رجل القانون والمحاكم الأستثنائيه

اماطة اللثام عن اسرارقضية  قديمه، يفجر قضية أخرى خطيره

التاريخ مخزن للأحداث، ومهما حاولت ان تفك اسرار بعض القضايا التي يحفل بها اي عصر، فربما لا يصادفك مرامك ،ومن ثم تستسلم لتصورأو تفسير طرحه امامك منطق الأحداث أو ظواهرها.لكن حركة التاريخ،ومعها ربما  حركة الانسان ومنها تطلعاته أوأهوائه وربما ايضا عطشه للأعلام ،وحب الظهور يمكن ان يقدم بين يديك وامام عينيك كل  ما طمحت نفسك ان تعرفه،أو على الأقل يصحح لك ما استقر في عقلك أو في وجدانك وفق

الرئيس انور السادات
نسج خيوط ماسمي ثورة مايو

رؤاك،وتفسيرك،لما جرى منذ أكثر من نصف قرن من الزمان وعليه تجد نفسك امام مفاجأة كاملة الأركان وبطل هذه المفاجأة في هذه السطورهو المستشار و المحافظ  الأسبق (عدلي حسين ).  لقد مر أكثر من خمسين عاما على انقلاب الرئيس الراحل انور السادات على نظام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وكانت مقدمته اقالة الراحل ( شعراوي جمعه ) وزير الداخليه يوم 13 مايو عام 1971 ،بما عرف باسم  قضية (المؤامرة)أو ثورة التصحيح، التي روج لها مداهنوه وحواريوه امثال موسي صبري وعبدالرحمن الشرقاوي والدكتور مصطفي ابو زيد فهمي  ،وهو الذي تعهد عند قسمه اليمين الدستوريه كرئيس جديد للجمهورية ،أن يسير على خطى الزعيم الراحل،بل انه بعد ان انتهى من خطابه امام (مجلس الأمة) في ذلك الوقت استدار وانحنى امام تمثال نصفي لعبدالناصر،اعرابا عن احترامه وتقديره للدور البالغ الأهمية لما قام به الزعيم الراحل من سياسات،وفي الحقيقه انه بالفعل سار على خطى عبدالناصر،ولكن ( بأستيكه) كما تعارف على ذلك الحس الشعبي العام ،وللمرء ان يدهش لمقدرة الرئيس السادات الفذه ،بأن يقوم بمرافقة عبدالناصر طيلة ثمانية عشر سنة،ولا يفتح فمه بكلمة واحده تعارض عبدالناصر،بل انه يسانده ويؤازرة ،ويبحث عن توقيعه اولا قبل ان يوقع على اي قرار،بل يسأل في حرص شديد من يطلب منه التوقيع ،قائلا (وريني اولا توقيع المعلم ( كان يطلق على عبدالناصر لقب (المعلم) ،وهو تعبير شعبي مرادف لتعبير (الرجل الحكيم) في الوقت الذي كشفت فيه الأيام ،انه كان ضد سياسات عبدالناصر بالمطلق ،وفي المقدمة منها العلاقة مع الولايات المتحده ،والتي يرى فيها الرئيس انور السادات ،أنها صاحبة %99 من اوراق الحل في ازالة اّثار العدوان عام 1967، كما صرح بذلك في العديد من خطبه،ولم يبق في رؤاه لحل القضية الوطنيه ،سوى%1 فقط للأرادة الوطنية وبقية العوامل الأخرى !.

المهم .. ماهو الجديد في الأمر ؟

الجديد في ألأمر هو خروج السيد المستشار ( عدلي حسين) وقد كان رئيسا للنيابة العامة التي تولت التحقيق فيما اصطلحت اجهزة الرئيس السادات على تسميته بقضية ( المؤامرة) عام 1971، وادلى مؤخرا  بتصريحات في البرنامج التلفزيوني الذي يقدمه الاعلامي ( نشأت الديهي) قال فيها ( انه بعد انتهاء التحقيقات في قضية(15 مايو) 1971  سأله النائب العام عن تقييمه للقضية فذكر ان القضيه تتلخص فقط في (الضغط على رئيس الجمهورية )وعاد النائب العام ليسأله يعني لا يوجد بها (محاولة قلب نظام الحكم) ؟ قال (نعم ليس فيها محاولة قلب نظام الحكم )فرد النائب العام قائلا:على ذلك تعالي وقل ذلك للسيد رئيس الجمهورية بنفسك،يستطرد المستشار(عدلي حسين) قائلا ( ذكرت للرئيس انها تتلخص فقط في (محاولة للضغط على رئيس الجمهورية )،وقلت انها لوذهبت للقضاء  فسيكون

