لبنان بلا رئيس وبلا حكومة… متى يحلّ الربيع السياسي؟

تراكمت الاحداث والازمات اللبنانية في نهاية السنة الماضية واستمرت مع بداية العام الجديد، وكأن أهل الحل والربط في “بلاد الارز” غير معنيين بحالة الانهيار و”الانتحار” التي يمارسونها، كما ينقل لـ “الحصاد” مصدر نيابي زار باريس عن مسؤولين فرنسيين. فلا انتخاب رئيس للجمهورية ولا تحقيق الحد الادنى المطلوب من الاصلاحات ولا تقدم في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لدرجة ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كان يفكر بإلغاء زيارته التقليدية السنوية الى لبنان بين عيدي الميلاد ورأس السنة لمعايدة القوة العسكرية الفرنسية المشاركة في قوات الامم المتحدة في جنوب لبنان (اليونيفيل).

 دخل لبنان ازمة متعددة الجوانب سياسية ودستورية وميثاقية خلال الشهرين الماضيين بعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، ازمة حكومة تصريف الاعمال التي اناط بها الدستورممارسة صلاحية رئيس الجمهورية في حال الفراغ الرئاسي لكن بالحدود الضيقة جداً، وازمة تعطيل العمل التشريعي في مجلس النواب نتيجة تحالف

الحوار المسيحي الممنوع

الاحزاب والكتل النيابية المسيحية  حتى المتخاصمة وإجماعها على رفض عقد اي جلسة تشريعية طالما ان المجلس النيابي في حال إنعقاد حكمي لانتخاب رئيس للجمهورية حسب الدستور.  وازمة عقد جلسات لمجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي وهوما يمنعه الدستور ايضاً لكن تم “اختراع ” مقولة “جلسات الضرورة” لإقرار بعض المراسيم الوزارية المهمة المتعلقة بالوضع الصحي والاجتماعي والمعيشي، وهوما اثار احتجاجا واسعا من التيار الوطني الحر الذي اعتبر رئيسه النائب جبران باسيل ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يصادرصلاحيات رئيس الجمهورية.

وأوضحت مصادر سياسية متابعة أن المعنيين قالوا ما لديهم بالنسبة إلى عقد جلسات لمجلس الوزراء وعاد الموضوع الدستوري ليشكل سلاحا يرفعه الأفرقاء بوجه بعضهم البعض. فلم تقتصر ردود الفعل الرافضة لعقد جلسة لمجلس الوزراء على التيار الوطني الحر، “خصم” ميقاتي السياسي، فقد اصدر الرئيس السابق ميشال عون موقفاً حاداً، كما رفضتها القوات اللبنانية وحزب الكتائب وقوى سياسية اخرى ايضاً، اضافة الى موقف بكركي الرافض ضمنياً الذي عبر عنه البطريرك بشارة الراعي.

  وقالت مصادر سياسية متابعة: أن الساحة المحلية ستبقى مفتوحة على صراع سياسي ودستوري، يُضاف إلى ملف الأستحقاق الرئاسي الذي يبقى على حاله دون خرق يذكر، حيث تتوالى جلسات الانتخاب بلا نتيجة.

ويبدو واضحاً حتى الآن ان لا دول الخارج تقوم بما يكفي للتوافق على كيفية معالجة ازمة الشغور الرئاسي، ولا قوى الداخل قادرة على التوافق والتفاهم حول مرشح مقبول يمكن حشد اكثرية نيابية له من اغلب الاطراف، نتيجة الانقسام الحاد بين مكونات المجلس ورفع الاسقف السياسية التي وصلت حدّ تعطيل العملية الانتخابية.

  ولا شك ان عودة النائب فيصل كرامي الى الندوة النيابية مع النائب الفائز بالطعن الدستوري بنتائج انتخابات طرابلس الدكتور حيدر ناصر، ستغير مجرى التصويت، على اساس تحالفهما المفترض مع نبيه بري وحزب الله وحلفائهما، لكن يبدو ان كرامي قرر ان يسلك مسلكاً آخر.

