مرحلة جديده من المواجهات في السياسات الاقتصاديه المصريه

فجأة قدم الدكتور طارق عامر محافظ البنك المركزي استقالته من منصبه،وصحب الاعلان عن ذلك نبأ تعيينه مستشارا لرئيس الجمهورية .وقد اوحي ذلك التلازم في الاعلان بأن القضية كانت اقالة بمعنى انه تغيير في المواقع ،وليس حذفا كاملا من المسؤولية . خضع امر الاقالة او الاستقالة للكثير من التحليلات ،وان كان هناك شبه اجماع على أن الظروف الاقتصادية الصعبه التي تمر بها مصر ،و المحادثات مع صندوق النقد الدولي حول قرض جديد ،كانت وراء ذلك التعديل في المواقع من جانب ، كما ان تلك الأزمة الأقتصادية ، ليست قاصرة  على مصر أو حكرا عليها فقط ،فهناك العديد من دول العالم تمر بذلك الظرف ،ومنها دول كبري تعاني أيضا من الكثير من المشكلات ،بفعل حدثين قاما بهز العالم هزا ،وحملا تداعيتهما الى الكثير من اقتصاديات الدول ،وهما ليس خافيين على احد انهما ( كوفيد 19 ) أولا ،ثم (اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية) ثانيا . كان نصيب مصر من تلك الأزمات التي كانت

الدكتور طارق عامرالرئيس السابق للبنك
صادفته ازمة كورونا والحرب الأوكرانيه

بالتأكيد تخرج عن اي تصور،او ترصد احتمالاته المنظورة من خلال  دراسة تكفل المواجهة ،وتكون على استعداد لكفالة المعالجه .استنزفت مقاومة ( كوفيد 19) موارد الكثير من دول العالم النامية سواء في الرعاية الصحية أوفي تعطل الكثير من الأيدي العاملة،ومعها  الكثير من وسائل الانتاج .ثم جاءت (الحرب الروسية الاوكرانيه)،والدولتان من اهم المصادر لأستيراد المواد الأولية والخام والطاقة والمعادن النادرة ،وما ترتب على تلك الحرب من ارتفاع أسعار المواد الغذائية واهمها  القمح والبترول ،وهما من السلع الأستراتيجية ،مما ضاعف من تفاقم الأزمات،خصوصا ان مصر كانت بسبيل التعافي من اّثار ثورة 25 يناير 2011وما صاحبها من اضطرابات،وصعود جماعة الأخوان وتبوأهم السلطه ،مما استدعي قيام ثورة جديده قادتها الجماهير ضد هذا النظام،واّزرها الجيش لكي تنتصر،وتصحح مسار الحكم .حمل الحدثان تأثيراتهما ايضا على السياحة في مصر ،فقد كانت وفود السياحة من روسيا وأوكرانيا تحديدا تجري منتظمه ومتدفقة ،وتوفر معها الكثير من العملات الأجنبيه،بألاضافة الى دخل قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج،وكلها مصادر تعزز تعافي الاقتصاد المصري خاصة حين تكون في افضل  دورانها .لكن الأوضاع لم تستقر على حالها .كانت تلك المشكلتان وراء الكثير من الظروف الضاغطه ،وقد توالت مفاجاّتها على التوالي،وكانت الأولى  خروج 22 مليار دولار في الأسبوع الأول للحرب الروسية الاوكرانية،من خلال مجموعة  يطلق عليها(HOT CASH ) أو(الأموال الساخنه)وهم الذين يقترضون من الخارج ،ثم يقومون بشراء السندات الحكومية  في مصر،وحين احسوا من خلال قيام الحرب بعدم الأطمئنان للتطورات اللاحقه ،وما يمكن ان يسفر عنها  قاموا ببيعها،ويتردد ان الدكتور عامر كان قد ابلي بلاء حسنا في اجتذاب تلك الأموال,ولكنها سرعان ما تبخرت ازاء تلك الحرب. قامت بعض دول الخليج مثل السعودية

الدكتورحسن عبدالله
   القائم بأعمال رئيس البنك المركزي حاليا
في انتظاره ملفات عدة في مناخ اقتصادي دولي مضطرب

والأمارات وقطر بتعويض مصرعن تلك الأزمة التي لحقت بها من جراء سحب تلك المليارات ،ولكنه تعويض في اطار استثماري ،يتطلب وقتا لكي يقدم عوائده .

