لبنان في اسوأ مرحلة من نقص التقديمات

قطاعات لبنان الاساسية تعيش على الهبات

بين الاستعصاء السياسي الحائل دون معالجة ازمة شغور موقع رئاسة الجمهورية وتحقيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية المطلوبة، وازمة السيولة لدى الدولة اللبنانية التي تعيق دفع رواتب الموظفين والمستحقات والنفقات التشغيلية للإدارات الرسمية، عدا الديون، وازمة الكهرباء وتعذر توفير المحروقات لتشغيل معامل انتاج الكهرباء، وزيادة عدد الفقراء و”الفئات الاكثر هشاشة” في المجتمع المعتمدين على برنامج الدعم المتعثر من وزارة الشؤون

العام الدراسي مهدد

الاجتماعية. والتوتر الامني المتنقل الى حد الانفلات في معظم المناطق، اضيفت ازمة تراجع التقديمات والخدمات الصحية، وتعثر التعليم الرسمي في كل مستوياته الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية، وازمة تشغيل المرافق العامة كما يجب لا سيما مطار بيروت الدولي ومرفأها. وتنامي ازمة الفساد والغش حتى في الدواء والغذاء.

   هذه العوامل جعلت البلاد في حالة انحلال تام، لولا بصيص نور مؤقت يتمثل بتوافد المغتربين اللبنانيين من اصقاع العالم الى بلدهم لقضاء اجازة الصيف، “مدعومين” بزيارات لمصطافين عرب وسياح اجانب، قال وزير السياحة وليد نصار “ان عددهم سيتجاوز مع نهاية السنة الحالية نحو مليوني عربي واجنبي”، يرفدون الاقتصاد المتهالك بعدد لا بأس به من مليارات الدولارات. لكن مع انتهاء الصيف تعود الازمات اكبر  لتعذر تأمين السيولة لدعم هذه القطاعات، بينما الجيش والقوى الامنية تعتمد منذ سنتين واكثر على الدعم الخارجي المالي والعيني من اميركا وقطربشكل خاص عدا دول اخرى شقيقة وصديقة.

  لكن كما في السنوات الخمس الاخيرة مع بدء الانهيار عام 2019، كل المعالجات لأزمات لبنان مؤقتة و”ترقيعية” لا تُنتجُ حلولاً مستدامة، وليس السبب هو شغور موقع رئاسة الجمهورية ووجود حكومة تُصرّف الاعمال بأضيق الحدود، وقد تضطر الى التوسع فيها احيانا تحت عنوان ” إستدامة تشغيل المرفق العام” برغم الاعتراضات الدستورية والسياسية على هذا التوسع.

إنتهى الصيف في شهر ايلول- سبتمبر الماضي، وتفرّق عشاق السهر والسمر ورواد المطاعم والمنتجعات البحرية والجبلية وتراجعت مداخيل السياحة والاصطياف، وعادت الازمة النقدية تطل برأسها اكثرحدة، خاصة مع اجراءات حاكم المصرف المركزي بالانابة الدكتور وسيم منصوري لوقف تمويل الدولة من احتياطي المصرف، وبدأ العام الدراسي متعثراً في القطاعين الرسمي والخاص، نتيجة اضرابات الاساتذة وعدم توافر الاعتمادات المالية لتلبية مطالبهم، حيث أعلنت وزارة التربية والتعليم، إن موعد انطلاق العام الدراسي الجديد 2023/2024م، سيكون في السابع والعشرين من آب- أغسطس في جميع المراحل الدراسية في جميع المحافظات. مايعني بدء تباشير الازمة باكراً.

وهناعينة عن ثلاثة قطاعات تحتاج الى الدعم السريع والكبير.

القطاع التربوي يترنح

 تراجع التعليم الرسمي في لبنان بشكل كبير في الأعوام الماضية، خاصةً مع انفجار الأزمة المالية في البلد عام 2019، ونتيجة وباء كورونا وعدم استطاعة تلامذة المدارس الرسمية من التعلم عن بُعد، ما أدى لتزايد أعداد التلامذة في المدارس الخاصة والذين يشكلون نحو 75 في المائة من مجمل الطلاب، ما زاد الاعباء بشكل كبير وضغط على القطاع التعليمي الخاص ايضا.

