لبنان ساحة تنافس وحوار “بالمفرّق” وترقب مقاربات مختلفة

  هو لبنان… لا يكاد يخرج من مأزق اومشكلة، حتى يدخل نفقاً آخرَ معتماً حول مواضيع كبرى وصغرى، سياسية او دستورية او إجرائية او اقتصادية- معيشية – خدماتية- تربوية – صحية…، والسبب واحد وواضح لامجال للإجتهاد اوالتأويل فيه، انه طبيعة النظام السياسي المُركّب المعقد والحساس لدرجة انه لا يمكن لمس اي جملة من دستوره، اومحاولة تبديل او تطوير الاعراف والعلاقات السائدة،  لكنه اظهر انه نظام غير قابل للإنكسار والسقوط نتيجة تجذره العميق في الارض اللبنانية الخصبة للنزاعات والخلافات.

  شهد لبنان خلال الشهر الماضي والذي قبله، توترات سياسية كبيرة على خلفيات مختلفة، لم يكن اقلها الخلاف حول آلية عقد جلسات مجلس الوزراء وتوقيع المراسيم في ظل شغور موقع رئيس الجمهورية ووجود حكومة تصريف اعمال لا حكومة قائمة دستورياً وشرعياً تمارس صلاحيات طبيعية وعادية، وهوالخلاف المرشح للتفاقم مع استمرار تباين وجهات النظرحول صلاحية رئيس الحكومة في التفرد بتوقيع المراسيم اوحصرها فقط بتوقيعه وتواقيع الوزراء المعنيين دون تواقيع الاربعة وعشرين وزيراً الذين تتشكل منهم الحكومة. الى جانب التوتر الذي نشأ بعد حادثة بلدة

الحل السعودي الفرنسي المؤجل.

العاقبية مع قوات “اليونيفيل” الدولية وادت الى مقتل جندي ايرلندي واصابة ثلاثة آخرين واثنين من المدنيين اللبنانيين، وتمت لملمته ومعالجته “بالتي هي احسن” وبتجاوب حزب الله الذي قام  بتسليم المشاركين في الحادث الى مخابرات الجيش اللبناني. عدا التوترات داخل الحكومة على ملفات الكهرباء والدواء والطبابة والمساعدات الاجتماعية للموظفين مدنيين وعسكريين…

 الحوار “بالمفرّق”

 واذا كان الهم المعيشي ضاغطاً على اوضاع البلاد والعباد، فإن بعض المرجعيات السياسية تردّه الى التوتر السياسي السائد، وانسداد عملية انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تلبية الدعوات للحوار بهدف التوافق على الحلول. لكن ما لم يستطع الرئيس نبيه برّي فعله بالدعوة الى الحوار، حققه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بداية بالحوارالثنائي مع كل الاطراف ولا سيما مع المكونين المسيحيين الاساسيين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وحسب المصادر المتابعة، بالتنسيق مع الرئيس  بري، نظراً لإنفتاح جنبلاط على الجميع، حيث انه “في السياسة لا خصومة دائمة ولا صداقة دائمة”. بل ان دعوته المستمرة للحوار لإنجازالاستحقاق الرئاسي وحل المشكلات العالقة، لاقت صداها عند الاطراف الاخرى، ومنهم “التيار والقوات” والبطريرك بشارة الراعي وفعاليات اخرى.

   وبرأي مصادر سياسية متابعة عن قرب، فإن الحوارات “بالمفرق” التي يجريها برّي وجنبلاط وحتى حزب الله و”القوات” وبعض الاطراف النيابية الاخرى، من شأنها تخفيف التوترات السياسية القائمة وتقريب وجهات النظربين معظم القوى، ما عدا تلك التي تُصرّ على التمترس خلف جدران مواقفها العالية السقف وغير المجدية، بحيث لا توصلها الى اي نتيجة سوى قطع التواصل مع الآخرين.

 لكن مصادر “القوات” تقول ان اللقاءات التي يجريها رئيسها سميرجعجع تقتصر على اطراف قوى المعارضة،

العماد عون وفرنجية ايهما الحصان الاسود

واللقاء الذي جمعه مع عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب وائل ابو فاعورموفداً من جنبلاط، ومع بعض النواب المستقلين و”التغييريين”، هو في اطار “اللقاءات الدورية” وتنسيق المواقف القائم والمستمر بين هذه الاطراف، حول الاستحقاق الرئاسي ودعم ترشيح النائب ميشال معوّض، ولم يجرِ طرح او بحث اي فكرة جديدة اواقتراح جديد. لكن تم ترسيخ فكرة البحث عن مرشح آخر غير معوض اذا تعذر تأمين الاصوات الكافية له في المجلس النيابي.

