في حوار مع الكاتب العُمانيّ عمر بن حامد المعولي

بيروت – ليندا نصار

 »مستنقع المسرّة« هي الرواية الأولى لعمر بن حامد المعولي وهو الكاتب والمخرج الصحفي والمدون الكتروني. وقد حاز على جائزة المركز الأول في مسابقة المنتدى الأدبي في سلطنة عمان في العام 2010 في مجال القصة القصيرة.

عمل عمر بن حامد المعولي مع العديد من المؤسسات الإعلامية والصحافية منها مجلتي النهضة والمرأة، وجريدتي عمان والزمن.

في هذا العمل يبني الكاتب روايته كاشفًا عن نفسية شخصيات قد تكون من عالمين متنافرين فيظهر عنده هوس الكتابة عن غموضها وهي تحمل رسالة تؤثّر في الأحذاث أحيانًا فتنطلق كلماته من رؤية لعالم عايشه واختبر فيه الكائن بهشاشته وصراعه الداخلي فصارت مشاعره تتأرجح بين الرتابة والمتعة، الخير والشّرّ، الحبّ والبعد. تبدو الأحداث قريبة من القارئ وقد ترك الكاتب له الحكم أو إطلاق وجهات نظر خاصّة تضيء هذا العمل الرّوائيّ. تحضر الشخصيّات الأسطوريّة في الرواية فجاء فيها مثلًا ذكر لأسماء مثل مريم ويونس وغيرهما… ويظهر ذلك في

الكاتب عمر بن حامد المعولي

سياق القراءة. وقد جاء العمل متسلسلًا ترتبط فيه الأحداث بخيط ناظم ولا يكشف عنها إلّا بالاقتراب من النّهاية.

الحصاد التقت الكاتب عمر بن حامد المعولي وكان لها معه هذا الحوار:

 »الحصاد«:  كون هذا العمل الرّوائيّ هو الأوّل لك. حدّثنا عن تجربتك وبمن تأثّرت في قراءاتك؟

عمر بن حامد المعولي:  »بدايةً اشكر لكم هذه اللفته، ولي الشرف ان أكون في حوار بين أروقة مجلة الحصاد.

في حقيقية الأمر كان لطبيعة عملي منذُ البداية التأثير الكبير على توجّهي في الكتابة، حيثُ بدأت  في المجلات والجرائد.. بدايةً من مجلة النهضة وصولًا الى جريدة الزمن وبعض الجرائد والمجلات الأخرى التي تعاقدتُ معها بشكل مؤقت، وبرغم أن طبيعة عملي معهم كانت فنيّة (كمخرج صحفي) إلا أن ذلك لم يمنعني في الاحتكاك بالعديد من القامات الأدبية والصحفية.

بعد ذلك وجدتُني غارقاً في المنتديات الأدبية الإلكترونية، وصولا الى برامج التواصل الاجتماعي، التي لم تقتصر على احتواء الكُتّاب فقط، بل نجدها اليوم تحتوي كل أفراد البيت الواحد، فكان لا بُد لي من انطلاقة حقيقية مُترجلا من العالم الافتراضي، بتشجيع الكثير من الأصدقاء والمتابعين لي، فلم أجد بُداً من أضرب عصفورين بحجر عندما قررتُ أخيرًا أن أبدأ في عملي الأدبي الأول.

أخذتُ وقتاً طويلاً لتحديد هوية الإصدار الأول لي، فجاءت  »مستنقع المسرّه« وفرضت نفسها علي قبل أن أختارها أو حتى أُحدد هويتها، خصوصًا وأني وجدتُ نفسي أمضي معها تلقائياً خطوةً بخطوة، فكانت على غير ما سبقها من محاولات  »قليلة سطورها المحذوفة« فنجت من مصير السجن في الأدراج. المُلفت في باكورة فكرة هذه الرواية أنني قد عمدتُ على إنزال فصولها على الفيسبوك على شكل حلقات أو مشاهد، وما أن أنزلت المشهد الأول حتى طالبني الكثير من المتابعين وبقوه بالتوقف عن النشر على منصات التواصل الاجتماعي والاتجاه الى الإصدار الورقي، وكان ذالك!.. لذلك من الممكن أن أقول بأن إيمان الآخرين بقلمي كان الدافع الأكبر في إصدار عملي الادبي الأول.