طبيعة صندوق النقد الدولي ورسالته

تقدمت مصر بطلب قرض من صندوق النقد الدولي ،واستدعي ذلك القيام باجراء مباحثات ومداولات كان احد الأطراف فيها البنك المركزي ويمثله الدكتور طارق عامر، وصندوق النقد الدولي ويمثله الدكتور محمود محيي الدين ،وهو اقتصادي مصري كان وزيرا للأستثمار في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك ،وهوالآن عضو مجلس إدارة صندوق النقد الدولي .يتحدث الدكتور محيي الدين عن الأزمة الحاليه التي تمر بها اقتصاديات دول كثيرة من العالم ،ووظيفة صندوق النقد أزائها فيقول في حديث له لجريدة الاهرام :يلعب صندوق النقد في الأوقات العادية دورا في مراقبة أسواق الصرف العالمية و متابعة السلامة النقدية وسلامة المالية العامة لكافة الدول الأعضاءوذلك من خلال ما يعرف بمشاورات البند 4ويكتسب الصندوق أهمية حيوية في أوقات الأزمات، هذه الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا هي الأكبر في تاريخ الصندوق منذ نشأته، وبلغ عدد طلبات مساندة الصندوق من جانب الدول الأعضاء آفاقا غير مسبوقة.يساعد مجلس إدارة الصندوق مديرة الصندوق في اتخاذ القرار إلى جانب الخبراء، وإلى جانب المشاورات العادية للدول الأعضاء. ويتكون المجلس من ٢٤ عضوا أو محافظا. يمثل كل محافظ مجموعة من الدول. والدول التي أشرف بتمثيلها هي مجموعة متنوعة الأحجام مثل مصر التي قامت بترشيحي رسميا للمنصب، والعراق ودول الخليج (ما عدا السعودية) واليمن واﻷردن ولبنان وجزر المالديف . بعضها مصدر للبترول وبعضها يستورده، بعضها لديه بالفعل برامج مساندة مع الصندوق مثل مصر والأردن والبعض يسعى للمساندة بشكل يتعدى مجرد المشاورات، مثل لبنان التي يعاني اقتصادها من قبل أزمة كورونا، وأحسب أن هذا البلد سيكتسب أهمية مستحقة عن قريب.

مسؤولية طارق عامر

ازاء مغادرة الدكتور طارق عامر موقعه ،في قيادة البنك المركزي، جرت عملية رصد لجهوده منذ توليه لمسؤلياته ،وقد تمت ترجمتها من خلال تلك الارقام . تسلم مهام مسؤوليته في 27 نوفمبر عام 2015 وغادرها في 17 اغسطس 2022 ،وقد كان الأحتياطي المالي 16.3 مليار دولار ،وقد ارتفع الى 44 مليار،ولكنه هبط جراء تلك الازمات الى 33.1 مليار حاليا.كان سعر الدولار 7.8 جنيه مصري وارتفع حاليا الى 19.20 جنيه مصري . كان

الدكتور محمود محيي الدين
كان وزيرا للأستثمار في مصر
والآن عضو مجلس ادارة صندوق النقد الدولي

الدين الخارجي 46.1 ملياردولار وارتفع فأصبح 157.8 مليار دولار. كان التضخم 7.4% فأصبح 13.6% .كان سعر الفائده على الأيداع 8.75% فأصبح 11.25% . وبالتأكيد ان الرصد بذلك الشكل ، يسقط الكثير من الأنجازات الوطنيه بتنوعها ،وكذلك الزيادة المطرده في حجم السكان ،وكل ذلك يمكن تضفيره بتأثير الأزمات الدولية التي يعانيها الجميع .

مع كل ذلك فهنتاك رسالة من الدكتور طارق عامر بعث بها الى الكاتب الشاعر فاروق جويده ،وقد نشرتها جريدة ( الأهرام) يطرح فيها وجهة نظره في السياسات التي اتبعها مع الرصيد الموروث من سياسات سابقه قام بها المسؤولون السابقون .

رسالة من طارق عامر

حول الجدل الصاخب فى مصر حول السياسة النقدية والمالية للدولة والتي يوجه لها نقد شديد ولآن الأشياء تحتاج إلى توضيح فان الدكتورطارق عامر محافظ البنك المركزى يوضح فيها بعض الحقائق..

