قمة بايدن في السعوديه

سلسله من محاولات دؤوبه لمحاصرة الاراد العربيه

منذ ان اطلت علينا الولايات المتحدة الامريكية، ومشروعها الاول للدخول الى منطقتنا وهو المشروع المعروف ب (النقطة الرابعه)،ونحن في حوار معها. الولايات المتحده لم يكن لها ماضي استعماري لدينا ،ولذلك لم يكن الحوار ساخنا لعقود طويله ،ولم يتحول الى حرب الا حين هاجمت العراق بضراوة دون اذن من مجلس الامن او تفويض من الامم المتحدة ،وكانت ذريعتها (اسلحة الدمار الشامل) التي يحوزها النظام،وثبت ان دعواها كانت كاذبة،ولكنها مع ذلك لم تجد حتى الآن من يحاسبها ،وقبل ذلك كان عدوان اسرائيل عام 1967 ،وهناك ظلال كثيفة تحيط بذلك الدور

ليس اول الرؤساء الامريكيين
الذين يحاولون سلب الاراده العربيه

الأمريكي الصارخ في تدبير هذا العدوان الذي كانت أداته اسرائيل ،وان كانت ابعاد هذا الدور  لم تتكشف حتى الآن .اذن المعركة بيننا وبين الولايات المتحدة معركة لها جذور،والصراع فيها ليس جديدا حتى وان اختلفت الازمان وتبدلت العصور،لكن المعركة تبقي واحده ،و ليس فيها جديد سوى تغير الاسماء بين مرحلة واخرى .الهدف الامريكي كان ولازال هو تعزيز وجوده في منطقة الشرق الاوسط ،والمقصود بذلك الاصطلاح هو المنطقة العربيه بالاضافة الى تركيا وايران . نعرف وندرك تماما أنه بعد الحرب العالمية الثانية وبروز الكتلتلتين الكبيرتين الكتلة الشرقيه بزعامة الاتحاد السوفييتي والكتلة الغربيه بزعامة الولايات المتحدة الامريكية،وكلا الكتلتين تتصارعان على مد النفوذ وبالتالي كسر امتداد الآخر،ولذلك كان مشروع (ترومان )عام 1949 ذو النقاط الاربع ،وكانت (النقطه الرابعه) تحديد ا Point Four Programفي برنامج الرئيس هاري ترومان هي الأهم والأكثر تأثيرا في السياسة الخارجية حيث تضمنت أفكارا ووسائل جديدة مكنت الولايات المتحدة من زيادة نفوذها وتدخلها في دول العالم المختلفة من خلال سلسلة من برامج المساعدات الغذائية والصحية ومشاريع البنى التحتية كالمياه والطرقات وغيرها ولهذا الغرض افتتحت مكاتب حملت اسم (النقطة الرابعة )في العديد من دول العالم وأسند إليها تنفيذ تلك البرامج المخصصة للدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وقد أْقر البرنامج من قبل الكونغرس الأمريكي في 5 يونيو 1950م وخصص له مبلغ 25 مليون دولار أمريكي للسنة المالية 1950م كما شكلت لجنة في وزارة الخارجية الأمريكية تحت اسم مجموعة المساعدات التقنية اشرفت على البرنامج وقد وصف تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الرئيس الأمريكي هاري ترومان بأنه قائد عظيم حيث قال (لقد استطاع ترومان حماية الحضارة الغربيه عبر سياساته الخارجية التي تضمنت برامج النقطة الرابعة). لكن لابد ان نقف هنا ونتذكر أن ( مصر) رفضت ذلك المشروع عام 1951بقيادة (النحاس باشا)،بل نتذكر ايضا ان الأستاذ الجليل (احمد بهاء الدين ) وكان شابا في مقتبل العمر لم يحترف الصحافة بعد قد اصدر كتيبا صغيرا على حسابه الشخصي باسم (النقطه الرابعه) يفند فيه هذا المشروع ويراه مشروعا استعماريا خالصا ويحذر الحكومة منه.ونحن الآن بالتأكيد نفهم معنى ذلك الاحتفال الذي نقرأه في كلمات تشرشل، لكن الادهي من كل ذلك واللافت للنظر ،ان نري هذا التنافس الذي يبلغ حد الصراع الداخلي بين اعضاء الكتلة الواحده ،وهو الذي عاصرناه قبلا في عام  1956 حين وقفت الولايات المتحدة الامريكية بجوار مصر سياسيا ضد الغزو البريطاني الفرنسي الاسرائيلي،وطالبتهم بالجلاء عن الاراضي التي احتلوها من مصر،وبعد ان اعلنت اسرائيل من خلال (الكنيست) ضم(سيناء لأراضيها)،وذلك حتى تمهد امريكا الطريق أمامها لكي تدخل بمشروعها المعروف بمشروع ايزنهاور أو(نظرية الفراغ) الى المنطقة  وترث بذك النفوذ البريطاني الفرنسي ،وتقود هي المنطقه في مواجهة ( الأتحاد السوفييتي) بعد ان فشل ( حلف يغداد) في هذه البقعة ذات الموقع المتميز والثروات الضخمة التي تكتنزها ،وفي طليعتها البترول .لكن من جديد وقفت المنطقه ضد هذا المشروع الوافد بعد ان واري التراب من قبل مشروع (النقطه الرابعه) ومن ثم لحق بتلك المشروعات ايضا مشروع الحلف الاسلامي .

