السودان … في حلبة النار

عواصف السياسه وفوهات السلاح

الى اين يمضي السودان …؟ سؤال يشغل بال كل عربي ،وافريقي ، ويحاول جاهدا ان يبحث عن حل ،او يبتغي رجاءا صادقا ، ممن يرفعون الأصوات الآن منادين بالتعقل ،والرأفة بالضحايا الذي يتساقطون على أرضه الطاهرة .السودان الآن في حلبة النار ،يستعر لهيبها من كل جانب،وتنتشر الفتنة بألوانها الصارخة  في بعض  اقاليمه،تهدد وتتوعد،ويتردد صداها في كل ربوعه،وهناك في كل ولاية من ولايات السودان من يناصر جانبا من المتحاربين، بصرف النظر عن حجم المؤيد او المعارض  ،والمجتمع الدولي ،وان كانت له مؤسساته التي تنادي بالسلام الذي

الفريق عبدالفتاح البرهان
الشرعيه الحقيقيه هي امان الشعب

ينبغي ان يسود العالم ،وان يكون التعاون والتكاتف والتاّزر هو ديدن الحركة بين الشعوب ،وان تكون الحرية هي العلم الذي يرفرف على كل ارجاء الكون ،الا ان الحقيقة الدامغه ،التي أكدتها التجربة عبر التاريخ ،أن المجتمع الدولي لا يملك – غالبا – ضميرا خالصا يتناسب او يتماثل مع شعاراته.لقد تعرفنا في عالمنا العربي على أكثر من تجربه ،وأكثر من مأساة ،بل وأكثر من نكبة. حتى وان كانت فلسطين يقينا هي النكبة الأكثر فداحة في التاريخ ،فان مثيلاتها من الدول العربيه  تقاسمها شراسة الهجمة الأستعماريه ،وعنف المأساة ، و وضراوة التجربه . في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وفي لبنان ،بل وفي السودان الآن ،وبأيدي نفر من ابنائه ،أعمتهم شهواتهم عن الرؤية الصائبه والنفاذ الى ضراوة المعارك ودقائق تفصيلاتها،ولا يغيب عن بالنا الخطوة الأولى التي تجلت في قرار التقسيم وقيام دولة من رحم دوله،وظهور دولة (جنوب السودان) التي  يقدر تعدادها عام   2021 بنحو 11,193,725 مليون من رحم دولة (السودان) .

السودان الكبير

لم يعرف التنميه رغم تعدد انظمة الحكم

تشتعل الأن الحرائق من جديد ،والهدف واضح ،وهو المزيد من التشرذم والتفكك والتفتيت، لكي يسد نهم قوى أخرى تلهث وراء التقسيم من جديد ،لكي تنفذ وتجنى الثمار،وتحقق المصالح .لقد توالت الكثير من النظم على الحكم في السودان منذ ان حصل على استقلاله  عام 1956،وتعددت توجهاتها ،وعقائدها السياسية والفكريه. عرفت اليمين بأشكاله ،واليسار بقناعاته .الحكم بقواه المدنيه ،وبالهيمنه العسكريه ،ومع ذلك لم يعرف السودان بالرغم من تنوع ثرواته ،وعمق احتياجاته ،باعتباره أكبر الأقطار الإفريقية والعربية مساحة،وبناء على  هذه الرقعة الواسعة من

الفريق حميدتي
لا يعرف سوى شرعية السلاح

الأرض،فاننا لم نتعرف ابدا على اي جهد حقيقي لعملية تنمية جاده ، أوتطور في اي بنية اقتصادية او ثقافيه أو فكريه على اي نوع من الانواع ،في الوقت الذي يضم السودان في مجتمعه ،العديد من الأجناس والمجموعات العرقية والسلالات ذات الأصول السامية والحامية والزنجية، والتي امتزجت واختلطت عبر مئات السنين، وكوَّنت تلك المجموعة العرقية والقبلية المعروفة الاّن على ارضه ، وظلت سلطة الحكم في حاله من الأنغلاق واقتصرت على ذلك التداول الملحوظ بين المؤسسه المدنيه والمؤسسه العسكريه، يتبادل كلاهما الحكم مع الآخر ،أو بالتنسيق مع الآخر على نحو درامي حينا  بقيام الثورة ،أو حدوث انقلاب عسكري،أوفي حالة ديموقراطيه حينا اّخر باجراء الانتخابات التقليدية ، ،والملاحظ عموما أنه منذ حصل السودان على استقلاله ،انفتح الباب على مصراعيه للشهوات المحلية المغزوله  أحيانا بالرؤي الخارجيه ،وقد دخلت في اطارها الصراعات على الحكم ،بدلا من النهوض بالدولة الوليده ،أوالأنفتاح على ضرورات التنميه وتعزيز الأرادة الوطنيه،واحترام العوامل العرقيه  والدينيه التي  ينبغي لها أن تمتزج على الارض السودانيه  وتصهر في اطار الوطن الواحد الذي يتسع للجميع ،بديلا عن الفرقة أو اثارة النعرات

