عادل امام .. وظاهرة ممثل 

 واكب من خلال اعماله حركة التطور بألوانها المتعددة

ظهر في دور صغير على خشبة المسرح،وهو في اول مشواره  الفنى،عام 1963 ،ولكن الدور التصق في ذاكرة الجمهور،ومن خلال عبارة واحده، أوجز معانيها خلال النطق بها وبملامح التعبير للشخصية التي يقوم بأدائها في المسرحيه وهي شخصية (السكرتير) في مكتب المحامي ،وتحمل في عمقها الكثير من الأدانة للمجتمع،والأستنكار لأحكامه المبتوره،التي تعيراهتماما خاصا لعنصر واحد في التقييم للشخصية وهو المؤهل، دون اعتبار للكفاءة

نجم النجوم من حيث الشهرة واثرها البالغ في حجم القيمه

كمعياروكانت العبارة (بلد بتاعة شهادات بصحيح ).كانت العبارة احتجاجا موجزا ممن يعتقد أن في كفاءته ومواهبه الذاتيه الكثير من العطاء و الثراء،ولكن في الوقت نفسه  لا يصادف في موقعه  التقدير المناسب أوالاهتمام الملحوظ ،بل يجد التناقض المقرون بالكثير من الاجحاف. كان هذا الدور الصغير ايذانا بميلاد فنان كبير،وهو ما يترجم مقولة راسخه (ليس هناك في العمل الفني دور صغير أو دور كبير من حيث المساحة،ولكن هناك فنان كبير وفنان صغير من حيث العطاء وكم التأثير مهما كان حجم الدور).هكذا وضع (عادل امام) بصمته على الدور،وبشر بمكانة ذات وزن ثقيل في عالم التمثيل بأشكاله المتعددة .

عادل امام .. لم يكن الأول

سبق عادل امام  على عرش الكوميديا فنانون افذاذ،وفي طليعتهم(نجيب الريحاني 1889 – 1949) حيث كان في طليعة الرواد،وقد لقب(زعيم المسرح الفكاهي )سواء في مصر أو في العالم العربي، وان حاولنا تقييمه فان الفضل يرجع اليه في تطويرالمسرح في اطاره الكوميدي،وارتباطه بالحس الشعبي ،والحرص على استخدام اللهجة المصريه اليوميه ،بأشكالها الدارجه ،بعد ان كانت مرتبطه بسياقات اللغة والتقاليد الأوروبيه خصوصا وان مدرسة الريحاني ارتبطت الى حد كبير بالترجمة من الأدب الفرنسي ،وقامت تلك المدرسة من خلال استاذين عظيمين بديع خيري

اول مسرحيه
حملته الى البطولة المطلقه

ونجيب الريحاني بالترجمة والتمصير.نسب الى الريحاني قوله (نبحث عن خليط من اللغة العربيه الفصحى والعاميه.نريد مسرح مصري،مسرح ابن بلد، فيه ريحة (الطعميَّة والمُلوخيَّة)،مش ريحة البطاطس المسلوقه والبُفتيك… مسرح نتكلَّم عليه اللُغة التي يفهمها الفلَّاح والعامل ورجل الشارع،ونُقدِّم لهُ ما يُحب أن يسمعهُ ويراه.

برز ايضا في حقبة الاربعينات بعض الفنانين الذي تميزوا بخفة الظل،والأداء الكوميدي الذي يعتمد

على اثارة الضحك من خلال سمات الوجه،وحركة الجسد، بالأضافة الى فن المونولوج الساخر،وبرز  منهم اسماعيل ياسين ومحمود شكوكو،ولكن كانت هناك طلائع جديده ،في سبيلها الى البزوغ،تمثلت  في محمد عوض وامين الهنيدي، ومحمد رضا ،وفرقة ثلاثي اضواء المسرح ،وكانت مسرحية (جلفدان هانم) 1963 هي التي سجلت نجاحا ملحوظا لمحمد عوض حتى بشرت بعض الاقلام انه الفنان الكوميدي الذي سيحتل مكانة الريحاني،ولكن تلك كانت نبوءة متسرعه،رغم انه قدم مسرحيات ناجحه  ،ولكنها لم تكن ذات قيمه كبيره . كذلك الأمر مع كل من امين الهنيدي ومحمد رضا فقد قدما عدة اعمال سجلت نجاحا الا انها لم تكن اعمالا واعدة بتقديم نجوم محلقة.