أما كتأثر بكاتبٍ ما، فلا أظن أن أحداً من الكُتّاب قد تأثرتُ به أكثر من  »دوستويفسكي« الذي اراهُ عملاقاً يُعالجُ تارةً ويتعالجُ في تارةٍ أخرى، وقد حاولت في هذه الرواية الهرب من الحيّز الذي وجدتُ نفسي فيه بنكهة الكاتب الروسي، والذي تغلب المشاهد في أعماله على  »الغُرف الصغيرة المُظلمة«.. ومن يقرأ روايتي هذه ربما سيجدُ رفرفةً لروح (راسكولينكوف) بطل رواية الجريمة والعقاب، مع الاختلاف الكبير في الأسلوب والملامح البيئية للبطل وقضيته«.

 »الحصاد«:  ماذا تعني الكتابة لعمر بن حامد المعولي؟

عمر بن حامد المعولي:  »الكتابة تعني لي الكثير، أكثر من كونها توثيقاً وأكثر من محاولة نقل الأفكار الخاصة بي الى القارئ أو المتلقي، وأكبرُ من أن تُحصر في كونها  »رسالة«..  شخصياً أرى أن الكتابة ترجمةٌ لمكنون الكاتب مهما كان صنفه، ومُتنفسٌ على شُرفةٍ تُطل على العالم، وفي عملي الأدبي الأول هذا  »مثلا« وبعد الانتهاء منه.. وجدتُ أنهُ عبارة عن تأثر من أحداثٍ كثيرةٍ مرّت علي وعلى شخصيات في أرض الواقع، وشخصياتٍ أُخرى افتراضية عاشت في الروايات والقصص والأساطير وحتى في السينما..«.

 »الحصاد«:  هل سبق أن عملت على أجناس أدبيّة أخرى؟ ولماذا اخترت الرواية بشكل خاص؟ وأين تكمن الصّعوبة في كتابتها؟

عمر بن حامد المعولي:  »لي العديدُ من المقالات التي نثرتها في برامج التواصل الاجتماعي، وكذلك القصص القصيرة التي كان لي فيها متابعين كُثر في المنتديات الأدبية الإلكترونية، الأمر الذي صقل موهبتي ما شجعني أن أشارك في مسابقات أدبية في بلدي، وطالما كُنتُ أقتربُ من إصدار مجموعة قصصية، ولكنني كُنتٌ أُرجئ هذا القرار الى وقتٍ لاحق بسبب الإحساس الدائم (بشيءٍ من عدم الرضا) مما سأقدمه، فانتظرتُ سنين أُخرى إلى أن وجدتُني أوقعُ  إصداري الأدبي الأول على  »رواية«، برغم أنها –أي الرواية- كنتُ أراها –ولا زلت- صعبة المنال بعيدة، ففكرة الرواية التي توَد أن تكتبها قد لا تحتاج أكثر من أربعٍ وعشرين ساعة، ولكنك ستجدُ نفسك في مأزقٍ وأنت تفردها على الورق الأبيض خائضاً في السيناريو والحبكة والشخصيات، مع وجود (حالة عدم الرضا) التي ما تنفك تُزاول الكاتب باختلاف هويته، لتجد نفسك بعد أشهر أو سنوات ترمي بها بين الأروقة المنسية مع قليلٍ من اليأس! ولكن قد يتيّسرُ كل ذلك إذا ما كُنتَ تؤمنُ وتتعايش فعلياً مع القضية والشخصيات التي تختلقها في عملك الروائي.. فتجد أن لك نفساً طويلا مع هذه الفكرة التي ربما لم تعطها أكثر من كونها  »مشروع قصة قصيرة«، فكان أن كُتب لهذا العمل أن يكون روايةً بدل أن تكون قصةً قصيرةً بين مجموعة من القصص، لإيماني أن سلسلة الأحداث الكثيرة فيها كانت مؤهلةً أن تقسم إلى عدة فصول، خصوصاً وأني قد وجدتُ فيها فُرُصاً كثيرة لربط الأحداث بطريقةٍ ذكية ومشوقة لا يستطيع القارئ التوقف في إحدى محطاتها حتى تراودهُ الحماسة للوصول الى المحطة التالية«.

