بهاء طاهر في ذمة الله

رحيل قيمة  ثقافيه وروائيه كبيره

رحل الراوئي الكبير(بهاء طاهر)،وهو علم من اعلام فن الروايه العربيه في عصرنا الحديث.برحيله

كأننا نودع زمن الموهبه الواعده، الصارخه، الثريه،ذات العطاء المتدفق، كأنها شلال يملأ الوديان بالحياة .برحيله .ونحن نودعه  كأننا نودع عهد الأصالة ،والعمق ، والأدراك الواعي برسالة الحياة ،وهو العمران بالفكر قبل العمران بالمبنى،والتنويربالكلمة،قبل التنوير بالمصباح .برحيله كأننا نودع زمن الكبار بأصالته ،أو زمن الأساتذة باشعاعه، وبتواضع الحكماء فيهم ،لا بأنفة الأدعياء الذي نلمحهم على الدوام من حولهم .تاريخ بهاء طاهر في العمل الأبداعي،هو تاريخ يمتلئ بالروائع من الأعمال، والاعجاز من الصيغ،  والعمق في المعاني .اجتهادات بهاء طاهر في الولوج الى عالم الفن لا تخطئها عين الباحث او الدارس للكلمة الرفيعه ،والصوره الشفافه لمجري الحياة . بهاء طاهر أديب حقيقي ،يمثل الطلائع على طريق الرواد في التعبير الأنساني .والأديب هو من يكشف عن مجموعة التفاعلات

الكاتب القصاص الروائي بهاء طاهر

الأنسانيه والجماليه والثقافيه، التي يشكلها  الظرف الاجتماعي ،وهو يعاصر ،ويكابد ،ويتأمل ،ومن ثم يترجم الى رؤى حيه تنطق وتتصرف. انه ابداع القصة أو الرواية  من خلال النماذج الانسانية التي يطرحها أمام عيوننا . بهاء طاهر نموذج نقي ،وضمير صاف وشفاف .أتذكر في احد الأمسيات التي كان التلفزيون يعدها باستضافة شخصية معروفه من رجالات الفكر او السياسة او الأدب ،ويترك البرنامج لضيف الحلقة أن يختار شخصيات أخرى يحاورهم أو يحاوروه في رؤاهم وأرااّئهم فيما يجري على الساحة السياسية أو الفكرية ،بشكل عام ، وفيما يشغل الناس في حياتهم ومستقبلهم . كان ضيف الحلقة هو بهاء طاهر، وكان من استضافهم في حلقته نخبة لامعه من رجال الثقافة والسياسة والأدب ،كان منهم الراحلين الكبيرين محمد عودة ومحمود امين العالم واّخرين ،وماهي الا دقائق حتى فرضت شخصية بهاء طاهر نفسها مع سلسلة انتاجه من روائع القصة والروايه وكتاباته الفكريه على الجلسة ،,في ختامها انتفض قائلا ( أقسم بالله انه لم يخطر ببالي قط أن تتركز الجلسة كلها على انتاجي الأدبي أو الفكري ، وكان مبتغاي ان نناقش هموم الوطن وقضاياه ،وليس بهاء طاهر وانتاجه ،ومع كل تقديري واجلالي للشرف الرفيع الذي اسبغوه من ارائهم  على ما قدمت واجتهدت .).هذا هو بهاء طاهر..رقة النسمة،ووداعة القلب،ونقاء السريرة . موقف اّخر يكشف مدى شفافيته ،وتجرده الكامل حين يتعلق الأمر بالدم النازف من الشباب في ثورة 25 يناير عام 2011 ،,بعد ان احتدمت الثورة ،وجرت انهار من دماء الشباب على الأرض،ومازال الرئيس مبارك على عناده في البقاء على رأس السلطه ،نجد ذلك الموقف من ( بهاء طاهر) .ففي الثالث من فبراير 2011، وقبيل تنحي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن الحكم، أعلن بهاء طاهر إعادة جائزة مبارك للآداب التي سبق ونالها في 2009 . وقال وقتها:أعتقد أن على كل إنسان لديه القدرة على التعبير أن يتضامن مع هؤلاء الشباب الشرفاء ممّن استشهدوا وجرحوا،حتى ولو كان بشيء رمزي وبسيط  جدا ،مثلما فعلت، وأقدمت على رد تلك الجائزة التي تحمل اسم (مبارك).اصبح اسم تلك الجائزة فيما بعد( جائزة النيل). ثم اضافة أخرى لمفاهيم هذا الروائي الكبير وجلال مواقفه ، وفي عبارة تعكس رؤيته للجوائز الأدبية، قال عندما تسلم جائزة ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية، في مارس 2015، أمام حشد من الروائيين العرب والأجانب بدار الأوبرا المصرية: (لست ممن يعتقدون أن الجوائز وحدها تُعطي قيمةً كبيرة للفائز، إلا إذا كانت أعماله نفسها تعطيه هذه القيمة) . كما فاز بهاء طاهر، في العام 1998، بجائزة الدولة التقديرية في الآداب.

