ثلاث نجمات في ليل المهرجانات اللبنانية

جاهدة وهبة في بعلبك ونانا موسكوري وتاريا تورونن في جبيل

بيروت ـ جاد الحاج

الآفاق البعيدة تقترب والمصائر الغامضة تنبلج عن مسارات  تستبدل الغياب بالظهور. تلك باختصار خيوط التلاقي التي جمعت ثلاث مطربات تباينت اعمارهن، واختلفت اساليبهن قبل ان ادركت مراكبهن  ضفاف المهرجانات اللبنانية في الصيف المنصرم.

طال انتظار جاهدة وهبه، وكاد الظلم ان يتحول من عقدة الى عقيدة راسخة  في قدرها، غير ان عنادها  ومثابرتها كسرا القيد الصدئ وانسكبت الأنوار الكاشفة عليها اخيراً  تحت سماء بعلبك  هذه السنة. مبروك لبعلبك، وهنيئاً للمجاهدة الموهوبة  البارعة ، تكتب وتلحن اغانيها، ولا تختار من الحان سواها وكلماتهم الا الصعب والمتحدي.  هكذا  بأحترق  بخور الزمانا  بصوتها الفيّاض، كما كتبت إحدى الزميلات،  وشهد عليه جمهور طالما تسلق مع جاهدة  سلالم النجاح وعثرات الفشل.

  رافق جاهدة عزفاً وتلحيناً، الموسيقي اللبناني المغترب في فرنسا ايلي المعلوف.  وهو مميز بخبرته في المزج بين موسيقى الشرق والغرب مدعوماً من أمهر العازفين  المخضرمين ، خصوصاً في مجالات ما بات يسمى  بموسيقى العالما.  أضاءت  »كاهنة المسرح«  فضاء معبد باخوس بصوتها الماسيّ وألحانها البديعة  ، كما قدم معلوف مجموعة من أجمل ألحانه وأعماله الموسيقية.

استهل الثنائي وهبه ـ معلوف بمقطوعة من  شعر ميشال طراد عنوانها  »بعلبك«  ثم تواصل  الشدو والعزف:   »يا ولدي« رائعة ألحان وهبه من شعر  احلام مستغانمي . إلى  »أين النديم« و »أحبك حبّين« النص الصوفي الخالد لرابعة العدوية وألحان  جاهدة  وقد أهدتها الى

جاهدة وهبة

الراحلة سحر طه، ثم  »نشيد الحب« عن رائعة إديت بياف  » hymne à lamour« بالعربية وقد ألهبت الجمهور تصفيقاً. إلى مجموعة من  »اللبنانيات« لكبار المطربين والمؤلفين اللبنانيين بتوزيع راقٍ وأخاذ للمعلوف. و »سما عينيك« جديد جاهدة.  و »يا شادي الألحان« و »يا حبيبي تعال الحقني« لأسمهان و »إلهي« الصوفية التي تناغم فيها صوت وهبه مع مناخات الجاز مختتمة المقطوعة بقصيدة للحلاج و مقطع ساحر بالسريانية.

وتخلّل الحفلة إرتجالات للموسيقيين الذين أبدعوا على آلاتهم ومن ضمنهم عازف الترومبيت نزار عمران ومروان فقير على الكمان وساري خليفة على آلة الفيولونسيل… وكانت وقفة بديعة مع قصيدة  »يطير الحمام« من شعر محمود درويش وألحان جاهدة وهبه وقد تألّقت فيها المطربة والموسيقي الذي عزف في هذه الاغنية على آلة البزق، ما استدعى وقوف وتصفيق الجمهور. وتوالت المعزوفات والأغنيات وأمزجة الجاز معانقة الطرب فكان أداء مبهر لنشيد  »موطنيا وأغنية داليدا الخالدة  »حلوة يا بلدي« وختام لاهب مع  »لا تمضِي إلى الغابة« أشهر أغنيات جاهدة وهبه من ألحانها لشعر غونتر غراس. وأغنية  »يا ريت فيي إنهدى« أيضاً من ألحانها وشعر طلال حيدر. وقد كانت لوحة جميلة صاخبة بمزاج بعلبكي تشابك فيها العزف على كل الآلات مع نقرات الطبل ورقص الدبكة… وانتهت الحفلة بعد ثلاث ساعات من الجمال لكن لم تهدأ أصداؤها التي فتنت الجمهور الغفير. وكانت بطاقات الحفل قد نفدت قبل اسابيع من الحفل وبيع بعضها في السوق السوداء ما أجبر إدارة مهرجانات بعلبك على إضافة المزيد من المقاعد للجمهور الذي احتشد حتى قرب الأوركسترا وملأ معبد باخوس التاريخي من كل الجوانب.

نانا موسكوري

ولدت نانا موسكوري سنة 1934 في جزيرة كريت اليونانية. واشتهرت بكونها سيدة الغناء اليوناني حول العالم.  سنة 2008 ارادت نانا ان تودع المسرح وتتقاعد بعد بلوغها الخامسة والسبعين واقيمت للمناسبة سهرة تاريخية على مدارج لأكروبول تبعتها دورة عالمية مرهقة كادت ان تودي بحياتها. لكنها لا تقل جهداً ومثابرة عن جاهدة وهبه. وها هي تحدثنا بشغف وحماسة بعد حفلتها الصاخبة على مسرح مهرجانات جبيل:

ما الذي يوقد فنانة مثلك ويدفعك الى الاستمرار؟

بديهي ان الزمن يشيخ الجسم والصوت، لكن دوافع الاستمرار معقودة على ما تجود به التجارب  الجديدة، حيث يتم  التفاعل مع حكايات المكان المضيف والحانه وكلماته، وايضاً جمهوره.

