سريالية الحراك

جاد الحاج

افرز الحراك الشعبي اللبناني كماً كبيراً من التعليقات والنهفات والاناشيد والشعارات ناهيك بالتلفيقات القريبة الى التشكيل السريالي احياناً! ولعل  »مأثرة« احتلال قصر الرئيس ميقاتي في طرابلس واحدة من نسج خيال سينمائي لافت. عُزيت تلك المأثرة الى الزميلة  »الديار« التي لم تجد ضرورة لنفي الحكاية باعتبار انها تنفي نفسها بنفسها!

 تحت عنوان : لجنة الفقراء تسيطر على قصر الرئيس ميقاتي في طرابلس وتدخله! استطرد  »المبتكر«: قامت لجنة هيئة الفقراء في طرابلس حيث الفقر الكبير والعائلات المعدمة بتنظيم اقتحام قصر الرئيس ميقاتي في الميناء، بلغ عددهم ستة آلاف تمكنوا من دخول القصر الذي جاوزت تكاليفه ستمئة مليون دولار. علما ان الرئيس ميقاتي كان قد سحب ما قيمته اربعمئة مليون دولار من اللوحات والمقتنيات الثمينة ونقلها الى مخزن في بيروت بكلفة 25 الف دولار في اليوم الواحد! لكن اللجنة المذكورة سيطرت على القصر والحديقة بعدما خلعت الابواب ودخلت بلا مقاومة تذكر!

ويستطرد الخبر: مساحة القصر 5400 متر مربع ويتسع لحوالى ثمانية آلاف شخص. خلعت اللجنة باب مخزن جوفي تحت الارض حيث عثروا على كميات هائلة من كافة انواع المأكولات في 22 برّاداً اضافة الى اكثر من ثلاثة آلاف معلبة من كل الانواع وكلها اجنبية الصنع. كما تم اكتشاف اكياس من الفاصوليا واللوبياء والحمص والحبوب الاخرى في مستودع مساحته 1500 متر مربع حيث وجدوا فرناً ضخماً من صنع فرنسي لا يحتاج الا الى وضع الطحين والماء كي يعمل اوتوماتيكياً فيخرج ارغفة جاهزة للطعام. قاموا بتشغيل الفرن وانتجوا مئتي الف رغيف وتم توزيعها في ربطات من ثمانية ارغفة على باب التبانة وباب الحديد والاسواق القديمة… ثم نقلوا كميات وافرة من الحبوب الى منازل الفقراء…

 اتصل الرئيس ميقاتي بالمراجع الامنية وطلب اخلاء قصره، لكن السلطة لم تستطع تنفيذ المهمة لئلا يؤدي ذلك الى مجزرة. وقد قدّر احد المهندسين سعر محتويات المطبخ باربعين مليون دولار، فالفرن وحده قد يساوي 12 مليون دولار. وهكذا لم يعد بمقدور الرئيس ميقاتي العودة الى قصره على رغم اتصالاته الحثيثة، اذ يبدو ان المحتلين لم يجلبوا شيئاً معهم فالقصر مجهز بكل ما يحتاجونه لتمضية شتاء دافئ، خصوصاً انهم وجدوا فيه حهازاً حديثا للتدفئة وخزان مازوت يتسع لاربعمئة الف ليتر مما يكفي لأربعة اشهر تقريباً.

وقامت لجنة من وجهاء طرابلس بالتفاوض مع لجنة الفقراء طالبين منهم اخلاء القصر والحصول على خمسين مليون دولار تصرف في احيائهم. قالت لجنتهم ان من يملك ثروة قدرها 37 مليار دولار عليه ان يقدم ملياراً على الأقل خصوصاً انه لم ينفذ ما وعد به قبل الانتخابات، فما زالت احياء طرابلس الفقيرة تضم حوالى 80 الف لبناني يعيشون تحت خط الفقر بينما يرتع زعماؤهم في رغد يفوق الوصف. ويذكر  »مؤلف« الحكاية ان الرئيس ميقاتي رفض طلب اللجنة ثم تراجع ورفع المبلغ الى 75 مليون دولار… والحبل على الجرّار كقول المثل. فاذا استمرت الازمة لا بد ان ينتقل عدد كبير من  »المبدعين« اللبنانيين الى مصاف السرياليين الذين بدأوا بعد الحرب العالمية الاولى يتخيلون عالماً من نسج الخيال الهارب من واقع تعس وبائس خلفته الحرب.

العدد 100 –كانون الثاني 2020