هل من جبهة سياسية جديدة؟

   المفارقة الجديدة في كل هذه التطورات ان كرامي اعلن انه سيبدأ العمل على انشاء “جبهة سياسية”، ليكون السؤال: من ستضم هذه الجبهة وهل سيتم إحياء “اللقاء التشاوري للنواب السنة” ؟ وهل ستقتصر على كتل نيابية ام تتوسع خارج المجلس؟ ما هو مشروعها واولوياتها؟ علما ان كرامي اكد انه لن يخرج عن ثوابته الوطنية المعروفة. ولهذا وضع كرامي خلال جلسات التصويت على انتخاب رئيس الجمهورية ورقة كتب عليها عبارة” توافق”، مايعني انه لن يصوّت لأي شخصية سياسية قبل حصول التوافق بين اكثرية نيابية حوله.

  وقد اجاب كرامي “الحصاد”على هذه الاسئلة بالقول: الحقيقة ان  انشاء جبهة سياسية واسعة مجرد فكرة اسعى لتحقيقها، لأني اعتقد ان الهدف الاول الذي يجب ان نسعى له هو انتظام العمل الدستوري، وهذا يعني انتخاب رئيس للجمهورية. ولكن في ظل الوضع القائم انتخاب الرئيس ليس متاحاً لأن اي طرف لا يمكنه تأمين نصاب الثلثين في المجلس. ولا يمكن التوصل الى مخرج سوى بالحوار والتلاقي.

اضاف: لذلك انا افكر في صيغة تكون نقطة تلاقٍ عبر انشاء جبهة سياسية وطنية واسعة خارج الاصطفاف الطائفي والمذهبي، واوسع من “اللقاء التشاوري”، وليس عبر تشكيل تكتل نيابي طائفي اومذهبي. لذلك الفكرة من انشاء الجبهة هي ان تكون وطنية عريضة تتلاقي على العناوين الكبرى اما التفاصيل والقضايا الداخلية الصغيرة فلكل طرف من اطراف الجبهة حرية اتخاذ الموقف الذي يريد.

 تفاهم ضمني بين “الكبار”

  وفي السياق ذاته، يقول نائب مستقل في المعارضة: ان هناك اتفاقاً وتفاهماً ضمنياً بين معظم مكونات قوى 8 و14 اذار على استمرار الوضع الرئاسي على ماهوعليه، واستمرار حكومة ميقاتي في القيام بواجباتها برغم الشغور الرئاسي واعتراض مكونات عديدة نيابية وحكومية، والدليل انهم مرروا موازنة 2022  المجحفة بحق الطبقات المتوسطة والفقيرة بسبب الضرائب والرسوم المفروضة كما يريدون من دون الاخذ بملاحظات النواب، ويمضون

بري والحزب والتوافق

بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي برغم مطالبه وشروطه القاسية التي ستكون على حساب الطبقات الشعبية والفقيرة.

ويشير النائب المذكور الى انه بمجرد دعوة الرئيس نبيه بري الى جلسة نيابية لمناقشة ملف الهدر في قطاع الاتصالات، ولو تم تأجيل الجلسة لاحقاً بطلب من المكونات المسيحية النيابية، هو امر يُحرج النواب المعارضين بلا شك لأنهم لا يستطيعون رفض جلسة هدفها التدقيق في شبهات فساد طالما طالبوا بملاحقتها ومحاسبة المسؤولين عنها، فإذا رفضوا الجلسة بحجة ان المجلس هو الان في حالة انعقاد لإنتخاب رئيس للجمهورية فقط بحسب الدستور، يعني ذلك انهم موافقون على عدم فتح ملف الفساد هذا؟

 لكن الخشية لدى المعارضة من ان تكون الدعوات الى جلسات نيابية ولو غير تشريعية، باباً لعقد جلسات اخرى تشريعية لاحقاً تحت عنوان “تشريع الضرورة” اسوة بجلسات مجلس الوزراء “لتشريع الضرورة”.ما يعني إطالة امد الشغور الرئاسي وتحكّم الحكومة بكل الاجراءات التنفيذية، خاصة ان توصيف تشريع الضرورة مطاط ويحتمل تمرير الكثير من الامور الملتبسة، ولكن لا يستطيع اي طرف التهرب منها، كالقضايا الصحية والتربوية والمعيشية والمالية والاقتصادية الملحة.