   على هذا، كان ثمة إجماع سياسي على ان الحوارات القائمة “بالمفرّق” حول انتخاب رئيس للجمهروية قد تلجم التوترات الداخلية إلى حين نضوج التسوية التي يشتغل عليها اكثرمن طرف عربي ودولي، ولكن تبقى المشكلة في التوترات الخارجية التي تنعكس سلباً على لبنان بكل المواضيع، ولم تنضج بعد الحلول لها.

مخاوف دولية 

وكان لافتاً للإنتباه كلام وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب بعد عودته من واشنطن “أنّ الأميركيين أبدوا تخوفاً كبيراً من الفراغ الرئاسي في لبنان، وأشاروا إلى أنّ عدم انتخاب رئيس جديد سيؤثر سلباً على مصلحة لبنان والأمن الإقليميّ”. وكذلك قوله: الأميركيون ليس لديهم أي فيتو على اسم أي شخص، كما أنهم لا يدعمون أي أحد أيضاً، والمهم بالنسبة لهم هو انتخاب رئيس”.

هذا الكلام “الاميركي التحذيري” من ان عدم انتخاب رئيس يؤثر على مصلحة لبنان والامن الاقليمي، يحمل في طيّاته إقراراً ضمنياً بأن الوضع اللبناني بكل تفاصيله السياسية والامنية مرتبط بالوضع الاقليمي المتوتر، وان الخوف الاميركي يكمن في انتقال التوتر الى لبنان وبخاصة الى الحدود الجنوبية، نتيجة الفوضى التي يمكن ان تعمّ لبنان بسبب غياب مؤسسات الدولة عن ضبط الامور وغياب الانتظام العام.

   لكنه يحمل ايضاً إعترافاً بعدم وضع لبنان على لائحة الاولويات الاميركية. وإلّا ماذا يفسّر مراقبة الادارة الاميركية للوضع اللبناني من بعيد، وتركه يغرق في مزيد من الازمات المعيشية والانمائية والخدماتية والاقتصادية والمالية، ومنعها وصول الكهرباء مثلاً من الاردن والغاز من مصر بحجة العقوبات وفق “قانون قيصر”، وهي القادرة بقرار واحد وبسيط على  شموله والدول الراغبة بمساعدته بالاستثناءات من العقوبات، فلا يضطر لبنان الى “تسوّل” الفيول من هذا البلد وذاك لتوليد الكهرباء من دون ان تكون لديه القدرة الكافثة على إيفاء اثمانه بسهولة؟

 كذلك نقلت مراجع سياسية الشهر الماضي كلاماً لمسؤولين وسفراء عرب واجانب تحذيرات من انفلات الوضع اللبناني امنياً وسياسياً وانهياره اقتصادياً على نحو اخطر من الحاصل حالياً، نتيجة عجزالقوى السياسية عن معالجة الازمات المتوالدة كالفطر السام.

وبرغم هذه المخاوف الدولية، تركت الدول التي تقول انها معنية بمساعدة لبنان، امر رئاسة الجمهورية الى اللبنانيين انفسهم، وهي تدرك انه ليس بمقدورهم او لايريدون اولا يستطيعون الاتفاق على انتخاب رئيس، نتيجة الانقسامات والخلافات على كل الامور الكبيرة والصغيرة. وتدرك ايضاً ان الحوار المطلوب والضروري للتوافق على الرئيس وعلى تشكيل الحكومة دونه عقبات خارجية اقليمية ودولية اكثرمما هي داخلية. برغم بعض الاشارات “الايجابية” التي حصلت من خلال زيارات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى عدد من الدول ومنها السعودية، حيث استقبله ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في الرياض على هامش القمة العربية – الصينية التي عقدت في المملكة.

   لكن المعلومات التي تواترت بعد ذلك عن اللقاء وعن اللقاءات الفرنسية – السعودية التي تُعقد تباعاً لمتابعة الوضع اللبناني، أظهرت موقفاً سعودياً مخالفاً للتوقعات، حيث يقول المتابعون في بيروت وباريس ان الموفدين السعوديين الى باريس ابلغوا المسؤولين الفرنسيين عدم حماسة المملكة لوضع يدها في الملف الرئاسي اللبناني قبل ان يوافق اللبنانيون على مطالب المملكة التي باتت معروفة وفق المبادرة الكويتية التي نقلها وزير الخارجية الكويتي الى لبنان العام الماضي بإسم كلدول الخليج، وان جهدها في لبنان يتركزعلى الاتفاق السعودي- الفرنسي على تقديم المساعدات الانسانية للشعب اللبناني المحتاج.

