الصوت الصداح بالعروبة .. أغنى مشاعرنا وجدا وطربا
سيظل صوتها – بتسجيلاته – يهتف للراية العربيه رغم رحيلها .ينعش ذاكرتنا ،حتى نظل ندرك ان كل معاركنا ،لابد ان تحمل رايتنا العربيه .يشعل وجداننا حنينا الى ماض أثري مشاعرنا ،ونفيرا يستنهض هممنا من جديد ،لعلنا مازلنا نحمل عروبتنا على اكتافنا،نرفع علمها،وننشد نشيدها،ونعقد العزم على الوفاء لمفهومها. اعتزلت نجاح سلام فن الغناء من عقود من الزمن ،ليس في ظنى لكبر السن ،أو لتغير في الصوت والنبرات،ولكن لأن انكساراتنا توالت وعواطفنا بهتت،وهمتنا تواضعت ،وكانت بنبرات صوتها تطلق حمما تتوهج في المشاعر والقلوب تشد العزم وتدفع الجهد ،ولكن صدمة الواقع الاليم وما اّلت اليه أحوالنا أقعدتها ،قبل ان تلبي قانون الحياة الفانيه،بأقدارها الحتمية.نجاح سلام لم تنافس أم كلثوم ولا زاحمت فيروز،ولا ناطحت ليلي مراد،ولكنها كانت لونا خاصا،وصوتا متفردا له انطلاقاته،وتعبيره ولونه الفني الذي يتماهي به،ويعبر ويبهج .ان فن الغناء فن خطير،فهو يحمل مع ايقاعاته الجميله رسائل عميقه ،فهو قادر ان يسليك ،وايضا ان يسعدك ،وكذلك ان يحفزك ،وايضا ان يعبئك بما يريد . فن الغناء يخاطب فينا المشاعر فيدفئها،أو يشعلها أو يحبطها فيكسرها . ان الغناء احساس مرهف ،انه مراّة صدق مؤثره ،ننتشي بها ونبتهج معها ،لاسيما ان لمست لدينا جرحا ،أو ضربت على وتر نتألم معه او نتوجع ،وقد كان صوت نجاح سلام ،وهو صوت عروبي كما اسلفنا بامتياز ،يرافقنا على الدوام في انتصاراتنا أو في انكساراتنا، يفرح ويتوهج بصدق بالغ في ساعات الانتصار،أو باحساس مفعم بالمرارة ان مال الحال أو انكسر الخاطر . هو في كل الأحوال ،كان لا يتخلف عن أداء دوره في معالجة قضايا الوطن ،سواء في انتصاراته او انكسارته. صوت شجي كان رفيق رحلة أو مرحله من تاريخنا العربي. تعانقت فيها اوتاره الخصبه مع عذوبة الكلمه وعمق المعنى وشكلا معا بناءا فنيا زاخرا ترافقا فيه مع انغام معبره أضافت بايقاعاتها للسحر صورا أكثر جمالا سواء للعين حين ترى او للأذن وقت ان تسمع ،او حتى للخيال حين يسبح أو للذاكرة ان عن لها ان تحلم ،وكل وفق هواه. لفتت نجاح سلام الأنظار،وهي مازالت طفله تتغنى بما تسمعه ،فتعيده وتكرره في بساطة ملحوظه وسرعة لافته، فموهبتها كانت على الدوام تخدم سرعة التقاطها للألحان فضلا عن حفظها السريع للكلمات ،وهو ما يكشف عن حب مبرح للفن ،وللرغبة الأكيده والعنيده في ان تتحول هواية المغنى الى الاحتراف ،ومن الغناء مع النفس الى الغناء للجماهير.
