فكرة من وحي فاجعة 13 نيسان

معن بشور

هل هي مجرد صدفة أن يأتي العدوان الصهيوني في آذار 1978 على جنوب لبنان في الذكرى الأولى لاستشهاد القائد الوطني الكبير كمال جنبلاط (آذار1977)، بل في الذكرى الثالثة لاستشهاد القائد العروبي البارز معروف سعد في عاصمة المقاومة صيدا (آذار 1975)، والتي يعتبرها الكثيرون شرارة اندلاع الحرب اللعينة على لبنان وفيه، في ذلك العام..

وهل هي مجرد صدفة أن يأتي العدوان الصهيوني على لبنان (عناقيد الغضب)، ومجزرة قانا (نيسان 1996) في الذكرى الحادية والعشرين لمجزرة بوسطة عين الرمانة التي دخلت تاريخ لبنان كشرارة لحرب استمرت 15 عاماً، وما زال الكثيرون يظنون أنها مستمرة..

تسليط الضوء على الصلة بين مواقيت العدوان الصهيوني ومواقيت الحرب في لبنان، لا يكتسب أهميته من ربط مجريات الصراع في الداخل بأسباب العدوان من الخارج فحسب، بل لكي يدرس اللبنانيون بعمق، وفي أيام العزل المنزلي، أسباب غرقهم في مستنقع حرب مستمرة وإن تعدّدت أشكالها..

لعل أول الدروس والعبر هو أن يتذكر اللبنانيون، ومعهم أشقاؤهم العرب، وقد بات «استنساخ» تجربة الحرب اللبنانية قائماً على قدم وساق في غير قطر عربي، هو أن أمّتنا، وكل قطر من أقطارها، قائمة على تنوع في مكوناتها، وتعدد في تياراتها، وأن كل محاولة لإلغاء مكون أو استئصال تيار أو اجتثاث جماعة، لن يفضي الا إلى إشعال حرب يصعب إطفاءها أو السيطرة على تداعياتها لفترة طويلة.

فكرة قبول الآخر، واحترام الآخر، والتفاعل مع الآخر، وصولاً إلى التكامل مع الآخر هي الفكرة الأكثر سطوعا حين نتحدث عن تجارب الحروب في بلداننا وعليها..

فهل نتمسك بهذه الفكرة في سلوكنا، وخطابنا، ونظرتنا للآخر الديني أو المذهبي أو العقائدي أو السياسي، لنحصن مجتمعاتنا من مخاطر قائمة أو داهمة.

بهذه الفكرة يصبح لتذكرنا يوم 13 نيسان 1975، يوم فاجعة عين الرمانة، معنى وأهمية.

»الناس لبعضها«

 «الناس لبعضها» هو الشعار الذي اتخذه متطوعو الدفاع المدني في جمعية شبيبة الهدى  ،وفي الجمعيات المتاّخية في إطار تجمع اللجان والروابط الشعبية ، عنوانا لمشاركتهم في الحملة الاهلية لمكافحة فيروس الكورونا سواء بالتعقيم أو التوعية أو توزيع المساعدات الغذائية أو مساعدة المحتاجين…والمتكاملة مع الجهود الرسمية التي تستحق التقدير..

لقد كان هذا الشعار البسيط هو نفسه الشعار الذي حملته الجمعية، منذ تأسيسها في قلب الحرب على لبنان، وفيه، لتؤكد مع العديد من الجمعيات المماثلة أن المواطنة مسؤولية، والمسؤولية استعداد للتضحية، والتضحية هي التي تميز  الشعوب الجديرة بالحياة عن غيرها…

ومن كان يراقب عيون أبناء الأحياء البيروتية الشعبية التي  يعمل فيها اليوم متطوعو  «شبيبة الهدى» ويرى فيها الاعتزاز بهم والدعوات بالتوفيق والصحة لهؤلاء الشجعان الذين يتحركون بإمكانيات اقل من متواضعة لمكافحة الفيروس اللعين بالشجاعة نفسها التي كانوا يتحركون فيها زمن الحرب تحت القذأئف لإسعاف الجرحى وإخلاء الشهداء وأطفاء الحرائق….

