عاصمة إدارية مصرية تنبثق من الصحراء وتنتظر اسمها

ضمن حركة عمرانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث

القاهرة – خاص:

«العاصمة الإدارية الجديدة».. عنوان كبير في مصر، لحركة عمران هائلة.. غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، على اتساع الخريطة؛ من شرقه البلاد.. حيث تنبثق بناياتها هي – الإدارية الجديدة – من جوف الصحراء، حتى غربها عند مدينة «العلمين الجديدة»، التي تشير الدوائر الرسمية.. إلى أنها ستكون عاصمة صيفية.

احدى الساحات

لماذا لم يتم إعلان اسم العاصمة الجديدة؟ سؤال يفرض نفسه.

هل الإسم سر استراتيجي.. يتعلق بالأمن القومي؟ أم أنه مفاجأة الافتتاح الرسمي.. بانتقال البرلمان والحكومة؟ ليس هناك خيار سوى الانتظار.

المهم، أنه مع تواصل العمل في الإنشاءات، بدء العمل فعليا في بناء خط قطارات أحادي القضيب (مونوريل).. محمول فوق الأرض، يمتد من مدينة العين السخنة شرقا إلى العلمين غربا.. مرورا بالتجمعات السكانية والمناطق الصناعية الجديدة في شرق القاهرة – المعروف باسم القاهرة الجديدة (الذي يضم «التجمع الخامس» و«مدينتي» و«مدينة الشروق» و«مدينة العبور».. وغيرها – ثم مدينة القاهرة ذاتها، ومدينة 6 أكتوبر – إلى الغرب منها – في محافظة الجيزة.

ومن منظور الرؤية العمرانية، تكتسب العين السخنة أهمية متنامية؛ باعتبارها ميناء جديدا ومنتجعا سياحيا في آن واحد، فهي تطل على خليج السويس، وتعتبر مركزا مهما في المنطقة الصناعية للتنمية في محور قناة السويس، ومن ثم.. تشهد توسعات كبيرة.. ترقبا للأثر الإيجابي، الناجم عن القرب الجغرافي من العاصمة الجديدة.

وعلى الصعيد العالمي، يمكن النظر إلى «العاصمة الإدارية الجديدة».. على أنها أول عاصمة لدولة في العالم في القرن الحادي والعشرين، على أساس مخطط عمراني متكامل، مبني على تصور استراتيجي، ورؤية شاملة لعملية تنمية وطنية. وكانت هناك ثلاث حالات مماثلة في القرن العشرين؛ أولاها: تأسيس العاصمة الهندية «نيودلهي» (1931)، والثانية العاصمة البرازيلية «برازيليا» (1960)، والثالثة العاصمة النيجيرية «أبوجا» (1991). وتشترك قرارات تأسيس العواصم الجديدة الثلاث، في أنها انطلقت من الحاجة لنقل العاصمة من موقع ساحلي، يمكن أن يتعرض لتهديد من البحر، إلى موقع آخر في وسط البلاد؛ بعد أن كانت عاصمة الهند في «كالكوتا»، وعاصمة البرازيل في «ريو دي جانيرو»، وعاصمة نيجيريا في «لاجوس».

أما في حالة «العاصمة الإدارية الجديدة».. في مصر، فإن الموقف مختلف بطبيعته، فالعاصمة الحالية القاهرة.. تقع – بالفعل – في وسط البلاد، لكنها تعتبر – في الوقت نفسه – تعتبر المدينة الأكثر جذبا لـ «الهجرة من الريف إلى

موقع العاصمة الادارية الجديد

الحضر»، خصوصا من أقاليم الريف الفقيرة، التي تعاني من غياب – أو قصور عملية – التنمية، بسبب نصف قرن من الإهمال الحكومي.. من مؤسسات الدولة المركزية، وفساد مؤسسات الحكم المحلي، وفشل التخطيط، وتجاهل التوقعات المستقبلية، حتى بلغ الاكتظاظ السكاني درجة، جعلت الحياة تضيق بالبشر والسيارات، حتى كتبت صحفية بريطانية متخصصة في شؤون السياحة والسفر.. أن «القاهرة هي العاصمة الوحيدة في العالم، التي يتنافس فيها الناس مع السيارات.. على موطئ قدم، أو لفَّة عجَلة».