نشأتها الحاضنه للفن
ولدت نجاح محيي الدين سلام في بيروت 13 مارس 1931،وكان جدها الشيخ(عبدالرحمن سلام) يشغل فترة من حياته موقع ( مفتى لبنان) وكان والدها فنانا حرفته الموسيقى والالحان ،ويجيد العزف على العود وهو الملحن ( محيي الدين سلام ) ،ولذلك كان اول الداعمين لها ،حين لمس موهبتها في فن الغناء ،فتعهدها برعايته ،بالتدريب وصقل الموهبه على قواعد صحيحه ،لا سيما وانه كان ايضا مؤسسا للدائرة الموسيقيه في الاذاعه اللبنانيه في ذلك الحين والمشرف على اختيار الاصوات ،ويعد منزله كمعهد فني مواز.البداية كانت تقليديه ،وهي الغناء في المنزل وترحيب الأهل بالأستماع للصوت الجميل ،ولكن في المدرسة تطور الأمر، حين لفتت الأنظار ، وبناء على ذلك تم اختيارها لتكون مطربة الحفلات المدرسية ، عام 1948 صحبها الوالد الفنان الى القاهرة ،وقدم موهبتها لأساطين الموسيقى وفن النغم فتعرفت على الكثير من الكبار في فن الغناء وعالم الالحان وفي مقدمتهم ام كلثوم وفريد الاطرش و زكريا احمد ورياض السنباطي،وقد تردد انها رشحت لبطولة فيلم (العيش و الملح) امام المطرب سعد عبدالوهاب ،في اول ظهور له في عالم السينما ،الا ان الأعتراض من جانب المخرج ( حسين فوزي) بسبب صغر سنها ،وتم استبدالها بالفنانه ( نعيمه عاكف). تقول نجاح سلام في احديثها الصحفيه ،لم أذهب للقاهره لكي أغني ،ولكن لكي اراّها . كانت مصر حلم يراودني ،فهي قلعة الفن ،وحاضنه للكبار عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وليلى مراد وغيرهم من باقة عظيمه وكبيره . كنت احلم برؤية منزل أم كلثوم .تلك الجدران التي تحتضن هذا الصوت الفريد، ولذلك اقول كانت زيارتي لمصر تترجم اولا حلما لي ان اراها، فهي عاصمة الفن، وملتقى الفنانين وهناك التقيت ببعض اللبنانيين الذين يمارسون العديد من الفنون في الموسيقى والغناء والتمثيل بين السينما والمسرح ،ومنهم الفنان محمد البكار، والمسؤولون عن شركة ( نحاس فيلم) للانتاج السينمائي وغيرهم .
كما التقت بكبار الملحنين مثل زكريا احمد ورياض السنباطي ،وادركت جلال الموسيقى وفنها الرفيع ،تقول عن زكريا احمد ،أنه في الحانه يعمل على ابراز معالم الصوت ،ويعمق من قدراته الغنائيه ،وبالمعنى الدارج يجعل المطرب أو المغنى في حالة ( سلطنه) اي انه يبرز قدراته الصوتيه بمهاره شديده ،بحيث حين تسمع ام كلثوم من الحان زكريا احمد تنفعل وتقول ( اّه ياست )،لكن حين تسمع ام كاثوم من الحان عبدالوهاب تنفعل ايضا ولكن بالموسيقى ،وتقول ما أروع عبدالوهاب اي ان الموسيقى تشغلك عن صوت ام كلثوم ،ولا تنتشي بالصوت مثل ماتنتشي من الحان زكريا احمد، فالموسيقى تسرق انتباهك . تستطرد فتقول عن رياض السنباطي انه شديد الالتزام ،كل خطوه لديه يحكمها النظام والترتيب ،والدقة في المواعيد، وطريقة عرضه للحن ،ومباشرته في تلقينه للمطرب او المطربه ودقته المتناهيه في حفظ مقامات الصوت ،بحيث تتكامل كل عناصر الأغنية حين تخرج للنور.