السودان ومرجعياته في الحكم

عرف السودان في بدايات حكمه نظام الأحزاب التي تقف وراءها الجماعات الدينيه الصوفيه السائده في مجتمعه،مثل(الحزب الوطني الأتحادي) وكان من الداعين للوحدة مع مصر،ويتزعمه اسماعيل الأزهري

  قبل ان ينقلب على تلك الدعوة ،ويقف بجوار حزب الأمه بالدعوة للأستقلال ويستند هذا الحزب الى ( الطريقه الختمية) ، ثم (حزب الأمه) ويتزعمه عبدالرحمن المهدي،ومن خلفه (ألأنصار) وتكشف تلك

الحالة عن مدى التلاحم بين القيادة الدينيه  لتلك الجماعات والأحزاب السياسية القائمه في ذلك الحين،ولكن فيما بعد نشطت قوى سياسيه متنوعه ،ودعوات ايدولوجيه ودينيه وفكريه مختلفة ،تخطت في حركتها الولاءت التقليدية خصوصا في الجامعات، وتشكلت منها الأحزاب الحديثه، ومنها جماعة الأخوان المسلمين ويسارية مثل الحزب الشيوعي السوداني ،وكان حزبا قويا ،ولكن تم ضربه بشدة في عهد النميري بعد محاولة الانقلاب التي قام بها(هاشم العطا) عام 1971  وقوميه مثل حزب البعث والحركة الناصرية ، وتيارات أخرى كالليبراليين والمستقلين ،وكذلك بعض القوى السياسية الجنوبية،التي ترتكز قواعدها على مناطق وإثنيات محددة ، مثال الحزب القومي  المتحد الذي كان يقوده الأب فيليب غبوش، الذي اعتمد على أصوات منطقة جبال النوبة التي ينحدر منها ، وكذلك بعض الأحزاب الجنوبية  ثم حزب مؤتمر البجا شرقي السودان، ثم برزت الحركة الشعبية لتحرير السودان كحركة مسلحة في  عام 1983.اسس حسن الترابي حزب جبهة الميثاق الاسلاميه التي تحمل افكار جماعة الاخوان المسلمين، وقد قفز به عبر العمل على زيادة العضوية من خلال التجنيد في المدارس والجامعات الى ان اصبح ثالث اكبر احزاب السودان ينافس في ذلك( حزبي الأمة والأتحادي) في الانتخابات التي جرت عام 1968 عقب الاطاحة بالرئيس الأسبق جعفر النميري عام 1985 .. وقد انفردوا بحكم السودان بعد الانقلاب المعروف في 30 يونيو 1989، تحت رعاية زعيمهم الشهير ( حسن الترابي) ،وبقيادة اللواء عمر البشير ، وتغير تنظيمهم مرات عديده ،وتحولوا الى  حزب باسم

الفريق مالك عقار
صوت حالم بالسلام بين السودانيين

 (المؤتمر الوطني )، ثم ( حزب المؤتمر الشعبي.لكن هناك من يقيم تلك الاحزاب بصفة عامه ،انها لم تثبت وجودها على اي حال من الاحوال ،بل لقد عمدت لتكوين فصائل لها داخل القوات المسلحه ،ولم يكن انقلاب ( ابراهيم عبود ) عام 1958 الا بناء على طلب سكرتير حزب الأمة ورئيس الوزراء حينذاك ( عبدالله خليل) ،بعد ان قويت الدعوة الى الوحده مع مصر،التي كان يعارضها ( حزب الأمه) وخشي ان تتطور الدعوة لأحراج الحكومه ،فطلب من الجيش التدخل تحت زعم انقلاب ،كما ان انقلاب النميري عام 1969 ،قد تم بناء على طلب الأحزاب اليساريه بتوجهاتها المختلفة ،بعد ان ضيقت الحكومة على الحزب الشيوعي بهدف الاطاحة به ،وتقدم النميري،الذي انقلب بعد ذلك على من دعموه ،فقام انقلاب ( هاشم العطا) الا ان النميري طوق الانقلاب واعدم قادته ،كما ان انقلاب ( عمر البشير ) عام 1989 قد تم بناء على توجيهات ( حسن الترابي ) وبعد فترة انقلب البشير على الترابي واودعه السجن . صورة من صور دراما الأحزاب ،وتفسيرا لفشلها التام في ادارة نهضوية للسودان بديلا عن الصراع على السلطه ،واهتماماتها بتكوين دروع لها داخل القوات المسلحة لأستخدامها حين تستشعر الخطر،أو يلوح لها أمل الوثوب الى الحكم دون الالتزام بالقواعد الديموقراطيه.

