غنام غنام في بأم عيني

الحكاء من قرارة النفس

لم اتوقع ما شاهدته بعرض “بأم عيني “في الأردن، حين ترك المؤلف والمخرج غنام غنام ( مؤلف وممثل ومخرج أردني / فلسطيني ) عرضه ينطلق في كل مساحة . جمهور غفير امضى ساعة وربع الساعة أمام حكاء ،يراوغ أشباحه وهو يروي قصصه الفلسطينية. لن يخشى أن يجد نفسه وحيداً. لم يخش أن يجد نفسه بلا مؤونة . لأن لديه من الحكايات ما يكفيه لكي يروي لا في درامات فردية ، ما يكفيه لكي يروي في الساحات والشوارع والأكواخ والقبب الجليدية والقبب المصنوعة من لهب . لم يعبه أن يصرح بإن مثال عرضه لا يهمه ، تاركاً المهمة هذه للنقاد . سمى

غنام غنام في بأم عيني

بعضهم . لم يعبه أن يصرح بأن مثال عرضه لا يهمه . لا يهمه ، لأن عرضه بلا مثال . لا هو مونودراما . ولا هو ستاند آب كوميدي . إنه عرض يختفي بنفسه وهو يحتفي بنفسه وبحكائه . حكاء من فلسطين . لا يخشى أن يعتبر العمل في المسرح مساهمة، ككالمساهمة في صناعة البنادق . هذا كلام نضالي . هذا كلام نضال . كلام لا يوزع الأوراق المالية على نفسه .

نادرة هذه العروض . لأن أحداً لن يجدها في كتاب قرأه ولا في مسرحية شاهدها . عمل نضالي . هذا أول الكلام على المثال،على الصنف.لأن “بأم عيني ” وهي تروي رواية دخولها إلى فلسطين ، لا تتولع بدار يوفو ولا ببريشت. ولكنها تتفكر بدون أن يتفكر صاحبها ، بكيفية صناعة العرض لدى المسرحي الألماني والمسرحي الإيطالي . بطلا مسرحيين نضاليين . الألماني عقائدي والإيطالي فوضوي. الأخير أنارشيستي. هذا أجمل ما فيه . لا لا جزء من جمالات مسرحه أنه فوضوي، ينظم المسرح فوضاه ، كما في “لن ادفع الحساب” أبرز مسرحياته تناولاً على مستوى العالم.لعله واحد من أجمل الفوضويين بالعالم. ولأنه فوضوي بالفطرة والفكرة واجه الفاتيكان كما واجه الحساب الشيوعي وهو عضو فيه، سواء بسواء . هذا رجل لا يسكت على شيء . هكذا ، واجه ادارات المصانع في بلاده . هجاها ، إثر بيع أحد المصانع لحم زائرة لقريب لها فيه . وقعت في آلة الفرم وبيعت كما تباع اللحوم الأخرى بعلبها الملونة، بدون أن يهتز أحد في إدارة المصنع.