المستشار عدلي حسين
كشف كل الخيوط عن ثورة مايو المزعومة عام 71

الحكم بالبراءه،اذ لا يعقل ان محاولة لقلب نظام الحكم يشترك فيها محمد فوزي وزير الدفاع وشعراوي جمعه وزير الداخلية واحمد كامل مدير المخابرات ومحمد فائق وزير الاعلام ووجيه اباظه محافظ  القاهره وتفشل. ان الدولة بأجهزتها تلك قادرة على القيام بانقلاب لو ارادت ،ولذلك فالحكم بالبراءة قد توفرت كل أركانه. سأله الرئيس وماهو الحكم في ألأتهام الآخر (الضغط على رئيس الجمهورية ؟) رد السيد

المستشار قائلا يتراوح الحكم بين ثلاث سنوات وخمسة عشر عاما.عقب الرئيس قائلا ومندهشا.. بس. ! .استطرد الرئيس مخاطبا السيد المستشار ( انت فاهم انا عايز اعدم حد ..ابدا انا فقط اريد ان اعمل و امامنا معركة ،وهؤلاء يشكلون عامل اثاره فقط، فرد المستشار قائلا (يمكنك ان تشكل محكمة خاصه مثل محكمة الثوره التي شكلتموها في بداية ثورة يوليو عام 1952 ،وكنت سيادتك عضو يسار فيها ،وبذلك تبعد عن القضاء العادي) وان يكون رئيس المحكمة هو رئيس مجلس الشعب (حافظ بدوي) في ذلك الحين وان يقوم الدكتور مصطفي ابوزيد فهمي بدور المدعي العام وكان حينها (المدعي العام الاشتراكي). ابتهج الرئيس السادات بتلك الصورة التي رسمها له السيد المستشار(عدلي حسين) لكي يحقق رغباته،وقال له (برافو يا ولد ). وبصرف النظر عن الفوارق الضخمة بين تلك الرؤية،وبين ما قامت به ثورة 23 يوليو من اجراءات،سواء بتشكيل (محكمة الثورة برئاسة عضو مجلس القيادة عبداللطيف البغدادي وعضوية كل من حسن ابراهيم وانور السادات عضوى مجلس القيادة ايضا)وبين (محكمة الثورة التي اقترحها السيد المستشار برئاسة رئيس مجلس الشعب حافظ بدوي وعضوية بدوي حموده رئيس المحكمة العليا وحسن التهامي احد الضباط الاحرار وهو شخصية محل جدل.

الفارق بين المحكمتين

محكمة الثورة عام 1952 وبين محكمة عام 1971

قامت محكمة الثورة عام 1952 لكي تحاكم ماجرى في اطار النظام الملكي للملك فاروق وبعض رجال الأحزاب،اي انها قامت لكي تحاكم نظام كان(الحفاء) سمته وعلامته ،فمثل امامها رجال أحزاب منهم  ابراهيم عبدالهادي رئيس الوزراء السعدي ،وفؤاد سراج الدين سكرتير عام حزب الوفد ، وغيرهم ،وكانت المحاكمة حول استخدام السلطه ،وبعض تهم الفساد وحضر للشهادة الدكتور هيكل رئيس الاحرار الدستوريين ،واحمد نجيب الهلالي رئيس وزراء سابق كما ادلي وجيه اباظه بشهاده ايجابيه نحو مواقف للسيد فؤاد سراج الدين،كما أنشأت ثورة يولية ايضا (محكمة

