حافة الهاوية أم جسر العبور؟

يكتبها فيصل طالب

تُرى هل نحتمل هذا الزمان الرديء بقوّة الصمود والمواجهة و«الصبر الجميل« ؟ أم بواقعيّة التسليم بموجباته ومندرجاته؟

هل ما زلنا نقيم على حافة الهاوية ؟ أم هوينا ورحنا نتدحرج على صخور السقوط المدوٍّي في قعر الغيبوبة الرهيب؟

هل صمتت سيمفونية النبض وكورالية الأنفاس في الصدور، وسكنَنَا الخوفُ المستدام، فتحجّرت عيوننا في الأحداق المتعبة من الوجوم الغريب، نحن الطاعنون بالقلق منذ صرخات الولادة؟

هل هو غناء يجهد ليصدح من حنجرة مسكونة بالاحتضار؟ أم هي حشرجة الأنفاس المتهدّجة في صدور اللاهثين ؟ أم هو الصمت الصارخ في وجه الوهن المتداعي والأبلغ من الكلام العييّ المريض ؟

لماذا تتّسع أزقّة الحواشي وتضيق ساحات المتون ؟

لماذا تُكسر أقلام الرجاء قبل أن يجفّ مدادها، وتُجهض الأحلام قبل اكتمالها، وتُعقم الأرحام قبل إخصابها، وتُقطف الورود قبل أوانها، وتُجدب الأرض في مواسم الجنى ؟!

ولماذا لا يأتي السنونو في الربيع، ولا المطر في الشتاء، ولا تندى وريقات الصباح، ولا تشرق الشمس إلّا من خلف الدخان ؟!

 لماذا نستمر في الوقوف على حدود الوصل، نرسم بكائيات الوجع المنتحب على الجدران المتهالكة لـ»مدن الملح« من المحيط إلى الخليج ؟

لماذا صارت البحار مستنقعات والأنهار حُفَرا ؟ من يظنّ الحياة تُولد في مستنقع ؟! وهل يجري الماء في الحفر ؟!

إلام الانتظار على قارعة السؤال، والهروب إلى الموت، وتوسّل النجاة المستحيلة، في »موسم الهجرة إلى الشمال«؟

هل نحن جيل الخيبة والهزيمة ؟ هل نحن جيل الأحلام الضائعة والكوابيس المفزعة ؟ أم نحن جسر العبور الوطيد إلى نهضة جديدة في الأمة، حيث لا تُسحق الأزهار، ولا تُعتقل الفراشات، ولا تصمت العصافير…، وحيث لا يرتفع جدار بين المبتدأ والخبر، بين الغيم والمطر، بين الزهر والفوح، بين الحبّ والبوح ؟!

هو الإنسان الذي استرخصنا إنسانيته، ولم نحفظ ماء وجهه، وأهدرنا حقوقه، وأذللناه في كرامته ومشاعره وعقله، ولم نفتح له نوافذ اليوم على شرفة الغد، وصغناه في قوالب التقليد المحنّطة، وحجبنا عنه الخبز والشمس والهواء والماء، وأدخلناه في »سيرك« الرعب من الجوع والفوضى والآخر المختلف، ووعدناه، في مقابل كل ذلك، بالمنّ والسلوى وما زلنا ننتظر…

هي الحريّة وابنها الشرعي الإبداع اللذان يقضيان عقوبة شبهة التمرّد على السائد والممجوج، في سجن« أبو غريب« العربي، بحكم »سيزيفي« لا سبيل إلى نقضه، إلّا بطرد كوابيس الهلع من الضوء من عقول الذين عميت قلوبهم من الوهج المغيَّب للحق والخير والجمال !

غير أنّ الأحلام التي انكسر شراعها، وغرق منظارها، وامتشق بحّارتها سيوفهم ليغرفوا دماءهم، ما غادرت سماءها طيورُ النورس. والأرض التي أجدبت ما زالت تحتفظ في ثناياها بأجنّة القمح. وشجرة التين التي نزح عنها زوّارها ما برحت تفتح ذراعيها لأفواج العصافير العائدة من هجرتها. والنهوض الذي خبت شعلته ما انطفأت جذوة الرجاء فيه. والفجر الذي يطلع كل يوم ما فتئ يقدّم لنا درس الخروج من عتمة الأزمات المتناسلة، وانتشال الفرح المستعصي من حفرة التردّي، والإيمان بأنّ إشعال شمعة خير من ندب الحظ، وجلد الذات، ولعن الظلام !

فيصل طالب

 المدير العام السابق لوزارة الثقافة اللبنانية