يواجه دار يوفو اعداء داخليين ، بينما يواجه غنام عدواً خارجياً ، لا يريد سوى اقتلاع الفلسطيني من أرضه نهائياً. كما اقتلعه هو نفسه ، بحيث أضحت زيارته بناته واحفاده مستحيلاً حارقاً ، لم يجد وسيلة لمواجهته سوى بالحكايات . حكايات يرويها على الآخر وكأنه يرويها لنفسه . حكاء يروي . لأن مسرحه مسرحه حكاية ، مضغوطة ، ذات كثافة عليا. هذا مسرح حكاء . والحكاء من يقص الحكايات في جمع من الناس . وهو كذلك . ظهر الحكاء حكاة في أحيان ،حين راح يحكي قصصه . قصص تعني ما تعنيه مباشرة ، لأنها من الواقع . أضحى حكاة ( حكائون) لكي لا تطبق الحكايات على بعضها ، وتنتزع الواحدة روح الأخرى .ولأنه تعدد وهو في الواحد فيه أكثر من حكاء يحكي ، أضحت كل حكاية غرفة تقود إلى الغرفة الأخرى . الغرف تصنع داراً . الدور تصنع وطناً لن يموت ، ولو وقع في الممرات الرهيبة للسياسات الدولية . عند غنام ، فلسطين هي فلسطين بلا ممرات وبلا مخابئ . وبالكثير من الممرات والكثير من المخابئ،ما استخدمه للوصول إلى عكا وحيفا وباقي أراضي ما يسمى بأراضي ٤٨ . وكأن فلسطين تنتمي إلى هذه النوعية من التقسيم . وهو ما أشار الحكاء إليه ، حين داوم في هوائه الحكائي، المتواصل ، لمي يوقظ المدن النائمة ، البشر النائمين . دوام يكشف الكتابة بالأزاميل لا برؤوس الأقلام ، لكي يرشد العالم إلى قسوته تجاه الفلسطيني . ولكي يريه النايات المحطمة عند جذوع الأشجار في الحقول ، وهي تواجه المستوطنات القريبة ، وأصحابها يدرون أن ما يرونه يخبئ السيف تحت الجناح وهو يعمل على أن تفقد الحقول الريح . العرض بأبواب عديدة . العرض باب واحد في الوقت ذاته . ينهض كما تنهض الغفوة ، حيث يتلوها الإستيقاظ. وإذ يحدث تنفتح الحكايات على شاشاتها . تنفتح الحكايات كشاشات تبث صور الأبطال ، الشهداء منهم ، الأحياء ، الصرعى ، ومن يصمدون في احشاء الثعبان .

إنه يخرج من صندوق كصندوق الأسلاف . صندوق الفرجة. يكسر بالأصوات أبواب الجحيم ، من خلال وضع الحكايات على سياج واحد ، حتى تبقى كالآلهة وهي تتحرك في ظلال الجنة والنار . الحكاية أوسع من نفسها . لأنها تضيء المساحة ، المسافة . لأنها تسمح بتخليص الفلسطيني في فلسطينه من طوفان العسكر وطوفان البروباغندا الصهيونية . تهبط الحكاية على الأخرى ، حتى لا تتشتت الحكايات . وإذ تفعل لا يتشتت الناس . الحكايات تجمع ، تصون الذاكرة ، تقيم ذاكرة في الذاكرة كجزء من خطة النضال والمقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي . هكذا ، كلما احتكأت العقدة اشتدت ، غير أن احتكاء الحكاية لدى الحكاء ، في صدره ، في نفسه ، أثباتها لا الشك فيها بترك الضباب يحيط بها .

لن يستبد بالحكاء الفلسطيني أي خوف من أن يسمع أصوات الذئاب القريبة وهو يحكي . ذلك أنه ترك الحكايات بلا مخطوط . مخطوطها في ذهنه ، في عقله ، في جهازه العصبي . لأنه يعرف أن موت الحكاية موت لحكاء ، قديم أو جديد ، كبير أو صغير . موت لجزء من وطن ، لم يمضِ حياته في كهف ، وهو يخرج لكي يقص على الريح عن حق لا نصيب . استشهد الكثيرون . هذا صحيح . بقي الكثيرون ، لكي لا تحل الكارثة مرة أخرى ، بعد أن حل سوء الطالع دوماً . وإذ يصفها ، لأنه عاشها . لا لأنه يهوى الوصف . حكاه ، شابهه لدى هذا المسرحي المجرب،من لا يهمه أن يسير إلى جانب تماثيل المسرحيين المصنوعة من البرونز قدر ما يهمه أن يتحرك كعصفور ، كذيل عصفور لا يهدأ وهو يقدم بونات حرارته في وجه جبل الجليد القائم منذ النكبة. وهو اذ يقترب من اصحاب التماثيل ، يقترب منهم بصورة غامضة . لأن الغموض يسمح بالإحتكاك ، لا بالتقليد.

لم يمت المسرح النضالي إذن . وهو مسرح غير مسرح أوزبورن ، أو مسرح الغضب . ولو أن الغضب انجاز من انجازات الفلسطيني في مسيرته غير المتقطعة في مقاومة الإحتلال . غنام غنام ، يحكي كالحاكي في سهرة شعبية .