وزير التربية والتعليم العالي الدكتورعباس الحلبي اعد ورقة حول الوضع التربوي والمطالب الملحة للعام الدراسي الجديد، تتناول قضايا متعددة لها علاقة بتحديد تحديات العام الدراسي المقبل، أكان في التعليم الرسمي أو التعليم المهني والتقني ، أو في ورشة تعديل المناهج في المركز التربوي للبحوث والإنماء، أو في وزارة التربية والأهم أيضا في الجامعة اللبنانية. وطلب الوزيرحلبي،  بالإضافة إلى الرواتب المخصصة والتي من الممكن أن تعيد موازنة العام 2024 النظر فيها، تخصيص حوافز بالدولار الأميركي تدفع للأستاذة وكلفة هذه السنة الدراسية هي نحو 150 مليون دولار أميركي. واذا لم تدفع الحكومة هذا المبلغ لضمان استمرارية العام الدراسي والجامعي، فأن الخسارة المترتبة، بحسب تقرير البنك الدولي، ستكون نحو ملياري وثمانمئة مليون دولار أميركي ككلفة عدم عودة التلامذة الى المدارس والجامعات.

  وقد خصص مجلس الوزراء في شهر آب- اغسطس الماضي،  جلسة لقضايا التربية والتعليم، واقر صرف اعتمادات مالية بقيمة أقر مجلس الوزراء سلفة بقيمة خمسة آلاف مليار ليرة لبنانية (تقريبا 55 مليون ونصف المليون دولارتقريبا) كدفعة أولى من أصل مبلغ 150 مليون دولار، لكنها ليست كافيا لإطلاق عام دراسي كامل وناجح وللإبقاء على المدارس الرسمية مفتوحة، لا سيما عدم ضمان صرف هذه الاعتمادات التي قررها مجلس الوزراء للقطاع التربوي بصورة متتالية، ما يعني تهديد العام الدراسي بعدم الانطلاق بشكل منتظم وفعال.

  واشار الوزيرعلنا الى اعتماد الوزارة على هبات خارجية لضمان توفير الكتب المدرسية وبعض مستحقات وتقديمات المعلمين وتعليم النازحين السوريين من: الإتحاد الأوروبي، الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ، الوكالة السويسرية للتعاون ، البنك الألماني للتعمير ، برنامج الغذاء العالمي ، والمفوضية الدولية العليا لشؤون اللاجئين.

كما وأشار الوزير الحلبي الى  موضوع تعليم غير اللبنانيين (النازحون السوريون) والمعروف بدوام بعد الظهر، مشيرا الى “مشاكل في العلاقات بين الوزارة وبين الجهات المانحة، حيث طالب بأن يزيدوا  المبلغ المخصص عل للطالب، لأنهم لا يعطون في لبنان  أكثر من 140دولار، في الوقت الذين يعطون في الاردن وسوريا نحو 600 دولار”.

  اما المدراس الخاصة ولا سيما مدارس الارساليات الاجنبية والجمعيات الخاصة الدينية والزمنية، فقد اضطرت الى زيادة الاقساط المدرسية اضعافاً وطلبت من اهالي الطلاب تسديدها بالدولار كاملة او قسم بالدولار وقسم بالليرة، وهو الامر الذي ادى الى “هجرة معاكسة” من التعليم الخاص الى التعليم الرسمي لعدم قدرة الكثيرين على تسديد الاقساط المرتفعة.

ازمة السيولة والاستقرار النقدي

في مقلب آخر، ازدادت ازمة السيولة لدى الدولة اللبنانية مع توقف المصرف المركزي عن تمويل الدولة بعد انتهاء ولاية الحاكم السابق للمصرف رياض سلامة وتسلم نائبه الاول وسيم منصوري مهام الحاكمية بالإنابة. وقال

تراجع التقديمات الصحية يهدد صحة المواطن

منصوري لـ “الحصاد”: أنه يقول  للجميع بأن يمنحوه فرصةً كي يتبيّن له كل الواقع الفعلي في المصرف المركزي، خصوصاً وأنه يقوم بجردة حالياً في المصرف للإطلاع على كل التفاصيل المتعلقة بالعمليات المالية.

  ويشير منصوري، الى أن مرحلةً مالية مختلفة عن السابق قد بدأت في مصرف لبنان، إلى أن تمويل الدولة مؤمّن ولكل القطاعات بالليرة اللبنانية، لأن السيولة المتوافرة في الخزينة العامة هي بالليرة، بينما الأزمة تكمن في غياب أي إمكانية لتحويلها إلى الدولار في السوق السوداء، حيث أن الشركات ترفض الحصول على الفواتير بالليرة وتصر على القبض بالدولار.

  هذا عدا عن أن الإعتمادات لرواتب موظفي القطاع العام مؤمّنة بالليرة، كما أن الجباية في مؤسسة كهرباء لبنان تحسنت، بدليل إعلان المؤسسة عن توازن مالي وعن وفر من الجباية بالليرة للمرة الاولى منذ سنوات.

