية ورعبها من وباء “كورونا”. قد نُفاجأ مسيحيين ومسلمين، في أعزّ المقدّسات إذا ما أنهت اسرائيل المرحلة الرابعة والأخيرة من طمس حارة المغاربة في القدس. سبق وأن دمّرت البيوت وما حولها ( 1967 ) ثمّ دمّرت مجمّع الزاوية (1969) ثمّ راحت تهدّم التلّة هناك منذ ال2007. الهدف هو: بحثاً عن هيكل سليمان.

المشكلة تاريخية قديمة، وتعود قانوناً إلى صيف 1949 عندما أوفدت جمعية الأمم الى القدس، لجنة دولية برئاسة المحامي والوزير فايز الخوري شقيق جدّي فارس الخوري للتحقيق في الحوادث الحاصلة بين إدّعاء اليهود ملكيتهم لحائط المبكى وهو ما يرفضه العرب والمسلمون ويسموّنه البراق لارتباطه بالإسراء والمعراج.

بحوزتي نسخة من تلك الوثيقة الأممية الطويلة أختصرها دفاعاً متجدّداً عن المسجد الأقصى،تضمّنت فقرة من خطاب الفارس في إحدى جلسات مجلس الأمن في قصر شايّو في باريس وفيها:” إنّ ممثّل اليهود يتكلّم عن حائط المبكى… وما هي دعواه في الحائط؟ هل إحتلّ اليهود هذا الحائط وهل يحتلّه العرب الآن؟ إنّ هناك أحجاراً وهي لا تزال هناك منذ أقدم العصور ولا يمسّها أحد..فماذا يريدون؟ إنّها في مدينة القدس القديمة وهي لا تزال في مكانها هناك”.

1-هدم تيطس الروماني أورشليم وترك الهيكل المزعوم خرابا. ما السبب لترك الجدار لصلاة اليهود بعد تقويض الأعمدة والجدران التي هي أعظم من هذا الجدار الباقي من الهيكل في سور المدينة. تذكر التوراة والعادات القديمة بأنك إذا هدمت مدينة وشتّت سكانها فعليك أن تحرث مكانها. حصل الهدم ومحو آثار الهيكل عند إتمام النبؤة لدى اليهود:”قال ربّ الجنود إنّ صهيون تُفلح كحقلٍ، وتصير أورشليم خراباً وجبل البيت شوامخ وعر”( أرميا 26:18).

وجاء في سفر الملوك الأول:”فإنّي أقطع اسرائيل التي أعطيتهم إيّاها عن وجه الأرض والبيت الذي قدّسته لإسمي أنفيه من أمامي”( ميخا 9 : 7). وجاء في الأناجيل: “ثمّ خرج يسوع من الهيكل فتقدّم تلاميذه لكي يروا أبنية الهيكل،فقال لهم: “:الحق أقول لكم أنه لا يترك هنا حجر على حجرٍ لا ينقض”. (متّى  24: 2) و(مرقص 13: 1). وسأله تلاميذه عن موعد الخراب فقال: قبل انقضاء هذا الجيل. وبالفعل، تمتّ هذه الرؤيا السنة 70 م. وطُمست معالم الهيكل، وبقيت القدس خالية من اليهود حتى 1180، وعادوا إليها بدعم الأتراك مخالفين عهدة عمر بن الخطاب.

2- بنى النصارى مكان أورشليم، بلداً أسموه ايليا. ويزعم اليهود بأن النصارى سمحوا لهم بالنواح على أخربتها الباقية. ولو صحّ أن جداراً من الهيكل باقٍ يأتي اليهود للصلاة أمامه، فكيف يقبل المسيحيون بذلك لمن صلبوا المسيح؟

كان المسيحيون أصحاب القرار في بيت المقدس لا يسمحون لليهود أصلاً بدخوله. والمعروف اشتراطهم على عمر بن الخطاب، بعد 6 قرون، ألاّ يسمح لليهود بنزول القدس، فلا يعقل أن يتركوا لهم جداراً طويلاً عالياً من هيكلهم يعلّقون مستقبلهم نواحاً عليه.