غنام غنام

رجل قوي يحكم السهرة بقوته، بموهبته. يحكمها بقوته على الإستيلاء عليها ، أجوائها ، مفاصلها بمخلوقاته الرفيعة غير المرئية . لا بالحديد ولا بالنار . إنه أقرب في مضيه واعياً ، لا ضائعاً ، بارليكينو الشخصية المهرجة، لما تتمتع به هذه الشخصية من مميزات صوتية وحركية. ولو أن الحكاء في ” بأم عيني ” لا يهرج . ولا يجد التهريج نافذة على الهواء ، لكي يتخفف المشاهد من ضغط الحكايات الأقصى في تتابعها وهي تضوع بالأسرار . للحكايات لغتها ، أجراسها ، مفاتيحها واختامها . التهريج بالمناسبة ، ضرب نبيل من ضروب المسرح ، لا يقدر عليه سوى من لا يتجمد في رأسه أو مكانه وهو ينحرف بحدة في حكاياته لا في مساره . التهريج ، بمعناه الحقيقي ، نعمة ، بركة مفقودة في المسرح في بلاد العرب . إنه يطل هنا ، لا كما يطل في مطارح أخرى ، حيث يضطر الممثل إلى أكل حذائه أو سترته لكي يضحك الجمهور . هكذا ، لا يحل الإنحدار في لحظة ، مع انفاق كل الطاقات المتاحة في بناء عرض يبوح ، لا ينوح . إذن ، هذا لوحان آخر لعلاقة العرض بعروض المسرحي الطلياني ، إذ لطالما وجد داريوفو في أرلكينو شخصية عظيمة ، مدعاة إعجاب ، من امتلاكه قوة تمحي العيوب في الصوت والجسد . ثم ، أن ثمة علاقة بين نص غنام غنام ونصوص المسرحيين الماضين قدماً في إخراج مسرحياتهم وهم لا يزالون في مرحلة التأليف بعد . كل ما هو مؤلف منظور ، موضوع في بؤرة المسرح على الفور . منظوره البؤري . البيرسبيكتيف. رجل يؤلف بالضراوة . ضراوة العاشق للكلام المفلح في جعل المسرح أكثر توجيهاً إلى التخيل الصوري، المشهدي . لا المسرح البصري. لأن المسرح هنا ، لا بما تراه فقط ، بل بما تحسه حين تراه . شيء من داريوفو في علاقته بمفهوم المسرح الشعبي . شيء من علاقة شكسبير بالمسرح الشعبي . هذا مسرح شعبي . ” بأم عيني ” شعبية ، لا تتصور نفسها أمام استاذ جامعي فقط. ولا أمام النخب . كل من يحضرها يبدأ حياته معها . شيء من علاقة بريشت بالمسرح الشعبي من انحيازه إلى الطبقات الشعبية . غنام بريشتي على طريقته . بريشتي حين لا يفكر ببريشت . وهو لا يفكر فيه ، إلا من زاوية أن حياة المسرحيين لا تتحقق إلا بزواجهم ، ثم بطلاقهم . لأن الحب عندهم أن تغادر لا أن تقيم .

لن يقع غنام غنام بالغرام بالبرولوغ ، ولكنه يكتبه في مقدمة العمل المسرحي ، كما كتبه داريوفو في مسرحياته . وكما كتبه بريشت في بدايات مسرحياته . برولوغ غنام ، يقيمه على واقع علاقته المتغيرة بالجمهور . لن يفتتح ، قبل أن يحسس الناس أنهم جزء من هذا البرولوغ . سوف يستدرجهم بالكلام المباشر معهم ، لكي ينتقلوا من مرحلة المشاهدة البورجوازية إلى المشاهدة الحية . مشاركة لا تتقلص ، حين يروح الحكاء يدفع الحكايات إلى نوع من الجزل ، بعيداً من خطابات التوصية . وهو فويّْ من اختياره اللعب في المصانع والملاعب والساحات والمقاهي وصالونات المنازل أو غرف القعود فيها . أو الدواوين . يعرض في أية مساحة ، سوى في الصالة الإيطالية . لن يجبر على الهرب منها . هذا خياره . وهو خيار ثقافي / اجتماعي / اقتصادي / فكري . خاره ، فضله على الآخر . اختاره الطريق الأفضل . الخيار إدراك . الخيارات مدركات . الخيار انجاز مشروع . هكذا ، تقع ” بأم عيني ” بعد ” لن أموت بالمنفى ” . وقد يليها ما يماثلها ، لا ما يناقضها . تطويع المتطلب للمادة . هذا ، ما انوجدت ” بأم عيني ” فيه ، وهي تروي على نحو يستكشف العواصف للإمساك بها في القبضات . فهم وتعبير ، قدرات وقابليات .لعل هذا أبرز ما يصنعه غنام غنام ،وهو يقوم بما يقتضيه المقال في كل مقام .

