حوار كاشف مع الروائية غادة السمان

ودعوة للأطلال على عوالمها  في فن الكلمة ورصانة التعبير

أجرى الحوار : أمين الغفاري

غادة السمان ليست مجرد روائية متميزة،تنحصر مواهبها بين القلم والورق لتصنع سطورا تشد الانتباه وتغري بالمتابعة،ولكنها ايضا محدثة تأنس لكلامها، وتتوقف عند مفراداتها.اللفظ عندها شديد الأناقة مع دقته في التعريف والمعنى لديها عميق الدلالة،فيما يرمز اليه من حيث التوصيف.أنظر الى مقولاتها (كأن الأبجدية صارت أما ثانية لي)أو(ان حريتي الأدبية هي وحدها القارة المحرمة) أو (تسحرني أمومة الرجل) وغيرها من صور التعبير وجمالياته .حين تنتهي رحلتك مع السطور التالية .ربما عن لك ان تتساءل هل عرفتها تماما من خلال قراءاتك لأدبها، وتواصلك مع ابداعها أم أن اجاباتها التالية كشفت لك عن مخزون جديد لازال يضطرم في وجدانها.تعالى نبحر معا في عالمها الزاخر بألوان متعددة من فن الكلمة ورصانة التعبير ورونقه.

ان تحدثنا عن البدايات،متى وقعت في سحر الكلمة والتهب خيالك بها،وكيف ملأت الحروف دنياك ؟

الوقوع في سحر الكلمة (كما جاء في تعبيرك الجميل) يشبه الوقوع في الحب .لاندري كيف حدث ذلك لكنه يحدث . وربما كان ثمة مايحرضه كضربة برق ،ولعل رحيل أمي وأنا طفلة لاتعي شيئا جعلني أكتب مالم تقدر هي على كتابته في عمرها القصير أو لعلي وجدت الملاذ في حضن الكتابة .لم أقرأ يومها طبعا قصيدة الشاعر نزار قباني (الذي تعارف على أمي بفعل القرابة العائلية) ويبدو انها كانت كاتبة ولكن باسم مستعار احتراما لتقاليد أسرتنا ، وحين رحلت وأقيم لها في (مدرج جامعة دمشق) حفل تأبيني ألقى فيه العديد من الشعراء والأدباء كلمات لرحيلها ولكن قصيدة نزار قباني كانت  »مجروحة« وتقع في 45 بيتا موزونا مقفى وهي بحوزتي بخط يد نزار وسبق أن نشرتها كاملة في مجلة الحوادث .(أعطاها والدي لي حين صرت في العشرين من العمر) .هذا كله فيما يبدو كان يضطرم في نفسي حين كنت في العاشرة من العمر أو أقل من ذلك اذ كان لي دفتر سري أسطر فيه ما يحلو لي كأن الأبجدية صارت أما ثانية لي . وكنت أخلي دفتري ذلك تحت وسادتي وأعيش أزمة (يوم الخميس) حين تقوم جدتي بغسيل ملاءات السرير وأقلق طوال يومي في المدرسة اذا نسيت اخفاء دفتري هذا في مكان آخر . الطريف ان جدتي كانت أمية (لاتقرأ) .

من هو أو من هم من تدينين لهم بتشكيل وجدانك الأدبي ،سواء بالقراءة لأنتاجهم أو برعاية موهبتك ودفعك للمثابرة؟