فؤاد المهندس .. فارس الميدان

كان اول ظهور للفنان فؤاد المهندس على شاشة السينما 1954 في فيلم (بنت الجيران) بطولة شاديه وعمر الحريري واخراج محمود ذوالفقار،وكان فؤاد المهند س هو(الوجه الجديد) في الفيلم و  ظهر باللون الذي عرف به وهو اللون الكوميدي،كما انه كان أحد أهم ابطال برنامج اذاعي شهير ظهر ايضا في بداية الخمسينات وهو برنامج (ساعة لقلبك) تقديم الأذاعي فهمي عمر، ،وقد تمتع  هذا البرنامج بشعبية كبيرة ،وكان من ابطاله عبدالمنعم مدبولي وخيريه احمد

مسرحية استعار
الاعلام اسمها واطلقه لقبا للفنان

وامين الهنيدي،وظهر فؤاد المهندس في عدة افلام في ادوار صغيره الى ان قام ببطولة مسرحية (السكرتير الفني) مع الفنانه شويكار وكان اول ظهور مسرحي لها. نجحت المسرحيه بشكل مدو،ولمع نجم فؤاد المهندس بصوره صارخه ،ومن ثم بدأ صعوده الفني كنجم يتمتع بجماهيرية في السينما والمسرح والتلفزيون وكذلك في الأذاعة.  .تعددت اعماله المسرحيه،وفي مسرحية (انا وهو وهي) عام 1963 قدم وجها جديدا هو عادل امام ,ارتفع الى القمة بعد ذلك بسرعة الصاروخ،لكي يتربع على عرش الكوميديا بلا منازع، مع التقدير الكبير لمكانة  سمير غانم ،كما ظهر في عام 1966 في فيلم (مراتي مدير عام ) مع شادية ،وكتب في حينها الناقد الفني جليل البنداري (احفظوا ذلك الأسم عادل امام فهو بطل الكوميديا القادم ) .

عادل امام

ومواكبته لحركة التطور الوطني

بدايات عادل امام كانت تنحصر في ادوار صغيرة،ويبدو انه لم يكن على عجل ،فاّثر ان يتمدد ،بمعنى ان ينتشر،قبل ان يركز ويختار فيصعد . في المسرح ظل في ركب فؤاد المهندس ،ومسرحياته المتتاليه ،وقد توسم المهندس في موهبة عادل امام الكثير من العطاء،وقال عنه( عادل امام هو ابني البكر) في التمثيل بالطبع ،ولكن عادل امام قد وجد فرصته في المسرحيه الشهيرة (مدرسة المشاغبين) مع سعيد صالح ،واحمد زكي، ويونس شلبي، وهادي الجياروسهير البابلي،وهنا بدأت انطلاقته،ولمع بريقه.لكن

شهادة ميلاده الحقيقيه كنجم يعتد به،ويمكنه وحده ان يتحمل مسؤوليه عمل كامل كبطولة مطلقه كانت مسرحية ( شاهد ماشافش حاجة ) .وكانت المسرحيه تجمع في فصولها بين الكوميديا والدراما،وتدور حول شاب بسيط ،وعلاقته

