حل الازمة مع السعودية إنفراج جزئي… والمؤتمر الدولي “يتسلل” مجدّداً

2021 عام التحولات الكارثية على اللبنانيين كيف سيكون الـ 2022؟

بيروت- غاصب المختار

   تفاقمت الازمات التي عصفت بلبنان خلال العام ٢٠٢١ إقتصادياً ومالياً ومعيشياً وصحياً ومطلبياً وسياسيا، في ظل تراجع دور الدولة ووهن إداراتها واجهزتها حتى العسكرية والامنية، مع تراجع الوضع المعيشي للموظفين المدنيين والعسكريين بشكل مخيف، وارتفاع سعر الدولار بالنسبة لليرة بشكل غير مسبوق وغير مبرر وغير منطقي ماليا

ميقاتي امام ازمات وتحديات

واقتصاديا لوجود خمسة اسعار للدولار لا يمكن ضبطها. ومع التطورات الامنية الخطيرة التي حدثت في مناطق خلدة والطيونة وطرابلس والبقاع. وعودة الحراك الشعبي الى الشارع، المنظم منه وغير المنظم، السياسي المقصود والهادف لأغراض سياسية وانتخابية، والعفوي غير السياسي.

  هذاعدا الخلافات داخل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي نتجت عنها إنقسامات وتعطيل دور السلطتين التنفيذية الممثلة بالحكومة، والقضائية الممثلة بالمحاكم والنيابات العامة والمجلس العدلي، الذي تسلم ملف إنفجار مرفأ بيروت ووقع ضحية هذه الخلافات. بينما السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب، تنفذ واجباتها “غبّ الطلب” وحسب المصالح السياسية والانتخابية والطائفية الشعبوية للمجموعات التي تتمثل فيه.

  في ظل الازمات التي يتخبط بها لبنان، زادت الخلافات السياسية الداخلية وشبه العزلة العربية من حدّة ما تعانيه البلاد. حتى الدعم الغربي لا سيما الاوروبي من اقرب الاصدقاء، فرنسا، بات مشروطاً بشروط لا يمكن للطبقة السياسية الحالية تحقيقها لأنها تتضارب ومصالحها الكبرى السياسية والشعبوية والطائفية، فلا دعمَ مالياً من دون تحقيق طلبات المجتمع الدولي بالاصلاحات الشاملة البنيوية للإقتصاد والنظام السياسي. ما يعني تغييراً جذرياً إن لم يكن بشخصيات هذه الطبقة فعلى الاقل بسلوكها العام.

حمل العام 2021 الكثيرمن المآسي للبنانيين، وليس المجال متاحاً هنا لسرد تفاصيل ماحصل، لكن النتائج التي وصلت اليها احوال البلاد تشير الى انفصام حاد عمودي وافقي بين مصالح الدولة والمواطن وبين مصالح الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة بكل مفاصل الحياة. حتى ان الكثيرمن مجموعات المجتمع المدني والحراك الشعبي الذي انطلق في 17تشرين اول – اكتوبر عام 2019، أظهرت تباعداً عن معاناة الناس الفعلية نتيجة تداخل عوامل واسباب كثيرة، سياسية وغير سياسية، افرزت ايضاً خلافات وإنقسامات بينها فأصبحت عبئاً اضافياً بدل ان تكون عامل إنقاذ من الازمات القائمة، وبدل ان تكون بديلاً ناجحاً للطبقة السياسية الحاكمة  المشكومنها.

الازمة مع الخليج والمؤتمر الدولي

لعل الازمة بين لبنان ودول الخليج العربي وبصورة خاصة مع المملكة السعودية هي اكثر الازمات السياسية التي عصفت بلبنان وأثّرت فيه سياسيا واقتصاديا، وكادت تُسبّب انهياراً خطيراً اضافيا نتيجة انعكاساتها الاقتصادية بعد منع دخول المنتجات اللبنانية الزراعية والصناعية الى المملكة، وهو ما ادركته فرنسا التي وبتنسيق تام مع الولايات المتحدة الاميركية سارعت الى معالجة الازمة، من خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الى السعودية ولقائه ولي العهد الامير محمد بن سلمان، وبعد ان حصل من لبنان على اهم ورقة فتحت الباب امام اعادة الحوار بين لبنان والسعودية، وهي ورقة إستقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، التي قالت مصادر الرئيس ميقاتي انها كانت دليل حسن نوايا من قرداحي نفسه ومن لبنان، لرفع الضرر الذي سببته الازمة.