أبي الحبيب رئيس الجامعة السورية فوزير التربية والتعليم ،كان له بالتأكيد الفضل في رعاية قصة غرامي مع الابجدية .كان يحمل لي منذ صغري الكتب من تراثية ومترجمة .. وهكذا قرأت مكتبة (كامل كيلاني) المصري المبسطة للأطفال عن روائع الأدب العالمي كما قرأت مذكرات طه حسين  »الأيام« وكان قد أهداها لأبي . في طريقي الى مدرستي ثمة حانوت صغير يؤجر الكتب وكنت أستأجر منه كتبا من نوع آخر بعضها بوليسي ..وباختصار كنت أطالع كل ما تطاله يدي .هذا طبعا وعمري 13 سنة . ولوالدي فضل تعريفي بالأدب العالمي في سن مبكرة ،اذ كان يحضر لي مثلا مختارات من الشعر الفرنسي والأنكليزي ،وهكذا تعارفت مع بايرون وشيللي وكيتس وسواهم وحرضني ذلك على اتقان الانكليزية والفرنسية لأفهم جيدا قصائدهم .كنت أدرس في الفرع العلمي لتحضير شهادة البكالوريا العلمية ،قبل الدخول الى الجامعة لدراسة الطب ، حين كتبت قصة لمجلة المدرسة فقالت لي استاذتي للعربية أنه كان علي الدخول في الفرع الأدبي .كنت أجلس في غرفة مكتبتي وأكتب قصص كتابي الأول  »عيناك قدري«:كان أبي يحتفي بذلك .حين صار لي من القصص القصيرة ما يكفي لكتاب ،اصطحبني نزار قباني الى فندق دمشقي حل فيه سهيل ادريس صاحب (دار الآداب) وزوجته وعرفني عليهما ونشرا لي كتابي الأول  » عيناك قدري« ،أما زوجي الراحل د.بشير الداعوق فدعمني دائما ككاتبة وأذكر كمثال أنه وقف مع اصداري لرسائل غسان كنفاني لي .أطلعته عليها فقال أنها من الأدب الراقي رائعة ،ودعما لك سأصدرها عن منشوراتي .. كان يحب تمردي الأدبي وعشقي لفتح آفاق جديدة لأدبنا العربيبما في ذلك أدب الأعتراف والمذكرات والرسائل من مصادرها الأولى .

تتعدد وتتنوع اشكال اعمالك بين القصة القصيرة والرواية وايضا الشعر .فهل تفرض عليك الفكرة طريقة الصياغة الفنية لها من حيث التعبير عنها ،أم أنك تفضلين شكلا من أدواتك على آخر ضمانا لحسن المعاجة ؟

لا أفضل شكلا دون آخرلأن المضمون هو الذي يفرض نفسه على الشكل .روايتي مثلا  »بيروت 75« التي تنبأت فيها عرافة الرواية صيف 1974 بالحرب الأهلية الآتية وتحققت للأسف نبوءتها لم يكن بوسعي كتابتها في قصيدة أو في مجموعة قصص قصيرة .الفكرة تولد داخل رحم صيغتها .حين سافرت الى فيينا أعطاني سليم اللوزي كاميرا لأكتب له تحقيقا صحفيا عنها لكنني كتبت قصتي القصيرة (الدانوب الرمادي) من كتابي  »رحيل المرافئ القديمة« ولم أكتب تحقيقا صحفيا .

وفق اي تصنيف تضعين فيه أدبك ،الواقعية أم الرومانسية أو بالأحرى معالجة القضايا الأجتماعية ،ومن ثم ما هي الطبقة التي تعنيك ملامستها .. الوسطى بواقعها وطموحاتها ،أم المعدمة بمشاكلها ان لم تكن معاركها ،أم الأرستقراطية بترفعها وكذلك باغترابها ؟

لا أصنف ما أكتبه بل أكتبه فقط ،وأترك سواي يصنفه اذا كان ذلك يحلو له ولا يهدر وقته ،أنا فقط كاتبة ،ولا أنطلق من مدرسة معينة لأقوم باثباتها أو نفيها .. واقعية ،رومانسية ؟ من قال ان الرومانسي ليس واقعيا أحيانا ؟ وهل بيننا – أعني العقلاني الديكارتي – كما يسميه الفرنسيون نسبة الى ديكارت – من يباهي بالعقلاني ولا تمسه صاعقة لحظة ابجدية رومانسية ؟ انني فقط أكتب لأن الكتابة هي حريتي وأسلوبي في التنفس تحت الماء في بحار عربية لا تخلو من التلوث ! الكتابة اسلوبي في اكتشاف أجنحتي لأطير في غابات الأبجدية كأي بومة فضولية .