مسؤولية القوى المسيحية

ولكن مصادر سياسية مستقلة في الوسط المسيحي، تحمّل القوى السياسية المسيحية المتناحرة – لا سيما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المردة وحزب الكتائب- مسؤولية ماوصل اليه الوضع العام وانقسام الرأي المسيحي وعدم الاتفاق على مرشح قوي توافقي لرئاسة الجمهورية. خاصة ان مساعي البطريرك الماروني بشارة الراعي لعقد حوار بين هذه القوى بهدف إيجاد قواسم مشتركة بينها حول ملف رئاسة الجمهورية وسواها من ملفات لم تصل الى نتيجة. وقد حمّل التيار الحر بشكل علني ومباشر مسؤولية تعثر الحوار المسيحي – المسيحي الى رئيس حزب القوات اللبنانية سميرجعجع، وهو ابلغ البطريرك الراعي ان “جعجع رافض لكلّ شيء.. “لا بدّو يجي على بكركي ولا بدّو يعمل حوار” .بالمقابل يحمّل جعجع باسيل علنا ايضاً مسؤولية ما آل اليه الوضع المسيحي لا سيما تعثر انتخاب رئيس الجمهورية “الماروني” بسبب تمسكه بالرئاسة الاولى وعدم التوافق على مرشح سواه.

الحوار المتعثر

حتى ان مبادرة رئيس المجلس نبيه بري للحوار بين مكونات المجلس ومن كل الاطياف والكتل للتوافق على رئيس للجمهورية لم تلقَ آذاناً صاغية، فضاع الحوار بين رفض هذا الفريق وشروط فريق آخر حول شكل وآلية الحوار ومضمونه وهدفه، وانقسام فرقاء آخرين من نواب “قوى التغيير” والمستقلين الذين اظهرت جلسات الانتخاب المتتالية انهم مختلفون على اسم مرشح للرئاسة.

عدا ذلك، بات ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون مدار بحث جدّي بين قوى الداخل والخارج، لكن رفض وصول عسكري الى الكرسى الاولى ما زال قائماً لدى بعض السياسيين واولهم وليد جنبلاط، ولوان الكثيرين يعتقدون ان “الجيش هو الحل” نظراً للثقة التي يوليها اغلبية الناس للمؤسسة العسكرية. كما ان انتخاب العماد عون بحاجة الى توافق شبه شامل وبين القوى المسيحية اولاً وقبل الآخرين، والتوافق بحاجة الى حوار… والحوارمازال ممنوعاً. لذلك ذهب بعض المرشحين للرئاسة وبعض نواب الكتل الكبيرة الى القول لـ “الجريدة” ان لا انتخاب للرئيس قبل نهاية الفصل الاول من العام المقبل، بما يعني انه يمكن ان يشهد لبنان ربيعه السياسي في موسم الربيع المناخي.

وفي هذا الصدد قال مسؤول بارز في حزب الله لـ “الحصاد” حول مساعيه للتوافق بين الحليفين جبران باسيل وسليمان فرنجية: سعينا للحوار بينهما فتعثر،ودخلت البلاد في أجواء إجازة عيدي الميلاد ورأس السنة، ما يعني تاجيل المساعي والحوار الى العام الجديد، والتحضير للتهدئة والحوار قديستغرق شهرا او شهرين، والحوار – اذا حصل- قد يستغرق شهراً، ما يعني ان لانتائج عملية وفعلية قبل شهر آذار – مارس من العام المقبل، اي بداية الربيع.

  هكذا مرّت الاشهر العشرة الاولى من السنة الماضية بوجود رئيس للجمهورية لكن مع حكومتي تصريف اعمال لم تنجزا شيئاً يُذكر، ولاحتى الاصلاحات الموعودة التي تحتاج الى تشريع نيابي ومراسيم حكومية، ولا المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. لكنها عكست معها صورة قاتمة للوضع العام في البلاد، دفعت الدول الشقيقة والصديقة للبنان الى رفع الصوت مطالبة المسؤولين اللبنانيين بتحمل مسؤولياتهم بإنتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة فاعلة تقوم بتحقيق الاصلاحات التي ينتظرها المجتمع الدولي والدول المانحة من اجل مد يد المساعدة للبنان…لكن عبثاً مادفع هذه الدول الى سحب يدها من لبنان واكتفت بإبداء مواقف التعاطف والنصيحة.

الصور

1

2 .

3 .