زهرة العراق الفواحة 

رحلت شاعرة العراق ذات الإحساس الوجداني المرهف ،، وذات الصوت العذب في القائها ابياتاً من شعرها الذي يدخل قلوب مستمعيها دون استئذان وهي تتحلى بابتسامتها الشفافة التي لم تفارق شفتيها حتى في أشق مراحل حياتها ،،، رحلت الامرأة العراقية التي لم تتخلّ عن زيها العراقي الجنوبي الأصيل والذي تمتد أصالته لجدتها السومرية ( شبعاذ) وتتزين بمجوهرات تشبهها ولا تليق لغيرها .

رحلت الشاعرة الإنسانة لميعة عباس عمارة ،، استقلت زورق جدها “ابونابشتم ” حيث الخلود الذي تستحقه

ليس هناك عراقي لا يعرفها ،، بل ويعتز ويفخر بها .

هي من شعراء الرعيل الاول من رواد الشعر الحر ،، فقد عاصرت وزاملت بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وسعدي يوسف ،،، وقد ملأوا حياة العراق الشعرية في نهاية الخمسينات والستينات من القرن الماضي ،، بثورتهم الشعرية اداءً ومعانٍ ، وهم بالصدفة من جنوب العراق ( البصرة والعمارة ) .

اكثر ما تميزت به لميعة عباس عمارة رقة الإحساس ودفء النبض في قارئها اومستمعها وأجملها ترجمتها لمشاعر وأحاسيس المرأة العربية والعراقية بالأخص ،، تطلعها للإفصاح عن تلك المشاعر وخجلها الأنثوي المحبب من ذلك ،، إحساسها بأنوثتها وعفوية تفاعلها معها ثم تمردها على عوامل تقييدها بفعل المجتمع الذكوري الذي يحوّر كل شئ لسيطرته ،،. احبت الرجل وتغزلت به واعلنت حبها دون مواربة ،، وكرهت سيطرته ورفضتها في آن واحد ،، فكانت عنوان الثائرة الملتزمة كما كانت مثلا لكثير من نساء العراق .

نعم رحلت لميعة كما رحل قبلها من شعراء الريادة في الشعر الحديث ،، بدر ونازك وبلند الحيدري وَعَبَد الوهاب البياني وسعدي يوسف ،، ولكنهم باقون بخلود أشعارهم ومواقفهم التي لا تنسى .

كانوا شعراء المرحلة واهم من ذلك كانوا مناضلين في صفوف الطليعة من الشعب العراقي الثائر ،، وكانوا كما كل الأحرار يأملون ان يروا عراقا حراً آمناً يتمتع بالاستقلال والسيادة والكرامة الانسانية والقومية ويخدم أمته والعالم بعلمه وفنه وتقدمه ،،، ولم يتوانوا عن دفع ثمن ذلك فكلهم ودعوا الحياة الى رحمة الله تعالى في الغربة بعيدا عن التراب الذي جبلوا منه وعن نسائم هوائه العذب ورائحة نخيله وزهوره التي لا تشبهها زهور عطرة في اي مكان ،، رحلت لميعة وما زال في نفسها أمل لم يتحقق ،، ان تعود يوما للعراق زهرة متفتحة تنشر عبقها في ارضه وبين أهله وأحبائه ،،، ولا ادري ان كان هذا حلمها ام حلم كل عراقي وعربي هُجِّر من وطنه ظلما وعدوانا .

ندعو الله عز وجل ان يتغمد روحك برحمته ويجازيك عنا خير جزاء

العدد 118 / تموز 2021