من هو عبد الرحمن عرنوس؟

هذا الرجل صديق الطلاب ، يجلس على المائدة معهم ، إذا ثمة مائدة . صديق المسرحيين مذ يدير رأيه نحوهم . مذ يلحظ موهبة أو معاناة . لا يخون الأرض ، لإن الأرض لم تخنه . لا يهمه أن يسير تحت وهج الشمس الخارقة في بور سعيد ولا في الأردن ولا في القاهرة . جندي ساهر على الآخرين ، لا يهمه أن يترقى ما دام طرف الحديث مع الآخر يقوم فائدة الحديث . حديث أشبه بقعقعة السيوف . كل لقاء معركة ، لا يشير في أوله أو آخره إلى الإنسحاب أو اعتزال الحرب . لأنه لم يفعل سوى أن يستبسل . بعيد من الفساد ، هذا قبره المقدس . لا خطأ لغوي ، لا خطأ باللغة . ذلك أن الرجل على ما يروى بقي حاملا صليبه حتى مات ، حتى أسلم الروح . صديق المسرحيين ، أخوهم ، أبوهم ، عمهم ، خالهم . لأنه تفهم أقدارهم ، ثم قادهم بعيداً ، وكأنه أراد انقاذ الكون من خلال انقاذهم . لم يردد أن الإله لن ينقذ أحداً ، لذا على الأحد هذا انقاذ نفسه. أحد أحد . ثم ، أحد وأحد وواحد واخر وعاشر ، حتى نهاية ابعد . مبدع ، محارب . الصفة الأخرى أليق عليه ، لأنه لم يتقاعس مع أحدٍ ولم يتقاعس في مجال . لطالما أراد أن يحول المادة إلى روح . ولكن العمل على الأطراف ، أبقاه مثخناً بكل شيء . لن يصل إلى شيء من يعمل في كل شيء . لم يحدد . دونه ودون التحديد حياة هجره في بور سعيد إلى القاهرة ومن القاهرة إلى الأردن التحديد تحدي الجنس والفصل . حسابات متواضعة . هذه هي النتيجة ، إذ قايض معيشه بقواه المرئية وغير المرئية .ذلك أنه وجد بذور قمحه ، لابذرة واحدة ، في المسرح والأغاني والعمل السياسي وتنظيم الجسد بالعمل الحزبي والاداء في السينما و التلفزيون والمسرح والتعليم والتدريس . الأول غير الآخر . تعليم في المدارس وتعليم في الجامعات .هذا الرجل عواد نفسه في معاركه ذات الندبات . وجد في التحديد تقييد . لن يقرر شيء بحيث يلزمه .

يتسلق بالأرجل أو باليدين ، لا هم. ولكن كفاحه ، لا يجل بالوصف إلا إذا توصل إلى تحفيز رجل أو فتاة . يقول الراوي ، قال لي . وحين قال ، حول أكبر قدر من الظلام إلى نور . عواد نفسه وهو يعود الآخرين . يعودهم ويعود إلى نفسه . وإذ يحدث ما يريد، لا يغلق على نفسه غرفة ولا باباً ولا صفاً . لأنه إذا فعل ، فقد طرف الخيط . وهي كلمة ذات معنى عنده ، لا كلمة منطوقة . ذلك أن عبد الرحمن عرنوس ، يتكلم على ما يتكلم وكأن ثمة أشباح تقوده من مناطق إلى مناطق، بعيداً من ساعات الملاك . لا يهنأ إلا إذا صافح بالكلام . دودة عمياء في اعماق المحيط ، ترى بعيون الآخرين . الطيب المطلق . نوع من اليوتوبيا تسير من فوضى إلى فوضى . فوضى على قدمين . المدهش أنه ترك أثراً باسماء من دون تبادل أنخاب . أثر الرجل بكلامه على من ساروا في شوارع المسرح وهم يتوجهون نحوالأعمق ، يحيون لكي يحيا المسرح . عرنوس شبح مسرح ،لا مسرحي، من طوفانه في حيوات الآخرين . لا يهمه سوى الصراحة . ولكن طرح الحقائق عند عرنوس في المسرح لا تقود سوى إلى الغموض. لن يرى منزله غارقاً في الحداد ما دام مقصوداً، لن يرى الصالة المسرحية تغرق في الحداد ما دام ثمة طلاب . لا يهمه أن يقضي عمراً في إسعاد الآخرين ، وهو يدرك أنه يوغل في الغياب . حياة الآخر موته، موته ولادة جديدة . معادلة معقدة تحتشد بالقصص . هذه تحيته الدائمة ، حين يقدم كل ما يملكه في صالح من تظللوا البوارق الأولى والأخيرة في فن الآداء المسرحي.