جوبايدن وزمانه

تتواصل المعركة في زماننا الراهن ،وفي عصر الرئيس الحالي للولايات المتحده الامريكيه جو بايدن الذي توالت انذاراته لبعض قيادات العالم العربي فترة الانتخابات الرئاسية في امريكا وكان هو المرشح الأكثر ترجيحا للفوز بالرئاسة ،ومازلنا نتذكر تصريحاته عن حقوق الانسان واحوالها المهتزة في بعض بلداننا، وان الولايات المتحدة لن تقدم شيكات على بياض لأحد، وكان في مجمل تلك التصريحات يقصد نظم عربيه بعينها.كان بايدن يردد ان امريكا لن تتخلى عن قيمها في سبيل بيع الاسلحة او شراء النفط وانها ستنهي كل اشكال الدعم للعمليات الهجومية في حرب اليمن ،وانه  سيعمل على تحقيق وعوده الانتخابية بدعم حقوق الانسان والقيم الديموقراطية ،ولذلك فان الولايات المتحدة ستحتاج الى تغيير علاقاتها مع المملكة السعودية والامارات تغييرا جذريا . فهل فعل او بالأحرى هل يمكنه ان يفعل ،بعد هذا التطور الخطير الذي طرأ على العالم،وليس على امريكا او اوروبا فقط ،ونعني بذلك قيام الرئيس الروسي بوتين (بالعمليه العسكرية الخاصة في اوكرانيا) موضحا ان موسكو لن تدع

هذا البلد يتحول إلى (منصة)يتم الانطلاق منها لتهديد روسيا.

بوتين كان جرس الانذار

كانت امريكا تحاول دراسة مواقعها وسياساتها في العالم ،ولذلك اولت اهتما كبيرا بعلاقاتها مع الصين باعتبارها الخطر القادم،الذي عليها ان تستعد لمواجهته ،ولذلك كان عليها ان تقوم بترشيد حركتها في اقاليم متعددة،فاعلنت انسحابها من افغانستان واعترفت بحركة طالبان التي قضت اكثر من عشرين عاما في قتال معها،بل وسلمتها الحكم،كما قامت ايضا بانهاء المهام القتاية في العراق ،وكذلك قلصت من وجودها العسكري في سوريا باستثناء القوة الموجوده لحماية حقول النفط في بعض مناطق شرق وشمال البلاد حسب ماكشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز. لكن حدثا كبيرا وقع ،ولم يكن مستشار الامن القومي الامريكي ( جاك سوليفان) في وضع يمكنه ان يغض الطرف عنه

قمة بايدن في السعوديه

،اويقلل من وقعه وقيمته بالنسبة الى مايمكن ان تتطور اليه الأحداث. كان هذا الحدث هو(العملية العسكريه الخاصة في اوكرانيا) ،وستظل تلك العملية نقطة تحول في السياسة الامريكيه ،فقد اعادت لها حساباتها من جديد ،وهو ان روسيا تتعافي وبجانبها وجودا ومستقبلا ،وان المعسكر القديم ،حتى وان كان قد تغير نسبيا في اطار الفكر،الا انه مازال متلازما او على الاقل متساندا في الحركة وفي التخطيط ، وان كان عصر الايدولوجيات قد خفت رنينه الا ان عصر المصالح لم ينطفئ بريقه.