لا علاقة لعمل غنام بمسرح الصحيفة ، كما أسمى داريوفو بعض مسرحياته . لأن ما يرويه من قرارة النفس ، لا من ما هو معروف ، متداول ، عنوان في صحيفة أومجلة . إنه مولد لا وسيط ، يروي ما يرويه ، يحكي ما يحتاج أن يحكيه ليواصل البقاء على قيد الحياة . لكي يساهم في بقاء الجمهور على قيد الحياة، من قوة وتأثير الحكايات . بالعمل على عدم اختفائها أو تقاعدها . لأن من يحكي يحيا ، كما أحيت الحكايات شهرزاد .

العلاقة بالجمهور علاقة أساس لديه ، مشيدة بخطوطها وحظوظها المتألقة في ” بأم عيني “. ثم أن اليساري ذو نفس

مدير الإنتاج الفني وائل الكردي

ملحمي . الملحمة دائماً . ولو أنها مكتومة ، وهي تقفز فوق تلال الحكايات ، المرويات . الحكاية على التاج. واللسان لا يفعل سوى أن يقطف الثمار .يقوم على الأمر ، رجل خبير ، يضحك خده وهو يخوض في خبرته وكأنه عصفور كلما رأى الموت قريباً ، ازداد غناؤه في الردهات . الحكاية ضد الموت . الحكاء يحكي ، يحمل القلق من الشارع إلى المسرح العاري . لا علاقة لغروتوفسكي بالعري المسرحي هنا. العري ، لأن الحكاء لا يرغب في أن يحكم شيء انيابه في تفاح الحكايات الأخضر . لا كرسي ولا طاولة . لا اضاءة . إذن ، لا ظلال. “بأم عيني” ضد الظلال ، وهي تعلق نفسها على أنفاس المتفرجين . لا مشجب لأجل القبعة المستعملة بالعرض . لأن المشجب يد أحد المتفرجين ، من الذكور والإناث. لا شيء سوى القبعة والمعطف . لأن غنام غنام لا يريد أن تترك مطرة الحكايات سوى في صحراء المسرح . ولأنه ضد التقنع . يستوجب الأمر ، أن يجهد الحكاء بدون أن يجهد ، كما فعلت الهة اليونان القديمة . عرض عار . لأنه عرض من ينفخ في الريح ، لكي تقترب الشمس من الأبواب . مسرح لا يبدأ إلا باليد اليسرى وزيارة الناس بالحكايات الخارجة من غار الشتاء الفلسطيني الطويل . اقتسم غنام بعضها معي على طاولات لقاءات سابقة . المدهش ، أنني حين اقتسمتها معه في العرض ، لم أر أن الكلام أصيب بالمرض. أصيب بالشيخوخة. لم يمرض لسان الحكاء . لم تمرض الحكايات ، لأنها تحتوي ماءها المفكر . تقدمت خطوة أخرى وهي تحكى أمام الجمهور العريض . لم يقم العرض على كسر الجدار الرابع . هذا لا يكفي . لا يكفي الحكاء ولا الحكايات . طريقة الأداء أداة سوف يجدها الجمهور على طريق الحكاء . الإيقاع أساس. يستفيد الأخير ويزهو بالإرتجال والحوادث العارضة . الحكاء طيف لا جسد ، يحلق في أجواء فلسطين بحظوة من يمتلك الحكاية وحده . إنه يعرف أن الواقع أقوى من حصان الأمبراطور . هكذا يدع شبابيكه مشرعة على الخصوصية . خصوصية الحكاء لا الحكواتي ولا الراوي . ذلك أن الحكاء طرح من طروح العرب ، من خيطانهم وأنوالهم .كالصفاعنة والكرجيين. لنقل أن العرض يقوم على تقاليد العصور الوسطى . المبادلة من التقاليد هذه . ذلك أن غنام يبادل ما يمتلكه بما يمتلكه الجمهور . الحكاية وأجراس الحكاية بورد العيون وورد الآذان . مبادلة النبيذ بالنبيذ . ثمة شيء من الكوميديا ديلا ارتي بعرض يظهر بسيطاً ، ولكنه يقوم في جسد معقد ، مصنوع من التراب ، تراب فلسطين ، مصنوع من التراب على العظام . العلاقة الجدلية بالجمهور واقع في هذا المونولوج ، الأشبه بالدالية. صيد سمك في البحار العاتية . ثمة بساطة بالعرض ، ولكنه ليس عرضاً بسيطاً ، وهو يقوم على الدفاع عن كرامة المضطهدين في وطنهم . إنه حالة اعتراف . لا يؤدي الإعتراف سوى إلى الصدق. “بأم عيني” عرض صادق . لأنه يحكي ، ولأنه يعزز حكاياته وبناه الإيقاعية بالصدق والشهداء السمر على أرض فلسطين.