 وعلى هذا تراجع الكلام عن لقاء رباعي فرنسي – اميركي- سعودي- قطري، كان سيعقد في باريس الشهر الماضي، نتيجة الموقف السعودي. لكن ما زال الرهان قائماً على المسعى الفرنسي ولو “البارد” للقيام بمبادرة انقاذية ما.

ساحة تنافس

 باتت انتخابات رئيس الجمهورية ساحة تنافس داخلي وخارجي مقفلة على عدد محدد من المرشحين المحتملين ممن تتوافر لديهم حظوظ اكثرمن غيرهم، وسط تجاذب وتضارب حول “المعايير والصفات التي يجب ان تتوافر في الرئيس العتيد”، بين رئيس مواجهة وتحدٍ ورئيس مقبول ومعتدل وجامع لمعظم الاطياف السياسية إن لم يكن كلها. ولعل اسهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف ما زالت الاعلى في بورصة الاسماء، يليها اسم النائب ميشال معوض واسماء الوزراء السابقين زياد بارود وناجي البستاني وصلاح حنين، الذين تتقاطع حولهم قوى سياسية عديدة.

  لكن ثمة قوى سياسية لن تمشي لا بفرنجية ولا بالعماد جوزاف عون، لأسباب “تنافسية” على الموقع الرئاسي لا لسبب آخر، وحسب معلومات “الحصاد”،  ثمة قوى نيابية وسطية معتدلة وقريبة سياسياً من توجه فرنجية تمشي بالرجلين لكن وفق شروط اوحسابات معينة تلخصها بالآتي:

  • لا يمكن انتخاب فرنجية او العماد عون او اي شخص آخر، ما لم يكن هناك توافق سياسي واسع حوله وإلّا اصبح ايضاً مرشح تحدٍ، ومرشح التحدي مرفوض من الاغلبية الساحقة من الكتل النيابية.والمطلوب رجل حوار وتفاهم وتوافق.
  • لا بد – وهذا المهم اكثر- من توافر غطاء خارجي عربي وغربي واسع حول المرشح الجدي لا سيما فرنجية، حتى يستطيع ان يدير البلاد باعتدال وانفتاح من دون اعتراضات وعراقيل كثيرة وكبيرة كماحصل مع رؤساء سابقين.
  • لابد من رئيس يديرالوضع الاقتصادي والمعيشي والمالي بطريقة مختلفة عن الاداء السابق، وهذا يستلزم رئيس قادر على التحاور بدون عقد وخلفيات مع الدول المانحة وصندوق النقد الدولي، الذي فاوض الحكومات السابقة على خطط الحكومة الاصلاحية من دون ان يتوصل معها الى نتيجة.
  • قائد الجيش رجل مقبول وهوبمثابة قيمة مضافة ويمكن ان يحظى بتوافق واسع، خاصة انه يتمتع بمزايا ومناقبية عالية واثبت جدارة في ادارة اوضاع البلاد والمؤسسة العسكرية، ونجح الى حد كبير في إبعاد تدخل السياسيين عنها، وحاز يقة الداخل والخارج. لكن ما يتطلبه ترشيح الآخرين للرئاسة يشمله ايضاً فرئاسة الجمهورية ليست مؤسسة يديرها قائد اورئيس مجلس ادارة.

البحث عن مقاربات مختلفة

   لذلك بدأ الحديث عن ضرورة إيجاد مقاربات مختلفة تخفف من الضغوط الخارجية على الوضع الاقتصادي والمعيشي، لكن مع بقاء الضغوط السياسية الهادفة الى تحقيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية، إنطلاقاً من ان انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بطاقم جديد وتركيبة جديدة متجانسة اكثر من الحالية والتي سبقتها، بات يُعتبر المدخل الاساسي لولوج الحل، لكن الصحيح ايضاً ان التنافس وتضارب المصالح الخارجية والداخلية يُعيق التفاهم على انتخاب رئيس للبلاد، بسبب إدخال هذا الاستحقاق في متاهات الخلافات والانقسامات والمصالح الكبرى والصغرى، فجزء من ازمة الشغور الرئاسي يتحمله الداخل وجزء آخريتحمله الخارج نتيجة فرض الشروط والمعايير والمواصفات غير المتوافرة في رجل واحد، ولوتوافر معظمها فهو غير قادر على تحقيقيها نتيجة تركيبة وطبيعة النظام السياسي اللبناني.

البحث عن مقاربات مختلفة للأزمة اللبنانية

 بدأ الحديث عن ضرورة إيجاد مقاربات مختلفة تخفف من الضغوط الخارجية على الوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان، إنطلاقاً من ان انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بطاقم جديد وتركيبة جديدة متجانسة، بات يُعتبر المدخل الاساسي للحل.