ثالوث المحرمات في دنيانا،باعتبار أن مناقشته(بصدق) تطرح معه قضايا ومشاكل واتهامات وأعني ثالوث(السياسة والجنس والدين).ماهي معالجاتك وأعني أقتحاماتك والعثرات التي أعترضتك ؟

لا أنطلق فيما أكتبه بهاجس مناكدة الثالوث المحرم ولا مداراته .أنا فقط أكتب وحينما أخترق بعضه أو كله أقترف ذلك وأحمل مسؤوليته الأدبية ،ولم أدع أحدا يقمعني يوما ،وبالمقابل لم أخدم من يحرضني على تمرد لست قانعة به . ثم أنني لم أخترع (الجنس) أنه حقيقة من حقائق حياتنا !. أمارس حريتي الأدبية ،وثمة العديد من كتبي ممنوع في هذا القطر العربي أو ذاك ..لكن القارئ العربي (مهرب ممنوعات أدبية) وبالأحرى (موقظات أدبية) وكتبي الممنوعة هنا أو هناك تجد دائما من يشتريها من بيروت عاصمة الحرية العربية ويحملها معه في حقيبته. أما

عن الكتابة في أحد أعمدة الثالوث المحرم أي  »السياسة« كالمديح للحاكم فأنا أفخر لأنني لم أقع يوما في هذا الفخ ولم أمدح يوما. ديكتاتورا عربيا (أوغربيا).. فالحاكم بشر،ومهما كان مخلصا للوطن والناس فله سقطات كأي بشري وثمة حاكم عربي أو أكثر من النادرين الذين يستحقون المديح لكنني لا أفعل لكي لايبدو ذلك تملقا. وهكذا فأنا حين أكتب أخترق الثالوث المحرم أحيانا لكنني لم يحدث مرة أن داريته كذبا أو خنوعا ..فحريتي الأدبية هي وحدها القارة المحرمة .

هناك كتاب للرواية تعرضوا لقضايا الجنس من نوعية محددة يشار اليها (بالأدب المكشوف) أو أنه العالم المسكوت عنه ومنهم الأديب المغربي (محمد شكري) ماهو تصنيفك لتلك المعالجات بينما هناك كتاب أجانب ناقشوا مثل تلك القضايا بجرأة أكبر ومنهم (البرتو مورافيا) مثلا ،ويعدون من الكبار في فن الرواية . هل الأدب في الشرق محاصر بالتقاليد ؟

الأدب في الشرق ليس محاصرا بالتقاليد الا لمن لايجرؤ على اختراق اسوارها ..والمرأة العربية الكاتبة محاصرة بسورين أحدهما تاء التأنيث التي تشبه الدائرة كسور ،والآخر(التابو) العام .لكن ذلك لايمنع أحدا من ممارسة الجرأة لأختراقها كالراحل المغربي محمد شكري .قرأت كتابه (الخبز العاري) وتخيلت أي ردة فعل كان سيثيره لو كانت المؤلفة امرأة عربية . وربما لذلك دعمني محمد شكري بالذات حين قال  »غادة السمان كانت الأديبة الشجاعة الرائدة في العالم العربي . ان غادة هي رائدة الحريات في حواراتها وابداعاتها ،صامدة ضد كل المغريات« من طرفي أتمنى أن يتحرر الأدب العربي من بعض قيوده ،وذلك لا يعني ارغام أحد على الكتابة حول الجنس و(الأدب المكشوف) بل يعني حرية الأختيار مع حمل مسؤولية ما يخطه اذا كان قادرا على ذلك فالأبداع طفل الحرية.

هناك صحفيون كبار دخلوا ميدان الأدب وحققوا انتشارا ،ومنهم احسان عبدالقدوس ويوسف السباعي،وقد وصف كاتب كبير أنتاجهم بأنه(أدب صحافة)وليس أدب روائي بالمعنى المفهوم).هل توافقين ذلك الرأي؟

