حين فرضت معركة بين احسان عبد القدوس وبين الروائية الفرنسية فرانسوا ساجان

هناك معارك تفرض على اصحاب المواهب فرضا، لاهم أختاروها، ولاسعوا اليها، وفي مجال الكتابة كما في مجالات أخرى، يتردد مثل شعبي يقول أن (عدوك هو ابن كارك)

و(كار) هنا تعني العمل أو المهنة أو الموهبة في نفس المجال أو الميدان، الذي تحتدم فيه غالبا المنافسة، والسعي الى التفوق ان لم يكن التفرد، وذلك مفهوم ومقدر بين اصحاب المواهب الحقيقية، ولكن يوجد أيضا بجوار هؤلاء من لايملكون تلك المواهب، ويزعجهم أن ينجح الآخرون، ولذلك يعملون على هدم ذلك التفوق، والأجهاز على هذا النجاح.قال الدكتور طه حسين (الذين لايعملون ويزعجهم ويشقيهم أن يعمل الآخرون). تعرض احسان عبدالقدوس لحملات عديدة، وقدم استجواب في البرلمان لوزير الأعلام بشأنه حين كتب(أنف وثلاثة عيون)، وقد حسمت المعركة حين رد وزير الأعلام أن الوزارة لاتترصد المواهب

لكن كانت هناك قضية أخرى ترددت كثيرا على ألسنة النقاد، حتى انتشرت بين الرأي العام وهي أن رواية (لا أنام) لأحسان عبد القدوس مقتبسة ان لم تكن مسروقة من رواية (صباح الخير أيها الحزن) للكاتبة الفرنسية (فرانسوا ساجان)، وظلت هذه النغمة متداولة وتتردد من حين لآخر، على صفحات الجرائد، وألسنة المثقفين.انتبه الى ذلك الأمر رئيس تحرير(مجلة الأذاعة والتلفزيون) المصرية حلمي سلام، فقام بتكليف الدكتور محمد مندور، وهو ناقد أدبي متميز، وأحكامه في الأعمال الأدبية شديدة

احسان عبد القدوس

الصرامة، وعظيمة الكفاءة والتقدير، بأن يقرأ الروايتين، ويقدم عنهما تقييما نقديا واسعا، وينظر هل ثمة اتفاق أو تقارب أو تشابه أو حتى استلهام بينهما، وأين مواضعه في كلا العملين.كانت تلك هي المرة الأولى التي تشهد فيها الساحة الأدبية تلك الظاهرة من الأحتكام الى شهادة نقدية بين عملين ثار الكثير من اللغط حولهما، ولذلك فقد ترقب نتائجها الكثيرون.وصدرت شهادة الدكتور محمد مندور تحمل النتيجة التي تستند الى دراسة من أهل الأختصاص، وقال في طرحه أن رواية (لا أنام) تقدمتها رؤية للكاتب لخصها في مقولة (انا الخير والشر معا أنا الأنسان) وهي كما تعرف (الرواية ذات المفتاح)، وقد كانت تلك لازمة احسان عبد القدوس في روايات متعددة، وطوال احداث الرواية التي خاضتها البطلة تدورحول تلك الفكرة المفتاح، كان الشر يحركها الى حد ان مزقت علاقة أبيها بزوجته وهي ليست أمها، الى ان ساقتها الأحداث الى ان تقع هي نفسها ضحية للشباك التي نسجتها فتندم وتحاول أن تصحح ما أقدمت عليه، ويسترعي النظر في الكتابة مدى العمق في نسج الأحداث، وفي التحليل لسمات الشخصية، ومدى استياعبها لكل الظروف المحيطة، والرواية صدرت عام 1969. وهي ضمن سلسلة اصدارات لأحسان عبدالقدوس منذ أوائل الخمسينات. أما رواية (صباح الخير أيها الحزن) فهي أول أعمال فرانسوا ساجان، وتدور حول عالم المراهقين وتجاوزاتهم، وتعيش الفتاة مع أبيها وعشيقته، وتعمل الفتاة على تمزيق علاقة ابيها بهذه العشيقة الى حد تدقع تلك المرأة الى الأنتحار، لكي تعود الفتاة وتحيا نفس الحياة العابثة من جديد مع مسحة عميقة من الحزن والأسى تعلو قسماتها، ونظرا لأن هذاالعمل هو أول اعمالها فقد اتسم بالسطحية في التحليل، وفي رسم الشخصيات، وان كان قد نال اقبالا فهو للمناخ العابث للمراهقين الذي ساد أحداث الرواية.انتهى الدكتور محمد مندور بالأشادة برواية (لا أنام)، ووصفها بالعمق في دراسة النوازع البشرية التي قامت عليها الأحداث، في حين قلل من الرواية الأخرى ووصفها بالتهافت في كل عناصرها، ولاترقى بأي صورة للمستوى المدروس بعناية في رواية (لا أنام).بالطبع استراح احسان عبد القدوس لتلك الشهادة عن روايته، وقال جملة أصبحت شهيرة ومن الكلمات المأثورة أننا نطبل دائما لكل أجنبي، ويبدو في عرف بعض الناس (ان كل أجنبي يستحق الأهتمام بينما كل عربي يستحق الأتهام).