رجل محب حتى الموت ، بسمات رجل ارستقراطي ، لم يجد في هيئته الأرستقراطية أحمره الوردي وهو يجلس على الوقت ، محاولاً أن يحركه في كل الإتجاهات . أحمره الوردي ، في حصاره نفسه بالروح الشعبية ، النبض الشعبي ، الحياة الشعبية ، المعاني الشعبية . هكذا ، راح الطلاب يتكلمون على الأستاذ عرنوس بمدرسة الفاتح الإبتدائية بحي المناخ ، في بور سعيد على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط . شبه جزيرة بين البحيرة والبحر. البحر الأبيض وبحيرة المنزلة . موقع قديم ، يطرق أبواب الخيال وهي تصعد أدراج الدور المتواضعة هناك . ثاني موانئ مصر ، مركز رسو السفن لكي تتمون حاجاتها بعد رحلات طويلة شاقة ، شبيهة برحلات الدكتور عرنوس . بلغه البحر بضرورة السفر . هكذا يفعل دوماً. واذ لم يستطع أن يستأجر غرفة بعيدة من بور سعيد في أول الأمر ، راح يقرأ ويقرئ الطلاب ضرورة المضي بعيداً ، من خلال المنعطفات ، ثم ذاع صيته بعد أن غادر المدينة ، لكي يستطيع أن يقول ما يريد قوله على وجه الدقة .احتاج الأمر إلى أعوام طويلة بقي فيها الرجل أرمل المسرح . سيعرف أن سلوك الطريق الواحد لن يقود إلى حل . لذلك أتى على ذكر الأثر المطلوب ، ثم الخوض في الأثر ، الخوض وراء الأثر . ما جرؤ على قوله جهاراً ، دعوة الشباب إلى تذكر الأدوار الحقيقية في المسرح ، بالتفكير في المراحل مرحلة مرحلة . ما إن تمضي مرحلة ، حتى تخاض المرحلة الجديدة . ما يهم هو الحركة ، أو تغير الموقع . من موقع إلى

عبد الرحمن عرنوس

موقع . لم يحقق الرجل الغرض من حركته ، حين راح يخوض في اتجاهات متناقضة . وحين تكثر الإتجاهات ، يصبح خطر التشرد، يصبح التشرد هزة صاحبه لا هزة الآخرين . كثرت اتجاهات الرجل ، بحيث صَعَّب الإتصال باتجاه ، أن يرقبه ، أن يفككه ، ثم يركبه على ضوء المعارف. سوف يدفن الرجل شخصيته في شخصيات الآخرين ، بعد لقاء أول بهم .يكفيهم لقاء حتى يصحوا تلاميذ دكتور عرنوس . لم يتحدث حكيم حرب عن عجوز ضائع أو متشرد عجوز . تكلم على معلم . تكلم ماجد الكدواني على معلم ، على دكتور عظيم . كذلك فعل محمد عبده العباسي. إنه عالق بشكل أو بآخر بالآخر . لا وجود له بغياب الآخر . الكلام على تأثيره على الممثلين المصريين البارزين ، في عالم السينما والمسرح والدراما التلفزيونية،لا ينتهك قواعده.لأنه استاذ، معلم، مؤثر. هذا أسلوبه. هكذا ، شعر من شعر بتأثيره على أحمد زكي ، محمد صبحي ، الهام شاهين ، أحمد السقا. كأنه يحاول الخروج على العزلة بالعلاقة بالآخرين . حركة دورانية حول الآخرين ، ولكنها كحركة الأرض حول نفسها. ثمة ما يسمى حركة الإزاحة . ما لم يفعله الرجل في حياته. حركة ، تغلق الحرف الذي تقترن به . أي تحركه لتجذبه من مخرجه وموضع الإعتماد إلى موضعه ، ما يسهل وييسر انتقاله إلى مخرج الحرف التالي . اقامة كتلة ، هدف الحركة . السرعة هدف . لأن الحركة تقوم على السرعة وعلى القدرة على إقامة الكتلة . التسريع من أجل الإنتقال من لحظة فعل