 »الحصاد«:  مستنقع المسرة« هو عنوان روايتك الأولى. لماذا هذا العنوان الذي يحمل أكثر من معنى؟ وإلى أيّ حدّ يساهم العنوان في جذب القرّاء للرّواية؟

عمر بن حامد المعولي:  »أُؤمن تماماً بقوّة وتأثير عناوين الروايات والقصص، بل أعتبر أن اختيار عنوان العمل الأدبي (فنٌّ) بحد ذاته، إذ من الممكن أن يكون العنوان يختصر للقارئ مكنون الكتاب، ومن الممكن كذلك ان يكون غامضاً ولُغزاً لا يمكن للقارئ تحليله إلا بعد الانتهاء من قراءة الورقة الأخيرة من الكتاب.

وقد جاء هذا العنوان الغريب مع بداية كتابتي الأسطر الأولى من الرواية، وكان العنوانُ حاضراً معي وأنا أعبرُ الصفحات واحدةً تلو الأخرى، فبطل الرواية الذي تحاصرهُ الوحدة التي يحاول التخلص منها، يجد نفسه يخوضُ في مستنقعٍ حقيقي مع مخلوقةٍ ما بالصدفة.. كان اسمها  »المسرّه« بينما كان البطل فعلياً تنقصه  »المسرّةُ« كي يُبعد الرتابة والكآبة من عالمه! وكذلك كان يحلم بشريكٍ  »يسِـرُّ« لهُ أسرارهُ وأوجاعه، ليتفاعل القارئ مع نفسه محاولا حل لغز اسم الرواية وهو يتابع مشاهد الرواية، ليصدم كذلك  »بمستشفى المسرّة لعلاج الأمراض النفسية« الذي يُطل في مشهدٍ مهم من الرواية«.

 »الحصاد«:  في رواية  »مستنقع المسرة« أسماء ترمز إلى شخصيّات وردت في الكتب المقدّسة، برأيك ما هي أهمّيّة استخدام هذه الرّموز في الرّواية؟

عمر بن حامد المعولي:  »الرموز في هذه الرواية كانت حاضرةً وتركتها عذراء كما هي للقارئ،فـ »مريم« في الرواية لم تكُن أُماً، ولكنها احتوت بطل الرواية بحضن الأم وحنانها، و »يونس« لم يُصادف  »حوتاً« في الرواية ليبلعه! ولكنهُ طلب النجاة في المشهد الأخير! والحوتُ نفسهُ تجلى في بعض المشاهد  »كبرجٍ فلكيٍ« كان لهُ تأثيرهُ الواضح، كل هذه الرموز زادت الرواية مزيداً من التشويق ومحاولة فك طلاسمها، لا سيما وأن للسيناريو طابعاً يُلامس العالم الخفي..  وكما قيل :  »فلتنطلق الرموز عندما تعجزُ اللغة عن استيعاب المعنى!«

غلاف مستنقع المسرة

 »الحصاد«:  يغلب الحوار والوصف على معظم أجزاء الرّواية. إلى أيّ مدى يمكن للحوار أن يكشف عن نفسيّة الشّخصيّات، وكيف يمكن للوصف الإلمام بأدقّ التّفاصيل من دون إغراق القارئ في الرّتابة؟

عمر بن حامد المعولي:  »شخصياً أتفق تماماً بأن الحوار أداةٌ فينة مهمه يستطيع معها الكاتب الإفصاح عن الشخصيات وهويتها، مُستفيدا في ذات الوقت من جعله وسيلةً آمنةً في تدرج الحبكة بسلاسة.