وحسب معلومات “الحصاد” فإن الأمير محمد بن سلمان ابلغ الرئيس ميقاتي  خلال الاتصال الهاتفي الذي اجراه به مع الرئيس ماكرون، اننا “نريد أن نفتح صفحة جديدة مع لبنان”. وأضافت المعلومات أنّ أجواء ونتائج زيارة الرئيس الفرنسي الى المملكة كانت “إيجابية جداً حيال لبنان والصفحة الجديدة بين بيروت والرياض تمّ فتحها من خلال الاتصال بين بن سلمان وميقاتي، وستتوّج تلك الإيجابية بمؤازرة خليجيّة مرتقبة لخطوات حكومته الاصلاحية”.

وعلى هذا، يُفترض ان تشهد العلاقات نمواً مضطرداً اقله على صعد دعم الاقتصاد والمجتمع اللبناني بالنواحي الانسانية، لكن المشكلة ان بعض ماطلبه ماكرون وبن سلمان من لبنان يفوق بكثيرطاقته على التنفيذ، لا سيما في الفقرات التي وردت في البيان المشترك السعودي- الفرنسي وتتضمن: “تطبيق القرارات الدولية، والالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان  وضرورة حصر السلاح  بمؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال ارهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات”، وفقرة “أكد الطرفان على أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن (1559) و (1701) و (1680) والقرارات الدولية ذات الصلة”. وهي بنود صعبة التطبيق نظراً للتعقيدات والخلافات حولها منذ سنوات، لا سيما المتصلة بتطبيق القرارات الدولية ومسألة سلاح المقاومة والوضع الاقليمي، وهو امر تعلمه فرنسا جيداً نظرا لتجاربها السابقة في معالجة الازمات اللبنانية. وتطبيق هذه الشروط رهن بتوافقات لابد منها دولية واقليمية اكبر من لبنان، فهل يمكن لفرنسا ان تخفف منها عبر آلية تنفيذية مرنة؟

 وقالت مصادر سياسية متابعة لحل الازمة مع السعودية، ان هذه الشروط اوالإلتزامات مطلوبة ايضا من الرئيس نجيب ميقاتي بشكل خاص، وقد لا يستطيع تلبية معظمها لا سيما الجانب السياسي الخلافي منها المرتبط بالوضع الاقليمي، واذا لم ينفذها ستقع المشكلة من جديد. كما ذهب البعض الى تأكيد ان الضغط السعودي على لبنان سيبقى حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون نظراً لتحالفه مع حزب الله والتنسيق معه في معظم الامور السياسية غير السياسية.

 لذلك عادت التسريبات عن اعادة إحياء فكرة عقد مؤتمر دولي يضمن حياد لبنان عن ازمات المنطقة، ربطاً بالزيارة المرتقبة للأمين العام للامم المتحدة انطونيوغوتيريس الى لبنان اواخر كانون الثاني – ينايرالحالي، وربطاً بالجو السياسي الذي ساد بعد لقاء الرئيس ماكرون والاميرمحمد بن سلمان، والبيان المشترك الذي صدر عنهما، وهو نفس المضمون الذي حملته البيانات الصادرة عن لقاءات بن سلمان خلال جولته الخليجية الاخيرة، والتي ظهر انها لا يمكن ان تطبق إلّا بقرار دولي جديد.

ولاحظت مصادرمتابعة للموضوع ان بعض التسريبات حولإعادة طرح المؤتمر الدولي تأتي من مقربين من البطريرك الماروني بشارة الراعي، وبعضها الآخر من جهات سياسية واعلامية مقرّبة من السعودية اومعارضة لإيران وحلفائها في لبنان.

وعود رئاسية للقاضي عبود؟

اما في الخلاف القضائي – السياسي الذي جمّد التحقيقات العدلية في إنفجار مرفأ بيروت، فقد ردت مصادر في ثنائي “امل وحزب الله” سبب تمسك رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود بعدم تنحية المحقق العدلي طارق بيطار عن ملف النواب والوزراء السابقين المتهمين بالإهمال في إنفجار المرفأ، الى “طموحات رئاسية مستقبيلة موعودة ساهم بها الفرنسيون، مادفعه الى التشدد والتمسك بموقفه بعدم تنحية القاضي بيطار”.

وقالت المصادر: ان القاضي عبود بدأ من الآن يتخذ مواقف قد تؤهّله للترشح لرئاسة الجمهورية، يسترضي بها الشارع المسيحي والقوى السياسية المسيحية والدول المعنية بالإستحقاق الرئاسي.

وارفقت المصادرمعلوماتها هذه بنسخة من بيان اصدره مجلس القضاء الاعلى الفرنسي، يدعم القاضي بيطار ويرفض تنحيته عن الملف.تأكيداً للإتهام السياسي بالطموحات الرئاسية للقاضي عبود.

الخيار المشرقي الممنوع!