اطلالة على مسيرته

يرجع تاريخ ميلاده الى 13 من يناير عام 1935 في محافظة الجيزة ،وتخصص في دراسته الجامعية في التاريخ حيث حصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 1956 ، ولم يعمل بالتدريس وانما اتجه الى عالم الترجمة ،والأهتمام بالثقافة والفن والاعلام ،فاتجه الى العمل الأذاعي،ولم يكن التلفزيون قد دخل الى مصر حتى ذلك الحين ،وشارك في تأسيس ( البرنامج الثاني)  الأذاعي في الخامس من مايو عام 1957 وكان برنامجا ثقافيا رفيع المستوى،بذل فيه جهدا،  ،وتنوعت خبراته بين الترجمة والعمل الأذاعي ،ثم مخرجا للدراما ،وهكذا مضي في طريقه تتنوع تجربته ،.بين الترجمة في مصلحة الاستعلامات ، والعمل الإذاعي في البرنامج الثاني ،والعمل كمخرج

احدى روائعه: خالتي صفيه والدير

للدراما،وقد استمرت رحلته تلك بين هذه المنوعات من 1957 حتى 1975. بدأت الإذاعة إرسالها بثلاث ساعات من البث مساء كل يوم من التاسعة إلى الحادية عشرة،زيدت إلى أربع ساعات يوميا،من الثامنة مساء إلى منتصف الليل،ثم زيدت على مراحل حتى وصلت الآن إلى إثني عشر ساعة يوميا،من الثالثة مساءً إلى الثالثة من صباح اليوم التالي؛ وتتنوع برامجها ما بين برامج شعر وقصة قصيرة ونقد وتحليل وفترات مفتوحة وبرامج موسيقية. تغير اسم البرنامج بعد ذلك وأصبح (البرنامج الثقافي)،واستمرت موضوعاته تتناول مختلف القضايا والأحداث من تعدد مجالات الحياة في أطرها العربيه والعالمية ،ومن خلال معالجاتها الدراميه . كان بهاء طاهر والفنان محمود مرسي وغيرهما ، في اعمال تربو على 900 عمل من كلاسيكيات ،واعمال ادبيه وعربيه وعالمية . ويزخرأرشيف إذاعة البرنامج الثقافي بلقاءات إذاعية لعدد من رواد الثقافة المصرية والعربية  كان العصر الذهبي للإذاعة هو السنوات الأخيرة من خمسينيات القرن العشرين  – فور انشائها – وعقد الستينات منه ، وهي الفترة التي شهدت إنتاج أكثر الأعمال تميزا، إضافة إلى فترة نهضة خجوله في بداية التسعينيات من القرن نفسه .

بدايات بهاء طاهر

كانت اهتمامات بهاء طاهر بالقراءة المبكرة في حياته ،هي النافذه التي اطل بها على عالم الأدب وفنون القصة والروايه واسلوب الحكي ،فيقول ( كان لدينا في المدرسة حصة للقراءة الحرة ،وتلك كانت مناسبه لكي أتعرف من خلالها على ادباء كبار كان لهم اعظم الأثر في حياتي ،فقد نهلت من قصص وروايات ومسرحيات ،وكان بعضها مترجم للعربيه ،وتلك كانت نافذة أخرى مضافة لكي أطل على الأدب العالمي . في مرحلة الشباب تكونت لي نماذج من هؤلاء الكتاب ،ومثلوا بالنسبة لي المثل الأعلي وفي طليعتهم الدكتور طه حسين .يقول بهاء طاهر احببت القراءة ،ومن ثم احببت الكتابه ،وكان علي ان ابدا خطواتي في ممارسة هذا الفن ،وهو فن التعبير بالوصف ،والولوج الى لواعج النفس البشرية ،وكتبت اولى قصصي القصيرة ،وكان عنوانها ( المظاهرة) ،وقامت مجلة ( الكاتب) بنشرها ،وكان ذلك في مارس عام 1964. انطلق بهاء طاهر بعد عملية النشر الاولي ،الى تأكيد موهبته تلك في فن الكتابه