وفي هذا السياق، يجدر التطرق إلى أن الرئيس الأسبق حسني مبارك، تجاهل دعوات كثيرة ومكررة.. لمعالجة الزحام في العاصمة، ودراسة الخيارات الممكنة لمعالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والأمنية، واكتفى بعقد المؤتمرات الدولية في – المدينة/المنتجع – شرم الشيخ، واستقبال رؤساء الدول والشخصيات ذات الطبيعة الرسمية هناك، بل إنه رأى شرم الشيخ عاصمة بديلة.. من الناحية العملية. خاصة من حيث الاعتبارات الأمنية.

يرى كثيرون أن ذلك الحال، شكل السبب الأساسي للتفكير في نقل إدارات الدولة من القاهرة، بعدما نقلت بعض الوزارات – مثل المالية والبترول والتخطيط – مقارها إلى ضاحية «مدينة نصر»، وتبين بعد ذلك ان ذلك يسهم في تزايد التكدس السكاني وازدحام الشوارع في مناطق المواقع الجديدة. ومن ثم أصبح من الضروري البحث عن موقع ذي طبيعة مختلفة، لتحقيق الهدف المبتغى.

ملامح المشروع

تم الإعلان عن مشروع «العاصمة الإدارية الجديدة».. في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري يوم 13 مارس (آذار) 2015، وأنه يتضمن مقارٍ للبرلمان والرئاسة ووزارات الحكومة والسفارات الأجنبية، ومتنزها رئيسيا ومطارا دوليا، إضافة إلى مساحات كبيرة من الحدائق الخضراء. ومن حيث المبدأ، تذهب التوقعات إلى أن عدد السكان المستهدف عند استكمال المدينة، سيكون ستة ملايين ونصف المليون نسمة، مع فرص عمل لنحو مليونين من السكان، على أن يصل عدد السكان إلى ما يتراوح بين 18 مليونا و40 مليونا.. مع حلول عام 2059.

وتبلغ مساحة «العاصمة الإدارية الجديدة».. 170 ألف فدان (714 كيلو مترا مربعا)، في موقع يتوسط المسافة بين القاهرة في الغرب وبين السويس والعين السخنة في الشرق؛ ويبعد 60 كيلو مترا عن الجانبين. وتقول مصادر الإشراف على المشروع، أن مساحة المدينة تعادل مساحة دولة (جزيرة) سنغافورة، وأربعة أمثال مساحة العاصمة الأمريكية واشنطن.

وقد تأسست شركة مساهمة لإدارة مشروعات العاصمة الجديدة، رأسمالها ستة مليارات جنيه مصري، يتشارك في

مدينة الثقافة والفنون

أسهمها كل من هيئة تنمية المجتمعات العمرانية الجديدة (نيابة عن وزارة الإسكان)، مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة.

وتلعب دور المقاول الرئيسي في تنفيذ المشروع.. خمس شركات مقاولات كبرى، هي: شركة طلعت مصطفى، وشركة أبناء علام، وشركة كونكورد، وشركة المقاولون العرب، وتحالف شركات أوراسكوم.. اللذان يضطلعان بمهمة مشروعات البنية الأساسية، إلى جانب أعمال الإنشاءات مع الشركات الأخرى. أضافة إلى تحالف شركات مصري-إسباني، رأسماله 2 مليار جنيه مصري، ويختص بتأسيس مشروع سكني فاخر، على مساحة 250 ألف متر مربع.

كانت التقديرات الأولية للاستثمارات الإجمالية في مشروع «العاصمة الإدارية الجديدة» بنحو 45 مليار دولار، وأن يجري التنفيذ على مراحل؛ الأولى: تغطي 40 ألف فدان (162 كيلومتر مربع). والثانية: 47 ألف فدان (190 كيلو متر مربع). و97 ألف فدان (حوالي 400 كيلو متر مربع).. تتلوها بقية المراحل.