ما الذكرى التي تحتفظين بها من زيارتك السابقة للبنان؟

لسوء الحظ انني زرت لبنان مرة واحدة من قبل. لكنني كغيري احتفظت بأصدقاء دائمين. اما الذكرى التي لا انساها فمصدرها نصيحة شاعر يوناني صديق لي بأن اقرأ   بالنبي« لجبران خليل جبران. ومذ ذاك وا نا اقرأ ذلك الشاعر والفيلسوف  الكبير الذي تؤثر بي حكمته وعمق افكاره، وهو من علمني ان العمل يجعل حب الحياة قيمة مرئية وواضحة.

اي فنان لبناني  تحبين؟

فيروز ومن زمان. لكنني على المستوى العربي احب ايضاً ام كلثوم.

نانا موسكوري

ما سرّ تسريحتك التي لم تتغير منذ عقود؟

الهدف من التسريحة الثابتة هوالتعبير عن ثبات في الصورة التي ارتسمت عني في مخيلة الناس، لا اكثر.

يبدو انك لست على وفاق مع تكنولوجيا التواصل الاجتماعي؟

مبدئياً لا احب الظهور خارج اطار المسرح الغنائي. ولطالما اعتقدت ان كوني مغنية جيدة اهم من اللقطات المصورة وقنوات التخاطب الاجتماعي. لكنني في حفلاتي وفي حياتي ابذل جهدي لأحترام الجمهور والظهور على حقيقة يتوقعها. فمن المهم ايلاء مسألة الشكل الاهتمام الكافي. نعم، لست على امواج الفايس بوك، وما اوصلني  الى حيث انا ليس سوى سنوات العمل التي عشتها.

في زمن العلاقات العابرة تعتبر حياتك الشخصية خارج الزمن. كيف حصل ذلك؟

نحن معاً منذ اربعين سنة، زوجي وانا. وهو المنتج لكل اعمالي والذي افسح لي في مجال تحقيق ما صبوت اليه: ان اكون المغنية الشاهدة على ثقافة بلدي. نحن معاً كل يوم، وانا اتعلم منه كل يوم.

تاريا تورونن

في السادسة من عمرها  بدأت دروس البيانو، وفي الخامسة عشرة تلقت اولى دروس الغناء. احبت ويتني هيوستن واريثا فرانكلين،الا انها لم تتأثر بهما الى حدود التقليد، بل اكملت دروس الغناء الكلاسيكي حتى النهاية. وفي السابعة عشرة التحقت بالاكاديمية الفنلندية للموسيقى.  في المرحلة نفسها  ولدت فرقة  بنايت ويشا )امنية الليل( وهي مغنيتها الاولى. لكنها استمرت تدرس وتغني وتصدر الاسطوانات واحدة تلو الاخرى، كأنها ترسم ملامح المستقبل بصوتها العالي المدرب: نيسان )ابريل( 1997  صدرت اسطوانة  بمولودة المحيطاتا. تشرين الثاني )نوفمبر( 1998  بمن الاماني الى الابدا ايار )مايو( 2000   بسيد الامانيا.  وثلاث اسطوانات متلاحقة حتى 2005 ،  بطفلة القرنا و بنهاية البراءةا و بمنتهى الاملا.

انهت تاريا دراستها سنة 2002 وتزوجت سراً بعيداُ من الأضواء.

 ـ كيف تشعرين في نهاية الحفلةعلى خشبة بيبلوس؟

ـ  اشعر كمن نجا من غرق وحاز وساماُ لانه انقذ نفسه بنفسه!)تضحك( جمهور رائع حقاً . . . والمكان، يا الهي، احسست ان الموج يشارك الموسيقى وكأن المراكب البعيدة تصفق وترقص. لن انسى ابداً هذه الليلة.

ـ البومك الميلادي ما زال يثير جدالات حادة في صفوف الجمهور، حتى بعض المتحمسين لك يميلون الى الاختلاف حوله. لماذا؟

ـ  سألني الناس إن كنت ممن يتحمسون للاعياد وخصوصاً عيد الميلاد.  العيد يأتي ويشمل حياتك شئت ام ابيت. وبما انني اعيش منذ وقت مفارقات الضوء والعتمة، فكرت بنقيض البهجة السائدة حول الميلاد. حيثما ذهبت تسمع الاناشيد نفسها وتتلقى التحيات الباسمة، ناهيك عن الهدايا التي لست بحاجة اليها… لذا قلت لنفسي وماذا عن اولئك الذين  فقدوا عزيزاً ولم يعودوا مكترثين بالعيد، مما حصل معي حين فقدت امي سنة 2003 وما عدت في غيابها اشعر ببهجة الميلاد الى ان اصبحت اماً بدوري؟ من اجل لفت النظر الى الذين يمضون العيد في الوحدة والعوز

تاريا تورونن

والكآبة قررت كتابة اغنية  بسوداءا عن الميلاد، وجاء وقعها مثيراً للجدل، بلا شك.

ـ الى اين من هنا، بعد جبيل  ؟

ـ اننا نقوم بدورة عالمية، ومحطة مهد الابجدية غرة رحلتنا وسوف نعود الى ذلك الجمهور الكريم!