بهاء طاهر
يشارك في المظاهرات الغاضبه في 30 يونيه 2013

بالمزيد من الكتابه ،في اطارها الأدبي الأبداعي ،فتوالت قصصه ،الى ان أصدر مجموعته القصصية الأولى بعنوان (الخاطبه)عام 1972، قد كتب مقدمة هذه المجموعة الروائي الكبير ( يوسف ادريس ) فماذا قال يوسف ادريس عن بهاء طاهر في ذلك التقديم (مجموعة قصصية جدديدة لقصاص جديد، وإذا كان الناس يعرفون بهاء طاهر مخرجا ممتازا فى البرنامج الثاني للإذاعة ومسرحياته،فبهاء طاهر هنا إنسان مختلف،استطاع أن يدلف إلى قصر القصة المسحور، وأن يعثر فى سراديبه المظلمة على الخيط الأساسى لصناعة القصة، وهي مسألة مهمة وخطيرة، فالإنسان لا يعثر على نفسه أو على الخيط الأساسي لقصته هكذا بسهولة ومن أول ضربة أو قصة ، وإنى هنا أقدم هذه القصة لقراء الكاتب فإنما أقدمها في الحقيقة أولا لكتاب القصة إذ قد أخذت أسرة التحرير على عاتقها ألا تنشر القصة لشهرة كاتبها أو لأسمه أو لتاريخه وإنما فقط لكونها نموذجا جديدا نقدمه،أولا لمصلحة فن القصة، فهو،وكل فن لا يزدهر إلا بالتجارب الخصبة الجديدة،بالتربة الجديدة والزهرة الجديدة والمعول الجديد)

فصل بهاء طاهر ومنعه من الكتابه

مُنِعَ بهاء طاهر من الكتاب في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات عام 1975، ولم تكن هناك تهمة محددة ،ولكنه اتهام على عواهنه .كان يوسف السباعي وهو الروائي الشهير وزيرا للثقافة حينها ،ومتعاطفا مع الرئيس انور السادات ،الذي كان محل هجوم ونقد لسياساته في الأنفتاح الأقتصادي ،خصوصا من التيارات الناصريه واليساريه بشكل عام ،ولذلك قام الوزير يوسف السباعي باصدار قرار بتطهير الاذاعه من اليساريين ،وقد اعتبر بهاء طاهر من ذلك التيار فتم فصله ومنعه من الكتابه .رحل

بهاء طاهر إلى إفريقيا وآسيا للعمل مترجمًا.، ثم استقر به المقام في سويسرا، مترجمًا بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة، منذ العام 1981 وحتى بلوغه سن التقاعد في العام 1995، حيث قرر، وقتها، العودة إلى مصر. وخلال إقامته في أوروبا، تزوج بهاء طاهر، من سيدة سويسرية، وعن تلك التجربة يقول ان زواجه كان ناجحًا جدًا بكل المقاييس والحمد لله. ويضيف: (ربما يرجع هذا إلى أنني عرفتها جيدًا قبل الزواج، وبالطبع ازدادت معرفتي بها بعد الزواج، فتفاهمنا جيدًا). كما يرى أنه ليست هناك قاعدة عامة يمكن القياس عليها، سلبًا أو إيجابًا،فيما يخص زواج الشباب العربي المهاجر من أجنبيات، فكل حالة لها ظروفها الخاصة.لذلك لا ينبغي ان يدهش القارئ ان وصفه بعض النقاد بقولهم ( انه روائي بنكهة سويسريه ،باعتبار انه كتب أهم مراحل ابداعاته وهو في سويسرا ). يعبر  بهاء طاهرعن تلك المرحلة من حياته بعد عودته الى مصر عام 1995 بقوله (خرجت من مصر في نهاية السبعينيات؛ لأن السلطة لم تكن تقبل الإختلاف. فكان علينا إما أن نجلس في بيوتنا بلا عمل وإما أن نخرج، فذهبت إلى جنيف. تأثير المكان والغربة واضح في أعمالي “قالت ضحى”، و”الحب في المنفى” التي يقول بطلها: “هل تركت الغربة بمحض إرادتي وعدتُ بهذا الكم من الحنين؟ أم أن الغربة لا تزال تسكنني وتستوطن أفكاري؟”. وبعد العودة كتبت عملين هما “ذهبت إلى شلال” و”نقطة نور”، محاولاً استكشاف التغيرات التي حدثت في المجتمع خلال غيابي).