الولايات المتحدة وازمة اوكرانيا

اولى مستشار الامن القومي الامريكي اهتمامه بالعملية العسكرية الروسيه في اوكرانيا،وانه لابد من مواجهتها على مستوى اوسع،وذلك  للعودة الى تعزيز مواقع النفوذ الامريكي على اكثر من جبهة ،وكان ان راجع بايدن في سياسات الانسحاب الامريكي،وفي ضرورة عودة اللحمة الى العلاقات التي تربط اعضاء حلف الناتو، وتعزيز العلاقات مع الدول الاوروبيه وحلفاء امريكا التقليديين ،ثم مواجهة التقدم الروسي والصيني في العلاقات مع دول الشرق الاوسط ،وكلها سياسات ينبغي معالجاتها في اطار تلك الأزمة الدولية الطاحنه التي تركت بصماتها على العالم اجمع وهي الأزمة الاوكرانيه، فالقضية تعدت مشكلة الطاقة من النفط والغاز، الى ازمات الجوع بسبب النقص في واردات الحبوب والزيوت من اوكرانيا وروسيا ،بسبب عقوبات المقاطعه .

الولايات المتحده ..ونظرية الفراغ من جديد

تعود الولايات المتحده الأمريكيه من جديد ،لتخاطب اصدقاء تعتقد انهم اصدقاءها التقليديين،لكي تسد الباب امام اصدقاء وافدين ،كما تظن وهما روسيا والصين.تعود بعد ان ابتلع رئيسها (بايدن) انذاراته التي اطلقها اثناء حملته الانتخابيه عن حقوق الانسان،والديموقراطيه يعود اليوم لزيارة المنطقه،وقد استهلها بزيارته لأسرائيل ،ولكن اللافت في تلك الزياره ،هو حجم القوي الامنية التى صاحبت زيارته، فقد كانت الأكثر زخما فى تاريخ الولايات المتحدة لتأمين زيارة الرئيس الامريكي  إلى المنطقة، فقد نقلت أمريكا أنظمة دفاعية كاملة منها الى المنطقة وخاصة الى اسرائيل ورام الله ،وقد شملت هذه

الانظمة صواريخ باتريوت ورادارات، علاوة على عمل طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية لديها  لرصد أى تحركات عدائية قبل زيارة المنطقة، علاوة على حشد عدد كبير من جنود القوات الخاصة والمارينز والمركبات المدرعة لاستخدامها فى التحركات.كانت هذه الاستعدادات لافته مما أثار العديد

من الاسئلة عن حجم تكلفتها، لكن المتحدث باسم البيت الابيض رفض الاجابة عن تلك الاسئله.

ما هو الهدف من الزيارة

يمكن تلخيصها في عدة اهداف رئيسية : ويتمثل الهدف الاول في الاعلان عن الوجود الامريكي في المنطقة ،وهي رسالة ضمنية الى كل من روسيا والصين ،وانه ليس هناك فراغ لكي يحتله وافد جديد مع الوضع في الاعتبار ان روسيا كان لها وجودا كبيرا في فترة الخمسينات والستينات ،ولم يكن وجودا استعماريا ،,ولكنه كان صديقا معاونا ،وهو امر لابد من ان يكون راسخا في الذاكرة الامريكية .اما الهدف الثاني فيتمثل في طلب زيادة الانتاج في النفط ،نظرا لما ترتب على قيام الحرب الروسية الاوكرانيه، والعقوبات التي فرضت على روسيا ،ما ادي الى استخدام روسيا لكلا من النفط والغاز وهي الدولة المصدره لهما، هذه الخاصية ،في تحجيم ان لم يكن في منع تصديرهما لأوروبا  كنوع من الضغط عليها، وهو مايضيف اثقالا على الموقف الامريكي ،سواء في دفعه لزيادة حجم الانتاج من المخزون النفطي لديه لتعويض اوروبا ، أو أن يتفكك هذا التحالف الامريكي الاوروبي في مواجهة روسيا نظرا للأحتياج الحاد لبعض الدول الاوروبية لأي من هاتين السلعتين . الهدف الثالث هو تسويق اسرائيل في المنطقه ،والعمل على ادخالها في منظومات دفاعية خصوصا ضد ايران مع تطلعاتها الطموحه في انتاج سلاح نووي يمكنه ان يهدد المنطقة،وما يترتب على ذلك من تأثيرعلى الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة، ولا ننسى ان قيام اسرائيل في الاساس هو صيانة للأمن الاستراتيجي الأوروبي ومن بعده للأمن الاستراتيجي الامريكي، وكان عبدالناصر يصفها انها رأس جسر للأستعمار العالمي . واخيرا السؤال هل حقق بايدن ما يسعى اليه ..؟