وتشمل الإنشاءات في المدينة «حديقة مركزية» Central Park.. على مساحة 8 كيلومترات مربعة (ألفان و64 فدانا). وجدير بالذكر، أن مساحة هذه الحديقة تقارب ثلاثة أمثال مساحة الحديقة المركزية الشهيرة.. في جزيرة مانهاتن بمدينة نيويورك الأمريكية؛ التي لا تزيد مساحتها عن ثلاثة ونصف كيلو مترات مربعة (778 فدانا). ويتجدد الحديث عن سلسلة من الحدائق الخضراء الأخرى، وأماكن للترفيه، مثل «كابيتال بارك» التي تبلغ مساحتها أكثر من ألف فدان وطولها أكثر من عشرة كيلومترات.

حي المال والأعمال

وفي عام 2017، تم وضع حجر الأساس لـ «حي المال والأعمال» – أثناء إنشاء المرحلة الأولى من المشروع – وبلغ حجم الاستثمارات فيه نحو 3 مليارات دولار. ويضم المشروع مباني ووحدات تجارية وترفيهية وسكنية، ومقرات بنوك ومؤسسات مالية، ومقر البنك المركزي المصري، كما أنه يضم برج العاصمة الإدارية الجديدة – المعروف باسم «البرج الأيقوني» – وكانت شركة «سي. إس. سي. إي. سي.» CSCEC الصينية قد أعلنت عن تنفيذ «البرج الأيقوني»، الذي يعد أكبر ناطحة سحاب في أفريقيا، ويبلغ ارتفاعه 385 متراً، ويتكون من 79 طابقاً.

ويتوسط «حي المال والأعمال» نحو 20 بُرجاً أخرى – إلى جانب «البرج الأيقوني» العملاق -مخصصة لأغراض متعددة، تم الانتهاء من بناء 8 منها، إضافة إلى 12 مجمعاً تجارياً، وخمسة مبانٍ سكنية، وفندقين.

فضلاً عن «مركز سيطرة وتحكم أمني» في العاصمة الجديدة، يعتمد على نشر ست آلاف كاميرا مراقبه، في مختلف أرجائها.

ويتزود المشروع بالطاقة التي يتطلبها من محطة لتوليد للكهرباء.. بطاقة إنتاجية تصل إلى 4800 ميجاوات، وكذاك إنشاء خط العاصمة الإدارية/مدينة بدر.. بطول 40 كيلومترا، وخط العاصمة الإدارية/زهراء المعادي.. بطول 30

افتتاح مسجد الفتاح العليم

كيلومترا. وتُغذَّى محطة الكهرباء بالوقود.. عن طريق خط غاز طبيعي، يبدأ من نقطة خط أبو سلطان/ العين السخنة.. بطول 65 كيلومترا، وينتهي داخل محطة كهرباء العاصمة الجديدة.

المسجد والكنيسة

في إطار التصور العام لـ «العاصمة الإدارية الجديدة»، بدا واضحا الاهتمام بالقيم الدينية للشعب المصري، من خلال إقامة «مسجد الفتاح العليم» و«كاتدرائية ميلاد المسيح».. ضمن أعمال المرحلة الأولى من الإنشاءات – في موقعين متميزين متجاورين – عند مدخل العاصمة، على الطريق الدائري الأوسط. وكان كل من المسجد والكاتدرائية.. من أول الإنجازات التي افتتحها الرئيس السيسي، يوم 6 يناير عام 2019، في حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ويعتبر «مسجد الفتاح العليم» – الذي بدأ البعض يطلق عليه اسم «مسجد مصر»، تجاوبا مع انتقادات للتسمية.. على منصات التواصل الاجتماعي – من أكبر مساجد الوطن العربي؛ حيث تبلغ مساحته 250 ألف متر مربع (60 فدانا)، وتتسع قدرته الاستيعابية لنحو 17 ألف مُصلٍ.