 3- يُطرح السؤآل للمقارنة بين هيكل سليمان والأبنية العظيمة :

كيف يثبت جدار طوله 25 متراً وعلوه 6 امتار على الدهر دليلاً على الهيكل . إنّ حيرام ملك صور بعث البنّائين للملك سليمان فشيدوا له هيكلاً،ولا يعقل أن يقيموا له بناءَ أضخم وأبقى على الدهر مما بنوه لملكوهم في فينيقيا.

4- حجارة الجدار مستطيلة وطول الحجر 10 أمتار وارتفاعه خمسة، وهذا يناقض نصوص التوراة من أنّ حجارة الهيكل مربعة :

” وأقام داوود نحّاتين لنحت حجارة مربعة لبناء بيت الله” ( سفر أخبار الأيام الأول : 20: 2 )،

وأيضاً: ” وأمر الملك سليمان أن يقلعوا حجارة كبيرة مربعة لتأسيس البيت”( سفر الملوك الأول 5: 17 ) ، وكان المذبح مربعاً أيضاً ( سفر الخروج 37: 25 ) ومذبح المحرقة كان مربعاً ( سفر الخروج 38: 1).

أيعقل لمن يجدّد هيكل سليمان مخالفة سنّة موسى للمذبح وعنه أخذها داوود واحتفظ بها سليمان في حجارة الهيكل التي يفترض أن تكون مربّعة ؟

وكيف يكون الجدار الباقي وحجارته من بقايا الهيكل غير مربعة إذن ؟

لماذا لم يرد في مؤلفات زوّار بيت المقدس قطّ، أن الجدار هو الأثر الوحيد الباقي من هيكل سليمان؟

لعلّه من الجدران التي أقامها الوليد بن عبد الملك حول المسجد الأقصى يوم بناه أو المأمون عندما  رمّمه، فجاء مبنياً على الأسلوب الفينيقي بينما الجدار ليس من هذا الطراز.

5- بقي اليهود يصلّون 500 سنة بدون هيكل من موسى الكليم الى سليمان الحكيم. كانت لهم خيمة الإجتماع وتابوت العهد ينقلونهما أينما حلّوا. كان قدسهم منقولاً إذن، وتصحّ صلاتهم أينما اجتمعوا شرط إحترام المنصوص في التوراة.

ولو حسبنا عمر اليهود من عهد ابراهيم، نستنتج بأنّهم بقوا بدون هيكل 1000 سنة حتى عهد سليمان. وكان لهم هيكل لألف سنة من سليمان الى تيطوس ثمّ زال هيكلهم أكثر من ألفين وعشرين سنة ميلاديّة. وتخلّل الألف التي كان لهم فيها هيكل للعبادة، سبعون سنة من السبي البابلي أيضاً بلا هيكل.

6- تشير نبؤات أرميا عن أورشليم والهيكل إلى تجددهما بعد الخراب وسبي نبوخذ نصّر ملك بابل اليهود وطردهم الى وراء دجلة 70 سنة حتى سقوط الدولة البابلية بأيدي الفرس حيث أرجعهم قورش الفارسي في القرن السادس ق.م. ليجدوا  بقايا الهيكل وأسوار اورشليم، فيتولّى عزرا الكاهن إعادة البناء والدولة تحت حماية الأمبراطور الفارسي.

7- أننسى توبة اليهود وتضرعهم الى الله الذي أعادهم من السبي في أنبياء العهد القديم، وخوافهم بأنّ الرب قد يشتّتهم مجدّداً؟

ها نحن اليوم لا نجدهم أقرب الى التقوى مما كانوا يوم تيطوس الروماني.

عمّ يبحث اليهود اليوم في ممر المغاربة؟

محو الماضي التوحيدي وحصره باليهود. تمّ تسريب خبرعن اكتشاف مدفن أثناء الحفريات” فيه عظام المسيح ابن مريم وأخوه يوسف”. هذا اقتلاع لفكرة القيامة ونسف للدين المسيحي، وكأنّنا مجدداً أمام مستقبل يهدّد المسيحية والإسلام.

أيبحثون هيكل سليمان أم عن حروبٍ قد تعيد العالم هيكلاً قبل الأيام السبعة الأولى؟

* كاتب وأستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه

العدد 113 / شباط 2021