د.مصطفي ابوزيد فهمي
اعتقد الكثيرون انه صاحب فكرة محكمة الثورة

الغدر)ومثلت امامها السيدة زينب الوكيل،وغيرها بتهم الفساد ،وبعد  الأحكام التي صدرت ،فقد تم الافراج عن الكثير من المتهمين فالقصد كان اجراء محاكمة سياسية لتعرية نظام وليس الانتقام من الأفراد،بعكس ماذهب اليه الرئيس السادات،وهو البحث عن سجن خصومه،حتى وان كان بقرائن ملفقه ،ومن ثم ابعادهم عن الحياة العامه،حتى يتفرغ الرئيس لضرب التجربه الناصريه  .ولذلك فان محكمة الثورة التي انشأها ،بناء على نصيحة السيد المستشار ( عدلي حسين) كانت محكمة تلفيقيه تقوم على انهاء نظام ،ومحاولة ضرب شعبيته ،من خلال تشويه صورة رموزه وشخوصه ،ومن ثم لا نندهش بعد ذلك من شن حملة ملفقة ايضا على الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الى حد اتهامه باختلاس 15 مليون دولار،كما كتب الصحفي الراحل جلال  الحمامصي في كتابه ( اسوار حول الحوار) ونشرها ابراهيم سعده على صفحات جريدة اخبار اليوم بخطوط عريضة. محكمة الثورة 1952 كانت محكمة سياسية ،وكان الهدف منها ابراز الاسباب التي قامت من اجلها ثورة 1952، اما محكمة الثورة التي قامت بالنصيحه المشؤومة للسيد المستشار عدلي حسين ،فقد كانت اهدافها واضحة وهي تحقيق رغبات السلطان اي الحاكم ،وهي الانفراد بالحكم دون معارضه أو حتى اعتراض ، تعوق له مخططاته وهي ضرب التجربه الناصرية كعربون ولاء للقياده الامريكيه صاحبة الأمر والنهي وال 99% لكل حل.

القاضي الطبيعي

منذ ان نشأت فكرة القاضي الطبيعي في المجتمع،حتى استقرت،وتقررت كأصل من الأصول التي تقوم عليها الدولة القانونيه،وحين يطرح المفكرون والمثقفون ورجال السياسة  فكرة الدولة المدنية ،التي

، تقوم على الحريات فانهم يعولون بالدرجة الاولي على القانون كحارس لها ،يصونها ويرعاها ويحميها ، وترتيبا على ذلك فان القضاء بكل هيئاته ومكوناته وبالتالي رجاله ،لابد ان يكون راعيا لفكرة (القاضي الطبيعي) يرسخها ويدعمها ،ولذلك فالدهشة لابد وان تعتري من يستمع الى تصريحات المستشار( عدلي حسين) وهو رجل القانون،ونصائحه التي تلتف ابتداء حول القانون وتحيده  ،يراوغ به ويتحايل عليه  ،ان لم يكون يقوض اركانه


شعراوي جمعه
كانت اقالته بداية  الأحداث

،بطرحه فكرة محكمة تتجاوز القانون ليفرد للرئيس يده في من يريد البطش بهم ،وهو اّمن ان لا يقف القانون عائقا لمراميه واهدافه . اتساءل بمنتهي البراءة هل يرتاح الضمير القانوني للسيد المستشار ،وهو رجل القانون ،وهو يدرك انه بنصيحته تلك قد زف بالعشرات الى السجون ،وما يترتب على ذلك سياسيا واجتماعيا وانسانيا ؟ هل يرتاح ضمير السيد المستشار القانوني بصفته الانسانيه ،وهو من كانت صناعته البحث عن العدل ،والقناعة التي تستقر في الاعماق حين يأمر بالتحفظ ،او حين يتشكك في الشهادات ،ولا يطمئن الى الاقوال ،بل يجد ويجتهد بعين يقظة في البحث عن القرائن التي لا تقبل الشك باعتبار ان الشك يفسر لصالح المتهم .هل ارتاح ضمير السيد المستشار (عدلي حسين) ،لقرار السيد رئيس الجمهورية بفصل كل الذين نالتهم احكام المحكمة المشؤومة بعد خروجهم من السجن من وظائفهم في الحكومة والقطاع العام وعزلهم سياسيا ؟ .الأمريختلف تماما مع عبدالناصر ،فحتى سجنه للأخوان والشيوعيين اعقبه عفو عام وعودنهم لوظائقهم وتعويضهم عن اي اضرار لحقت بهم .يضاف الى ذلك أنه كان يعبر عن ثورة ،ثم ان عبدالناصر  لم يدع يوما انه ديموقراطي ،وكان قانونه الحاكم ( الحرية كل الحرية للشعب ،ولا حرية لأعداء الشعب) .وايضا كان انحياز عبدالناصر الكامل للفقراء ،ولذلك كان نظامه في خدمة الفقراء.من حق العامل ان يترشح لعضوية مجلس ادارة شركته ، والفلاح الذي حصل على خمس فدادين ،والعمال والفلاحون لهم حق خمسون في المائة من المجالس الشعبيه بما فيها المجلس النيابي . لكن الرئيس السادات اطلق شعار الديموقراطيه ،وسلح جماعات الأخوان بالسيوف والجنازير لضرب الناصريين والشيوعيين في الجامعات ،وتظاهر بهدم السجون وادعي الغاء التسجيلات والمعتقلات، وقال ان الديموقراطيه لها انياب  ،وشهدت مصر في عهده أكبر حملة اعتقالات في تاريخها ،وهي الشهيرة باعتقالات سيتمبرعام 1981. وعلى كل ذلك فان الفارق كبير وشديد بين محكمة الثورة في بداية ثورة يوليو ومحكمة الثورة التي اقترحها سيادة المستشار،رجل القانون الأبي !!.