فيلم بالغ الجرأة عالج نظرة الارهاب للمفكرين

بمطبات الحياة ،وماّزقها،ومن ثم تنضجه التجربه رغم مرارتها ،المسرحيه حملت الكثير من الاشارات الناقده لأوضاع المجتمع،وقواعد الحكم مما اثري موضوعها،  وعزز من جماهيريتها ،وتعد من انضج مسرحيات عادل امام، مع تعدد المسرحيات،وتعدد سنوات المشاهده كانت شعبية عادل امام تتأكد من خلال ذلك الأقبال الذي يحظي به ،ومن ثم اطلق عليه لقب(الزعيم) تزامنا مع عرض احدى مسرحياته بذلك التوصيف ( الزعيم ) .تتلخص المسرحيه في وجه التشابه من حيث الشكل بين مواطن وبين رئيس احدى الدول ،مما جعل الأجهزة الأمنية في تلك الدولة تستعين به لأنقاذ (الزعيم) الحقيقي من مؤامرة تستهدف اغتياله.ايضا على نفس النسق الذي سارت عليه مسرحية ( شاهد ماشافش حاجة) في نقد بعض الظواهر السلبيه سواء في المجتمع او في قواعد الحكم  وظاهرة الزعيم بشكل عام .ربما يرى الكثيرون ان مسرح عادل امام كان مسرحا يبحث عن الضحك،اكثر مما يحث على الفكر،مثل مسرح محمد صبحي مثلا ،وان في تاريخه المسرحي كبطل لا يسجل له عملا كان مؤثرا الا مسرحية ( شاهد ماشفش حاجة) ولكن ذلك لا يقلل من شأنه ،فقد نشر البهجة،وأثار الضحكه ،وكان على الدوام كامل العدد .قدم عادل امام ما يقرب من (11) مسرحيه اشهرها مدرسة المشاغبين وشاهد ماشافش حاجة والزعيم.ثم لابد ان نسجل له موقفا اثناء عرض مسرحية (الواد سيد الشغال) أن حدث في  اسيوط ان اقتحمت مجموعة من المتطرفين عرضا مسرحيا لأحد فرق الشباب في مدينة أسيوط في صعيد مصر،ومنعوهم تحت تهديد السلاح من عرض المسرحيه التي يقدمونها،وأثار هذا الحادث ضجة كبيره في مصر.استفزت هذه الحادثة مشاعر المصريين بشكل عام فما كان من عادل امام الا أن قرر الأنتقال الى مدينة اسيوط،وتقديم مسرحيته في نفس المدينه،وعلى نفس المسرح ، تضامنا مع الشباب، وتحديا لغلاة التطرف في محاولتهم لمحاصرة الفن .

عادل امام والاذاعة

هي التجربة الوحيده التي خاضها العندليب الاسمر الراحل عبدالحليم حافظ ،وهي اقدامه على تقديم مسلسل اذاعي عنوانه ( أرجوك لا تفهمني بسرعة )  كتبه الصحفي الكبير الراحل محمود عوض ،وقام بتمثيله مع عبدالحليم حافظ النجمه الكبيره المعتزلة نجلاء فتحي ، والنجم الصاعد بسرعة الصاروخ عادل امام وأخرجه الفنان المخرج الراحل محمد علوان . لقد تبني عبدالحليم هذه التجربة بوجدانه المرهف ،قبل صوته المعبر ،وأدائه التمثيلي المتميز وقد قال عنه الموسيقار الخالد محمد عبدالوهاب انه بالأضافة الى نبرة صوته الجديده والمختلفة فان اداؤه التعبيري كان ايضا متميزا لدرجة انني حين اراه أو اسمعه يمثل فانني اشعر بسعادة وكأنني اسمعه يغني . كان هذا المسلسل الأذاعي هو المسلسل الاذاعي الوحيد في حياته ،وكان بمشاركة عادل امام ،وقد حقق نجاحا كبيرا حين اذاعته عام 1973 من خلال اذاعة الشرق الاوسط ، لكنه لم يكتمل بسبب قيام حرب أكتوبر في العاشر من رمضان  73 فتوقفت الاذاعة عن بثه ، ثم تمت العوده إلى استكماله في صيف 1974.