حلبة النار

كانت الثورةالأخيرة التي اندلعت ضد حكم (عمر البشير)تحمل ارثا من الخلافات الحزبيه،والعقائديه ،مع ضعف الأحزاب الهيكلي والجماهيري،والاهمال الكامل لعمليات التنمية والتحديث ، في مجتمع يتسم بالتنوع اكثر مما ينقسم بالتعدد كما اسلفنا،وقد  تراكم ذلك كله منذ اعلان الاستقلال في 1956 ،وبروز الصراع الحزبي ،واّثاره على نظم الحكم المتتاليه ،والذي كان من شأنه استعانة الأحزاب بالجيش للقيام بانقلاباته الظاهرية ،لتغيير السلطة الحاكمة. قام النميري 1983 بطبيق الشريعه الاسلامية، دون طرح الموضوع في اطار بحث وتوافق مجتمعي في دولة هي في الاساس ذات تنوع ديني وسلالات ترجع الى أصول وعقائد متعددة  ،وربما كان  يمكن من خلال هذا البحث و التوافق الشعبي ايجاد الصيغة الحاكمه التي تؤلف وتجمع، دون تصرف احادي ،لكن تم انجاز الأمر بقرار سلطوي ترتب عليه النفخ في خلافات عقائدية ومذهبيه،ادت  الى حروب طويله استمرت نحو ثلاثة

عقود ،وانتهت الى فصل جنوب السودان 2011  ذو الاغلبيه المسيحيه والوثنية  عن الدولة الأم وقتل فيها أكثر من مليوني شخص.انفجر الوضع كذلك في(أقليم دارفور)2003 حتى 2008. واجهته الحكومة بقمع شديد الدمويه وبلغ حد الأبادة،ويرجع ذلك الانفجار الى عوامل متعددة منها التمييز بين القبائل ،والنزاعات  بين الرعاة والمزارعين على الموارد الطبيعيه ،وبالطبع تغذيها الانتماءات القبلية لكل طرف،مع الوضع في الاعتبار عدم التنمية التي اهملت عبر كل النظم في الحكومات المركزية. اعتمدت  الحكومة في تلك المواجهة على الميلشيات المحلية في ذلك الاقليم( دارفور) .ترتب على ذلك امران (1)  قيام المحكمة الجنائية الدولية  التي أصدرت عام 2009 مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تتعلق بالصراع الذي طال أمده في ذلك الأقليم دارفور (2) بروز ظاهرة محمد حمدان دقلو الشهير بحمدتي)  .

بروز نجم الفريق

محمد حمدان دقلو ( حميدتي)

هو ابن شرعي للأرضية ،والمناخ الذي نشأ و تربي في ربوعه ،فهو ينتمي الى  عشيرة ( الماهريه) من قبائل (الرزيقات) ،ويطلق عليه اسم ( حميدتي) وهو مصطلح تستخدمه الأم عادة كناية عن (محمد الصغير)وتقول مسيرته الحياتيه أنه هرب من مقاعد الدراسة،لكي يتحول الى تاجر صغير، و من ثم قفز به طموحه الى ان يتحول الى تاجر كبير من تجار الابل ،ثم الى التمرد على زعيم قبيلة المحاميد وقائد مجلس الصحوة الثوري وقائد ميلشيات الجنجويد ،واسمه (موسي هلال) ،والتعريف للجنجويد أنه  مختصر شعبى لعدد من الكلمات في جملة ( جن راكب جواد يحمل مدفع ) وكان ( حميدتي ) يعمل تحت قيادة ( موسي هلال)  ،بل انه ورث مكانته  بعد ان زج به في السجن ، وتقرب من الرئيس عمر البشير الذي لم يتوان عن دعمه بالمال والسلاح بحيث اصبحت قوات الدعم السريع ليست فقط لوأد الحركات المعارضه ،بل انها تجاوزت لكي تصبح الحامية الأساسية لنظام (البشير)وكان يطلق عليها(حمايتي) واعطاها مكانة واعطي البعض منها  رتبا عسكرية .