 ولهذا السبب، أكد منصوري ” أنه لن يصرف أي سنتٍ من الإحتياطي إلاّ للخدمات الطارئة جداً جداً، ومنها دعم القوى العسكرية والأمنية، ودعم برامج الفئات المهمّشة أو الأكثر فقراً.إلاّ أن أزمة التمويل لا تزال موجودة بالنسبة لقطاعي الصحة والتربية.

 فيما يكشف النائب الدكتورغسان سكاف لـ “الحصاد” عن ملاحظات على أداء وزارة المالية التي أوقفت دوائر الميكانيك ومصلحة تسجيل الاليات والسيارات واقفلت الدوائر العقارية التي تحقق إيرادات هامة بعد رفع الرسوم، مع الإشارة إلى أنه عند عودة هذه الدوائر إلى العمل، فإن الإيرادات سترتفع.

 ازمة الصحة والاستشفاء

  تفكك نظام الرعاية الصحية في لبنان بشكل سريع بسبب شح السيولة وغلاء اسعار المواد الطبية والادوية والوقود

نقص السيولة يضعف القطاعات الاساسية

لتشغيل مولدات الكهرباء، ومستلزمات التعقيم والنظافة واللقاحات.

ويقول رئيس بعثة أطباء بلا حدود في لبنان جواو مارتينز في تقريرله: أن المستشفيات بدأت بالفعل تقنين خدماتها وإعطاء الأولوية للحالات الخطيرة للمرضى. ولأن المستشفيات ليس لديها كهرباء وإمدادات مناسبة وموظفين، يمكن أن يموت الناس الآن لأسباب يمكن تجنبها وعلاجها بسهولة.

ويضيف مارتينز: الفساد المتفشي على مدى سنوات هو سبب الأزمة في لبنان، ونحن الآن نرى أن هذا الأمر يمكن أن يدمر نظاماً صحياً بأكمله، تماماً مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية. ولأن المستشفيات ليس لديها كهرباء وإمدادات مناسبة وموظفين، يمكن أن يموت الناس الآن لأسباب يمكن تجنبها وعلاجها بسهولة.ويعاني لبنان كذلك من نقص في الأدوية الأساسية التي لا تتوافر لدى الموزعين وفي الصيدليات، ولا يمكن إنتاج معظمها محلياً.

  هذا التراجع الخطير في التقديمات الصحية نتيجة الغلاء وقلة التدبير، وتراجع تقديمات الضمان الصحي الرسمي بنسبة 90 في المئة، دفع بالمواطنين الى اللجؤ الى المستوصفات الخاصة بالاحزاب السياسية او الجمعيات الاهلية، التي لا تمتلك كل الحاجات لا سيما ادوية الامراض المستعصية والمزمنة، بل بعض الضروريات. حتى انها تستورد الادوية من مصادر خارجية رخيصة الثمن نسبيا مثل سوريا ومصر والاردن وايران، فيما اضطركثيرون الى اجراء عمليات جراحية وطبابة واستشفاء في سوريا القريبة، وبأسعار تبلغ ربع مثيلاتها في لبنان.

  والمشكلة الابرز الان هي نقص التمويل لوزارة الصحة اللبنانية، حيث تطلب بتسديد مبلغ 35 مليون دولار شهريا لمدة ثلاثة اشهر، لزوم شراء ادوية الامراض السرطانية والمستعصية والمستلزمات الطبية والحليب، والمواد الاولية لصناعة الدواء، وهوما ليس متوافراً لا في خزينة الدولة ولا لدى المصرف المركزي الذي يرفض تمويل الدولة بالدولار. هذا عدا حاجة المستشفيات الحكومية الى كوادر طبية وتمريضية ومستلزمات طبية وادوية كثيرة للعمليات الجراحية، علما ان نسبة هجرة الكفاءات الطبية والتمريضية ارتفعت بشكل كبير. فمنذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان، هاجر نحو 3500 طبيب وما لا يقل عن 3000 ممرض وممرضة. ومنذ بداية العام 2022، يرتفع عدد الأطباء المهاجرين، خصوصاً الأطباء المتخصصين بالأمراض المستعصية، على غرار الجراحات المتعلقة بالسرطان، أو أمراض الدم، أو حتى أمراض الأطفال.

لهذا كله،  لجأت وزارة الصحة الى المنظمات الدولية والاهلية المحلية لتقديم هبات لتوفير المحروقات وبعض التقديمات لهذه المستشفيات.

خلاصة الوضع، ان مرافق وقطاعات لبنان الاساسية المتعلقة بصحة المواطن وتعليمه ولقمة عيشه تعيش على الهبات الخارجية والمحلية، فيما اغنياء لبنان ومنهم المصنف عربيا وعالميا من اغنى اثرياء العالم يبخلون بتقديم بضعة ملايين من الدولارات لمساعدة محتاجي بلادهم!