في الشق الاقتصادي، توافرت للبنان فرص دعم وإنقاذ ولو مرحلي او في بعض النواحي الاساسية كالكهرباء والمحروقات والدواء، وهي المواد الاساسية التي تعني حياة المواطن بشكل يومي، وهذه الخيارات تمثلت بعروض من بعض الدول كروسيا والصين وايران، لإنشاء معامل كهرباء ومصافي نفط والمساهمة في إعادة إعمار المرفأ المدمر، وتزويد لبنان بالادوية الرخيصة الثمن بعدما افتقدها اصحاب الامراض المستعصية والمزمنة.

لكن هذا الخيار الذي سُمّي “الخيار المشرقي” سقط فوراً بالضربة القاضية لأسباب سياسية وليس اقتصادية اومالية، مع ان العرض الروسي حسب معلومات “الحصاد” يُريح لبنان من ازمة مستدامة هي ازمة الكهرباء والمحروقات. والعرض الاخير الذي تم تقديمه الشهر الماضي بعد فشل العروض الاخرى، له هدف واحد هو إنشاء مصفاة لتكرير النفط الخام  في منطقة الزهراني الساحلية الجنوبية بدل المصفاة القديمة، وليس لتقديم عروض لمشاريع اخرى كما كان يحصل سابقاً.

وقالت مصادرمتابعة للموضوع: ان قدرة المصفاة في حال تمت الموافقة على أنشائها ستكون  تكرير نحو ١٥٠ الف برميل يومياً ما يسد قسماً كبيراً  من حاجات لبنان الى المحروقات.

واشارت المصادر الى تعهد روسي بتأمين كل المشتقات النفطية التي يحتاجُها لبنان، الى حين بدء العمل بالتكرير، مع تسييل ثمنِه ضمن الاتفاق، اي بلا حاجة الى تأمين الدولارِ لشرائه الآن، معَ قبولِ الشركاتِ الروسيةِ بالكفالةِ السيادية للحكومة اللبنانية من دون الحاجة الى صندوق النقد الدولي. وأضافت: العرض سيكون بضمانة الحكومة الروسية.

لكن العروض الاخرى الصينية والروسية والايرانية تم رفضها، لأسباب ظاهرها اقتصادي او اداري او أجرائي لكن باطنها سياسي، حيث تتردد معلومات لدى الجهات الساعية “للخيار المشرقي” ان هناك ضغوطاً اميركية وفرنسية واوروبية تُمارس على كل الحكومات اللبنانية لرفض اي خيار من هذه الدول ولو كان يريح لبنان، لأن المطلوب استمرار الضغط السياسي نتيجة الخلافات الاقليمية والدولية والتي تجدفي لبنان ملعباً فسيحاً لها.

ترسيم الحدود البحرية وجه آخر

وجاء موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة كأحد أوجه الأزمة الداخلية ذات الانعكاسات والمصالح والمتطلبات الدولية ليؤخر الانفراجات الاقتصادية والمالية، حيث تعثرت المفاوضات العام الماضي نتيجة الشروط والشروط المتبادلة، الى ان تم التوصل الى عروض قد تكون مقبولة، بعدما تخلّى لبنان نتيجة الضغوط الاميركية والحاجة الى استثمار الغاز والنفط، عن اعادة ترسيم الحدود وفق خطوط جديدة تزيد مساحة لبنان من المنطقة الاقتصادية الخالصة.

وعلى هذا يُنتظر ان يعود الموفد الاميركي الوسيط آموس هوكشتاين الى ممارسة مهمته المكوكية بين لبنان والكيان الاسرائيلي في محاولة اخيرة للتوصل الى استئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية الامم المتحدة بداية العام الجديد إن لم يستطع تحريك المفاوضات قبل ذلك.

كيف سيكون العام 2022

نتيجة هذه الخلاصات، يتأكد ان العام 2022 لن يكون افضل بكثيرمن العام2021، لسببين اساسيين هما: الاول، استمرار الازمة الاقتصادية- المالية – المعيشية الضاغطة على الوضع العام وعلى مالية الدولة فتشلها. والثاني، حماوة المعركة السياسية حول الانتخابات النيابية في الربيع، والرئاسية في اواخر العام (تشرين اول – اكتوبر)، ما يعني مزيداً من الانقسام والتعطيل في عمل السلطات الدستورية، وفي مسار الاصلاحات المرتقبة، وفي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، التي ظهرت حولها مؤخراً خلافات مستترة بين اركان الحكم، لا سيما حول مطالب صندوق النقد لتعويم الوضع المالي وإصلاح الوضع الاداري وإجراءات خصخصة القطاعات الحيوية كالكهرباء والاتصالات ومصالح المياه وسواها.

العدد 124 / كانون الثاني 2022