تطورها الفني
كانت اول اغانيها اغنية (حول ياغنام) ،وقد اختلط الامر عند البعض فذكروا انها أغنية للمطربه سهام رفقي ،وذلك غير صحيح ،وكانت الأغنية الثانيه ( ياجارحه قلبي ) وقد سجلتهما لشركة بيضا فون عام 1949 ،وبعدها انطلقت الى الساحه العربيه بشكل عام ،فقد انطلقت الى سوريا وغنت في كل من دمشق وحلب ،ثم اتجهت الى العراق فغنت في بغداد ،ثم الى فلسطين وشجت في رام الله ،ثم عادت الى لبنان ،وقد بزغ نجمها في العالم العربي ،وفي بيروت قامت بتسجيل بعض الأغاني للأذاعة اللبنانيه وكانت اولى هذه الأغنيات ( على مسرحك يادنيا )،وكان ذلك في مطلع الخمسينات .تتحدث نجاح سلام عن مراحل تطورها الفني فتقول كنت في البداية اردد اغاني ام كلثوم او عبدالوهاب أو مطرب اّخر، والتفت الى اسلوب ام كلثوم في ذلك عن طريق تدريب الصوت ،في اداء الأعمال الصعبه ،ولذلك لجأت الى الموشحات ،واعتنيت كثيرا بمخارج الالفظ ،كنت مولعه بأغاني ام كلثوم الصعبه ،وضربت مثلا بأغنية ( أهل الهوى ياليل ) لكنى بعد ان احترفت فن الغناء ،اّليت على نفسي أن تكون لي شخصيتي المستقله وأدائي الخاص ،فقدمت أغنيتين هما ( برهوم حاكيني ) و ( الشاب الأسمر جنني) وقد نجح اللحنين بشكل كبير حين غنيتهما في مصر، وكانت تلك الأغاني هي التي حددت أو كونت شخصية نجاح سلام الغنائيه. من الأغاني التي نجحت بشكل كبير اغنية (عايز جواباتك..يعني افترقنا خلاص) عام 1958 وهي من كلمات حسين السيد وتلحين رياض السنباطي
نجاح سلام نجمة السينما
بعد ان بزغ نجمها في عالم الغناء ،نادتها شاشة السينما ،فقدمت عدة افلام على الشاشة المصريه والشاشة اللبنانيه ،وكان اول افلامها في مصر فيلم (على كيفك) عام 1952 مع نخبه من نجوم مصر في ذلك الحين منهم ليلي فوزي وتحية كاريوكا ومحسن سرحان واسماعيل ياسين انتاج ليلى فوزي واخراج حلمي رفله .ثم تقلدت دور البطولة في فيلم ( الدنيا لما تضحك ) مع اسماعيل ياسين ،ثم توالت اعمالها فقدمت دستة مناديل والكمساريات الفاتنات و(عنتر يغزو الصحراء) مع فريد شوقي للمخرج نيازي مصطفى، كما قدمت في نفس العام فيلم ( في قلبها نار ) مع نزهة يونس وعصام الشناوي ،واخراج احمد الطوخي ،وفيلم ( سر الهاربه) مع سعاد حسني وكمال الشناوي وشكري سرحان واخراج حسام الدين مصطفي وغيرها من الافلام ،وقدمت على الشاشة اللبنانيه عدة افلام منها ( مرحبا ايها الحب ) مع ساميه جمال وعبدالسلام النابلسي وكان اّخر افلامها فيلم ( الشيطان) عام 1969 مع فريد شوقي وشمس البارودي وسهير زكي وفرج العربي ومن اخراج محمد سلمان . تلفزيونيا اشتركت في تجربة دراميه واحده وكانت مسلسل (أنا انت) مع فهد بلان
اعمالها القوميه
لمعت نجاح سلام واشعت في مرحلة يطلق عليها زمن الفن الجميل، ارتفع فيها علم القومية ،ورفرف عاليا في سماء العروبة، ولذلك حمل صوت نجاح سلام سمات هذا العصر .كان صوتها يحمل مشاعر ذلك الانتماء بزخمه الشديد ،ولذلك غنت للبنان ( لبنان درة الشرق) وشدت للجزائر ( محلي الغنى بعد الرصاص ماتكلم) بعد تحريرها، وأنشدت لسوريا في حرب 73 (سوريا يا حبيبتي أعدت لي كرامتي أعدت لي هويتي ) لكن مع مصر كان لها تاريخ طويل ،وهي لبنانيه – مصريه فقد حصلت على الجنسية المصريه ،واقامت فيها طويلا الى ان طلب منها الرئيس (الياس الهراوي) رئيس جمهورية لبنان العودة الى وطنها الأم وكرمها بوسام الاستحقاق من رتبة فارس . في مصر وفي عام تأميم قناة السويس قدمت مجموعة من الاغاني منها حول تأميم قناة السويس أنشدت ( اليوم اليوم النصر،عبد