ها أنت في سؤالك تضبطني بالجرم المشهود ،وأعني بذلك أنني منذ فترة أفكر باعادة قراءة بعض الكتب التي طالعتها من زمان ،ودمغتها برأي ما . وأشعر اليوم أنني بحاجة الى اعادة تقويم آرائي ووجهات نظري التي قد أصر عليها فيما بعد ،كما وقد أعترف بأنها لم تكن ناضجة . مع الأدب يحق لنا تبديل رأينا مع الزمن بحكم الخبرة التي نكتسبها مع قراءة الكثير . وكتب يوسف السباعي واحسان عبدالقدوس وسواهما في قائمة الكتب التي أريد اعادة قراءتها ز.لتقويم مكانتها من جديد في دنيا الأدب الذي يبقىرغم غربال الزمن .وهذا الشعور لايخص الأدب العربي فقط بل والغربي أيضا . حين كنت مثلا طالبة في الجامعة تدرس الماجستير في ألأدب الأنكليزي عشقت رواية (مرتفعات ويزرينغ) ولم تعجبني رواية أخت المؤلف نفسها (الكبرياء والتحامل) .ترى هل سيظل اليوم رأيي على حاله ؟ سيكون بوسعي الأجابة على سؤالك بنزاهة حين أعيد قراءة أعمال السباعي وعبدالقدوس .وكانت بحوزتي في بيروت واحترقت حين أصاب صاروخ مكتبتي وسأحاول الحصول عليها وسواها في باريس من المكتبات العربية القليلة .

النقد ..ماهي المعايير التي تحكم علاقتك به ،لاسيما وأن هناك من يعتبر أن (الناقد) ليس سوى أديب فشل في أن يصبح أديبا ، فتحول الى ناقد ،بينما السائد أن النقد مدرسة كاملة الأركان للنهوض بالعمل الأدبي ،فهو اضافة لتكوين الأديب. هل هناك نقد ساهم في تطوير أدواتك كأديبة ،وبالمقابل هل هناك نقد أحبطك أو أزعجك؟

انني ببساطة أحترم الناقدوأعرف الكثير مما قيل أنه كاتب فاشل،ولكنه ليس بالضرورة كذلك أي أديبا لم ينجح في الكتابة فانتقم من الناجحين .ما من نقد أحبطني .أطالع النقد (بدم بارد) يميزني لحسن حظي .كتاباتي نارية المزاج ولست كذلك . بل انني أستفيد من النقد الذي في محله. مرة مثلا حين تخرجت من الجامعة السورية وكنت شابة صغيرة ووالدي رئيسا للجامعة .كرسوا ندوة أدبية لي اقرأ فيها قصة أو أكثر، وقرأت قصتي وتعالى التصفيق لكنني،وأنا أغادر الجامعة وأعود الى البيت،سألت الناقد محيي الدين صبحي(رحمه الله) وكنت أطالع نقده الشهري في مجلة (الآداب) ويعجبني: ما رأيك الحقيقي في قصتي بدون مجاملة ؟ قال لي: فيها ضعف أسلوبي وبدلا من الغضب سألته باهتمام لماذا ؟وقال لي نقده ووجدت بعضه على حق واستفدت منه في قصصي التالية.وبعدها بأعوام أراد محيي الدين أن تكون أطروحته للدكتوراه في جامعة بيروت الأمريكية حول أدبي أعجابا.فأنا أتعلم من أخطائي وأصوبها .الناقد الحقيقي له عين (مجردة) من الأعجاب اللامشروط وبوسعه أن يلفت الكاتب الى نقاط ضعف في أدبه من الممكن له تلافيها اذا لم يجعله غرورالشهرة يرفض محاسبة نفسه حولها . بالتالي أعتقد أن بوسع الناقد الحقيقي المساهمة في عطاء الكاتب على نحو غير مباشر.بالمقابل ،من الطريف أن بعض النقاد يفشلون في كتابة أعمالهم الأدبية ،وأذكر كمثال الناقد الكبير غالي شكري وروايته اليتيمة كما العديد من النقاد سواه ،ولذا قال ناقد للنقاد : ان الناقد المخصي يعرف ما الذي عليه أن يفعله لكنه غير قادر على ذلك .

