كيف ينجح الحراك الشعبي في لبنان؟

في ظل تعدد الاهداف والخلفيات السياسية

بيروت – غاصب المختار

 “ثورة”، “إنتفاضة”، “حراك شعبي”، “غضب شعبي” “إحتجاجات شعبية”… واسماء كثيرة أُعطِيَتْ للتحركات الشعبية المدنية التي انطلقت في لبنان في  17 تشرين الاول – اكتوبرمن العام 2019، واستمرت حتى الان بعدما اتخذت اشكالاً واهدافاً وعناوين متعددة ومختلفة بإختلاف القائمين عليها، وحيث اجتمعت احزاب وبقايا احزاب اليمين واليسار والمستقلين والمجتمع المدني وما يسمونهم”جماعة السفارات الغربية” والفوضويون، والأهم اصحاب الحق في رفع الصوت، على مطالب مختلفة تراوحت بين  المطالبة بتغيير النظام السياسي القائم وإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة الحالية التي اوصلت البلاد الى حالة الانهيارومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وبين المطالبة بإصلاح النظام عبر تعديلات دستورية وانتخابات نيابية مبكرة وصولا إلى انتخابات رئاسية مبكرة واعتماد سياسة اقتصادية واجتماعية اكثر عدالة.

وتوسعت مطالب وشعارات بع المجموعات لاحقا لتشمل المطالبة بنزع سلاح حزب الله وتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالوضع في الجنوب اللبناني والصراع مع العدو الاسرائيلي. واعتماد الحياد عبر تدويل حل الازمة اللبنانية بكل جوانبها.

اجتمع المحتجون على أربعة أهداف أساسية في بداية التحركات، لا تزال فعليًّا هي التي تقود الحراك في غياب أية قيادة محددة له، أولها: سقوط الحكومة، وهو ما تحقق باستقالة رئيس الوزراء، سعد الحريري، في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ثم استقالة حكومة حسان دياب بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 اب. وثانيها: حكومة مؤقتة لستة أشهر مكونة من تكنوقراط وبصلاحيات استثنائية، وثالثها: إجراء انتخابات نيابية جديدة، ورابعها: مكافحة الفساد والفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة الى الخارج. ومن الواضح أن الغاية من هذه الأهداف تغيير الطبقة الحالية الحاكمة، وإنتاج طبقة جديدة على أمل تكريس رؤية جديدة للحكم، تُخرج لبنان من أزماته الاقتصادية وتحقق العدالة الاجتماعية، والانتقال به إلى وضعية أخرى تسمح للبلد بالنهوض وليس التعافي فحسب.

مجموعات التحركات الشعبية

وللإضاءة على خريطة القوى والمجموعات التي تتحرك في الشارع وترفع شعارات مختلفة واحيانا متناقضة، نستعرض اعداد وبعض اسماء هذه المجموعات وبعض خلفياتها وتوجهاتها السياسية والمطلبية.

تبرز في الحراك السياسي والشعبي مجموعات من: الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي، والتنظيم الشعبي الناصري وقوى ناصرية اخرى، ويساريين مستقلين، واحزاب يمينية مثل حزبي الكتلة الوطنية والكتائب اللبنانية وحزبيين سابقين يتحركون بشكل مستقل. اما مجموعات الحراك فيفوق عددها المائة وابرزها المعلن عنه:

– الحزب الشيةعي اللبناني

– مواطنات ومواطنين في دولة يرأسها الوزير الاسبق شربل نحاس.

– التيار النقابي المستقل

– حراك العسكريين المتقاعدين

– المبادرة الوطنية

-حزب الخضر

-الحزب السوري القومي الاجتماعي- الانتفاضة

– حملة الشعب يريد إصلاح النظام

– مبادرة وعي

– حركة الشعب التي اسسها النائب السابق نجاح واكيم.

– مجلس مجموعات الثورة

– المتحدون

– مجموعة “مسيرة وطن”

– نبض النبطية

– مجموعة الزواج المدني في لبنان

– حراس المدينة / النبطية

– حركة النهضة القومية

– حراك صور

– ثوار ساحة العَلَمْ- صور

– لهون وبس

– الحراك المدني العكاري

– اللقاءالجنوبي

– حركة المحرومين طرابلس

– حملة حلو عنا

– ثوار النبطية

– تجمع شباب زحلة

– حراك الهرمل.

