معرض بيروت للكتاب في دورته الستين

02لارا ملاك:

يتذكر اللبنانيون والمقيمون في لبنان فجأة كل عام أنهم أهملوا الكتاب، وأنهم كانوا نياما غافلين عن دوره، وأن عليهم أن يحافظوا على هذا التقليد الثقافي المميز الذي يشارك فيه عدد كبير من دور النشر اللبنانية والعربية. على مدى أسبوعين يتصدر الكتاب شاشات التلفزة ويحتل العناوين العريضة، وتبدأ محاولات التقييم، لمقاربة مشكلةٍ يتفق الجميع على وجودها، وهي مشكلة القراءة والإقبال على الكتاب. تبدأ الإحصاءات والتحليلات التي نعرف نتائجها سلفا. عدد القراء إلى تراجعٍ، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ومع عدم اعتبار الكتاب حاجة أساسية أولوية لتراجع ثقافة الورق وانتشار ثقافة الفراغ.

نراقب الحال في معرض الكتاب العربي الدولي في دورته ال 60، فنلاحظ نجاحاتٍ وإخفاقات. مِن أصحاب دور النشر مَن يرى تحسنا في المبيعات لهذا العام، ومنهم مَن تراجعت نسبة ربحه أكثر من 30 في المئة عن العام السابق، لكنه يصر على تأدية دوره في هذا المشهد الثقافي، ويواظب على النشر. أما ظاهرة التواقيع، فنراها ظاهرة صحية من ناحية، وعكس ذلك من نواحٍ مختلفة. لا بد من الاعتراف بأن الإقبال على الكتابة والنشر، على الرغم من التكلفة المادية التي يتكبدها الكاتب، دليلٌ على نشوء جيلٍ من الكتاب الذين يحاولون جاهدين في عصر المعلومات والثقافة الافتراضية أن يوجدوا خارطة ثقافية معرفية لهذا الزمن.

 لكن لا شك في أن هذه الخارطة فيها من الشوائب ما يبلغ بها أحيانا حد التشويه. استسهال الكتابة والطباعة والنشر بلا شك يؤدي إلى إغراق السوق بكتب لا تبلغ المستوى المطلوب. من هنا نطرح السؤال عن علاقة الكاتب بالكتاب، قبل أن نتحدث عن علاقة القارئ به. إلى أية معايير تحتكم دور النشر في اختيار مادتها، وما تقدمه للناس؟ أي لومٍ على القراء من طلابٍ وشباب وشابات يفتقرون إلى الحد الأدنى من الإرشاد والتوجيه في هذا المجال؟ حين تفرغ الوسائل الإعلامية من مادةٍ معرفيةٍ ذات قيمة، ومع جعل التعليم في جزءٍ منه حقلا تجاريا ينتفع به أصحاب رؤوس الأموال، كيف للجيل الناهض اليوم أن يختار الكتاب الصحيح؟ مع كثرة الكتب التي لا تحرض على أي معنى إنساني معرفي أو قيمة، كيف سيثق القارئ بما يُكتب له؟

لعلها ثقافة قتل الفكر والمعرفة، هي التي تمنع نشر الثقافة في وسائل الإعلام التي تعتم على الظواهر الثقافية، وقلما تهتم بما ينتجه المثقفون، مع غياب دور النقاد الذين تركوا الساحة مفتوحة أمام كل الإنتاجات، الحسن منها والرديء. هذا كله يفرض على كل كاتب اليوم مسؤولية مهمة، وأن يسأل نفسه: ماذا أقدم للناس، وهل ما أقدمه هو ذو قيمة؟01

نجاح حفلات التواقيع ليس بالضرورة دليلا على قيمة الكتاب. حفلات التواقيع تشبه اليوم الواجبات الاجتماعية، ونراها مساحاتٍ للمجاملة والمساهمات، وكلما كانت شبكة علاقات الكاتب أوسع ضمَن نجاح التوقيع. في المعرض، من الموهوبين وغير المعروفين من ينتظر أن يشاركه الناس فرحة إطلاق كتابه، ويكون نصيبه الخيبة. هكذا يُعزل مبدعٌ ينتظر اعتراف مجتمعه به، أو هكذا لا يلاحظ أحدٌ خطوته في ما نشهده من فوضى الكتابة وإطلاق الكتب. من هنا تفقد حفلات تواقيع الكتب الشيء الكثير من قيمتها، ولا يعود الإقبال على الثقافة والقراءة يُقاس في حركة زيارة المعرض لحضورها. لم نرَ حضورا للمؤسسات التربوية والمدارس التي على ما يبدو لم يعد جزءٌ كبيرٌ منها حريصا على مشاركة طلابه في هذا الحدث. لعل ذلك يعود لعدم اندفاع الطلاب، إضافة إلى الضائقة الاقتصادية التي تمنعهم أحيانا من المشاركة.

 غاب الزائرون العرب تقريبا هذا العام، بسبب ما تشهده منطقتنا من نزاعاتٍ وصراعات. من الظواهر الملفتة في معرض هذه السنة، حضور المكتبات الخاصة، فمن الناس مَن قرر أن يبيع مكتبته. هكذا يفقد الكتاب قيمته حين تضيق سبل العيش، فلا يمكن الحديث عن امتلاءٍ فكريٍ في مجتمع حين تكون البطون خاوية. لكن، وعلى الرغم من كل الظواهر السلبية، وتدهور الحالة الثقافية، يبقى معرض الكتاب فسحة أمل، ومكانا جميلا يلتقي فيه المثقفون والكتاب والشعراء والقراء على اختلاف طبقاتهم.