دول الخليج مستعدة لمواجهة الركود المتوقع هذا العام

الإقتصاد العالمي في 2023.. الآفاق مظلمة

التوقعات عن الاقتصاد العالمي في 2023، لا تبدو سارّة، حيث تستمر الحرب الروسية – الأوكرانية في حقن معدلات التضخم، وبينما تترقب الأسواق إعادة فتح الاقتصاد الصيني بشكل كامل بعد أشهر من الاضطراب نتيجة عمليات الإغلاق مع استمرار تفشي فيروس كوفيد.

في الولايات المتحدة، غذت علامات تشديد سوق العمل وتباطؤ النشاط التجاري، المخاوف من حدوث ركود. أما على

إلى متى سيستمر مصرف الاحتياطي الفدرالي في رفع الفائدة؟

الصعيد العالمي، فنما التضخم واستمر النشاط التجاري، لا سيما في منطقة اليورو والمملكة المتحدة، في الإنكماش.

لقد كان العام 2022 مؤلماً جداً. قليلة هي الدول التي لم تتضرر اقتصاداتها جراء الارتفاع الجنوني لمعدلات التضخم التي تفاقمت في العام 2022 بفعل ارتفاع اسعار النفط والاضطرابات في سلاسل الإمداد بعد بدء عملية التعافي الاقتصادي عقب تفشي جائحة كورونا. ثم أتت الحرب الروسية – الأوكرانية لتطيح بكل أمل في بلوغ معدلات نمو اقتصادي كانت متوقعة بشدة.

في تحليل لمعهد التمويل الدولي، توقع معدل نمو اقتصادي عالمي بنسبة 1.2 في المئة فقط في العام 2023، وهو مستوى مساوٍ لعام 2009، عندما كان العالم بدأ للتو في الخروج من الأزمة المالية.

وتتفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مع هذه التوقعات المتشائمة. إذ كتب كبير اقتصادييها، ألفارو سانتوس بيريرا قائلاً: “نواجه حالياً توقعات اقتصادية صعبة للغاية. السيناريو المركزي لدينا ليس ركوداً عالمياً، لكنه تباطؤ نمو كبير للاقتصاد العالمي في عام 2023، فضلاً عن التضخم المرتفع، وإن كان في انخفاض، في عدد من البلدان”.

أما توقعات صندوق النقد الدولي، فتشير إلى تباطؤ النمو العالمي إلى 2.7 في المئة في 2023، في ما يمثل بالنسبة إليه أضعف أنماط النمو على الإطلاق منذ عام 2001 باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية والمرحلة الحرجة من جائحة كورونا.

أسعار الفائدة الأميركية

في الولايات المتحدة، كان التضخم وجهود مجلس الاحتياطي الفدرالي لمكافحته، من العوامل المهيمنة في معظم التحليلات الاقتصادية.

وتشهد الولايات المتحدة أعلى مستويات التضخم منذ 40 عاماً، حيث كانت الأسعار بدأت في الارتفاع بشكل كبير منذ منتصف عام 2021. وبدءاً من شهر مارس (آذار) 2022، انخرطت اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة التابعة للمصرف المركزي الأميركي، والتي تحدد أسعار الفائدة الأساسية، في سلسلة من الزيادات، حيث رفعت المعدل القياسي من بين 0 في المئة و0.25 في المئة إلى ما بين 3.75 في المئة و4 في المئة اليوم.

الفكرة من وراء تحركات الاحتياطي الفدرالي هي تغيير نمط المستهلكين. فمن خلال جعل أسعار الفائدة على المدخرات أكثر جاذبية، وخفض حالات الاقتراض، يعمل المصرف المركزي على تقليل الطلب وبالتالي إبطاء معدل ارتفاع الأسعار.

بشكل عام، يعتقد الاحتياطي الفدرالي أن معدل التضخم السنوي بنسبة 2 في المئة أمر صحي ويعتبر ذلك هدفه طويل الأجل.

من هنا، يسعى الاحتياطي الفدرالي إلى السيطرة على التضخم من دون إغراق الاقتصاد في ركود مدمّر. وبينما تشير عدد من المؤشرات الاقتصادية إلى أن جهود إبطاء الطلب قد تؤتي ثمارها، لكن لا يزال خطر حدوث ركود يلوح في الأفق.

وكشف محضر اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة عن اجتماع نوفمبر (تشرين الثاني)، وجهة نظر متشائمة بين خبراء الاقتصاد والمسؤولين في المصرف المركزي حول الاقتصاد الأميركي في 2023.