حديقة الانتاج: وائل الكردي نموذجاً

لم يعد الإنتاج على ما جاء عليه منذ البدايات ، حين لم تنطلق العمليات بفكرة تجاوز الأصوات العالية المليئة بالفزع منها . عمليات الانتاج في البدايات ، قفير نحل صغير لن يسمع ضجيجه إلى أبعد من الاستديوهات في منطقة تلة الخياط أو استديوهات الحازمية . تلك أيام فرق المارينز من كل الأصناف ، سوى من المنتجين . ذلك أن انتاجات ذاك الزمن انتاجات بحجم طبل ، لن يهتف احد بوجوده ولن يغني أحد على ايقاعه . مدراء الإنتاج معروفون في لبنان . صالح العجم واحد منهم . توفيق سكر واحد منهم . لم يريدوا سوى أن يوقع العامل على عقوده في الدراما التلفزيونية . ثم ، يعودون إلى الظهور حين ينتهي دور العامل ، حيث يسلمونه ما تبقى له من الأموال المتفق عليها بالعقد . عمليات بسيطة قد تتخطى نفسها في أحيان نادرة ، بحضور مدراء الإنتاج في الاستديوهات أو في مطاعم الإستديوهات . يحضرون لبرهات، ثم يغادرن . إنهم أنفسهم ، يدمدمون لا يصرخون ، يتأوهون لا يلعنون ، يسردون القصص من أجل اقناع الأفراد بمبالغ ذات ايقاع طائش. ذلك زمن تلفزيون لبنان . حيث لا أحد يخرج على مداره ، لا أحدٍ يخرج سوى من مداره . قناتان (٥ و١١)تنتجان وتوزعان الإنتاج على العالم العربي ، إلى شركة انتاج أو شركتين . شركتان صغيرتان ، تنحنيان على الإنتاج على نحو مرتبك . لذا ، لم تتقدم كثيراً . لم تكن المدينة لتنهار بدون انتاج دراما تلفزيونية ، حتى ولو بدت الأخيرة ضرورة ، حاجة لمن يعيشون في المنزل نفسه من افراد العائلة الواحدة . كل من يفكر بما حدث ، سوف يصادف ” فارس ونجود ” و” حول غرفتي ” وعازف الليل ” ودرامات بإمكانك الإحساس بها بدون أن تراها .

