رسالة إلى المسلمين العرب: لا خلافة ولا رجال دين ولا دولة دينية في القرآن

رؤوف قبيسي:

لا أريد لهذه الرسالة إلى »المسلمين« العرب، إلا أن تكون حديث النفس المطمئنة إلى النفس المطمئنة، النفس التي يدعوها القرآن إلى أن ترجع إلى ربها راضية مرضية، لتدخل في عباده وتدخل جنته، والتي يقول »المسيح« إنها به تحيا وإن ماتت. تركت شيعتي وديني منذ زمن بعيد. لم أخرج لأصير كافراً، أو زنديقاً، أوهرطوقياً، أومرتداً يستحق القتل أو العذاب، بل  شديد الإيمان، بأن المرء، لا يمكن أن يكون مؤمناً،  إذا كان يعتبر دينه الحق وأديان الآخرين باطلة، وأن »النعيم« له، وللآخرين الجحيم!

 هي رسالة أكتبها مستوحياً القرآن والأناجيل، وبوحي من الإيمان، بأن أي تدين ينافي أديان الآخرين، ليس درباً سليمة إلى »الله«، وما يحدث في شرقنا »العربي العبري السرياني- مهد الرسالات السموية« خير دليل! حروب دينية لا مثيل لها في العالم، بين »مسلمين« و »مسيحيين«،  بين »سنة« و»شيعة«، بين »سنة« و»علويين«، بين دواعش وأقليات عرقية دينية ومذهبية، وبين »مسلمين« و»يهود«، عمرها من عمر الإسلام، وقبل أن تولد إسرائيل بقرون!

 الأديان والمذاهب تصنيفات تحدث شروخاً بين البشر. هكذا كانت عبر التاريخ، ومهما عقد رجال الدين والمذاهب في الشرق والغرب، مؤتمرات وندوات ومجالس، تحت عنوان »حوار الأديان«، أو »حوار الحضارات«، فسوف يفشلون. قد يخرجون بقرارات ووعود، وأدعية وصلوات، غالباَ ما تكون مسكّنات تخفف الوجع إلى حين، لكن هيهات أن تستأصل المرض من أساسه، لأن التدين، ساعة يشتد، لا يعود للإيمان وجود، خصوصاً إذا سادت الجهالة والبطالة والأمية، لذلك خاطب »المسيح« أتباعه بالقول: »لا تفسدوا الوصية بالتقليد«، وقدم الإيمان على الطقوس بقوله »إن الله يريد رحمة ولا يريد ذبيحة«، ولذلك جاءت القرآنية لتقول: »ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر«.

الدين يصادر الإيمان، يسجنه في طقوس تتحجر مع الزمن، وتشعل الفتن والحروب، ولا غرابة أن يقول ماركس إن الدين أفيون الشعوب. لم يقل صاحب نظرية الحتمية المادية، إن الإيمان أفيون الشعوب، بل قال إن الدين أفيون الشعوب، لأن في الإيمان أبعاداً إنسانية لا يظهرها التدين، أو هي في الدين، لكنها لا تظهر إلا »لمن أتى الله بقلب سليم«. هكذا أفهم القرآن،«ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثمّ وجه الله«، وهكذا أفهم حوار »يسوع« مع السامرية عند بئر يعقوب، ساعة قالت له: »آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي يجب أن يسجد فيه، أجابها: لا يا إمراة، لا في هذا الجبل ولا في أورشليم، الله روح، والذين يسجدون له، فبالحق والروح يجب أن يسجدوا«

 بحثت عن »الله« في الكتب علني أقف على شيء من أسرار الوجود. جعلني البحث عن هذا »الخالق«  أجلّ »الكتب السموية«، ومنها هذا القرآن الذي عليه عاش آبائي وأجدادي. لا أميل إلى رأي من يزدريه، كما يفعل بعض العلمانيين والملحدين والدارسين، ولا آخذ برأي متدين يعتبر كتابه خير الكتب، ويسّفه كتب الآخرين. أقول هذا على رغم إعتقادي الذي لا يتزعزع، بأن لكل إمرىء الحرية أن يقول ما يشاء. فولتير«الكافر« بنى كنيسة لأهل قريته، وكان يقول: »لا أومن بما به تؤمن، لكني أجرد سيفي للدفاع عن حقك في أن تؤمن بمعتقدك الذي لا أصدقه«. عاش فولتير في القرن السابع عشر، لكن قبل أن يولد هذا الفيلسوف الفرنسي بمئات السنين، جاء القرآن فقدم المعنى بكلام أوضح وأكثر إيجازاً، وأشار على »نبي« الإسلام بأن لا يكون على الناس وكيلاً ولا وصياً، وخاطبه بالقول: »ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين«.