إلى لحظة فعل آخر . توليد الطاقة الحركية هدف . ثم ، تتحول الحركة إلى مد . انطلاق من النموذج النقطي على جداول البيانات ، المنحنيات ، المعادلات . النقطة . انشاء التمثيلات المتكافئة . كمية عددية قياسية ، تؤدي إلى المحصلة . ثمة حركة انتقالية في الحركة ، حتى في الحركة الثابتة. نوع من الحوكمة الخفية . ما أن ينتهي من شيء، حتى يذهب لإلقاء نظرة على شيء آخر ، على مواد أخرى . الإنقضاض على كل ما لا يظهر معقولاً. هذه مخاطرته . يصعب أن يرى أحدهم ، بدون الإنقضاض عليه . ما يجعل الطرفان مثيرين للإهتمام . ضرب في المجهول ، بلا خارطة ، بلا بوصلة .كل من لا يجد من يمسكه من يديه ، يقود خطاه بالتحرش اللفظي . ماذا بعد، يقول . ماذا بعد ، يكرر . أغرب ما في الأمر أنه لا يعرف ماهو . ماذا بعد له ، ثم للآخر . هذا شيء قوي ، يقود إلى الوقوع في معارك واختبارات حقيقية تستلزم التحضير كما تستلزم المعارك . ما حدث مع واحد ، حدث مع الآخر . ذلك أن التعليم يعيد انتاج السائد على الأيديولوجيا السائدة . ما حدث مع واحد ، حدث مع آخر ، مع الآخر . حدث مع الجمع ، الجماعة ، المجموع ، الجميع . سلوك من يهرع إلى نجدة مهدد بالخطر . الزوايا نفسها . ثمة قدر من الحكمة هنا، ثمة قدر من الجنون . لم يقدر أحد على أن يرسم الفارق ، الفروق ، بين حي أو ميت عاقر . لأنها تتصل بقدر ما تنفصل . هذه من قروض الزمن ، من فروض الزمن . لا أمور مثيرة للقلق ، سوى أن الرجل غير موضوع في موضع العقل لدى العديد من رجال المسرح . لم أجده إلا في وقت لاحق ، في وقت بعيد ، بعد سماع فقرات عنه من رجال لم يروا سوى أن يجعلوا عبد الرحمن عرنوس أقوى ، من خلال ما لازمهم به ، لا من خلال ما قرأوه أو شاهدوه . تأثر من تأثر به ، حين وجدوه مدعاة للأمل . حين وجدوه لا يفضل الحضور في المكتب ، قدر حضوره في مساحات تحرير الأجساد والأرواح والأنفس . فعل ما فعل ، ما لا يحدث في معظم الأوقات . فعل ، بحيث لاذ من لاذ به . ولكن ، لم حرم المسرحيون بجلهم من ردوده السكرية على منصة أو في فيلم أو في أغاني لا يزال يتردد صداها على الأدلجة . لأن أشهر الأغاني الخاصة به أغاني عن ناصر والمرحلة الناصرية . يا جمال يا حبيب الملايين جزء من معركة . مؤلفها محارب ، مبدع . محارب ، ثم مبدع . وسكر بالرؤى الجاهزة ، كلام على لمح يرف جمال عبدالناصر . كل من رآه وقف على حرفه واصراره . لم يتوقفوا عن التفكير به . هذا مثير . أن يزود طلابه بالأشواق وهو يرسل أصواته ، لكي يحملهم في صدره . طلال في مصر ، طلاب في الأردن . ولكن الرجل يقبع في الظلام في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق وعواصم المغرب العربي . لم يجئ ذكره في حي أو في حادثة مسرحية ولا في طليعة . ثم ، أنه ليس من الطلائع في مصر ككرم مطاوع أ وسعد أردش أو سمير العصفوري أو ناصر منعم أو لينين الرملي وغيرهم من من تمكنوا من المسرح بحيث قدموا له قوى الإحتياط والإمدادات . لا هناء لمسرحي ، إذا لم يقف في واجهة بيروت أو على منحدراتها وحروفها وجروفها وقممها . ظهر الأمر وكأنه يفوقه ، حين وقفت اسماء عظمى في حجر طاحون عاصمة الثقافة، من الطيب الصديقي حتى الفاضل الجعايبي ومن جوديت مالينا إلى جليلة بكار ويوسف وهبي . هذا غير من جاهدوا لكي يرفعوا اسماءهم فيها . لم يقف عرنوس على رأسه وعلى قدميه في بيروت . هذا بطء في المرتبة. كأنه مخلوق من بنات أفكاره لدى جيل من المسرحيين . بيد أن حكيم حرب ، كمثال ، مدين له . لأنه وجده مسألة مختلفة حين علمه وهو يخوض مغامرته في القاهرة بعد أن تمسك بأشجار البواخر والسفن في المرافئ .