عادل امام .. والسينما

يعد عادل امام أغلي نجم من حيث الأجر في السينا العربيه،ومن جانب اّخر يعد كذلك  أرخص نجم ،فالأيرادات التي تحققها افلامه للمنتج ،تجعل من أجره مبلغا صغيرا أمكن تعويضه ،وتحقيق معدل أكبر في الحساب الختامي للعملية الانتاجيه .قدم عادل امام لصناعة السينما عدد 126 فيلما ،تنوعت معالجاتها ،مابين الكوميديا الخالصة ،وبين التراجيديا او الدراما الباسمه .قدم عادل امام افلاما انسانيه ذات حس اجتماعي بالغ في قالب كوميدي مثل (المتسول ،والهلفوت والغول والمشبوه ،وحتى لا يطير الدخان والمولد) وقدم افلاما في مواجهة الأرهاب ،والتطرف الديني ومنها ( طيور الظلام ،الأرهابي

وقد شكل هذا الفيلم أزمة من أشدأزمات عادل إمام مع الجماعات الإسلامية،حيث قامت هذه الجماعات، بتهديده بالقتل على خلفية اتهامه بالسخرية منها،أوما يعرف بالإسلام السياسي، وقد رمز ذلك الفيلم للمفكر الراحل (فرج فوده) ،ثم أزمة فيلم الأفوكاتو،وقد قدم عادل إمام في هذا الفيلم شخصية حسن

سبانح المحامي الفاسد الذي يستغل الثغرات القانونية لتخليص المجرمين،وقد حكم على عادل بالحبس   لمدة سنة بعد تمثيله لمشهد لقاض منحرف إلا أن الحكم تم إلغاءه لاحقا.أخيرا وليس اّخرا،فقد قام

أحد المحامين في 2012 دعوى قضائية يتهمه فيها بإزدراء الدين الإسلامي بأثر رجعي عن مجمل أعماله مثل فيلمي الإرهاب والكباب ومرجان أحمد مرجان، وتم الحكم عليه وقتها بحبس عادل إمام 3 أشهر وتغريمه 1000 جنيه، وجرى تأييد الحكم لترفض بعدها المحكمة الدعوى من الأساس لعدم وجود جريمة.في الاعمال السينمائيه لا يمكن ان نغفل لعادل امام فيلمين (حسن ومرقص)و( السفاره

في العماره) وقد تناول في الفيلم الاول قضية الفتنه الطائفيه،ومدى زيفها في اطار العلاقة التاريخيه بين الاديان في مصر،ومدى سموها وصدقها،وتناول في الفيلم الثاني (السفارة في العماره) قضية

السلام في المنطقه عمادها عدم سلب الاوطان،وان العنف علاجه العدل والحق الفلسطيني المشروع.

عادل امام والتلفزيون

كان طبيعيا ان تسعي الشاشة الصغيره الى وهج عادل امام،وتقدمه في العديد من المسلسلات،وحقق منذ ان قدم اول اطلالته نسبة عالية من المشاهده،لعلنا في تلك العجالة نقدم بعض نفائسها، فنشير الى مسلسل ( احلام الفتى الطائر) عام 1978،وهو من تأليف الكاتب المبدع وحيد حامد ،ثم  عام 1980

قدم رائعة الكاتب صالح مرسي مسلسل (الدموع في عيون وقحة)وهو عمل يكشف عن بطولات جهاز المخابرات في اختراق عالم الجواسيس ،واماطة اللثام عن اساليبهم واعمال التجنيد والتخريب .منذ

عام 2012 دأب عادل امام ان يقدم في كل عام مسلسلا جديدا ،فقدم فرقة ناجي عطالله في تلك السنه ،وحقق نجاحا ومشاده عاليه ،لاسيما وقد جرت فصوله في العديد من العواصم بما فيها عاصمة الكيان الصهيوني،واستمر في تقديم اعماله حتى مسلسل (فلانتينو)عام 2020 ،ويقال انه قد اعتزل بعد ذلك المشوار الطويل ،الذي بدأ في اوئل الستينات ،لم يخب نجمه ،ولم يتوار ،بل كان في صعود متواصل حتى لقب بنجم النجوم ،وايضا لقب بالزعيم ،وهي القاب حصل عليها جماهيريا ،وليس بفعل سلطه او تدخل حاكم . انها مكافأة مشوار العمر، وحصيلة جهاد السنين ،تلخصت في حب الناس وهي المكافأة الأعظم ،والتكريم الحقيقي لأي فنان.عادل امام سجل ضخم من الاعمال الفنيه ،و نبرة شديدة الوضوح ،وبصمة عالية التأثير.