كثيرون  يفسرون هذه الآية، وآيات تدعو إلى حرية الاعتقاد، كآية »من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر« على أنها لا تلغي »الجهاد«، ولا تنفي واجب قتال »المشركين«. يستشهدون بآية تقول: »وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله«، وآية ثانية »واقتلوهم حيث ثقفتموهم«، وآية ثالثة تقول: »إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم«. يسمونها »آيات السيف«، على رغم اعتراض بعض الفقهاء على الاسم، ويأخذون بمبدأ »الناسخ والمنسوخ«، أي السور التي تسود على ما جاء قبلها من سور، لتكون عندهم أساس الشريعة..

لن نأخذ بشروح المفسّرين والشرّاح، هي كثيرة وفيها تناقض، وقد تضعنا في مأزق، خصوصاً ما جاء قبل من السور، وما جاء بعد، وما هو مدني من الآيات وما هو مكي، في حين أن المطلوب قراءة إيمانية غير حرفية للنصوص، وهذا كل شيء! قراءة، ترفض مبدأ »الناسخ والمنسوخ« لأن التفاسير حولها كثيرة، وتأخذ بفقه التيسير، وتعتبر أن »آيات السيف« من أحكام الزمن الغابر، وأنها كانت مرتبطة بظروف استثنائية، وبسياق تاريخي جاءت فيه. من ثمّ، ألا يعلم أهل »الجهاد« أن »كفار الأمس« غير »كفار اليوم«؟  »كفار الأمس« سلاحهم السيف، مراكبهم الخيل والإبل، في حين أن »كفار اليوم«، سلاحهم أسلحة دمار شامل، يستطيعون أن يبيدوا بها »المسلمين« في عقر دارهم، إذا حاربهم المسلمون« في عقر دارهم! عليه نتساءل: ما الأفضل للإسلام والمسلمين، أن يأخذوا بالسيف، ويقوم من بينهم، من يفجر نفسه في بيروت ودمشق، وبغداد وباريس، أم يأخذوا بآيات السلم والصفح والرحمة والمحبة؟!

 القرآن يقول للنبي: »ولو كنت فظاً غليظاً لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين«. أما التكابر الذي يلجأ إليه المتزمّتون، فجهل مطبق بتاريخ الأديان، ولقد ذكرت في غير موضع، أنني لا أغيّب السيف من المعادلة، وأقول إن الإسلام لم ينتشر بحد السيف، وإنه لم يفرض عنوة. في مراحل كثيرة قام على السيف وساد من غير شك، لكنه لم يقم  بالسيف وحده ويسد، انتشر أيضاَ بالهجرة وحرارة الإيمان، ولو لم تكن فيه أشياء تلبي حاجة لدى البشر في طريق بحثهم عن »الله«، لما وصل إلى أماكن بعيدة في العالم لم تطأها أقدام »الفاتحين«. مهما يكن، السيف ما كان يوماَ وقفاً على الإسلام وحده. المسيحية فٌرضت عنوة أيضاً، وفي أمكنة وأزمنة كثيرة في التاريخ. فرضها قسطنطين ديانة رسمية في الأمبراطوية الرومانية، وفرضها الأمير فلاديمير في روسيا قبل نحو ألف عام، وجعلها الملك هنري الثامن بروتستانتية خالصة، حين فصل مملكته عن بابوية روما الكاثوليكية، ومهد إلى ما عرف في ما بعد بكنيسة إنكلترا. شبيه بذلك أيضاً ما فعله الشاه اسماعيل الصفوي، قبل نحو 500 سنة، عندما أخذ بالسيف القاطع وسيلة، وجعل من إيران »السنية« دولة »شيعية«، ليصد خطر العثمانيين عن حدود مملكته الفارسية.

 وجود السيف في »الكتب المقدسة« الأخرى، مسيحية ويهودية، خير رد على القائلين إن من المستحيل أن تولد دولة مدنية من رحم قرآن يوصي بقطع يد السارق، وقتل الكفار، وجلد الزاني والزانية، وأن تكون هذه الدولة علمانية دهماوية، )الدهماوية، هي الترجمة العربية للكلمة اليونانية ديموقراطية، وقد جاءت في معاجم اللغة بمعان مغايرة، لأن الحاكم لم يستأنس بمعناها الذي يعني الحكم للشعب(! هؤلاء ينسون، أو يتجاهلون، أن الدولة المدنية في الغرب لم تنشأ إلا بعدما تخطت نظرة الكنيسة الضيقة إلى الحياة، وحسبت العنف الذي في »الكتب المقدسة«، من أحكام الزمن الغابر، لذلك، على المتنورين من المسلمين، ورجال الدين الورعين الأتقياء، أن يطرحوا  تفسيراَ معاصراً للقرآن، يتخطى أحكام الزمن القديم، ويأخذ بفقه التيسير، الذي يستوحي الأحكام من آيات كثيرة مثل آية »يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر«، وآية »وما جعل عليكم في الدين من حرج«، وآية أخرى تقول: »يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا«، ومثلها أيضاَ« لا يكلف الله نفساً إلا وسعها«.