يروي الكدواني عنه روايات ، كأنه رجل لا تأتي اللحظة بغيابه . قام على خليط مواد . هذا واقع . ولكنه في افراح وأحزان العديدين من الشباب . زراع عقول ، ذراع عقول . هذا انتصاره . لا ارضاء المؤلفات المسرحية المسفوحة على الرفوف بالانعتاق من الأدب بالإندفاع إلى أعلى في إخراجات لا تستطيع سوى أن تستطعن قواها وتستجمعها بالقراءات واللقاءات. لا يراد بعض طلابه يرونه يطأ المسرح ويصعد في وطئه وهو يعقد العزم على حصار الجمل والمقاطع بالرؤى .

اخترع عبد الرحمن عرنوس هوية سرية ، وضعها في درج بعيد في خزانة بعيدة ، حتى نسيها هو نفسه . كأن من الصعب أن لا يصطدم بالعوائق وهو يمضي في طريقه .رجل لا يهدأ مذ وجد في مدرسة بور سعيد الإبتدائية . رجل يقوم بانجاز اعماله بنفسه ويدفع إلى عدم القيام بالخدع ، عدم الوقوف على الإعتقادات الخرفة ، التقاليد المؤودة ، الثوابت المجهدة . يبذل جهوداً ، لكي يحفز الطلاب على الحفر ، على اللاحلزونية، على تلافيف عقولهم لاعقول الآخرين . بمقدور الطالب الإندفاع إلى ما هو خفي . لا بأس من الإنحناء على الهاوية وهم يبحثون عن منافذ لا عن جواب .

شَرودٌ ، هكذا يراه من يراه شروداً. مجنون لا يخشى أن يخلف جسده ، عاقل يصنع مداخله أنما تسنى له ذلك . لا فرق. يحمل الذكر ، لا الرحم . يمضي الليالي في شقته كالمعتاد ، وفي الصباح يمضي بعيداً منها إلى المدرسة أو الجامعة ، بعيداً من المركز ، للقيام باعماله . أعمال لا منهجية ، اعمال بلا منهجة. واحدة منها أن يقول لطلابه أن المنهجة لا تسمح بالمضي إلى قدام . يفترض أن يؤلف مسرحية ، أو قصيدة ، أغنية ، مقال ، ديوان ، مراجعة ، مراجعات ، أن يخدع نفسه . كل ما يقوم به يحتوي أماله . هذه شجاعة فرد ، يرى الحياة . بدون أن يراها ، مسألة وجود . الأمل والوجود مسألتان مختلفتان تماماً . الشجاعة والأمل كذلك . الوجود والشجاعة . وهكذا . إنه في موضع يخشى الإنقطاع فيه بالظلام . يخشى الوقوع في الأسر . لذا ، يتحرك ، لا ينفك يتحرك حتى يستنفذ التحرك . أنارشيست.فوضوي . فكرة جذابة في عالم متكالب على ناسه ، على بشره . لأن البشر غير الناس . لا مانع لديه أن يكتب تحت إسم آخر. ولكنه غير معروف باسمه عند مسرحيين ،لن يختبأ عليهم مسرحي لسبب . لعل عرنوس وجد صعوبة في التركيز من ناصريته ، ومن هزيمة الوحدة العربية بأيام عبد الناصر ، ومن هزيمة عبر الناصر في حرب حزيران . هذه إشارات كفيلة بالإطاحة بقطيع من أفيال. غير أنه أثار الإهتمام ، ولو أن لديه رغبة في أن لا يعثر عليه أحد على ما يظهر ، من دهمه كل مساحة ، بحيث لايقع على بوصلة ولا بتيار . ذلك أن من يعمل في كل مجال ، لن ينوجد في مجال . لم يهمه الأمر ، لا يهمه الأمر . أن تواصل النظر إليه كميت ، أفضل من أن لا تنظر إليه كحي .