ألأطاحة بالبشير

عام 2019 قام الجيش عام 2019  بالأطاحه بالرئيس البشير بعد عدة أشهر من الاحتجاجات ضد حكمه، ثم جرت الأحداث سريعا فقد تنحى الفريق احمد عوض بن عوف عن رئاسة مجلس السيادة وتم اختيار الفريق عبدالفتاح البرهان رئيسا ،وقد اصدر البرهان ماسمي (مرسوما دستوريا) اعاد فيه تشكيل مجلس السيادة برئاسته وتعيين الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع نائبا لرئيس المجلس،لكن الاحداث كانت تجري بصور أخرى متسارعه .لقد تطور الموقف واتخذ ابعادا جديده،عندما بدأ السودان اتخاذ إجراءات لتنفيذ الاتفاق الإطارى الذي تم مع قوى( الحرية والتغيير) وهي  مكوّنات سياسيّة سودانية تتشكّل من  تجمع المهنيين والجبهة الثورية وتحالف

النتيجه الطبيعيه للحروب الاهلية
تشريد وجوع ومرض وضياع لا تعرف له نهاية

قوى الاجماع الوطنى وكذا كتلة التجمع على أساس الانتقال إلى سلطة مدنية كاملة لقيادة البلاد تتكون من مستوى سيادى مدنى محدود بمهام شرفية يمثل رأس الدولة،ورمزا للسيادة،وقائد أعلى للأجهزة النظامية ومستوى تنفيذى يرأسه رئيس وزراء مدنى،إضافة إلى مجلس تشريعى، وآخر للأمن والدفاع ويرأسها رئيس الوزراء أيضا مع دمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة الأخرى فى الجيش السودانى، وهنا بدأت المشكلة، حيث طلبت قوات الدعم السريع أن يتم الدمج خلال عشر سنوات. بينما طلبت القوات المسلحة أن يتم الدمج فى سنتين. وبعدها ظهرت المشكلة الأكبر فى من سيكون وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة فى الحكومة المدنية السودانية القادمة، لذلك اندلعت الشرارة فى الشارع السودانى في 14 إبريل.

ودارت الاحداث

من جديد ولكن ماهو نهاية المطاف

انفجر الصراع بمحاولة ( حميدتي ) الأستيلاء على السلطه عن طريق الأنقلاب الذي قام به ومحاولة اقصاء البرهان بدعوى الحرص على الديموقراطيه ،وتطبيقها ،ولعبة الديموقراطيه والتغنى بسيرتها أصبحت تجارة مفضوحة، فالديموقراطيه اساسها الدعوة السلميه ،وليس الأنقلاب.السودان بلد وواسع متعدد الأعراق والثقافات ،وافتقر الى نوع من الحوار بين كل اطرافه ،لأيجاد خطة عمل تستهدف التنميه والعدل الاجتماعي ،والأتفاق على منظومة عمل،والا تعرض للأنقسام والتقسيم ،ومايدعو الى التفاؤل مؤخرا اختيار الفريق ( مالك عقار) نائبا لرئيس مجلس السياده ( بعد عزل حميدتي)  وعن مؤهلات عقار،قال الباحث السياسي السوداني محمد تورشين إنه يتسم بالمرونة وإنه يعول عليه بممارسة ضغوط على الدعم السريع للدخول في مباحثات جادة، مشددا على أنه لا يمكن أن ينعم السودان بالاستقرار في ظل وجود أكثر من جيش، متوقعا أن يتم التوصل إلى اتفاق يقوم على دمج قوات الدعم السريع في الجيش في مهلة أقل من سنتين.  ان البرهان يريد من خلال تغييراته التفرغ لإدارة المؤسسة العسكرية وإحكام السيطرة عليها، مشيرا إلى أن الجيش يعتمد مقاربة الحوار لإحداث اختراق يعود بالعملية العسكرية لمسارها الطبيعي والمضي قدما في ما تبقى من الفترة الانتقالية. يذكر أن عقار خاطب قيادة قوات الدعم السريع بعد صدور قرار تعيينه بقوله إنه لا بديل لاستقرار السودان إلا عبر جيش مهني واحد وموحد، وإن الحرب لا يوجد فيها منتصر. كما عبر عن رغبته في الجلوس للحوار بعقل وقلب مفتوحين، حسب تعبيره، مشددا على أن الجيش مؤسسة سودانية عريقة، قبل أن يقول إنه لا بديل للسلام إلا السلام، ولا مدخل للسلام إلا من باب الحوار، وفق تعبيره. كما أكد أنه قبل هذا المنصب ليس بديلا لأحد ولا انحيازا لأي طرف غير السودان، على حد قوله. وتعهد بمواصلة العمل على التوصل لوقف إطلاق النار ثم إيقاف المعارك بشكل دائم.وقد حدث ذلك بالفعل بناء على المبادره السعوديه الأميريكيه . انه أمل نتمنى ان ينمو وسط المخاطر، ورفقا بالسودان يانخب السودان .