كتاب فرنسي جديد عن المطبخ اللبناني

بيروت جاد الحاج

فوجئت08417e4c9dc642f09a040a904337afa0 باتصال من دار النشر الفرنسية صمانغوش تدعوها الى وضع كتاب عن الطبخ اللبناني بناء على موقعها الألكتروني الذي شهد نجاحاً ملحوظاً واقبالاً ما كانت فاديا تتوقع حجمه. نعم، باغتها الطلب لأنها ابتكرت الموقع لمجرد التواصل مع الآخرين لعلها تخدر غربتها عن بلد غادرته قسراً فلم يغادر خيالها يوماً…

تعيش فاديا مع عائلتها في مدينة ستراسبور الفرنسية منذ اربع وعشرين سنة. درست الديكور في الجامعة اللبنانية وحالت الحرب الاهلية دون تمكنها من ممارسة اختصاصها في بلدها. وحين تزوجت جوزف نوفل كان لا بد لها من الاقامة في مركز عمله، حيث انجبت ولدين واقامت لاحقاً حضانة للاطفال في منزلها. الا ان علاقتها الوطيدة بمسقط رأسها دفعتها الى فتح صبلوغش يعنى بالوصفات اللبنانية كما ورثتها من امها سارة زيدان.

 تقول فاديا: صكل طبخة اعدها لعائلتي تذكرني بفيض من اللحظات الحميمة التي عشتها الى جانب والدتي في قريتنا القصيبة. عالم برمته يتسع وينتشر في مخيلتي لمجرد قيامي بفرم بصلة. ولعل ذلك عائد بالدرجة الاولى الى حياتنا الريفية ذات البعد الزراعي، إذ كان والدي شديد الاهتمام بالزراعة وحياتنا معقودة على المخاصيل والفصول واليناع والحصاد. الفارق بين ان تشتري بقولك وحبوبك من المحال التجارية وبين معايشتك ولاداتها ونموها وقطافها كالفارق بين مشاهدة فيلم سينمائي أوالقيام بدور فيه. لن تعرف نكهة الارض في ما تأكل وتشرب الا اذا عشت قريباً منها وعايشت اطوارها ومراحلها. ولا يعرف متذوقو المطبخ اللبناني مصدر تلك النضارة في التبولة مثلاً، لكنهم يحسون بها ويزدادون اقبالاً عليها غير د ارين ان كل مكونات التبولة ان لم تكن طازجة ومحمّلة بمصل التراب وروح الماء لا يجوز تسميتها تبولة. الحامض معصور خصيصاً لها، زيت الزيتون الصافي البكر، البصل البلدي ، البقدونس والنعناع والبندورة من حواكير البيت، والبرغل لا زلت تراه مسطوحاً في الشمس ليجف… لكن كلما ابتعدت تلك المكونات عن منابعها الاصلية عليك ان تتذاكى وتبتكر لتعويض النقص عبر اعتماد اكثر البقول طزاجة وابعدها عن المبيدات والاغذية الكيماوية.ش

سرّ المطبخ اللبناني في رأيها انه تكوّن من حاجتين متباعدتين، الاولى ضرورات التنويع من ضمن المكونات الريفية المتوافرة، خصوصاً الحبوب والبقول والمنتجات الحليبية، والثانية مصدرها المؤثرات الجغرافية التي تدفقت من الشرق والغرب بعد الحربين العالميتين: المطبخ التركي،الموحيات الحلبية والعربية، والرقيّ الاوروبي، اضافة الى المنافسة السياحية لاحقاً. لكن ما قامت به فاديا في هذا الكتاب يمكن اعتباره عودة ناعمة الى الجذور بحثاً عن المنابع الاولية للنكهات التي ميزت المائدة اللبنانية انطلاقاً من الجبل الى السواحل القريبة. رافقت وصفاتها شروحات مركزة تناولت الخلفية التاريخية لأهم عناصر المطبخ الريفي اللبناني وعاداته، فعن الخبز مثلاً ورد ما يلي:« يحتل الخبز مكانة اولية في المائدة اللبنانية، بل يحتل احياناً مكان الصحون والاطباق. ومنذ ثلاثين سنة كان التنّور والمرقوق )الصاج( لا يزالان حاضرين في المنازل الجبلية. الامهات والجدات يعجنّ ويخبزن لمدة اسبوعين في اقل تعديل ويتوجن صالخبزةش بمناقيش الزعتر وفطائر البقول. صحيح ان تلك العادات باتت نادرة الوجود، الا في الاحتفالات الفولكلورية والاعياد، الا ان معظم منتجات عجين الامس عاد للظهور في افران اليوم على نطاق واسع«.

ويكتب الناشرون مقدمة وجيزة لفصل اللحوم والاسماك:« تقليدياً معظم مكونات المطبخ اللبناني نباتية على غرار مطابخ حوض البحر الابيض المتوسط، لكن اللحم والسمك يظهران على المائدة اللبنانية في الآحاد والاعياد والمناسبات الاجتماعية، وتنخرط توابلهما في السياق المعهود ما يؤدي الى إثراء جديد وشهيّ«.

الكبة بالصينية، الهريسة، البرغل بدفين، كفتة وبطاطا، شيخ المحشي، سبانخ مع الأرز، شيش طاووق، سمكة حرة… يليها فصل كامل عن الحلويات كالنمورة، والقشطلية، والمغلي،والمعمول، والقطيف وغيرها.

يهف الى القارىء غلاف هذا الكتاب بمزيج من التشكيل الملون والعفوية المرحرحة حيث تنتشر صحون الحمص والمتبل وورق العريش واقراص الكبة والتبولة على غطاء اخضر فوقه كسرتا خبز!

ـ فاديا زيدان على غلاف كتابها