هل يعد الأدب معيارا من معايير النهضة ؟ أو بمعنى آخر هل يهبط الأدب بهبوط النهضة ،ويزدهر بتحققها ،أم أنه محرض لبناء النهضة ودافعا لبنائها ؟

هذا سؤال عميق،لم يسبق أن طرحه علي أحد على كثرة المحاورات معي .أعتقد أن النهضة في وطن ما لاتؤذي الأدب بل يواكبها،لكن بالمقابل أن هبوط النهضة يحرض الأدب على المزيد من الأشتعال .فالأدب ليس خطبه(عقائدية) وبالذات الرواية والقصة والشعر،والأديب الكبير هو بمعنى ما أعلان عن« ارادة الحياة« ودافعا للنهوض بها وبمستواها ، في الحالات كلها .

لماذا يتردد دائما (أن الأدب لايوفر رغيف الخبز للأديب)ماهي تعلات ذلك التعبير؟

أتركك تسأل نفسك وتسأل كل زميل لك في حقل الكتابة ،وسيقول لك أنه لو عمل تاجرا لعاش في رفاهية مالية.مأساة الكاتب الجميلة هي أنه يعشق حرفة الأدب  التي (أدركته) وهو يقدم عليها دونما حساب للربح المالي ،فثمة أيضا مكافأة لا مادية هي التواصل مع الآخرعبر الأبجدية..وربما لذلك نجد معظم الأدباء يعملون في الصحافة أيضا .الكاتبالغربي يستطيع أن (يأكل خبزا) أي يعتاش من أدبه. وأذكر كمثال الأديبة

البريطانية مؤلفة روايات«هاري بوتر«التي صارت مليونيرة (جي .كي. رولينغ) فالقارئ العربي يملك المال لشراء كتب تحلو له ،أما القارئ العربي فيعاني غالبا من ضيق ذات اليد خلف اللقمة قبل الكتاب.هذا أولا ثم أن الكتاب الناجح أدبيا من حيث المبيع في بلادنا يتم تزويره ،ويشارك (السارق) المزور حق الكاتب في الربح . والعدالة العربية منشغلة عن ذلك بأمور أخرى كثيرة ،وكتبي مثلا من ضحايا التزوير،وأمامي الآن نسخة مزورة من كتابي  »ختم الذاكرة بالشمع الأحمر«وقد بدل(المزور)غلافه الى غلاف آخر والمهم عندي ألا يحذف المزور شيئا من الكتاب ولذا كتبت مرة صرختي : اسرقني ولكن بأمانة.مثال آخر :روايتي (بيروت 57) هي طبعتها السادسة العربية ترجمت الى الألمانية وصدرت في طبعتين ثم في كتاب (كتاب الجيب) الألماني في خمسين الف نسخو .لا أعرف كتبا عربية نطبعها في خمسين ألف نسخة ،لا في (كتاب الجيب) ولا الطبعات العادية فالجيوب العربية مثقوبة لا مال فيها ،بل الكثير من الهموم ،وخطط محاولات الركض خلف اللقمة .

وهكذا فالأدب الذي (لايوفر الخبز للأديب) قضية عامة لها صلة بالوضع الأقتصادي لعالمنا العربي . صحيح أن الأدب فراشة تطير لكنها في الوقت ذاته لا تطير من المكتبة الى حضنك مجانا .لكن الكاتب الحقيقي يستمتع بالتواصل مع القارئ ،ويسعده فعل الكتابة حتى ولو لم يكن (يطعم خبزا) . أتساءل أحيانا : ترى كم عدد الكيلمترات التي قطعها قلمي فوق الورقة منذ بدأت الكتابة؟ (أكتب بخط يدي لا على الآلة الكاتبة ولا الكمبيوتر) . يقال أن قلم الرصاص يمشي 51 كيلومترا قبل أن يذوب ويتلاشى ،ويحتاج المء الى قلم آخر.لقد استهلكت أقلاما وعشرات المحابر ومئات من أقلام (الفوتر).. ترى هل كتبت مسافة تساوي الكيلومترات بين لندن والقاهرة مثلا. هذا ما لن نعرفه أبدا لكنني في حوارنا هذا مثلا أضعت عدة كيلومترات من ركض قلمي على الورقة في قصة حب مع الكلمة لم تذبل يوما كما بعض قصص الحب بين البشر.

العدد 103 – نيسان 2020