المارجينال

لأنه مات عن طيب خاطر قبل أن يموت . مات في التبعثر ، في إثارة حماس الآخر لا حماسه، بتحذير الآخر من عالم الإستهلاك ، حين استهلك نفسه في التلفزيون وعمل في المسرح بضمير لا يثقله عبء. وحين واصل النظر إلى الأغاني والأشعار كرسائل سوف تؤدي إلى مشاكل لا طائل منها، ما دام أن ثمة أحداً لن يتجاوز حدود الممكن وتبين أفضل ما يرجى له ، وهو يبحث عن أدوات تجعل الأشياء تحدث . هذا رجل يحدث . كلما عثر على أحد ، حدث . كلما استفز أحد ، كلما حفز، حفر ، اقتفى ، اختار ، حذر ، فارق ، تفارق . لزم طلابه أزمان طويلة حتى يفهموه ، حتى يغادروه . ثمة رغبة في أن لا يعثر عليه أحد حتى اليوم ،وهو يدرك أن ثمة من سيتهمه بالجنون . أيقونة ، هذا توصيف مألوف . صوفي ، هذا توصيف مشكول. إنه بعيد للغاية عن هذين الصفتين . ولو أن ثمة روابط مشتركة بين سيرته الشخصية والحياة الطالعة من الصفات الحابسة والصفات المحررة . الأيقونة قتل ، لأنها جماد . الصوفية حياة أخرى لا تحدث كل يوم ، لا تحدث سوى باستئناف أحكام الحياة . فوضوي . هذه صفة تشفي . لا شفاء إلا بالفوضى في عالم أحكم قبضته على كل شيء . كأن عرنوس انطلق مصعده دفعة واحدة إلى السماء السابعة ، ثم هبط دفعة واحدة إلى سابع أرض . لم يلزمه وقت طويل . لزمه وقت طويل فقط، بين الانتصار والهزيمة . انتصار السويس على العدوان الثلاثي وهزيمة عام ١٩٦٧. ارتفع في بناء السد العالي ، ثم انزلق في تراجع ثورة يوليو . باحث عن الحقيقة لدى المعلم الإلزامي في اكاديمية الفنون الجميلة . لا صحة لكلام كهذا الكلام . لأن رجلاً كعرنوس ، إذا أراد أن يبحث عن الحقيقة لن يجدها ، لأنها موجودة في داخله . ما عليه سوى أن يفض مغلفها . أن يفض جسده . وهذا ما حدث ، حين قدم أعمالاً لم تثر حماسه على الأغلب . البؤساء . ريتشارد الثالث لمسرح التلفزيون . فارس الليل التائب ، القضاء في الإسلام ، طيران فوق عش الوقواق ، زيارة السيدة العجوز ، شاطئ الأغراب ، الناس والفلوس ، شاطئ الزيتون ، رحمة ، دور وحشي في آية وقصة ، دور كليبر في مسرحية حياتي والزمن . لا شيء لا يثير الفضول على نحو يناسب المكتشف، وهو يحاصر نفسه بتقديس تعاسته وسروره .أول من قدم مونودراما في مصر . وأول من استحدث مسرح المناقشة . قدم عروضاً في حديقة دار الأدباء . قدم ما سمي مسرح السيارة ، مسرح الصيادين ، عروض ايماء وكأن الكلام مرض داهم . مؤسس فرقة شباب البحر الجامعية . قدم عروضاً في المقاهي والعربات والشوارع .