الناصر يا جمال للغرب بتعطى امثال ، قالو السد العالى زال، قال لوم اممنا القنال) كما غنت ( ياأغلي اسم في الوجود يامصر،يا اسم مولود للخلود يا مصر ) وغنت ( أنا النيل مقبى للغزاة) . ثم جاءت الوحده المصريه – السوريه واقيمت دولة الوحده (الجمهورية العربيه المتحدة) لتقدم انشودة جمعت بين الطرب بالصوت ،والانتشاء بالروح وهي انشودة ( بدي عريس ) تقول الكلمات ( بدي عريس اسمر عربي شرط .. شرط من المتحده طلبي شرط ،شرط خدوده تفاح شامي شرط شفايفه فستق حلبي ،يامين يلبي لي طلبي ) .عام 1956 قدم زوجها الفنان الشامل محمد سلمان ،فهو مطرب ومؤلف وممثل ومخرج كتب تلك القصيدة ،وقام هو بغنائها ( لبيك علم العروبة ) لبيك يا علم العروبة، كلنا نفدي الحمي لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما، لبيك أن عطش اللوا، سكب الشباب له الدما، لبيك حتي تنقل الأرض الهتاف الي السما ، لمن المضارب رفرفت من فوقها خضر البيارق لمن المطارات التي شيدت بمختلف المناطق ،لمن البنادق والخنادق والمدافع والبيارق، لبيك يا علم العروبة، كلنا نفدي الحمي، لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما، لبيك أن عطش اللوا،سكب الشباب له الدما. هذا التوافق في المزاج الفني ،والعروبي جمع الفنانين نجاح سلام ومحمد سلمان الى الزواج واثمر هذا الارتباط عن فتاتين سمر وريم ،ومجموعة من الاحفاد . ينبغي ان نذكر لها انها بعد ان عادت للأقامة الدائمه في لبنان ،بناء على طلب الرئيس الهراوى رئيس لبنان ،ظلت مخلصه لبلدها الآخر(مصر) خصوصا وهي تحمل الجنسية المصريه،ولذلك كانت حريصه وهي تتابع برنامج (خليك بالبيت) الذي يقدمه الاعلامي المعروف (زاهي وهبي) على ارسال باقة من الزهور الى كل شخصية مصريه يقدمها البرنامج تحية منها وتعبيرا عن اعتزازها بمصر. رحلت نجاح سلام ،وتركت خلفها تراثا عظيما من الفن الراقي،الذي يحمل في مضمونه رسائل عديده عن الفن ودوره الحقيقي في حياتنا، الدور الداعم للتفاؤل ،الزاخر والحالم بمجتمعات يرفرف العطاء في سمائها ،و العبور الى السمو في العواطف ،بين الأفراد في مجتمعهم ،والوفاء للوطن والسهر على مصالحه باعتباره صمام الأمان لحريتهم . رحلت نجاح سلام صوت جميل غرد في حياتنا فأطربنا وأسعدنا ،واضفي على الحياة جمالا ورقه ،بقدر ماكان كسبا للفن ودوره
1
زياره فنيه لأحد المواقع العسكريه
يرى في الصورة نجاح سلام بين زوجها الفنان محمد سلمان والمطرب عبدالحليم حافظ
وعلى اليمين الفنانه هدى سلطان وخلفها زوجها فريد شوقي وبجوارها المطربه نجاة الصغيره
2
نجاح سلام بعد ان ارتدت الحجاب
3
ألأسرة السعيده في صورة جامعه
نجاح سلام وزوجها الفنان محمد سلمان وابنتاهما سمر وريم
4
نجاح سلام في شبابها