صحيح أن بعض هؤلاء المتطوعين قد بات  «جدا» ،وله احفاد، لكنهم باندفاعهم وبسالتهم وعطائهم  يثبتون أن الشباب روح تتجاوز الأعمار وان العطاء والبراءة لا يشيخان، فكيف إذا اجتمعت البراءة مع العطاء…

.فالف تحية لـ «شبيبة الهدى» ولكل جمعيات المتطوعين المماثلة والرحمة والخلود لشهداء الدفاع المدني وفي مقدمهم الرئيس المؤسس للجمعية الشهيد المحامي محسن طراد وقائد جهاز متطوعي الدفاع المدني في الجمعية الشهيد فؤاد ابو حطب وكل رفاقهما…

والنصر للانسانية على هذا الوباء اللعين الذي أكد أنه يستهدف البشرية جمعاء دون استثناء أو تمييز

شهيد كبير وصور عدة

لا يذكر اسم شيخ الشهداء  احمد ياسين إلا تقفز إلى البال صور ثلاث: اولها صورته على كرسيه المتحرك خارجا من صلاة الفجر  في 22/3/2004 من أحد مساجد غزة لتفاحأه طائرة اسرائيلية من طراز ف 16 فتقصفه وتمزق جسده في واحدة من أشنع عمليات الارهاب الدولي ألتي تقوم بها تل أبيب وترعاها واشنطن..

وثانيها يوم استقبله الرئيس الشهيد ياسر عرفات  في عمان  بعد الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية في عملية تبادل شهيرة قام بها الملك حسين مع العدو بعد محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس يومها الاخ  خالد مشعل في الأردن…

وثالثها هي صور آلاف الشهداء من قادة المقاومة ومجاهديها  ،الذين سبقوا الشيخ ياسين  إلى الشهادة أو تلوه، بما يؤكد أن المحتل،ككابوس الكورونا ،لا يميز بين فصيل وفصيل أو بين مجاهد ومجاهد…

هذه الصور كافة تجمعها دعوة واحدة  إلى الوحدة والمقاومة..فالوحدة تحصنهالمقاومة..والمقاومة تعززها الوحدة….وفلسطين اقدس من كل اعتبار فئوي عابر أو مصلحي زائف.

درسان اخران من ايطاليا

في كل مرة نحاول حث الناس على التزام منازلهم وعدم الاستهتار بجائحة الكورونا نعطي الكارثة التي تحل بالشعب الإيطالي العزيز مثلا على خطورة الاستهتار بهذه الجائحة وعدم التقيد بالارشادات.

إلا أننا قليلا ما ننتبه إلى درسين آخرين تحملهما لنا المحنة الايطالية….

اول الدرسين هو كيف فرضت الراسمالية المتوحشة  وتوصيات مؤسساتها على ايطاليا وغيرها التخلي التدريجي عن مسؤوليات الدولة تجاه مجتمعها لاسيما نظام الرعاية الصحية. فكانت  «مناعة» الدولة في وجه الكورونا ضعيفة قبل مناعة مواطنيها.

أما الدرس الثاني هو أن الإيطاليين قد لمسوا الفرق المؤلم بين عدم  التجاوب  من دول الغرب مع استغاثاتهم، علما ان دولتهم عضو مؤسس في الحلف الاطلسي وفي الاتحاد الأوروبي وعضو ملتزم بكل السياسات الغربية والاميركية.. وبين التضامن الإنساني الكامل الذي ابدته الصين وروسيا وكوريا مع نداء الشعب الإيطالي…

واذا كان البعض يتذرع بانشغال دول أمريكا وأوروبا بمواجهة الكورونا الذي تفتك ببلادهم…فلا اعتقد ان انشغال الصين بمواجهة هذا الوباء اقل من انشغال  الآخرين..

.انه باختصار الفرق بين من يعتبر جني الاموال وامتصاص خيرات الشعوب أولوية وبين من ما زال لمشاعر الاخوة بين الشعوب ولمقتضيات التضامن الإنساني مكانة في سياساتهم وسلوكهم..

إننا أمام عالم جديد يولد من رحم الاحزان والمأسي رغم كل شيء

في النص  «درسان آخران من ايطاليا» ضرورة تصحيح كلمتين بوضع: جائحة وكوبا

العدد 104 – أيار 2020