ترزية القوانين

تعبير ( ترزية القوانين ) صكه الاستاذ الجليل احمد بهاء الدين ،في مرحلة حكم الرئيس انور السادات وقد صارت مثلا ،والتعبير يدور حول ذلك النفر من رجال القانون الذين يبحثون عن رضي السلطان أي الحاكم بأي شكل ،وعلى اي مستوى ،ومن هنا رأينا وسمعنا وقرأنا عن الكثير من القوانين التي صدرت خصوصا في عهد الرئيس الراحل انور السادات،وكانت البداية تشكيل محكمة الثورة الساداتية  بناء على اقتراح السيد المستشار ،ومنها بعد ذلك قوانين العيب ،والى الحد الذي وصفت فيه تلك المجموعة من القوانين باعتبارها ( القوانين سيئة السمعه) ، وقد تكاثرت  بفضل تزاحم مجموعة ( ترزية القوانين ) على خدمة السلطان . علق الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسي على هذه القوانين

وقتها بقوله (السادات ابتكر ما يسمي ببدعة المساءلة السياسية، ونص على معاقبة كل من يخالف نصوصه)، وعلق الأستاذ الجليل  أحمد بهاء الدين بأنها (كارثة صريحة،) وأسمتها المعارضة في البرلمان (القوانين سيئة السمعة) وقد ألغيت هذه القانوانين مع إلغاء موقع المدعي العام الاشتراكي في التعديلات الدستورية لعام ٢٠٠٧. يمكن كذلك للمرء ان يتساءل حول اولئك المشرعين واساتذة القانون ،الذين يحظون بمكانة اجتماعية وثقافية مرموقه ،ماحاجتهم لكي يضعوا خبراتهم القانونية في خدمة السلطه بكل ما فيها ومالديها من أهواء ذاتية . ان عدم وجود القاضي الطبيعي ينذر ان هناك هوى في الاحكام من جانب ،ومن جانب اّخر فانه يلغي الدرجات المعهودة في عمليات التقاضى ، والتي يمكن ان تكون سندا او ملاذا امام قسوة الاحكام وجبروتها،ولذلك فان نصيحة السيد المستشار،ليست سوى كارثه من كوارث التقرب من السلطه على حساب ضمير القاضي قبل ان يكون ضمير الانسان. في النهاية كان الظن لسنوات طويله ان الدكتور مصطفي ابوزيد فهمي هو صاحب هذه النصيحه المشؤومه لمصر ولنظام الرئيس السادات ومستقبله السياسي ،والآن وقد جرى ماجرى هل يمكننا القطع ،أن مثل تلك النصائح الشارده ربما تقود من استمع اليه وانتهجها ،الى التوغل في سياساته بحيث حددت له المسار العام لنظامه السياسي بكل اتجاهاته الرعناء ،مما أدى به في النهاية الى قدر لم يكن منه مفر أو ملاذ ،أو حتى بصيص أمل في النجاة . انه حديث اجراه السيد المستشار كشف فيه أكذوبة مؤامرة ،وأكذوبة ثورة حدد لها تاريخ باسم ثورة التصحيح في 15 مايو عام 1971 وأقيمت باسمها مدينة 15 مايو، وانشئ باسمها جسرأو كوبري 15 مايو ،وكم في التاريخ من أكاذيب.

أمين الغفاري