بهاء طاهر انجازاته ووصاياه

 احصى موقع الجائزة العالميه للرواية العربيه اصدارات بهاء طه القصصية والروائيه فذكر انه اصدر ستة روايات وخمس مجموعات قصصية ،كما قدم ستة كتب في الاطار النقدي والفكري عموما ،ثم انه بواقع عمله كمترجم ،فانه قد قدم الكثير من الانجازات في ذلك المجال ،ولكن في اطر فكريه وادبية ايضا باللغة الانجليزية وكذلك الفرنسيه .ثم في اطار وصاياه المادية والفكريه ،فاننا نورد الأتي.تأكيد

لأيمانه العميق بدور الثقافة في المجتمعات ،وبناء الفرد ،وتسليحه بالمعرفة والثقافة جنبا الى جنب بالتعليم في المدارس والمؤسسات التربويه فقد أعلن في شهر نوفمبر عام 2009 عن تبرعه بقطعة أرض ورثها عن والدته لكي يشيد عليها قصرا للثقافة في منطقة (منشأة العماري) في مدينة الأقصر وفي عام 2013، تم افتتاح المبنى في ، الذي أطلق عليه (قصر ثقافة بهاء طاهر).وصمم المبنى على طراز قرية المعماري حسن فتحي ،,القصر عباره عن تحفة معماريه شغلت مساحة 1500 متر مسطح وينقسم الى جزأين.الدور الأرضي أقيم فيه فرع لأتحاد كتاب مصر،ويشمل قاعة للمؤتمرات تتسع لمائة وخمسين شخصا وثلاث حجرات استراحة للمبيت، بغرفة استقبال، مجهزة بدورة للمياه، ومطبخ.

،بالأضافة الى الطابق الرئيسي الذي يصل اليه زائر القصر من بوابته الرئيسية وهو يحتوى على حجرات ادارية ،وعلى يسار المداخل قاعة للأطفال ،وفي المواجهة قاعة للمكتبه وأخرى للأنترنت ،وقاعة للكتاب أو الأدباء ،وفي الساحة الرئيسية للقصر يوجد سلم يؤدي الى الطابق الأرضى حيث مقر فرع اتحاد الكتاب ،كذلك يوجد سلم صاعد الى الطبق العلوى من القصر حيث توجد به مكتبة أخرى . يرحل بهاء طاهر بعد أن أوصى في مذكراته “السيرة في المنفى: أن (أبسط الأحلام التي أتمنى تحقيقها، تغيير الخطاب الثقافي برمته، هذا الخطاب المتكلس، فمازلنا نتعامل مع الثقافة كأنه أمر شرفي، جوائز ومهرجانات واحتفالات ليس أكثر ولا أقل. ويتمنى بهاء أن يتم العودة إلى ماكان دعا إليه طه حسين في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” سنة 1937 أن “القراءة الحرة ينبغي أن تكون بمثابة ثلث المناهج التعليمية على الأقل”. ويقول بهاء: تم بالفعل تطبيق هذا في العام ونصف العام الذي كان فيه وزيراً، بل وزعت علينا في المدارس كتب مجانية للقراءة فقط، وبفضل هذه التجربة بدأ أناس كثيرون جداً الاهتمام بالقراءة والثقافة..

ولد بهاء طاهر في محافظة الجيزة في يناير سنة 1935، وحصل على ليسانس الآداب في التاريخ عام  1956 من جامعة القاهرة حيث كان من العشرة الأوائل الذين يتعلمون فى الجامعة مجاناً بعد فوزة بمسابقة التاريخ وهو في المرحلة الثانوية، وحاز على دبلوم شعبة الدراسات 1973.

توفي الكاتب الكبير بهاء طاهر في أكتوبر الماضي عن عمر ناهز 87 عاماً بعد صراع مع المرض.