– جمعية امم للناشط  المرحوم لقمان سليم الذي تم اغتياله في شهر شباط فبراير الماضي في جنوب لبنان.

– مجموعة  من الكتلة الوطنية و “لحقّي” و”التحالف الوطني”.

-المجموعات السيادية.ومجموعات مناطقية متفرقة هنا وهناك لا تشكل عصباً قويا متماسكاً للحراك بل تتحرك حسب الوضع السياسي او المعيشي يوماً بيوم.

لكن هذه المجموعات الناشطة في إطار حركة الاحتجاج بقيت عاجزةً حتّى الآن عن تحقيق الوحدة في ما بينها والاتفاق على برنامج موحد، الامر الذي كان من شأنه ان يجعل تأثيرها اقوى وافعل لو تحقق. وهي بفعل تشتتها وإختلاف شعاراتها واهدافها فشلت في الانتخابات النيابية عام 2018 ، حتى ان بعضها خالف ماكان ينادي به وتحالف مع قوى سياسية واقطاعية تقليدية بهدف الوصول الى البرلمان فقط.

إلى ذلك، ثمة عامل مهم ما زال يتحكّم بحركة الشارع وتأثيراته وقد اقرّت به مجمل مجموعات الحراك، ويتمثّل في ان احزاب السلطة الحاكمة منذ التسعينيات من القرن الماضي ما زلت هي الاقوى، في الادارات العامة وفي الشارع ايضاً، وسبق ان استخدمت شارعها مقابل شارع مجموعات الحراك الشعبي، التي تُعتبر اقلية وغير مؤثرة بسبب خلافاتها وإنقساماتها.

الشعارات والاهداف

اما الشعارات فتنوعت بتنوع القوى والمجموعات التي ترفعها ومنها:

“مكملين بالمقاومة الشعبية بوجه عصابات المنظومة الحاكمة: “حتى إسقاطها “. “ضد النظام الطائفي التقسيمي والميليشياوي القائم، وضد كل محاولات إنعاش هذه العصابات وإعادة إنتاجها”. “لبناء نظام بديل يرتكز على العلمانية واللامركزية والعدالة الاجتماعية والمحاسبة وتطبيق القانون “. “لفرض حكومة إنقاذ انتقالية من خارج إطار المنظومة الحاكمة وأحزابها ومن خارج منظومة السلاح والفساد”، “حكومة تواجه: التقنين الكهربائي الذي وصلت كلفته الى نصف الدين العام. واثارة الفتن والنعرات الطائفية وتهديد السلم الأهلي. تهريب البضائع المدعومة الى الخارج او احتكارها او بيعها بأسعار السوق. التلاعب في سعر صرف الدولار وخطر المجاعة. تمييع وتسييس التحقيقات بتفجير المرفأ. تمييع وتسييس التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي وسائر مؤسسات الدولة”.

برنامج مجموعات اخرى

وأعلن العديد من مجموعات وأحزاب المعارضة في لبنان عن موقف مشترك وخطّة لمعالجة الأزمات المتعدّدة التي تشهدها البلاد. واعتبروا ذلك “خطوة أولى نحو إنشاء جبهة منظّمة تكون قادرة على الارتقاء إلى مستوى تحدّي الأزمة التي يمرّ بها لبنان، وإلى مستوى توقّعات الشعب اللبناني”.

 وجاء في وثيقة مشتركة لتلك المجموعات المعارضة، المطالبة بإصلاحات شاملة تدفع باتّجاه إرساء نظام سياسي غير طائفي ونموذج اقتصادي أكثر استدامة.

اما “مجلس مجموعات من الثورة” فطالب بالآتي:

  • تطبيق الدستور ووثيقة الوفاق الوطني.
  • حصرية قرار الحرب والسلم في يد الدولة اللبنانية

ووحدانية سلاح الجيش اللبناني.

  • تطبيق القرارات الدولية: ١٥٥٩،١٧٠١، ١٦٨٠.١٩٤ والتمسك باتفاقية الهدنة ١٩٤٩.

–  استعادة استقلالية السلطة القضائية

–  اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة

– مكافحة الفساد

– استرجاع الأموال المنهوبة.