فمن بين النتائج التي توصلوا إليها أنهم “نظروا إلى احتمال دخول الاقتصاد في حالة ركود في وقت ما خلال العام المقبل (2023) كخط أساس”.

وأشارت “أغلبية كبيرة” من الأعضاء المصوّتين في اللجنة إلى أنهم يعتقدون أن الوقت حان لإبطاء زيادات أسعار الفائدة، مما يشير إلى أن اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة سوف تبطئ زياداتها في اجتماعاتها المقبلة.

التخبط العالمي

على الصعيد الدولي، تواجه الحكومات تحدياً صعباً يتجلى بدعم مواطنيها في وقت ترتفع الأسعار بشكل كبير، لا سيما الضروريات مثل الغذاء والوقود، والتي تأثرت بشدة بالحرب في أوكرانيا.

وكان صندوق النقد الدولي أشار مؤخراً إلى الصعوبة التي تواجهها الحكومات في الموازنة بين إعطاء الأولوية لمساعدة الفئات الأكثر ضعفاً للتعامل مع فواتير الغذاء والطاقة المرتفعة وتغطية التكاليف الأخرى، وأن تتجنب في الوقت نفسه زيادة الطلب الكلي الذي قد يؤدي إلى زيادة التضخم.

وفقاً لمعهد التمويل الدولي، بينما سيكون النمو العالمي منخفضاً ولكن إيجابياً في عام 2023، ستواجه مناطق محددة انخفاضات، وأهمها أوروبا، حيث يتوقع المعهد انخفاضاً بنسبة 2 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي التراكمي.

المملكة المتحدة تعاني

تواجه المملكة المتحدة التوقعات الأكثر كآبة للعام 2023 من أي أكبر الاقتصادات في العالم. ومن المتوقع أن يستمر ناتجها الإقتصادي في التقلص في 2023. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينخفض حجم الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.3 في المئة في عام 2023 وأن ينمو بنسبة 0.2 في المئة فقط في 2024.

وكان مصرف إنكلترا نبّه من أن اقتصاد المملكة المتحدة سيدخل في ركود يدوم عامين إذا ارتفعت أسعار الفائدة بالقدر الذي يتوقعه المستثمرون. وذهب في تنبيهه أبعد حين قال إنه حتى من دون المزيد من رفع الفائدة، فإن الاقتصاد سينكمش في 5 من 6 أرباع حتى نهاية عام 2023.

الصين

في المقابل، هناك بعض النقاط المضيئة في الاقتصاد العالمي في عام 2023. فالصين التي عانت اقتصادياً في العام 2022 نتيجة لاستراتيجية الرئيس شي جينبينغ “صفر كوفيد”، والتي أدت إلى اضطراب خطير في النشاط الاقتصادي، يتوقع لها معهد التمويل الدولي والمنظمات الأخرى تخفيفاً كبيراً في سياستها في 2023، مما سيؤدي إلى نمو اقتصادي يصل إلى 2 في المئة حيث يحاول الاقتصاد الصيني إحياء نفسه.

اقتصاد دول الخليج يتألق

كذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تبدو مستعدة لمواجهة التباطؤ العالمي المتوقّع في 2023. ومن المتوقع أن يساهم استمرار تدفق الإيرادات النفطية الكبيرة في تمكين الحكومات من زيادة إنفاقها، ما من شأنه أن يخفف من وطأة ما تواجهه الاقتصادات غير النفطية. ومع ذلك، تشكل معدلات الفائدة المرتفعة، حاجزا محتملاً يحول دون الوصول إلى الإئتمان.

تقول شركة “برايس ووتر هاوس” في تقرير لها إنه من الناحية الإيجابية، من الممكن أن يكون معدل التضخم قد بلغ ذروته في دول مجلس التعاون الخليجي، ليسجل مستوى أقل من ذلك الذي حقّقته الولايات المتحدة بواقع النصف، ومن المتوقّع أن ينحسر بسرعة وصولاً إلى معدل سنوي معتدل عند 2 في المئة – باستثناء الدول المستوردة للنفط في المنطقة على غرار مصر التي تواجه توجهات تضخمية أكثرً صعوبة.

رغم هذه الصورة القاتمة للاقتصاد العالمي في 2023، إلا أن بعض التطورات قد تقلب الصورة رأساً على عقب، كمثل أن تنتهي الحرب الروسية – الاوكرانية، الامر الذي سيجنب أوروبا الركود المرجح بشدة. في حين أن أسواق العمل في الولايات المتحدة قد تتمكن من تحقيق انحسار التضخم الذي يأمله الاحتياطي الفدرالي… على أي حال، إنَّ لناظره قريب.