منذ بدء زيارته لأسرائيل ورام الله لم يحدث اختراقا من اجل حل القضية الفلسطينيه سوى اعلان سبق تسويقه وهو حل الدولتين ،ومع ذلك لم تكن هناك اضافة تنبئ بمسار اّخر له جديه في المضي لتحقيق ذلك ،ثم ان كان يذهب الى الظن انه احدث ذلك الاختراق نحو التطبيع مع السعوديه لكون طائرته قامت من اسرائيل لتهبط في السعوديه ،فتلك تفصيله تترجم في باب الضيافة وحسن الاستقبال للضيف الامريكي ولا اكثر. يمكن التأكيد على انه قد فشل في تحقيق اجماع على موقف من المفاوضات النووية مع ايران ،كما فشل في الحصول على تعهد من السعودية ودول الخليج النفطيه بزيادة حجم امداداتها لتعويض الحجم الناقص الناتج عن فرض العقوبات على روسيا ، واصرار الدول الخليجية على استقلال سياستها النفطية، كما أنه قد وضح عمق الخلاف بين الولايات المتحدة والدول العربيه حول عملية التحالف العسكري والموقف من الحرب الروسية الاوكرانية ، ونضع في الأعتبار ان تلك السياسة لم تفاجئ جو بايدن بشكل عام ،فقد كانت له رسله قبل القيام بالزيارة ،وكان وزير خارجيته بلينكن ،ثم رئيس الوزراء البريطاني جونسون الى السعودية ،ولكنها لم تتحرك في الاول استجابة للمبعوثين ،ولم تتحرك ايضا بحضور الرئيس الامريكي بشخصه وبمكانته .

فشل بايدن

فشل تلك الزيارة سيحمل انعكاساتها داخليا على حزب بايدن ،وهو مقبل علي انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الامريكي في نوفمبر القادم ، فهو لم يحقق للناخب الامريكي مايطمئنه على اجتياز تلك المحنه التي المت به من ضغوط اقتصاديه وهي الحرب الروسية الاوكرانيه والتحكم الروسي في ميادين النفط والغاز ما ادي الى صعود يتسارع في اسعارها ،ثم ارتفاع نسبة التضخم وما يصاحبها من مشكلات ،ثم انه تخلي عما اسماه ( منظومة القيم) التي زعم التشبث بها،في بداية حكمه  كما سوف تلاحقه صور لقائه مع ولي العهد السعودي ،وما واكبها من جدل حول مدى مسؤوليته في مقتل الكاتب جمال خاشوقجي ،وازاء ذلك كله فان فرص فوز الجمهوريين وهو الخصم المتربص ستكون اوسع ،نظرا للكبوات التي لاحقت الديوقراطيين بفضل سياسات زعيمهم . اذا جاءت نتيجة الانتخابات وفق ذلك السيناريو، فان جوبايدن سيكون في سنوات حكمه المقبله اشبه بالبطة العرجاء في البيت الابيض مادام خصومه الجمهوريين يحاصرون قراراته ،وهو ماسيضعف الى قدر كبير بالأضافة الى مشاكله الصحيه احتمالات ترشيحه لفترة ثانية .

                                             أمين الغفاري

العدد 132 / ايلول 2022