صنع الرجل ما يصنعه النمل . خط طريقاً تكدس بالصداقات. خط طريقاً فوق الأرض ، حيث ظهر يمتلك قوة لبؤة جامعة وحنان لبؤة أم . فتح أوراقه ليعيش الآخرون عليها . ولكن ما لم يمتلئ بالخروج إلى العلن خطه في أعماق الأرض. صافح من صافحه بالحياة المقبلة . حياتهم المقبلة لا حياته . لم يرد أن يحصد قرشاً من اتعاب الآخرة ، وهو يقدم رسائله ووسائله لمن بدا هشاً أو راغباً بأن يدخر في صندوقه جزءاً من برية بني آدم . أمطر . وحين سمع من سمعه استيقظوا ، ليبحثوا عن نار لن يجدوها فيه . لأنها موجودة فيهم . ربى عبد الرحمن عرنوس أحلاماً وأياماً . أوقظ الإسرار الصغيرة ، أوقظها بجرسه . جرس لا يعرف لمن يدق ، لأنه يدق لجميع الناس . أوقظ الأحلام وهو يحمل رفاته . هذا ، لم تشبه رقدته في السويس رقدته في القاهرة . كما لم تشبه رقدته في الأردن رقدتيه السالفتين . بالأخير مسرح يتلكأ وراء الباب ، حيث تندف الثلوج بالغرف . غرف محشودة بمن يرغبون بطرق الأبواب الواسعة وتنشق أبخرة هذا المسرح الجلي، العلي ، الحلي. مسرح ظلال سوف يسعدون بصداقتها ، فقط لأنها تؤكد وجود الشمس . لاظلال بلا نور . أرادوا الدخول كما لو أنهم يدخلون في مصنع مفتوح . الإيقاع في الأردن من جوع الأردنيين إلى المسرح ، حيث لا يزال مطوى في الحقائب . منح الملك حسين عبد الرحمن عرنوس وساماً ، لا لأنه أتى من أعلى السطوح ، لأن الرجل امتلك قنديلاً صغيراً في رأسه . ما عدا ذلك ، لا شيء سوى الرغبة بالقفز من جدار إلى جدار . شرع بالقفز من جدار إلى جدار . عاش الرجل قصة أخرى في الأردن ، لأن ثمة أيد ترغب بالقبض دعاوي الخشبة . جاء عرنوس في الوقت المناسب مع طيران الشابات والشبان إلى لغة بعيدة . إنهم مدينون ، لا شك ، لعرنوس ، بصناعة الورشة من دون تصميم . ولكنه اقترف ما يقترفه الشرقيون والمشرقيون حين يولدون الإستقطاب بطرح الأفكار بعيداً من مفاهيم المأسسة . لن يصنعها هذا الرجل المحشو بالأعصاب.رجل اعتبر صنيعه الأول صنيعاً مدهشاً . يعرف رجال العرب أن المسرح يخفي مدناً نائمة ، ولكنهم يشتغلون فيه بمنطق المستعمرة . منطق ما قبل المدينة. الغربيون ابطال تراجيديون يصغون لمطر المسرح ، لأنهم يرجون أن يصنعوا من المطر ملحمة الشتاء . فيلار الفرنسي مثال . اقام مهرجان افينيون المسرحي ، جعله مثالاً إثر الحرب العالمية الثانية . لم يتخل عنه في أصعب الأوقات ، حتى حين دهمته فرقة الليفينغ تياتر مع جوليان بك وجوديت مالينا . قال الإثنان أن لا أحدأفضل من الجمهور بالتعبير عن قضاياه.زربوا المسرحيين في فنادقهم . بقي فيلار والمهرجان بعد انسحاب المقتحمين من مهرجان القرن العشرين، لا لأنه مرهف . لأنه كل جدار يحمل ساعة في قلبه ، تردد عقاربها أن المهرجان مؤسسة لا فكرة زراعية . لا علاقة للخوف بذلك . لا علاقة للأمر بالإساءة للنفس ، إلا من ناحية أن العربي يغفل أفكاره، لا يؤسس ويدون ، لأنه بعيد من العقل ، قريب من العاطفة في عدم قراءته ما وراء الأبواب ،إلى أين تفضي الأبواب .