ويضم المسجد أربع قباب رئيسية.. و21 قبة أخرى بأحجام مختلفة، تتوزع على أسقُف المساحة المُغطَّأة من الإنشاءات؛ التي تشمل قاعتين للمناسبات، وقاعتين لاستقبال كبار الزوار، إضافة إلى ساحات فسيحة مكشوفة.

وتعتبر «كاتدرائية ميلاد المسيح» The Christmas Cathedral أول كاتدرائية تحمل هذا الإسم في مصر، كما تعد أكبر كاتدرائية (لأي طائفة مسيحية) في منطقة الشرق الأوسط، وتتميز بموقعها في قلب المدينة الجديدة، ويضم مجمع الكاتدرائية عدة كنائس.. وأماكن أخرى للعبادة والإدارة.

وتتسع الكنيسة الكبرى – في الطابق فوق الأرضي من المجمع – لنحو 7 آلاف و500 مصلٍ، بينما تستوعب الكنيسة الموجودة في الطابق الأرضي – التي أقيم بها قداس الافتتاح في عيد الميلاد عام 2019، لما يصل إلى 2500 مصلٍ. وجدير بالذكر.. أنَّ الكاتدرائية المرقسية في العباسية (بوسط القاهرة)، تتسع لأربعة آلاف و500 مصل.

كنيسة المسيح بالعاصمة الادارية الجديدة

مدينة الفنون والثقافة

تقع دار الأوبرا في «العاصمة الإدارية الجديدة»، ضمن مكونات «مدينة الفنون والثقافة»، التي تشمل متحف عواصم مصر ومتحف العاصمة ومتحف الفن، بالإضافة إلى قاعات للمعارض الفنية.. من رسم ونحت ومشغولات يدوية، وقاعات للسينما.. واوركسترا موسيقية، وبيت للعود.. ومكتبات. وستضم مدينة الفنون متحفا للشمع، ومركزا للإبداع الفني، بالإضافة إلى عدد من المباني الخدمية المتنوعة.

ودار الأوبرا هذه.. هي الأكبر في الشرق الأوسط، إذ أقيمت على مساحة 127 فدانا، وتضم مجموعة متكاملة من المسارح.. وقاعات العرض المتنوعة، وتضم قاعة رئيسية سعتها 3500 مقعد، وهي بذلك تعتبر 3 أمثال سعة المسرح الكبير في دار الأوبرا بوسط القاهرة، الذي لا يتسع لأكثر من 850 مقعدا. وقد صممت دار الأوبرا وفقا لأعلى المواصفات العالمية، لتكون منارة للإبداع.

وقد افتتح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي – يوم 21 نوفمبر الماضي – قاعة الموسيقى في الدار الجديدة؛ في أول حفل شارك فيه الموسيقار العالمي، ريكاردو موتي، مع أوركسترا فيينا الفيلهارموني، بمقطوعات شهيرة.

ويلحق بالأوبرا مسرح مكشوف يتسع لـ 20 ألف متفرج، وتضم الأوبرا مسرحا للموسيقى يتسع لـ 1300 فرد، بالإضافة لمسرح للدراما يتسع لـ 700 فرد.

متحف عواصم مصر

يحكي المتحف قصص عواصم مصر عبر التاريخ وأسباب تنقل العاصمة، ويحتوي على قاعة عرض رئيسية تضم آثاراً من عواصم مصر المختلفة، مثل: منف، وطيبة، والإسكندرية، وتل العمارنة، والفسطاط، والقاهرة الخديوية،

مبني البرلمان بالعاصمة الجديدة

والقاهرة الفاطمية.

ويضم المتحف أكثر من ألف قطعة أثرية، تحكي تاريخ مصر القديم، من ضمنها تمثال للملك رمسيس الثاني، بالإضافة إلى قاعات عرض ذات تقنيات متنوعة (ملتيميديا) تعدم أفلاماً تفاعلية عن تاريخ العواصم المختلفة.

عبدالله حمودة

صحفي مصري

العدد 124 / كانون الثاني 2022