لا شك في أن الدراما هذه مدينة لمنتجيها . مدينة أقل لمدراء انتاجها . اليوم ، الإنتاج مقدمة حياة الدراما التلفزيونية . بغياب الإنتاج ( مدير الإنتاج والمشرف على الإنتاج )يسدل الستار عليها قبل أن تبدأ. تفشل ، بدون منحها حظوظ نجاحها . حدث الأمر ، مع تقدم الدراما واتساعها وتوسعها ومع تقدم المفاهيم الإقتصادية في عمليات الإنتاج المعقدة ، بحيث أضحت الدراما لا تنتمي إلى عالم الواقع ولا تمشي فيه ، إلا إذا أخرجها الإنتاج من أرض مستحيلها، مع تطوره بعد أن اضحى في مقدم المعادلات . جزء من العمل الجماعي بامتياز. نشاط واقعي لا يقوم سوى على الخبرات . ذلك أنه لم و لا يراوح أمام العمليات الحسابية البسيطة ، وهو يقيم التوازن بين مراحل الانتاج وقضاياه وأحداثه . يحيط مدير الإنتاج الجديد بالعمليات كلها . إنه أول الواصلين وآخر المغادرين ، في ضوء أنشطته في القنوات أو شركات الإنتاج أو منصات التدفق الرقمي . وائل الكردي أحد أبرز مدراء الإنتاج في الانتاجات المشتركة. و بالانتاجات ذات المقالات الداخلية . الإنتاجات ذات المواضع المحددة . لا تلك المنتشرة على مساحة من الأسماء العربية المشهورة . أعماله متواصلة ، حتى بات الجميع يدرك أنه لم يعد من أهل الدار بل من معمريها. إنه يجعل الحياة أفضل لشركات الإنتاج . كما يجعل حياة المشاركين في الدراما ، على مختلف المستويات. لا حيرة بعد أمام فكرة انقضاء الشهور لانهاء الأمر بأفضل الطرق ، بعيداً من الشرود الذهني والعملي ، بعيداً من فكرة أن يقال إن لا وجود لمدير انتاج . عنده ، مدير الإنتاج مدير انتاج فني يساهم في انشاء العمل الفني بوظائفه المعروفة لدى الجمهور والإعلام وفرق العمل . ثمة مشرف على الإنتاج يفوق مدير الإنتاج قوة لحظ وتصرف في مختلف الجوانب . ولكن مدير الإنتاج على الأرض. دوماً على الأرض ، يتواصل مع الجميع لقطة بلقطة . لأن ارتباطه يتخطى الارتباطات المعروفة بالمهام ، إلى انجازها مشفوعة بالأخبار الطيبة . أولاها ، أن يثق الناس بابلاغاته، أن تثق الشركات ببلوغه حدود الإنتاج بالدنو منه بهدوء من دون الوقوع في خسارة الخسارة أو خسارة الربح . سبر الخطوط المختلفة إلى النجاة . رحلات طقوسية يقودها مدراء الإنتاج ، كوائل الكردي في شركة الصباح ومدراء الإنتاج في شركة إيغل وفي الشركات الأخرى . إنهم مصدرو الأحكام ، متلقو الرسائل ، العاثرون على الحلول ما يؤدي إلى بروز الدراما لا إلى اختفائها بعد سقوطها في حفرة ما لا يرجوه المنتجون .

اضحت ادارة الانتاج علماً يمارسه مدراء الإنتاج ، من لا يظهرون بالكادر التلفزيوني ، حين لا يظهر كادر في غيابهم . لا حماس فقط . تفكير ، ثم حماس ، ثم إخبار ، ثم ولوج في لزوم العمليات الطويلة . بلاهم ، تدهم المشاكل الدرامات .لا يعود بمقدورها الحياة . من انشاء الجداول الخاصة ببدء العمل ، وحتى انشاء الجداول الخاصة بنهايته . ضمان سير العمل بشكل منظم وسلس . صرف الميزانية ، بروح تأدية رسالة . رعاية كاملة . كل الأمور بالغة الوضوح لديهم . الحديث عن أحوالهم ، حديث عن أحوال الدراما . تلبية غايات وأهداف الانتاج عمليات ، إذا ضلت الطريق ضل معها كل شيء طريقه . من الصعب تصور الأعمال بلاهم . وهم يستحقون الإنتباه ، يستحقون الثناء .