◙ تناول الإعلام فى الفترة الأخيرة السياسات النقدية والمالية وتكييل الاتهامات والانتقادات للاقتصاد المصرى.. وحقيقة يصعب علينا أن نرى الصورة مشوشة للمواطن وأن الموضوعات لا يتم تناولها بالعمق الكافى والمعرفة المطلوبة،ولم تسلم سياسات أسعار الصرف والفائدة والبورصة وميزانيات البنوك ومراكزها النقدية من كل هذا النقد،وسوف أحاول توضيح بعض الأساسيات التى لم يتم التطرق إليها..وفى حين أن السياسات الاقتصادية الكلية كانت قد أسست عبر عشرات السنوات بناء على توجهات متطابقة مع أفكار الخبراء الذين يتم استضافتهم ونجدهم اليوم غير راضين عن النتائج، بل نصبوا من أنفسهم نقادا للنتائج التى هم أساسا أسسوا لها على مدى عقود.. فهم الداعون لبيع أصول الدولة وتحويلها كلها لأسهم وتوزيعها على المواطنين ونذكر البعض من هذه التصرفات،

ـــ بيع شركات الدولة للقطاع الخاص وفى بعض الأحيان تمويل هذا البيع من البنوك المصرية،وهذا ما أوقفه البنك المركزى بقراراته فى عام 2005.

ـــ وكان من أساسيات السياسات التى انتهجت سياسة التجارة الخارجية الحرة وإبرام اتفاقيات لتنفتح أسواقنا أمام البضائع الأجنبية المنافسة فتهاوت الصناعة المصرية الضعيفة والزراعة وبدأ المواطن المصرى يتحول إلى النمط الاستهلاكى وبدا استنزاف موارد مصر من النقد الأجنبى..

ـــ وبسياسات مالية مصاحبة لسياسات خطيرة فى التجارة الخارجية انهارت الصناعة والزراعة حتى وصل الوضع إلى أن مصر أصبحت تستورد احتياجاتها الضخمة من الغذاء من الخارج وهذا الضعف الاقتصادى تحول إلى اعتماد تام على الخارج وأصبح المجتمع متعودا على هذه السلع وهذا النمط من الاستهلاك لذا أصبح من اللازم من الدولة توفير احتياجاته وأصبحت مستويات الأسعار والتضخم فى سيطرة المنتجين فى الخارج.. وبدأ المواطن فى الاستدانة لتوفير الاحتياجات وأصبحت القروض الخاصة أساسية فى حياته..وعندما يقوم البنك المركزى بزيادة أسعار الفائدة لتعويض المواطن عن التضخم يثور هؤلاء أن مصر لديها أعلى أسعار عائد فى العالم وأن هذا يؤثر على البورصة المصرية ولكن ماذا عن 20 مليون مواطن يعيشون على العوائد لمدخراتهم فهل هذا غير مهم !.ثم يستطرد

الدكتور طارق عامر في عرض أهم جوانب السياسة المالية والنقدية التى تعمل بها الدولة رغم الظروف الصعبة التى يعانيها منها الاقتصاد المصرى.

◙ واستعجب من الاهتمام الكبير بالبورصة وهى الفكرة والغرض منها أن تكون مصدرا لتوفير رؤوس الأموال للمشروعات، وهذا لم يحدث تقريبا وأصبحت هى فقط بورصة للمضاربات والاتفاقات غير العلنية التى تحقق خسائر للمجتمع وعندما يتدخل الرقيب لضبط قواعد التعامل يتكالب عليه أصحاب المصلح بالضغوط والإعلام غير الفاهم أو الوسائل الأخرى.. ثم أجد من يتحدث عن النقد الأجنبى وهم لم يدربوا التدريب العملى الكافى على هذه الأمور الفنية، فمثلا قرار أسعار الفائدة يتكلمون عنه بكل بساطة رغم أنه يتم بناءً على تحليلات وبرامج معقدة جدا.. هذه بعض الخواطر لموضوع كبير، ولكن يجب أن يكون واضحا آن أساسات المناخ الاقتصادى التى تم إرساؤها قبل 2011 افتقدت فى رأيى الإدراك والفهم العميق وتاثيره على المدى الطويل.. وحاليا تحاول الدولة تدارك هذه النتائج لتوجهات سياسات يتم تصحيحها تدريجيا وهذا واضح فى توجهات الدولة فى الاهتمام بقطاع الزراعة حتى تحولت 1٫5 مليون فدان إلى حدائق فاكهة فى حين نستورد المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والذرة وزيت الطعام والأسماك واللحوم والفول بعشرات المليارات من الخارج.. وبدأت صناعات تقودها الدولة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية من اجل التصدير وتصدر لأربعين دولة، وهذه مشروعات تدار بكفاءة كبيرة وانضباط وخبرة مهندسين فى الجهاز وخبراء علوم وكيمياء فى مشروعات كيماوية وبتروكيماوية.. حقيقة وأنا أعمل فى مجال المال والأسواق دوليا وداخليا وكنت مسئولا عن أعمال بنوك كبرى فى عدد من الدول فى المنطقة واوروبا، أرى أننا بعد أن قررنا أن القطاع المملوك