وجد الأجنبي يجد في المأسسة آيته. حين امتلك العربي عقلاً زراعياً ،حتى ولم يولد مزارعاً. حتى ولو وجد في الزراعة عقلاً أجوف. ولكنه يبذر لكي يحش عند نهاية الموسم . ثم إلى فصل آخر . هذا ما وقع عرنوس به ، بعد أن أرهق نفسه وطلابه بالإصطدام بالكلامات . الكلام فؤوس تقطع الأشجار . كلما لحظت شجرة جرى قطعها و رفع شجرة أخرى من قبعة الساحر .

لن يشفى المسرحيون الأردنيون من أطايب خواطرهم عن عرنوس ، من يروى أنه ذو ابتسامة تعلق القصائد على الدماء الحارة . وأنه محدث لا يظهر منه غير الجرح أحياناً. صارم كالشريان . مرح كحمامة بيضاء . حل في جامعة اليرموك الشهيرة ، حيث اقام مختبر اليرموك المسرحي . إنها مرحلة العربة الأولى في قطار الغربة . إنها مرحلة برقة الخيال. مرحلة الدهشات . ثم أن عرنوس كلما أطلق كلاماً ابتعد عن كلام اليوم الآخر . كلام لن يكون في يوم آخر . مسرح اليوم شمعة منسية باليوم الآخر . هكذا قال ، أن مختبر اليرموك معمل للتجارب العملية والأبحاث النظرية في البحث عن مصوغ جديد بفن الممثل في العالم العربي . لم يبق من هذا الكلام أثر . كأنه لايعرف كيف يُعِّرف الأمور . إطلاق فقط . كلام على ستانسلافسكي ومايرخولد وبروك وغروتوفسكي . شراكة الروسيين معروفة في الاستديو الجواهر الخاص بهما . ولكن ما يجمع هذان بالمسرحي البولندي . شيوعيان وبولوني وجد ممثله راهب ومسرحه معبد . لم يبق شيء من ذلك ، وكأن الأشياء ضاعت في مزرعة في منطقة مجهولة . الممثل الإثني عند بروك . لا قواعد زواج بين من ذكرهم عرنوس . سايرها لا تبناها . لأنها بقيت غامضة غموض الأسرار . لم يُدخل شيء في مسار . هكذا ظهر الأمر ، حين طفق الرجل يتكلم بما يتفق مع سلوكه . سلوك الفوضوي . يوم مع توسيع المدارك والإستجابة للمؤثر الخارجي.يوم للابتكار والتلقائية.يوم للإبتكار على التلقائية. يوم لفن الاسترخاء الخارجي ، النفسي . يوم لمنهج يعقوب مورينو ، المحلل النفسي النمساوي . يوم مع منهج السايكودراما النابع لا المفروض. كلام يفتقر المنطق ، كلام يفتقر الجودة من نطه من مساحة إلى أخرى بتعجل وصل إلى حد تداخل العاجل بالآجل والآجل بالعاجل . كلام على عالم الحلم ، اللاوعي . كلام التنفس الدرامي . كلام على الإرتحال . كلام على علاقة الصوت بالتشكيل . كلام على سيكولوجية الخطوط ، نظرية الألوان ، الخط المستقيم ، المتعرج ، المنحني ، المائل . كلام على الدائرة والمربع والمثلث . كلام على الإحساس بالأبيض والأسود . علماً أن الأبيض أبو الألوان . خروج إلى الآثار لتطبيق مشاهد الذروة في عطيل وهاملت . كلام على أوديب والمسرح اليوناني . لا تربية في هذا الكلام . تعليم بدون حقائق ، من دفعه المسرحيين إلى الإذعان إلى هذا الكم الهائل من الكلام . مبادرات لا تقود إلى كتابة قواعد ولا إلى الأيمان بها ، سوى من تعطش المسرحيين الأردنيين إلى قيام صلتهم بالمسرح . وجد المسرحي في الأردن كلام عرنوس جديراً بالسماع والنشر ، لأنه لم يرد أن يترك المسرح . نفسه سعيدة فيه . لن يفقد سعادته لأي اعتبار . هكذا ، أصغى وسكت . هكذا ، حول عرنوس إلى حقل في غمرة مرحلة الإضطراب أمام هذا الدخيل الجديد . ولكن الرجل ترك مؤيدين ومريدين واتباع ، لا تزال تعمل على اضاءة أبعاد المسرح . هذا من عجيبه ، من مائه ، من أنفاسه . وهذا من ذكاء كذكاء الأفعى.