اما “المجموعات السياديّة”  فهي من اكثر المجموعات التي تتحرك ضد سلاح حزب الله وتؤيد دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي الداعية إلى: “تبني الحياد، وإلى عقد مؤتمر دولي لحماية الدستور، ولتطبيق القرارات الدوليّة الخاصة بلبنان من أجل تحرير الدولة من الدويلة وإستعادة السيادة المخطوفة من الإحتلال الإيرانيّ عبر ذراعه الميليشياوي حزب الله”.

دور السفارات

لا تخفي بعض السفارات الاوروبية والسفارتين الاميركية والكندية دعم مجموعات من “المجتمع المدني” “والمنظمات غير الحكومية” من العام 2016، تحت عناوين كثيرة منها:

في 24 آذار 2016 اعلنت السفارة الاميركية في احتفال  حضره القائم بالأعمال السفير ريتشارد جونز، إطلاق مشروع “المنظمات غير الحكومية أقوى معاً”، وهو حسب بيان للسفارة، “مبادرة تجمع 60 منظمة غير حكومية لبنانية لتعزيز تنسيقٍ وتواصلٍ وتعاونٍ أقوى بينهم بهدف صوغ رؤية مشتركة حول المجتمع المدني ولإبتكار استراتيجية انخراط واضحة، ولتطوير شبكات ستسمح لهم بالعمل على قضايا مشتركة عبر الشراكة مع منظمات مجتمع مدني أخرى ومسؤولين حكوميين ومجتمع الأعمال، بتمويل من برنامج المنح المحلية التابع لمكتب مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI) في السفارة الأميركية، من خلال عددٍ من ورش العمل التي إمتدت على مدى 15 شهراً”.

واوضح  السفير جونز هدف المشروع “بأن يكون المجتمع المدني حيوياً من أجل ديمقراطية لبنان. وأن “دور أميركا هنا هو تعزيز شراكة الولايات المتحدة القوية والمستمرة مع الشعب اللبناني لتشجيع المزيد من المشاركة المدنية، حتى يتسنى لجميع اللبنانيين تعزيز التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم، والمشاركة في العمليات السياسية التي تؤثر على حياتهم. وهذا الموضوع ذو أهمية خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في أيار 2016”.

بمعنى اوضح كان الهدف تحضيرمجموعات تخوض الانتخابات البلدية وقتها تمهيداً لخوض الانتخابات النيابية، بهدف المشاركة والتأثير في الحياة السياسية وهذا ما حصل في انتخابات عام 2018.

وعلى الصعيد الاوروبي،  نشرت منظمة “أنونيموس” الملفات التي حصلت عليها من الوثائق البريطانية، وفيها أسماء عدد من جمعيات المجتمع المدني والتي تمولها والأدوار التي تقوم بها في لبنان والمخيمات الفلسطينية فيه.

وحسب هذه الملفات، ينفذ الاتحاد الاووربي اكثرمن 30 برنامجاً، لأن “مبدأ الحرية واحترام حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية، وأسس الحريات تندرج في جوهر عمل الإتحاد الأوروبي، وهو من العناصر الأساسية لعلاقاته مع شركائه، إذ يضع الإتحاد دعم حقوق الإنسان في صلب سياسته الخارجية، كما يعمل على ضمان احترام هذه الحقوق عالمياً، من خلال الحوار السياسي المستمر والمساعدات المادية”.

وتحت هذه الشعارات والاهداف تحركت ايضا مجموعات كثيرة خلال وبعد انتفاضة 17 تشرين الاول – اكتوبر 2019. ولكن هذه المجموعات متهمة من قبل بعض اليسار وبعض اركان السلطة وحتى بعض مجموعات الحراك المستقلة، بأنها “مجموعات السفارات تتبنّى وتنفذ اجندتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق أهداف سياسية”، وترد هذه المجموعات بأنها تتبنى البرامج  والاهداف التي تعمل عليها السفارات لتعزيز الديموقراطية والحريات العامة ومكافحة الفساد. وعلى هذا المنوال لاثورة ولا إصلاح في لبنان المنقسم على نفسه حول الكثيرمن القضايا.

العدد 116 / ايار 2021