الدكتور مصطفى مدبولي
رئيس مجلس الوزراء وسياسة التقشف

للدولة غير ناجح وأهملناه وهذا خطأ، وأن القطاع الخاص فتحت له الأسواق على مصراعيها لسياسات من رأيى أنها كانت قاتلة.. لأنها خلقت فرص عمل لشعوب الدول الأخرى على حساب مواطنينا بفتح أبواب الاستيراد دون ضوابط وتدهورت الصناعة المصرية.. لم تنجح تجربة القطاع الخاص فى تحقيق التوازن الاقتصادى والنقدى ومن ثم فقدنا هذا وذاك، ونحن الآن ومنذ سنوات نعمل فى سياسات تصحيحية طبعا بالتأكيد تجد المقاومة من ذوى المصلحة الخاصة، ولكن الدولة لا تعمل لمصالح فئة ولكن لمصلحة الجزء الغالب من المجتمع المصرى.

طلبات صندوق النقد الدولي من مصر

لم يخرج بيان رسمي يمكن الاستناد اليه ،حول تلك الطلبات، فالمحادثات لازالت جارية حتى اعداد هذه المقالة  ،ولكن هناك مايردده بعض الخبراء ،ان صندوق النقد تتلخص طلباته من مصر لتلبية طلبها لأقتراض جديد ، في اطار تلك العناصر : اولا رفع الدعم عن سعر الصرف للجنيه المصري، فوفق تحليلهم ان الجنيه لا يعبر عن قيمته الحقيقيه دون تدخل الحكومة في مساندته يمكن ان يساوي 22 جنيه بالنسبة للدولار.ثانيا رفع الدعم عن المحروقات مثل الفحم والبترول والمعادن والغاز الطبيعي وغير ذلك ،ثالثا رفع الدعم عن اي جهة والمقصود هنا رفع الدعم عن المواد الغذائيه الشعبيه رابعا عدم تدخل شركات الجيش في الاقتصاد الوطني

ادارة الأزمة

حسب مايقوله الخبراء ان هناك أزمة تحتاج الى (فن ادارة الأزمات) ،وليست هناك كارثة تستعصي على الحل ،والأزمة الحالية في مصر تقع بالدرجة الأولى ضمن أزمة دولية كبري،كانت لها تداعياتها على مصر ،وهو ما يستدعي وضع خطط شامله للمصروفات وفق عملية ترشيد كاملة .الحوار الآن – كما يتردد – بين صندوق النقد الدولي ومصر حول قرض يتراوح بين ثلاثة مليارات وخمس مليارات دولار ،والشئ المؤكد ان مصر لن تتنازل عن دعم بعض المواد الغذائيه وفي مقدمتها رغيف الخبز ( تتباين القيمه في انه يتكلف ثمانين قرشا بينما يباع بخمسة قروش ) ،وكذلك ان قيمة الجنيه المصري بالنسبة للدولار سيتم القبول بها في اطار مرونة العرض والطلب ، وليس في اطار تحديد قيمة قاطعة مفاجئه.في النهاية لابد ان تكون هناك سياسة أكثر تقشفا في مجال الواردات،و قد ذكرت صحيفة ( لوموند)الفرنسية أن إجراءات توفير الطاقة التي أصدرتها الحكومة المصرية أصبحت في حيز التنفيذ في جميع أنحاء البلاد في 13 أغسطس الماضي. وتشمل على وجه الخصوص الحد من إنارة الشوارع والأماكن العامة والإدارات والملاعب. ومن المتوقع اتخاذ المزيد من القرارات في قطاع الصناعة. كما أوضح رئيس الوزراء المصري  أن هذه الإجراءات، إلى جانب الإجراءات الأخرى المتخذة في الأشهر الأخيرة، ستتيح “ترشيد” موارد الغاز الطبيعي وتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي، وبيع “الفائض” في الخارج.يضاف الى ذلك أنه قد تقررايضا الأخذ بسياسة دعم المشروعات الصغيرة التي من شأنها الأعتماد على التصنيع المحلي لبعض اجزاء السلع المستوردة ،وان يكون هناك مجال للشراكه الخارجيه في بعض الشركات او المؤسسات الداخلية ،وبنسب تحفظ الأدارة للسلطه الوطنيه.انها أزمة

اقتصادية وعلى مصر ان تخوضها بوعي وارادة ،لكي  تسترد بها عافية الأقتصاد وقوته .

أمين الغفاري