وكان لا بد لي في هذا العمل أن أُعدد المشاهد التي تحمل طابعاً حواريًّا، خصوصًا وأن بطل الرواية بدا غامضاً في شخصيته منزوياً على نفسه في بادئ الأمر.. يفتقد الحيوية اللازمة التي تؤهله نيل البطولة، وكذلك الحال مع الشخصيات الرئيسة الأخرى، إذ عمدتُ أن أُظهرها بالأداة نفسها التي استخدمتها مع البطل، بل وقد فضّلتُ أن يكون الحوار ذاتهُ عاملًا مهما في الربط بين الأحداث مروراً بالشخصيات الثانوية التي كان لها نصيبٌ كبير من تلك الأداة في الكشف عن نفسيتها، فنجد بين جنبات الحوار التفاتة وصفًا ولُغة جسدًا راهنتُ عليها من دون اللجوء الى التعمق في وصف كل شخصيةٍ على حدّه.. وقد استفدتُ رُبما من ميزةٍ اكتسبتها في القدرة على الدمج في الحوار بين اللغة العربية الفصحى و »العامية المتوسطة« التي كانت في مقام (لغة مباشرة سلسة) لا تصعب على أي قارئٍ عربي.

 أضف الى ذلك أن الرواية في أساسها تناولت مما تناولته جانباً من القصص الاجتماعية الموروثة (كالقصص الأسطورية القديمة) حول التواصل مع العالم الخفي الذي سعت الكثير من الثقافات في تصويره كُلٌّ حسب نكهتها، وهذا كان عاملاً مشجعًا في أن أستخدم الحوار في مشاهد عدّه من الرواية، الأمر الذي يسّر لي أن أُمارس الوصف كذلك بسلاسةٍ بعيداً عن التكلف، ما أهّلني في أن أمضي قُدما في أحداث الرواية من دون الوقوع في شَرَك الرتابة«.

 »الحصاد«:  ما هو الحلم المستقبليّ الذي يطمح إلى تحقيقه عمر بن حامد المعولي في الكتابة؟

عمر بن حامد المعولي:  »أذكر مقولةً للكاتب الأمريكي الساخر  »مارك توين« يقول فيها :  »ما أجمل أن تكون شخصاً كلما ذكرك الآخرون يبتسمون« .. لا أقصد هنا بأن لي نية حقيقية بالدخول في عالم الكتابة الساخرة، ولكن شخصياً أحلم بأن تحظى كتاباتي يومًا ولو بنص صغير يتذكره البعض مبتسمين أو غارقين في قياسه مع ما يمرون به في حياتهم«.

 »الحصاد«:  للكاتب المبدع رسالة يحملها بقلمه. ما هي الرسالة التي تحملها وتتمنّى أن تنشرها في العالم؟

عمر بن حامد المعولي:  »أتمنى أن تكون الكتابة العنصر المقرب بين المجتمعات ، مهما اختلفت مشاربها وأجناسها، وأن تكون بلسمًا لكل شرخٍ عالمي تسببت به السياسةُ أو الدين أو أي عوامل أُخرى.. فالكتابة طيرٌ جميل يعبر الحدود دونما تأشيرةٍ أو جواز سفر.. كثيرون هم أصدقائي الذين أصفُ لهم روايةً يابانية فيستغربون ذلك! إذ عهدوا باليابان بارعةً في التكنلوجيا والاختراعات، فاليابان كمثال أوصلت لي ثقافة شعبها بتفصيل جميل ودقيق مُخترقةً البعد الكبير جُغرافيا وثقافيا للوصول الي، وكان ذلك بفضلٍ كاتبٍ ما !

فلتنطلق كتاباتنا وتربط بين شعوب العام، ولنكن قريةً صغيرة بالكتابة! لا بمجرد الانترنت«.

العدد 93 – حزيران 2019